أصل الشيعة والتشيّع في إسبانيـــــا
أصل الشيعة والتشيّع في إسبانيـــــا
الكتاب: الإسلام في اسبانيا
المؤلف: د. محمد صادق الكرباسي
شبكة النبأ: تمثل الأندلس إسبانيا الحالية لوحة من الفن التشكيلي تناوبت عليه أنامل الحكومات والدول التي قامت ثم اندثرت، ولكل دولة لمسة في مساحة اللوحة، التي بدأت تتشكل خطوطها منذ العام 92 هـ (711م) في معركة وادي لكه عندما بعث والي المغرب موسى بن نصير (ت 97 هـ) القائد العسكري طارق بن زياد (ت 102 هـ) بناءاً على طلب من سكان إسبانيا طالبين النجدة والحماية، لكن الصورة التشكيلية الجميلة بدأت تفقد خطوطها وألوانها ومعالم تفاصيلها بسبب الحروب الداخلية وكثرة الثورات والانقلابات وحكم الإمارات التي بلغت نحو 40 إمارة، ثم بهتت الصورة كاملة في العام 898 هـ (1491 م) بسقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس.
وعملت السياسة الصليبية على دعك الصورة وأشخاصها بنصب محاكم التفتيش وإرجاع الناس عن دينهم وتخييرهم بين النصرانية أو الموت، حتى كاد الإسلام ان يصبح في خبر كان، ولم يعد الإسلام كامنا إلا عند عدد قليل من الأندلسيين الذين حافظوا سراً على ما في الصدور لئلا تحصّله مقاصل محاكم التفتيش.
بيد ان ألوان الصورة على ضعفها وتشويه خطوطها، راحت تستبين من جديدة بعودة تئدة للإسلام بفعل هجرات العرب والمسلمين إليها بخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، وتبصّر عدد من الإسبان بالدين الإسلامي الحنيف، وما رافق ذلك من تحولات على مستوى حقوق الإنسان في العالم الغربي القائم على نظام الديمقراطية والنظام السياسي العلماني الذي عدل عن محاكم التفتيش الى ترك الناس وما يشاؤون من العبادة، على ان العلمانية تختلف مستويات تطبيقها بين بلد أوروبي وآخر، لان الديمقراطية الغربية حتى يومنا آخر تظهر تخوفا غير مبرر من الإسلام الحنيف ساهم بعض جهّال المسلمين وأنصاف المتفيقهين في تعزيزه حكوميا ومجتمعيا.
اللوحة الزيتية لقصة الإسلام في الأندلس وما صاحب ذلك من قيام حكومات على المذاهب السنية والشيعية أو حكومات \"أموية\" و\"علوية\" يلتقطها يراع المحقق الدكتور محمد صادق محمد الكرباسي في كتاب \"الإسلام في إسبانيا\"، ومن إعداد الفنان التشكيلي العراقي المقيم في مدريد، الدكتور كاظم شمهود طاهر، صدر عن بيت العلم للنابهين ببيروت في 62 صفحة من القطع الصغير، وهذا الكتاب باكورة سلسلة كتب تصدر حسب الدول التي يتوطن فيها الإسلام أو رحل إليها وفق الحروف الهجائية، وهذه السلسلة مستلة من مجلدات \"معجم المشاريع الحسينية من دائرة المعارف الحسينية\"، حيث يحقق الشيخ الكرباسي في المشاريع والمنشئات والفعاليات الحسينية المنتشرة عبر العالم، مما يفضي به البحث الأكاديمي والعلمي الى بيان تاريخ الإسلام في هذه الدولة أو تلك وبيان معالم الحكومات التي توالت عليها وما تركتها من مشاريع مدنية وحضارية وبخاصة ما يتعلق بالنهضة الحسينية، لكون الكاتب أوقف قلمه في بيان معالم نهضة الإمام الحسين (ع) من قريب أو من بعيد.
الطريق الى الأندلس:
ربما يظن البعض جهلا أو تجهيلا ان القائد الأموي عبد الرحمن بن معاوية الأموي (ت 172 هـ) الشهير بالداخل، هو من فتح الأندلس من أيدي النصارى، وبه يبدأ عصر الإسلام في الأندلس بتأسيس الدولة الأموية في المغرب الإسلامي في العام 138 هـ، بعد ان سقطت في المشرق الإسلامي في العام 132 هـ، ولكن الصحيح أن الإسلام دخل الأندلس نهاية القرن الأول الهجري وخضعت إداريا خلال 45 عاما لـ (22) واليا، ثم تولاها فيما بعد عبد الرحمن الداخل.
ومع مرور الزمن أخذت الحكومات المركزية والمحلية مواقعها في عموم إسبانيا وأسهم الإسلام والمسلمون في نشر الثقافة الإسلامية، فعلى سبيل المثال فان مدينة قرطبة التي تشكل القاعدة الأساس للأندلس الإسلامية فانه خلال قرن واحد: \"اُلفّ أكثر من خمسة عشر ألف كتاب.. ونقلوا صناعة الورق من بغداد الى الأندلس، كما أسسوا أكثر من سبعين مكتبة عامة\"، ويضيف الدكتور أمين الطيّبي في كتابه (الإسلام في الأندلس وصقلية وأثره في الحضارة والنهضة الأوروبية)، ص 10: \"كانت قرطبة في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي أكثر مدن أوروبا تمدنا (كفيينا في القرن التاسع عشر)، وكان القادمون من شمال أوروبا يسمعون – بشيء من الرهبة – عن المدينة التي احتوت على عشرات المكتبات، وعلى مئات الحمامات\"، وعن مدينة طليطلة يضيف الطيّبي في الصفحة نفسها: \"كانت مدينة طليطلة أول مركز علمي عظيم لنقل الثقافة من الإسلام الى المسيحية في الغرب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين\"، وكان من معالم هذا التمدن والانفتاح على الآخر كما يؤكد الطيّبي في الصفحة 8: \"فان اليهود رحّبوا بمقدم العرب الفاتحين بعد كل ما عانوه من اضطهاد في عهد القوط، ويعتبر اليهود أن الفترة الذهبية من تاريخهم كانت في ظل الإسلام في الأندلس، حيث حظُوا بحرية لم يعهدوها من قبل\".
هذا المفهوم يقر به نجل ملكة المملكة المتحدة أمير مقاطعة ويلز، الأمير تشارلز (Charles Philip Arthur George) في كلمة له ألقاها لدى افتتاحه مركز أكسفورد للدراسات الإٍسلامية في 27/10/1993م، كونه الرئيس الشرفي، جاء فيها: \"نحن انتقصنا من أهمية المجتمع الاسلامي وثقافته في إٍسبانيا لمدة ثمانمائة عام ما بين القرنين الثامن والخامس عشر الميلادي. فالإسلام في إٍسبانيا ساهم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الأسس العلمية في عصور الظلام كما ساهم في وضع اللبنة الأولى لبداية عصر النهضة في أوروبا، ولم يكن إسلام إسبانيا مجرد كنز مدفون تم اكتشافه على يد الغرب\"، وعن قرطبة وعموم الأندلس يضيف الأمير تشارلز: \"قرطبة في القرن العاشر كانت أكثر المدن حضارة في القارة الأوروبية، وكثير من عناصر الحضارة التي تفتخر بها أوروبا المعاصرة منبعها الإسلام في إسبانيا، مثل فن الدبلوماسية، والتجارة الحرة، وفتح الحدود، ومناهج البحث العلمي، والأنثروبولوجي، والأزياء، والعلاج بالأعشاب والمستشفيات\".
أفول وبزوغ:
بيد أن العمران المدني والحضاري الذي تركه المسلمون في الأندلس وكان له التأثير الكبير على كامل أوروبا تحول الى طامة كبرى على سكان الأندلس وما جاورها بعد السقوط، حيث: \"قام حكام إسبانيا باضطهاد المسلمين، وتكاتفت القوى الصليبية على محو الإسلام هناك بأي شكل من الأشكال حتى أنهم منعوا التعامل باللغة العربية وارتداء الزي العربي، وهدموا الحمامات والمنشآت الإسلامية، وصادروا أموال المسلمين، وسنوا قانون الإعدام والحرق بالنار لمن يخالف هذه القوانين\".
وكان من نتائج هذه القوانين ان تحول الملايين من سكان إسبانيا عن دين الإسلام، واقتصر المسلمون على آلاف عدة تواروا خلف جدران التقية، كما إن الإمعان بالعداء الذي وصل الى عداوة العلم حمل المنتصرون على حرق مكتبة قرطبة والتي: \"كانت تحتل المرتبة الاولى ليس فقط في الأندلس، وإنما في الإمبراطورية الإسلامية قاطبة، وهذه المكتبة أنشئت في عصر محمد الأول ابن عبد الرحمن الثاني الأموي (ت 273 هـ) وبلغت مجلداتها أربعمائة ألف كتاب كلها من المخطوطات الأثرية، وقد استمر إحراق المخطوطات في إسبانيا لعدة قرون حتى انه صار عيدا سنويا واحتفالا شعبيا\". ويمكن معرفة عظمة قرطبة وما حل بها من نكبات من خلال نص لمؤرخ الأدب الأندلسي أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (ت 542 هـ)، يقول فيه: \"وحضرة قرطبة، منذ استفتحت الجزيرة، هي كانت منتهى الغاية، ومركز الراية، وأمّ القرى، وقرار أهل الفضل والتقى، ووطن أولي العلم والنهى، وقلب الإقليم، وينبوع متفجر العلوم، وقبّة الإسلام، وحضرة الإمام، ودار صوب العقول، وبستان ثمر الخواطر، وبحر درر القرائح، ومن أفقها طلعت نجوم الأرض، وأعلام العصر، وفرسان النظم والنثر، وبها أنشئت التأليفات الرائعة، وصنّفت التصنيفات الفائقة\".
ومن الغريب ان هذه القوانين ظلت سارية المفعول لخمسمائة قرن حتى العام 1967م عندما أصدرت الحكومة الإسبانية قرارا ألغت بموجبه قوانين محاربة الإسلام والمسلمين، وأخذ المسلمون يظهرون الى السطح من جديد بخاصة مع الهجرة الجديدة للعرب والمسلمين. وفي العام 1992 أبرمت الحكومة الإسبانية والهيئة الإسلامية الإسبانية اتفاقا وقعه الملك خوان كارلوس الأول (Juan Carlos I) أتاح بموجبه للمسلمين التعبير عن معتقداتهم بشكل قانوني وحر. وهذا الأمر ضاعف من عدد المسلمين خلال ربع قرن من تاريخ التوقيع الذي يعد بمثابة اعتراف رسمي بالتعددية الدينية حتى وصل عددهم الى نحو مائتي ألف مسلم بين مواطن أصلى ومهاجر مقيم، لكن المحقق الكرباسي له رأي آخر إذ: \"نقل لي العديد من الإسبانيين والمهاجرين إليها ان هناك عددا كبيرا من الإسبان يعملون بالتقية ولا يتظاهرون بالإسلام، لكن الإحصاءات غير الرسمية تفيد بأن عددهم قد تجاوز المليون نسمة، وهذه النسبة تؤيدها الهيئات الدينية الإسلامية في إسبانيا، ومعظم هؤلاء من أصول مغربية الى جانب سائر دول شمال أفريقيا، مضافا الى السنغاليين والسوريين وسائر الدول العربية والإسلامية، بالإضافة الى أكثر من ثلاثين ألف إسباني اعتنقوا الإسلام أخيرا\". وهنا يؤيد المؤلف ما تذهب إليه: \"الدراسات الحديثة أن الأندلس كانت مسلمة قبل أن تسمى بإسبانية\".
يتبـع ،،
|