وموقف مماثل مع أحد العلماء : لكن الحديث يأخذ شكلا آخر إذا كانت المواجهة مع أحد الذين ينتمون إلى العلم ، لأن التنبيه على الحقائق - حينئذ - يكون أوضح وأصرح وألزم ! لكن مع الأخذ بنظر الاعتبار كل الملاحظات الحساسة التي يتحرج الموقف بها ، فاقرأ معي هذا الحديث : عن حكيم بن جبير ، قال : قلت لعلي بن الحسين : أنتم تذكرون - أو تقولون - : إن عليا قال : ( خير هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر ، والثاني عمر ، وإن شئت أن اسمي الثالث سميته ) فقال علي بن الحسين : فكيف أصنع بحديث حدثنيه سعيد بن المسيب عن سعد بن مالك [ ابن أبي وقاص ] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في غزوة تبوك فخلف عليا ، فقال له : أتخلفني ؟ فقال : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي ) قال : ثم ضرب علي بن الحسين على فخذي ضربة أوجعنيها ، ثم قال : فمن هذا هو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى ؟ ( 1 ) . ‹ صفحة 108 › وفي نص آخر : فهل كان في بني إسرائيل بعد موسى مثل هارون ؟ فأين يذهب بك يا حكيم ؟ ( 1 ) ففي الوقت الذي لا يواجه الإمام حكيم بن جبير بتكذيب ما نسب إلى الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام من إعلانه أمام الأمة من أن خيرهم أبو بكر ثم عمر ثم الثالث ؟ فإن هذا المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام - وإن لم يصح - فهو مشهور بين الناس ، بقطع النظر عن أن الإمام إنما أعلن عما عند الناس من التفضيل للشيوخ ، بعد أن صار أمرا مفروضا لا يمكن مخالفته ، فما فائدة إنكاره . فإن أعاد أهل البيت عليهم السلام نفس الصيغة وتناقلوها فلا يدل على التزام ، لأنه تعبير عن مظلومية علي عليه السلام حيث لم يستطع أن يصرح بخلاف ما عند العامة الغوغاء . بل كان من أهدافه في الحفاظ على وحدة كلمة المجتمع الإسلامي وسلامته في حدوده الداخلية ، بينما معاوية يهدد أمن الدولة ويثير الخلاف والشقاق . لكن الإمام السجاد عليه السلام في حديثه مع حكيم بن جبير اتخذ أسلوبا علميا فذكره بمناقضة هذا المنقول - رغم شهرته - مع الحديث المتواتر المعلوم المتيقن بصدوره ، ومعناه ، وأهدافه ومرماه ، وهو حديث المنزلة أي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ) ( 2 ) . الذي لا يمكن إنكار صدوره ، ولا الاختلاف في معناه . فإذا كان علي بهذه المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عصره وبحضور كبار الصحابة ، فهل يبقى للحديث المنقول عن علي في تفضيل الشيوخ معنى ، غير الذي نقلناه ؟ وإذا كان الفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالترتيب المذكور عند الناس ، فهل يكون لحديث المنزلة معنى ؟ مع أن التاريخ والقرآن لم يذكر في بني إسرائيل شخصا أفضل من هارون بعد موسى ؟ ‹ صفحة 109 › ثم ينبه الإمام السجاد عليه السلام حكيما بضربة على فخذه ، وينبهه بالعتاب فيقول : فأين يذهب بك يا حكيم ؟ وهكذا كان السجاد - رغم حصافة المواقف التي يتخذها ، والالتزام بالأهداف السامية في حفظ وحدة الكلمة - لا يترك الحقيقة مهملة عندما كان يخاطب من يفهم ، ويدرك ، وينتبه ! وإن كان له مع الغوغاء غير المتفهمين ، لأهداف الأئمة والإمامة ، تعاملا آخر يناسب حالهم ، ويخاطبهم على قدر عقولهم . والصلاة مع المخالفين : وللإمام السجاد عليه السلام موقف حازم مماثل من الدعايات المغرضة ، التي كان يبثها دعاة الضلال ضد شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وهو ما جاء في الحديث التالي : قال محمد بن الفرات : صليت إلى جنب علي بن الحسين يوم الجمعة ، فسمعت ناسا يتكلمون في الصلاة ! فقال عليه السلام : ما هذا ؟ فقلت : شيعتكم ! لا يرون الصلاة خلف بني أمية ! قال عليه السلام : هذا - والذي لا إله إلا هو - بدع ، فمن قرأ القرآن ، واستقبل القبلة فصلوا خلفه ، فإن يكن محسنا فله حسنته ، وإن يكن مسيئا فعليه ( 1 ) . فالمسلم الشيعي يقتدي بإمامه ، فإذا كان أولئك شيعة لأهل البيت عليهم السلام حقيقة ، وكانوا يرون الإمام السجاد عليه السلام وهو زعيم أهل البيت عليهم السلام في عصره ، ها هو واقف في الصف يؤدي الصلاة مع جماعة الناس ، فما بالهم يلغطون ، ليعرفوا أنفسهم أنهم لا يصلون مع الجماعة ؟ ولماذا يعرفون أنفسهم بأنهم شيعة لأهل البيت ، وهم يقومون بمثل هذا التحدي السافر ! ؟ وإلا ، كيف عرفهم الناس بأنهم شيعة ؟ ! ‹ صفحة 110 › إن القرائن الواضحة ، تعطي أن أولئك لم يكونوا من الشيعة ، بل من المندسين لتشويه سمعة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، لاتهام أئمة أهل البيت والشيعة المؤمنين ، بمخالفة الجماعة . ولذلك ، تدارك الإمام عليه السلام الموقف ، وأفتاهم أولا بما يلتزم به العامة من الصلاة خلف كل بر وفاجر . ولم يدل بتفصيل حكم المسألة الفقهية في مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وهو أن المؤمن إذا حض
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 104 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 97 ) ومختصر تاريخ دمشق ( 17 : 241 ) . ‹ هامش ص 105 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 98 ) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 17 : 241 ) . ‹ هامش ص 107 › ( 1 ) مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي ج 1 ص 521 ح 451 و ح 461 ص 528 . ‹ هامش ص 108 › ( 1 ) مناقب الكوفي ( ج 1 ص 522 ) ح ( 453 ) . ( 2 ) نقلنا أقوال العلماء بتواتر هذا الحديث الشريف ، وذكرنا بعض مصادره في البحث الأول من التمهيد ، فراجع ( ص 18 ) . ‹ هامش ص 109 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 110 ) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 17 : 243 ) . ‹ هامش ص 110 › ( 1 ) كما في نص الحديث لاحظ وسائل الشيعة ( 8 / 300 ) الباب ( 5 ) من أبواب صلاة الجماعة كتاب الصلاة تسلسل . ( 10722 ) . ( 2 ) وسائل الشيعة ، كتاب الصلاة ، أبواب الجماعة ، الباب ( 34 ) تسلسل ( 10925 ) ( 3 ) المصدر السابق ( 299 / 8 ) تسلسل ( 10717 ) و ( 10720 ) و ( 10723 ) . ( 4 ) المصدر نفسه ، تسلسل ( 10733 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 110 - 117
ضر صلاة الجماعة ، ولا بد أن يحضر ، لأنه لا يمكنه الانعزال بل هو أولى بالمسجد من غيره ( 1 ) ، فعليه أن يقتدي بإمام الصلاة ، ويصلي بصلاته ، وفي بعض النصوص : إنها أفضل الركعات ( 2 ) بل في بعضها : ( أن الصلاة معهم كالصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 3 ) حيث تعطي روعة الوحدة التي كان عليها المسلمون في عهده الأزهر . وإذا لم يحضر المؤمن صلاة الجماعة ، فليصل منفردا في بيته ( 4 ) . وأما أن يحضر الصلاة ، ولا يصلي مع الجماعة ، أو يلغط ويتكلم فيشوش على الآخرين أيضا ، فهذا حرام قطعا ، فكيف يقوم بذلك من يدعي الانتماء إلى التشيع ، ويلتزم بإمامة الإمام زين العابدين عليه السلام ؟ ! وهو يقوم بهذا العمل المخالف لفقه الأئمة . فهذا في نفس الوقت تشهير بهم ، وتحريض للعامة ضدهم ، بجرح عواطفهم ! إن مثل هذا العمل الاستفزازي لا يصدر من عاقل يريد مصلحة نفسه ، أو مصلحة إمامه ، أو مصلحة مذهبه . مع مخالفته للإمام عليه السلام الذي هو واقف في صف الجماعة ، ويصرح بذلك التصريح ، ومخالفته لفقه أهل البيت وتعليماتهم ومواقفهم العملية في الحضور في الجماعات وأداء الصلوات معها ! ! ‹ صفحة 111 › ثالثا : في الشريعة والأحكام . يتميز الإمام في نظر الشيعة ، بأنه ليس وليا للأمر ، وحاكما على البلاد والعباد فحسب ، بل هو مصدر لتشريع الأحكام أيضا ، باعتبار معرفته التامة بالشريعة وارتباطه الوثيق بمصادرها . والانحراف الذي حصل عن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يكن في جانب حكمهم وولايتهم فقط ، بل الأضر من ذلك هو الانحراف عن أحكام الشريعة التي كانوا يحملونها ! والحكام الذين استولوا على أريكة الخلافة بأشكال من التدابير السياسية حتى بلغ أمرها أن صارت ( ملكا عضوضا ) كانوا يدركون أن أئمة أهل البيت عليهم السلام هم أولى منهم في كلا جانبي الحكم والولاية ، وكذلك في جانب الفقه والعلم بالشريعة . وكما أزووا أئمة أهل البيت عن الحكم والولاية على الناس ، حاولوا أيضا - إزواءهم عن الفقه وإبعاد الناس عنهم ، وذلك باختلاق مذاهب فقهية روجوها بين الناس ، وعارضوا الأحكام التي صدرت من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وحاربوا فقهاءهم بشتى الأساليب ، فكان من أعظم اهتمامات الأئمة وأتباعهم هو إرشاد الناس إلى هذا المعين الصافي للشريعة الإسلامية كي ينتهلوا منه . وقد كان اهتمام الإمام السجاد عليه السلام بليغا بهذا الأمر ، حيث كان يعيش بدايات الانحراف ! ولقد دعا الإمام عليه السلام إلى فقه أهل البيت عليهم السلام لكونه أصفى المناهل وأعذبها ، وأقربها من معين القرآن الكريم ، وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( فأهل البيت أدرى بما في البيت ) . ففي كلام له يشرح اختلاف الأمة ، يقول : وكيف بهم ؟ وقد خالفوا الآمرين ، وسبقهم زمان الهادين ، ووكلوا إلى أنفسهم ، يتنسكون في الضلالات في دياجير الظلمات ‹ صفحة 112 › وقد انتحلت طوائف من هذه الأمة مفارقة أئمة الدين والشجرة النبوية أخلاص الديانة ، وأخذوا أنفسهم في مخاتل الرهبانية ، وتغالوا في العلوم ، ووصفوا الإسلام بأحسن صفاته ، وتحلوا بأحسن السنة ، حتى إذا طال عليهم الأمد ، وبعدت عليهم الشقة ، وامتحنوا بمحن الصادقين : رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى ، وعلم النجاة . وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجوا بمتشابه القرآن ، فتأولوه بآرائهم ، واتهموا مأثور الخبر مما استحسنوا ، يقتحمون أغمار الشبهات ، ودياجير الظلمات ، بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم من مظان العلم ، زعموا أنهم على الرشد من غيهم . وإلى من يفزع خلف هذه الأمة ؟ ! وقد درست أعلام الملة والدين بالفرقة والاختلاف ، يكفر بعضهم بعضا ، والله تعالى يقول : * ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ) * [ ( سورة البقرة ( 2 ) الآية ( 213 ) ] . فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة ؟ وتأويل الحكمة ؟ إلا إلى أهل الكتاب ، وأبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة . هل تعرفونهم ؟ أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا ، وبرأهم من الآفات ، وافترض مودتهم في الكتاب ( 1 ) . وقال عليه السلام لرجل شاجره في مسألة شرعية فقهية : يا هذا ! لو صرت إلى منازلنا ، لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أيكون أحد أعلم بالسنة منا ؟ ( 2 ) . وقال لرجل من أهل العراق : ‹ صفحة 113 › أما لو كنت عندنا بالمدينة لأريناك مواطن جبرئيل من دورنا ، استقانا الناس العلم ، فتراهم علموا وجهلنا ؟ ( 1 ) . ولنفس الهدف السامي ، قاوم الإمام السجاد عليه السلام الانحراف الفقهي الذي منيت به الأمة ، بالتزام الشريعة وأخذها من أناس تعلموا الفقه من طرق لا تتصل بمنابع الوحي الثرة الصافية المأمونة . فيقول عليه السلام : إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة ، والآراء الباطلة ، والمقاييس الفاسدة ، لا يصاب إلا بالتسليم . فمن سلم لنا سلم ، ومن اقتدى بنا هدي ، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه - مما نقوله ، أو نقضي به - حرجا ، كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهو لا يعلم ( 2 ) . وهكذا كان شديد النكير على تلك البوادر المضللة ، وحارب بدعة تقليد غير أهل البيت عليهم السلام من المذاهب المنسوبة إلى البعداء عن ينابيعه نسبيا وحتى سببيا ، أولئك الذين روجت الحكومات والدول الظالمة فقههم ، لأنهم كانوا مسالمين لهم ، ومنضوين تحت ضلالهم ، من المتكئين على آرائك الخلافة المزعومة . وهذا الذي حذر الرسول الأكرم منه في أحاديث مستفيضة ، أوردنا نصوصها في كتاب ( تدوين السنة الشريفة ) وتحدثنا عن دلالتها ( 3 ) . وقد تمكن الإمام زين العابدين عليه السلام من توضيح معالم فقه أهل البيت عليهم السلام وإرساء قواعده ، وإغناء معارفه ، وتزويد طلابه وتربيتهم ، حتى أقر كبار العلماء بأنه ( الأفقه ) من الجميع ، وفيهم عدة من فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين : قال أبو حازم : ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين ، وما رأيت أحدا كان أفقه منه ( 4 ) . ‹ صفحة 114 › ومثله قال الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ( 1 ) . وقال الشافعي - إمام المذهب - : إن علي بن الحسين أفقه أهل البيت ( 2 ) . وإذا لم يكن للحكام المسيطرين ، باسم الخلافة الإسلامية ، نصيب من علم الشريعة وفقه الدين ، بل كانت أعمالهم مخالفة لأحكام الله وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ! وإذا كان فقهاء البلاط ، وأصحاب المذاهب ، يفخرون بالتلمذ عند علماء أهل البيت عليهم السلام ( 3 ) . فإن إعلان الإمام السجاد عليه السلام عن حقيقة مذهب أهل البيت الفقهي وتبيين موقعيته المتقدمة على جميع المذاهب الفقهية ، والدعوة إلى الالتزام به ، هو نسف عملي لقواعد الخلافة المزعومة التي كان المتكئ على أريكتها من أجهل الناس بالفقه ، وكل الناس أفقه منه حتى المخدرات في الحجال ! وكذلك هو تقويض لأعمدة التزوير التي رفعت فساطيط المذاهب الرسمية المدعومة من قبل دار الخلافة ، والتي تبعها الهمج الرعاع من العوام أتباع كل ناعق ! ‹ صفحة 115 › وأخيرا : في إعمار الكعبة المعظمة وللإمام موقف عظيم يدل على المراقبة التامة لما يجري ، مع التصدي لاعتداءات الحكام الظلمة على الرموز الأساسية للدين ، وهو : موقفه من إعادة تعمير الكعبة ، في ما رواه الكليني والصدوق ، بسندهما عن أبان بن تغلب ، قال : لما هدم الحجاج الكعبة ، فرق الناس ترابها ، فلما جاءوا إلى بنائها وأرادوا أن يبنوها ، خرجت عليهم حية ، فمنعت الناس البناء حتى انهزموا . فأتوا الحجاج ، فأخبروه ، فخاف أن يكون قد منع بناءها ، فصعد المنبر ، وقال : أنشد الله عبدا عنده خبر ما ابتلينا به ، لما أخبرنا به . قال : فقام شيخ فقال : إن يكن عند أحد علم ، فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة ، وأخذ مقدارها ، ثم مضى . فقال الحجاج : من هو ؟ . قال : علي بن الحسين . قال : معدن ذلك ، فبعث إلى علي بن الحسين ، فأخبره بما كان من منع الله إياه البناء . فقال له علي بن الحسين : يا حجاج ! عمدت إلى بناء إبراهيم ، وإسماعيل عليهما السلام وألقيته في الطريق وانتهبه الناس ، كأنك ترى أنه تراث لك . إصعد المنبر ، فأنشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلا رده . قال : ففعل ، فردوه ، فلما رأى جميع التراب ، أتى علي بن الحسين فوضع الأساس ، وأمرهم أن يحفروا . قال : فتغيبت عنهم الحية ، وحفروا حتى انتهى إلى موضع القواعد . فقال لهم علي بن الحسين : تنحوا ، فتنحوا ، فدنا منها فغطاها بثوبه ، ثم بكى ، ثم غطاها بالتراب ، ثم دعا الفعلة ، فقال : ضعوا بناءكم . فوضعوا البناء ، فلما ارتفعت حيطانه ، أمر بالتراب فألقي في جوفه . ‹ صفحة 116 › فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج ( 1 ) . فالمراقبة واضحة في أخذ الإمام ( مقادير الكعبة ) لئلا تضيع المعالم الأثرية لأكبر محور لرحى الدين ، وهي الكعبة الشريفة . وإذا كانت تلك المراقبة تتم في ظرف ولاية مثل الحجاج الملحد السفاح الناصب لآل محمد العداء المعلن ، فلن تخفى أهميتها ، ودلالتها القاطعة على التحدي . ومواجهة الحجاج بمثل ذلك الكلام ( كأنك ترى أنه تراث لك ! ) تصد لانتهاكه لحرمة الكعبة المعظمة ، والتلاعب بها حسب رغباته الخاصة . وأهم ما في الأمر جر الحجاج إلى التصريح بأن الإمام ( هو معدن ذلك ) وهي شهادة لها وقعها في الإلزام والإبكات للخصم اللدود . وأخيرا : نزول الإمام عليه السلام إلى القواعد - وحده - وربطه لنفسه بها بذلك الشكل أمام أعين الناظرين ، إثبات لحقه في إقامتها دون غيره . وهل كل ذلك يتهيأ إلا من التدبير العميق ، والتخطيط الدقيق ، ممن يحمل هدفا ساميا في قلب شجاع ، لا يملكه في تلك الظروف الحرجة ، شخص غير الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام . ‹ صفحة 117 › الفصل الثالث النضال الاجتماعي والعملي أولا : في مجال الأخلاق والتربية ثانيا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 110 › ( 1 ) كما في نص الحديث لاحظ وسائل الشيعة ( 8 / 300 ) الباب ( 5 ) من أبواب صلاة الجماعة كتاب الصلاة تسلسل . ( 10722 ) . ( 2 ) وسائل الشيعة ، كتاب الصلاة ، أبواب الجماعة ، الباب ( 34 ) تسلسل ( 10925 ) ( 3 ) المصدر السابق ( 299 / 8 ) تسلسل ( 10717 ) و ( 10720 ) و ( 10723 ) . ( 4 ) المصدر نفسه ، تسلسل ( 10733 ) . ‹ هامش ص 112 › ( 1 ) كشف الغمة للأربلي ( 2 : 98 - 99 ) وانظر جامع أحاديث الشيعة للبروجردي ( 1 : 40 ) الإمام زين العابدين للمقرم ( ص 242 ) . ( 2 ) نزهة الناظر ، للحلواني ( ص 45 ) . ‹ هامش ص 113 › ( 1 ) بصائر الدرجات ، للصفار ( ص 32 ) . ( 2 ) إكمال الدين ( ص 324 ب 31 ح 9 ) . ( 3 ) لاحظ الصفحات ( 352 - 359 ) و ( 425 ) من : تدوين السنة الشريفة . ( 4 ) تاريخ دمشق الحديث ( 45 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 240 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 394 ) وكشف الغمة ( 2 : 80 ) ‹ هامش ص 114 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 37 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 389 ) وصفوة الصفوة ( 2 : 99 ) . ( 2 ) رسائل الجاحظ ( ص 106 ) وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( 15 : 274 ) عن الرسالة للشافعي - في خبر الواحد - . ( 3 ) كان أبو حنيفة - إمام المذهب - يقول : ( لولا العامان لهلك النعمان ) يشير إلى العامين اللذين حضر فيهما عند الإمام الصادق عليه السلام ، وكان قبل ذلك قد أخذ من الإمام الباقر عليه السلام وأخيه زيد الشهيد . انظر الإمام جعفر الصادق ، للجندي ( ص 162 ) والنظم الإسلامية ، لصبحي الصالح ( ص 209 ) وموقف الخلفاء العباسيين لعبد الحسين علي أحمد ( ص 37 ) - ولاحظ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ( 15 : 274 ) وموقف الخلفاء ( ص 31 ) عن الشكعة في الأئمة الأربعة ( ص 52 ) وعن أبي زهرة في : أبو حنيفة ( 72 ) . ‹ هامش ص 116 › ( 1 ) نقله ابن شهرآشوب في المناقب ( 4 / 152 ) ط الأضواء ، عن الكافي وعلل الشرائع للصدوق .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 117 - 124
: في مجال الإصلاح وشؤون الدولة ثالثا : في مجال مقاومة الفساد وأخيرا : مع كتاب ( رسالة الحقوق ) ‹ صفحة 119 › إن من أهم أهداف الرجال الإلهيين إصلاح المجتمع البشري ، بتربيته على التعاليم الإلهية ، ولا بد للمصلح أن يمر بمراحل من العمل الجاد والمضني في هذا الطريق الشائك : 1 - أن يربي جيلا من المؤمنين على التعاليم الحقة التي جاء بها ، والأخلاق القيمة التي تخلق بها ، لكي يكونوا له أعوانا على الخير . 2 - أن يدخل المجتمع بكل ثقله ، ويحضر بين الناس ، ويواجه الظالمين والطغاة بتعاليمه ، ويبلغهم رسالات الله . 3 - أن يقاوم الفساد ، الذي يبثه الظالمون في المجتمع ، بهدف تفكيكه وشل قواه ، وتفريغه من المعنويات ، وإبعاده عن فطرته السليمة المعتمدة على الحق والخير والجمال ، لئلا يصنعوا منه آلة طيعة تستخدم حسب رغباتهم وطوع إرادتهم . وقد كان للإمام زين العابدين نشاط واسع في كل هذه المجالات ، حتى عد - بحق وجدارة - في صدر المصلحين الإلهيين ، بالرغم من تميز عصره بتحكم طغاة بني أمية على الأمة ، وعلى مقدراتها وباسم الخلافة الإسلامية ، التي تقتل من يعارضها وتهدر دمه بعنوان الخروج على الإسلام . إن مقاومة الإمام زين العابدين عليه السلام في مثل هذا الظرف ، بل وتمرير خططه ، وإنجاح مهماته وأهدافه ، مع قلة الأعوان والأنصار ، يعد معجزة سياسية تحققت على يد هذا الإمام العظيم ، الذي سار على خطى جده الرسول الأعظم ، في خلقه العظيم . وقد عقدنا هذا الفصل الثالث للوقوف على أوجه نشاطه العملي في تلك المجالات الاجتماعية : ‹ صفحة 120 › أولا : في مجال الأخلاق والتربية ضرب الإمام زين العابدين أروع الأمثلة في تجسيد الخلق المحمدي العظيم في التزاماته الخاصة ، وفي سيرته مع الناس ، بل مع كل ما حوله من الموجودات . فكانت تتبلور فيه شخصية القائد الإسلامي المحنك الذي جمع بين القابلية العلمية الراقية ، والفضل والشرف السامق ، والقدرة على جذب القلوب وامتلاكها ، ومواجهة المشاكل والوقوف لصدها بكل صبر وتوءدة وهدوء . فالصبر الذي تحلى به ، بتحمله ما جرى عليه في كربلاء ، وفي الأسر ، مما لا يحتاج إلى برهان وذكر . ومثابرته ومداومته على العمل الإسلامي ، بارزة للعيان ، وهذا الفصل يمثل جزءا من نشاطه السياسي والاجتماعي الجاد . وحديث مواساته للإخوان ، والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، بالبذل والعطاء والإنفاق ، مما اشتهر عند الخاص والعام ، وسيأتي الكلام حول ذلك كله . وحنوه وحنانه على الرقيق ، وعلى الأقارب والأباعد ، بل على أعدائه وخصومه ، مما سارت به الركبان . وأخبار عبادته وخوفه من الله وإعلانه ذلك في كل مناسبة ، ملأت الصحف ، حتى خص بلقب ( زين العابدين ، وسيد الساجدين ) . ومن أمثلة خلقه الرائع : العفو : وقد تناقل المؤلفون حديث هشام بن إسماعيل الذي كان أميرا على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، للأمويين ، فعزلوه ، وقد كان منه أو بعض أهله شي يكره ، تجاه الإمام زين العابدين عليه السلام ، أيام كان أميرا ، فلما عزل أوقف للناس ، فكان لا يخاف إلا من الإمام أن يؤاخذه على ما كان منه . فمر به الإمام ، وأرسل إليه : ( استعن بنا على ما شئت ) . ‹ صفحة 121 › فقال هشام : * ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) * [ سورة الأنعام ( 6 ) الآية ( 124 ) ( 1 ) . وبهذا ، تمكن الإمام من جذب قلوب الناس ، حتى ألد الأعداء ، فكان سببا لانفتاح الجميع على أهل البيت عليهم السلام ومذهبهم ، بعد أن انغلقوا عنهم ، واعتزلوهم بعد وقعة كربلاء . ولقد ظهرت ثمرة تلك الأخلاق والجهود ، في يوم وفاة الإمام عليه السلام ، فقد خرج الناس كلهم ، فلم يبق رجل ولا امرأة إلا خرج لجنازته بالبكاء والعويل ، وكان كيوم مات فيه رسول الله ( 2 ) . وكان من أطيب ثمرات هذه الجهود أن مهدت الأرضية للإمام محمد بن علي ، الباقر عليه السلام كي يتسنم مقام الإمامة بعد أبيه زين العابدين ، ويقوم بتعليم الناس معالم دينهم ، وتتكون المدرسة الفقهية الشيعية على أوسع مدى وأكمل شكل وأتقنه . ومن أبرز الجهود التي بذلها الإمام زين العابدين عليه السلام في تحركه القيادي هو ما قام به من جمع صفوف المؤمنين ، والتركيز على تربيتهم روحيا ، وتعليمهم الإسلام ، وإطلاعهم على أنقى المصادر الموثوقة للفكر الإسلامي ، ومن خلال روافده الثرة الغنية ، بهدف وصل الحلقات ، كي لا تنقطع سلسلة عقد الإيمان ، ولا تنفرط أسس العقيدة . وبهدف تحصين العقول والنفوس من الانحرافات التي يثيرها علماء السوء الذين كانوا يبعدون الناس عن الإسلام الحق ، ويكدرون ينابيعه وروافده بالشبه والأباطيل . وتعد هذه البادرة من أهم معالم الحركة عند الإمام زين العابدين ، وأعمقها أثرا وخلودا في مقاومة الدولة الحاكمة ، التي استهدفت كل معالم الإسلام ، بغرض القضاء عليه ، وإبادته ، والعودة بالأمة إلى الجاهلية الأولى بوثنيتها ، وفسادها ، وجهلها . ‹ صفحة 122 › فراح الإمام يدعو الأمة إلى التفكير والتدبر : فمن أقواله عليه السلام : الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته ( 1 ) . ويدعو إلى العلم والفضل والحكمة : فقال عليه السلام : سادة الناس في الدنيا : الأسخياء ، وفي الآخرة : أهل الدين ، وأهل الفضل ، والعلم ، لأن العلماء ورثة الأنبياء ( 2 ) . وقال عليه السلام : لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج . إن الله أوحى إلى دانيال : إن أمقت عبيدي إلي الجاهل ، المستخف بحق أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وإن أحب عبيدي إلي التقي ، الطالب للثواب الجزيل ، الملازم للعلماء ، التابع للحكماء ( 3 ) . وكان عليه السلام يحث الأمة - والشباب منهم خاصة - على طلب العلم ، فكان إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم إليه ، فقال : مرحبا بكم ، أنتم ودائع العلم ، أنتم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ( 4 ) . وكان إذا جاءه طالب علم قال : مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( 5 ) . ويدعو الأمة إلى المراقبة الذاتية لنفسها ، لتتحصن من اجتياح وسائل التزوير والخداع ، ونفوذ نفثات الشياطين . فيقول عليه السلام : ليس لك أن تقعد مع من شئت ، لأن الله تعالى يقول في الأنعام [ الآية 68 ] : * ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) * . وليس لك أن تتكلم بما شئت ، لأن الله يقول في الإسراء [ الآية 36 ] : * ( ولا تقف ما ‹ صفحة 123 › ليس لك به علم ) * وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( رحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أو صمت فسلم ) . وليس لك أن تسمع ما شئت ، لأن الله يقول : [ الإسراء : 36 ] : * ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) * ( 1 ) . وبهذا يحذر الإمام عليه السلام الأمة من الجلوس مع المزورين والظالمين ، ومن التحدث والكلام معهم ، أو صرف العمر معهم في حديث الجهالات والخرافات ، وما لا يزيد الإنسان معرفة بحياته أو قوة وتركيزا في عقيدته وإيمانه ، أو تعديلا في سلوكه وأخلاقه ، بل لا تعدو لغو السمر ، والشعر الساقط ، وأحاديث الفكاهة والمجون ، التي كان يروجها السلاطين وأمراء السوء . وهو عليه السلام في الوقت نفسه يحيي بهذا الأسلوب سنن الاستدلال بآيات القرآن الكريم ، والاعتماد عليه وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللذين دأب الظالمون على إبعاد الأمة عنهما ، وإماتتهما ، وإبادتهما بالإحراق بالنار ، والإماثة في الماء ، والدفن تحت الأرض ، ومنع التدوين . كما حذر الأمة من الارتباط بمن لا يدعو إلى الله والحق ، ومن الاستماع إليهم ، وهم دعاة السوء ، وأدعياء العلم ، من علماء البلاط ، الذين ركنوا إلى الظالمين وآزروهم . وقد كان عليه السلام يدأب على تربية الأمة وتهذيبها ، وتقديم الإرشادات إليها ، وتجلى ذلك في وصاياه المأثورة التي جمعت بين معالم الهداية والحكمة ، ووسائل الحذر والوقاية ، وبث الأمل والقوة ، وبعث النشاط والهمة في نفوس أصحابه : ففي رسالته إليهم يقول عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم : كفانا الله وإياكم كيد الظالمين ، وبغي الحاسدين ، وبطش الجبارين . أيها المؤمنون ، لا يفتنكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، المائلون إليها ، المفتنون بها ، المقبلون عليها ، وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غدا ‹ صفحة 124 › فاحذروا ما حذركم الله منها ، وازهدوا في ما زهدكم الله فيه منها . ولا تركنوا إلى ما في هذه الأمور ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان . والله ! إن لكم مما فيها لدليلا ، وتنبيها ، من تصرف أيامها ، وتغير انقلابها ومثلاتها ، وتلاعبها بأهلها ، إنها لترفع الخميل ، وتضع الشريف ، وتورد أقواما إلى النار غدا ، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه . إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مضلات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان ، لتثبط القلوب عن تنبهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ، ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها ، وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرر الفكر ، واتعظ بالعبر فازدجر ، وزهد في عاجل بهجة الدنيا ، وتجافى عن لذاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين ، ونظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر ، وأبصر حوادث الفتن ، وضلال البدع ، وجور الملوك الظلمة . فقد - لعمري - استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة ، والانهماك فيها ، ما تستدلون به على تخيب الغواة وأهل البدع ، والبغي ، والفساد في الأرض ، بغير الحق . فاستعينوا بالله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 121 › ( 1 ) تاريخ دمشق . الحديث ( 111 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 243 ) وانظر صورا أخرى للقصة في بحار الأنوار ( 46 : 94 و 167 ) وشرح الأخبار ، للقاضي ( 3 : 260 ) وكشف الغمة ( 2 : 100 ) وتاريخ الطبري ( 5 : 216 ) وتاريخ اليعقوبي ( 2 : 280 و 283 ) . ( 3 ) الإمام زين العابدين ، للمقرم ( ص 412 ) . ‹ هامش ص 122 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 138 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 254 ) . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 85 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 239 ) . ( 3 ) الوافي ، للفيض الكاشاني ( 1 : 42 ) . ( 4 ) بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( ص 171 ) . عن الأنوار البهية ، للقمي . ( 5 ) الخصال ، للصدوق ( ص 517 ) . ‹ هامش ص 123 › ( 1 ) علل الشرائع ، للصدوق ( ص 5 - 606 ) الحديث ( 80 ) وانظر بحار الأنوار ( 1 : 101 ) طبع الحجر .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 124 - 130
، وارجعوا إلى طاعة الله ، وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع . فالحذر ، الحذر ، من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله ، والوقوف بين يديه . وتالله ! ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم - قط - الدنيا على الآخرة ، إلا ساء منقلبهم ، وساء مصيرهم . وما العلم بالله والعمل بطاعته إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثه الخوف على العمل بطاعة الله . وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ، ورغبوا إليه ، فقد قال الله : * ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) * [ فاطر ( 35 ) الآية : 4 ] . فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، ‹ صفحة 125 › واغتنموا أيامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتبعة ، وأدنى من العذر ، وأرجى للنجاة . فقدموا أمر الله ، وطاعة من أوجب الله طاعته ، بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من الطواغيت ، من زهرة الدنيا ، بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم . واعلموا أنكم عبيد الله ، ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد غدا ، وهو موقفكم ، ومسائلكم ، فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمسألة والعرض على رب العالمين . واعلموا أن الله لا يصدق كاذبا ، ولا يكذب صادقا ، ولا يرد عذر مستحق ، ولا يعذر غير معذور ، له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء . فاتقوا الله - عباد الله - واستقبلوا في إصلاح أنفسكم طاعة الله ، وطاعة من تولونه فيها ، لعل نادما قد ندم في ما فرط بالأمس في جنب الله ، وضيع من حقوق الله . فاستغفروا الله ، وتوبوا إليه ، فإنه يقبل التوبة ، ويعفو عن السيئة ، ويعلم ما تفعلون . وإياكم ، وصحبة العاصين ، ومعونة الظالمين ، ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم . واعلموا أنه من خالف أولياء الله ، ودان بغير دين الله ، واستبد بأمره دون ولي الله كان في نار تلهب ، تأكل أبدانا قد غاب عنها أرواحها ، وغلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حر النار ، ولو كانوا أحيأءا لوجدوا مضض حر النار . فاعتبروا يا أولي الأبصار واحمدوا الله على ما هداكم ، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ورسوله ، ثم إليه تحشرون . وانتفعوا بالعظة . وتأدبوا بآداب الصالحين ( 1 ) . ‹ صفحة 126 › بهذا يحصن الإمام عليه السلام أصحابه خاصة والمسلمين عامة بالطاعة ، والزهد ، والورع عن المعاصي ، والبعد عن بهجة الدنيا وعن مفاتن الحياة المادية ، التي يستخدمها الطواغيت ، كمغريات لتحريف الأمة عن سنن الهدى
|