الثاني: الصلة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية:
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 47
--------------------------------------------------------------------------------
الثاني: الصلة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية:
هذا هو الموضوع الثاني من المواضيع الثلاثة التي يتوقف عليها إثبات ما هو المقصود في هذا الفصل.
القول بالحياة البرزخية للأنبياء والصدّيقين لا يفي وحده بما هو المهم هنا ما لم يثبت أنّ هناك صلة بيننا وبينهم في البرزخ، بحيث يسمعوننا ويستطيعون أن يردّوا علينا، وهذا هو الموضوع الثاني الذي أشرنا إليه وهنا نكتفي بأبرز الآيات الواردة في هذا المضمار التي تدل على إمكان الاتصال بالأرواح المقدسة الموجودة في عالم البرزخ، وهذا وإن أثبته علم النفس بعد تجارب كثيرة، ولكنّنا أخذنا على أنفسنا أن نستدل بالكتاب والسنّة، ولو كان هناك شيء في العلم فهو أيضاً يدعم مدلول الكتاب والسنّة.
إنّ الكتاب والسنّة تضافراً على إمكان اتصال الإنسان الموجود في الدنيا بالإنسان الحي في عالم البرزخ وإليك بعض الآيات:
1 ـ النبي صالح يخاطب قومه الهالكين:
أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم عن النبي صالح (عليه السلام) أنّه دعا قومه إلى عبادة الله، وترك معجزته (الناقة) وأمرهم بعدم مسّها بسوء ولكنّهم عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربّهم:
{ فأخذتهم الرَّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين } (الأعراف/78 ـ 79).
ترى أنّ الله يخبر على وجه القطع والبت بأنّ الرجفة أهلكت أُمة
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 48
--------------------------------------------------------------------------------
صالح (عليه السلام) فأصبحوا في دارهم جاثمين، وبعد ذلك يخبر أنّ النبي صالح تولّى عنهم ثم خاطبهم قائلا: { لقد أبلغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين }.
والخطاب صدر من صالح لقومه بعد هلاكهم، وموتهم بشهادة جملة { فتولّى } المصدرة بالفاء المشعرة بصدور الخطاب عقيب هلاك القوم.
ثم إنّ ظاهر قوله: { ولكن لا تحبّون النّاصحين } يفيد أنّهم بلغت بهم العُنجهية أن كانوا لا يحبّون الناصحين حتى بعد هلاكهم.
2 ـ مخاطبة النبي شعيب قومه الهالكين:
لم تكن قصة النبي صالح هي القصة الوحيدة من نوعها في القرآن الكريم، فقد تبعه في ذلك "شعيب" إذ خاطب قومه بعد أن عمّهم الهلاك، قال سبحانه: { فأخذتهم الرَّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الّذين كذّبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها الَّذين كذّبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين * فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربّي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين } (الأعراف/91 ـ 93).
وهكذا يخاطب شعيب قومه بعد هلاكهم ويكون صدور هذا الخطاب بعد هلاكهم بالرجفة. فلو كان الاتصال غير ممكن، وغير حاصل، ولم يكن الهالكون بسبب الرجفة سامعين خطابَ صالح وشعيبَ، فما معنى خطابهما لهم؟
أيصح أن يفسّر ذلك الخطاب بأنّه خطاب تحسّر وإظهار تأسف؟
كلا، إنّ هذا النوع من التفسير على خلاف الظاهر، وهو غير
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 49
--------------------------------------------------------------------------------
صحيح حسب الأصول التفسيرية، وإلاّ لتلاعب الظالمون بظواهر الآيات وأصبح القرآن الكريم لُعبة بيد المغرضين، يفسّرونه حسب أهوائهم وأمزجتهم.
على أنّ مخاطبة الأرواح المقدّسة ليست أمراً ممتنعاً في العقل حتى يكون قرينة عليه.
3 ـ أمر النبي بالتكلم مع الأنبياء:
جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى لنبيه: { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرَّحمن آلهة يعبدون } (الزخرف/45).
ترى أنّ الله سبحانه يأمر النبي الأكرم بسؤال الأنبياء الذين بعثوا قبله، ومن التأويل الباطل إرجاعها إلى سؤال علماء أهل الكتاب استظهاراً من قوله سبحانه: { فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءُون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقُّ من ربِّك فلا تكوننّ من الممترين * ولا تكوننّ من الَّذين كذّبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين } (يونس/94 ـ 95) إذ لا مانع من السؤال عنهم وعن أمتهم ولكل موقفه.
هذا هو الذي يرشدنا إليه الوحي في إمكانية الارتباط بالأرواح المقدسة، وأمّا السنّة الدالة على إمكانه، فهي أكثر من أن تحصى، ولكن نكتفي هنا بالبعض.
* * *
|