عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2010, 04:44 PM   #2
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



السيد السيستاني والموقف المسوؤل :
ان الانصاف يقتضي الاشادة والتقدير للموقف الرسالي المسؤول الذي جسده العلماء المصلحون الربانيون وبالخصوص بعد سقوط نظام البعث الكافر في العراق وفي طليعتهم المرجع السيد السيستاني دام ظله الشريف هذا العالم الرباني الذي ضرب اروع الامثلة المعاصرة في التزام المبدئية والحرص على وحدة الامة والتسامي فوق الجراح. ان الجميع يعرف الظروف القاسية التي عاشها السيد السيستاني دام ظله والحوزة الشريفة في النجف الاشرف وامتداداتها في الشعب العراقي في عهد النظام البائد والمقابر الجماعية وارقام الشهداء من الفقهاء والعلماء والخطباء وحملات التهجير القسرية ومآسي المعتقلات كلها شواهد واضحة لا تقبل الانكار. لكن السيد السيستاني بعد سقوط النظام الجم اي نزعة للانتقام واخذ الثأر في صفوف اتباعه واصدر اكثر من فتوى تحرم اي نوع من انواع الانتقام حتى نشر الوثائق التي تفضح ازلام النظام البائد وعملائه فقد اجاب على سؤال حول من تأكد دوره المباشر في قتل الابرياء من ازلام النظام البائد هل تجوز المبادرة الى القصاص منه؟ فاجاب سماحته : القصاص انما هو حق لاولياء المقتول بعد ثبوت الجريمة في المحكمة الشرعية وى تجوز المبادرة اليه لغير الولي ولا قبل الحكم من قبل القاضي الشرعي .
وردا على سؤال حول كون الشخص عضوا في حزب البعث السابق او متعاونا مع اجهزة النظام الامنية هل يكفي ذلك لمعاقبته ؟ اجاب سماحته : لا يكفي وامر مثله موكول الى المحاكم الشرعية فلا بد من الانتظار لحين تشكيلها.
وحول نشر الوثائق التي تفضح عملاء النظام السابق اجاب سماحته : لا يجوز ذلك بل لا بد من حفظها وجعلها تحت تصرف الجهة ذات الصلاحية .
وبذلك استطاع سماحته ان يحفظ لشعب العراقي من نزعة الانتقام غير المنضبط.
وحين بدأت فتنة الارهاب والتكفير الطائفي في العراق واعلن الزرقاوي حربه على الشيعة واستهدافه لشخصياتهم ومناسباتهم الدينية بمرأى ومسمع من الجميع وبصراحة تامة حيث توالت الاغتيالات والتفجيرات من عصابته والمتحالفين معهم كالتفجير الذي استهدف الشهيد السيد محمد باقر الحكيم وتفجيرات العاشر من محرم الحرام في الكاظمية وكربلاء المقدسة وتفجيرات الحلة وجامع براثا وصولا الى تفجير قبة الامامين العسكريين في سامراء ولا شك ان هذه التفجيرات وما تسفر عنه من ضحايا وانتهاك لحرمة العتبات المقدسة في العراق كانت تفجر الغضب في النفوس وتلهب مشاعر التحدي مما يدفع لاتجاه الانتقام والقيام بردود فعل مشابهة ولكن وعي السيد السيستاني وحكمته منعت ذلك لوقت طويل حيث كان يرفض اتهام اي جهة مذهبية ويؤكد على التحلي بالوعي والحذر من الفئات المعادية لكل العراق ولكل المذاهب
وفي سؤال عن الموقف تجاه تهديدات الزرقاوي قال في بيان صادر عن مكتبه بتاريخ 21/شعبان/1426 هج :
( ان الهدف الاساس من اطلاق هذه التهديدات وما سبقها واعقبها من اعمال اجرامية استهدفت عشرات الالاف من الابرياء في مختلف انحاء العراق هو ايقاع الفتنة بين ابناء هذا الشعب الكريم وايقاد نار الحرب الاهلية في هذا البلد العزيز للحيلولة دون استعادته لسيادته وامنه ومنع شعبه المثخن بجراح الاحتلال وما سبقه من القهر والاستبداد من العمل على استرداد عافيته والسير في مدارج الرقي والتقدم ولكن معظم العراقيين ولله الحمد على وعي تام بهذه الاهداف الخبيثة وسوف لن يسمحوا للعدو الطامع بتحقيق مخططاته الاجرامية مهما نالهم من ظلم واذى واريق على ثرى بلدهم الطاهر من دماء زكية لاهليهم واحبتهم... واننا في الوقت الذي نعبر فيه عن بالغ الاسى لكل قطرة دم عراقية تسفك ظلما وعدوانا ونتألم لاهات الثكالى وبكاء الايتام وانين الجرحى ندعوا المؤمنين من اتباع اهل البيت الى الاستمرار في ضبط النفس مع مزيد من الحيطة والحذر).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رؤية التعايش المذهبي :
تضمن البيان الهام الذي صدر عن مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله في النجف الاشرف بتاريخ (14/محرم/1428هج) الموافق ليوم 3 / 2 / 2007 رؤية عميقة لمعالجة المشكل الطائفي وهذه الرؤية تستحق الدراسة والاهتمام وقد تعرض الدكتور حمزة قبلان المزيني لهذا البيان في صحيفة الوطن السعودية بتاريخ 8 / 2 / 2007 حيث قال :
(( وتأتي اهمية هذا البيان من صدوره عن هذه المرجعية الشيعية العليا التي يقلدها كثير من المؤمنين الشيعة في العالم وهذا ما يوجب لترحيب به والعمل عل جعله اساسا لبداية عمل مخلص لوأد الفتنة بين المسلمين كما يجب ان يبرز وينشر على نطاق واسع لما يتضمنه من المبادئ التي يمكن ان ترشد مواقف المسلمين الشيعة وتدخل الاطمئنان على السنة وتضع الخلاف بين المذهبين في مساره الحقيقي ومن هنا يجب ان نمسك بهذه اللحظة التاريخية التي يمثلها صدور هذا البيان من هذه المرجعية المرموقة ونعمل تبعا لذلك على تعميمه على اوسع نطاق في العراق خاصة الان وان يكون وثيقة يوعظ بها على منابر المساجد والحسينيات والمنتديات والصحف والندوات التلفازية والاذاعية حتى يصل الى المسلمين جميعا من المذهبين بديلا لما تحفل به هذه المنابر كل يوم من الشحن الطائفي البغيض ولا يقل اهمية عن ذلك ان يقابل هذا البيان ببيانات من علماء اهل السنة تماثله من حيث المرجعية والمحتوى... انتهى كلام الدكتور حمزة قبلان))
وبالعودة الى الرؤية التي تضمنها هذا البيان فان من اهم ملامحها ما يأتي:
1) اخذ الظروف العصيبة التي تمر بها الامة بعين الاعتبار فهناك اكثر من وطن اسلامي يئن تحت وطأة الاحتلال كفلسطين والعراق وافغانستان واوطان اخرى تحت طائلة التهديد بالتدخل والضربات العسكرية وهناك حرب معلنة على رموز الاسلام ومقدساته واستخفاف بوجود الامة وكرامتها تحت غطاء مكافحة الارهاب . ان من يعي هذه التحديات الخطيرة يجب ان يرفض اي اضعاف لجبهة الامة لداخلية واي ارباك لساحتها بالنزاعات والخلافات.
2) ان التنوع المذهبي ليس شيئا طارئا بل هو واقع تعيشه الامة طيلة عقودها السابقة فلا بد من قبول هذا التنوع والتعددية المذهبية.
3) ان اصول لدين واركان العقيدة هي مورد اتفاق بين المسلمين بجميع مذاهبهم فهم يؤمنون بالله الواحد وبرسالة النبي صلى الله عليه واله وسلم وبمودة اهل البيت ونحو ذلك ومنها الواجبات الاسلامية كالصلاة والصيام والخ والتي هي الاساس القويم للوحدة الاسلامية.
4) انه لاضير في بحث الاختلافات العقائدية والفقهية والتاريخية في اطار البحث العلمي الرصين وليس ضمن اساليب التعبئة والتهريج.
5) تحقيق التعايش السلمي على اساس الاعتراف والاحترام المتبادل وحفظ الحقوق الانسانية والوطنية والتأكيد على حرمة دم كل مسلم سنيا كان ام شيعيا وحرمة عرضه وماله والتبرؤ من كل من يسفك دما حراما ايا كان صاحبه .
هذه الرؤية العميقة التي قدمها السيد السيستاني للتعايش بين ابناء المذاهب الاسلامية ليست فكرة اثارتها في ذهنه التطورات السياسية بل تنطلق من جذور دينية راسخة فهو خريج مدرسة حملت هم الوحدة والتقريب بين المذاهب الاسلامية منذ عقود من الزمن وهي مدرسة استاذه السيد حسين البروجردي المتوفى سنة 1380 هج والذي كان المرجع العلى في حوزة قم وهو الذي رعى تاسيس دار التقريب بين المذاهب الاسلامية في القاهرة في ستينيات القرن الميلادي المنصرم وله اراؤه المعروفة على صعيد الانفتاح والتقريب وقد انضم السيد السيستاني الى دروس السيد البروجردي عام 1368 هج وتأثر به واستفاد من ملاحظاته ونظرياته الدقيقة في علمي الرجال والفقه
ان السيد السيستاني في بحثه لموضوع الاجتهاد والتقليد يؤكد على اهمية اطلاع الفقيه الشيعي على اراء فقهاء السنة المعاصرين لائمة اهل البيت عليهم السلام وان ذلك من مقومات الفقاهة والاعلمية كما جاء في تعليقته على العروة الوثقى مسألة رقم 17 وهو ينفي عن اهل السنة بغض اهل البيت عليهم السلام بل يراهم مؤمنين بمودتهم كما جاء في بيانه بتاريخ 14 /محرم / 1428 هج حيث يقول: فان الجميع يؤمنون بالله الواحد وبمودة اهل البيت عليهم السلام.
فاهل السنة عند السيد السيستاني ليسوا نواصب لان النواصب هم المعلنون بعداوة اهل البيت عليهم السلام كما جاء برسالته العملية الجامعة لفتاواه (منهاج الصالحين ج1 ص139)
وهو يشيد برموز الجهاد من اهل السنة ويعتبر من يقتل منهم في سبيل الله شهيدا يدعوا له بالرحمة والمغفرة كما جاء في بيان مكتبه حول استشهاد الشيخ احمد ياسين بتاريخ 30/محرم/1425 هج بالنص التالي:
(( في صباح هذا اليوم وفي جريمة بشعة ارتكبها الكيان الصهيوني المحتل فقد الشعب الفلسطيني احد رجاله الابطال العالم الشهيد الشيخ احمد ياسين تغمده الله بواسع رحمته الذي كرس حياته لخدمة وطنه ودينه واصبح مثالا يحتذى به في الصبر والمقاومة))
وحينما بلغه اقتحام بعض الجهلاء من الشيعة لبعض مساجد اهل السنة وطرد ائمة الجماعة منها اصدر السيد السيستاني فتوى في الاجابة على سؤال عن الموضوع بتاريخ 18/صفر/1424 هج بالنص التالي:
(( هذا العمل مرفوض تماما ولا بد من رفع التجاوز وتوفير الحماية لامام الجماعة واعادته الى جامعه معززا مكرما))
بل انه امر بالاسهام في بناء مساجد اهل السنة واعادة تعميرها كما نقل ولده السيد محمد رضا حسبما اوردته جريدة الحياة بتاريخ 18 / 4 / 2003 الموافق ليوم 16/صفر/1424 هج.
وهو يبرئ اهل السنة من جريمة الاعتداء على مقام الامامين العسكريين عليهما السلام بسامراء كما جاء في بيانه حول الذكر السنوية الاولى بتاريخ 23/محرم/1428هج حيث قال ما نصه :
( ندعوا المؤمنين وهم يحيون هذه المناسبة الحزينة ويعبرون عن مشاعرهم الجياشة تجاه ما تعرض له ائمتهم من هتك واعتداء ان يراعوا اقصى درجات الانضباط ولا يبدر منهم قول او فعل يسئ الى المواطنين من اخواننا اهل السنة الذين هم براء من تلك الجريمة النكراء ولا يرضون بها ابدا ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الى الداخل الشيعي :

لا تخلوا الساحة الشيعية من اتجاهات متشددة مذهبيا لقناعاتها المذهبية او لنهج تعصبي او رد فعل لتطرف لجهة الاخرى وهذه الاتجاهات المتطرفة تشكل ضغطا على خط الاعتدال الشيعي العام بدغدغتها للمشاعر الطائفية وطرح نفسها كسور حصين للدفاع عن العقيدة وحمايتها وهي بذلك تعطي المبررات والاوراق لجهات التطرف في الجانب السني وهكذا تستمر لعبة الفعل ورد الفعل على حساب مصلحة الدين والامة لذا يمكن القول ان رؤية السيد السيستاني بما يمثله من مرجعية عليا ومواقفه الوحدوية الداعية للتسامح والتعايش المذهبي تشكل افضل رسالة دعم لخط الاعتدال العام في الساحة الشيعية فلا احد يستطيع المزايدة عليه ولا اتهامه بالتخاذل في نصرة العقيدة او تقديم التنازلات لمصالح سياسية ونطمح من سماحته الى مزيد من هذه الرؤى المنفتحة والمواقف الرسالية ونأمل فيما يوازيها ويماثلها من كبار علماء السنة حتى تستطيع الامة تخطي هذه المحنة والفتنة الطائفية العمياء وليحقق هذا الجيل المسلم حلم الوحدة والتقريب ان شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لغة السيد السيستاني :

يتهم الكثير من مرضى النفوس من القوميين السيد بعدم تكلمه اللغة لعربية بطلاقة ويكفي لتكذيب هذه المزاعم انه لدى تسنمه رتبة المرجعية واتساع طلابه قام بالتدريس باللغة العربية الفصحى والتي يجيدها اجادة بارزة لا يتلكأ ولا يتردد ولا يتوقف وهو في هذا مثار اعجاب السامعين والمتلقين والوفود ويمكن لاي شخص اليوم ان يذهب الى النجف ويزور سماحته ويسلم عليه ويسمع الرد لكي يقطع الشك باليقين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السيد السيستاني ...... الاسوة :

عاش السيد السيستاني حياته مغتربا عن الناس مقتربا من الكتاب فقد كان صنو كتابه وحليف درسه وجليس غرفته يقرأ ويدقق ويحقق يدرس ويدرس ويخرج وقد اعتنى بتربية جيل صاعد من افاضل الحوزة العلمية وتفرغ لتربية ولديه تربية دراسية عالية اعني السيد محمد رضا والسيد محمد باقر وهما اليوم استاذان للبحث الخارج في النجف وقد صرح الاستاذ محمد حسين الصغير باجتهاد السيد محمد رضا .
انشغل سماحته بالمهمة العلمية عن مظاهر الدنيا واوقفته الظاهرة الشرعية عند حدودها لم يعبأ بملبس او مأكل او دار او عقار ولم يتمتع من الاصدقاء والخلصاء ولم تستهوه مجالس الترويح عن النفس بالاحاديث والنوادر اختص بافراد قلائل من العلماء يستمع منهم ويستمعون منه لم يحضر مجلسا علميا الا للمذاكرة ولم يعتد المجاملات التي تستوعب بعض الوقت كل كده وجهده وكدحه خالص لعلم اهل البيت عليهم السلام مع وقار ظاهر واتزان معروف ونظرة صائبة .... عاش فقيرا وما زال فقيرا والملايين بين يديه لسد احتياج الفقراء واعلاء شأن الدين ورعاية الحوزات العلمية ومعالجة المرضى واحياء المشاريع النافعة والاصلاح بين المتخاصمين ... عاش منعزلا حتى لا يعرفه اكثر من طلابه وعلية القوم وهو معهم وخارج عنهم لا يتصل الا لماما ولا يتعايش مع الاخرين الا لواذا فالعلم فوق كل شئ وهو اكبر من كل شئ ويضحي من اجله بكل شئ حتى عد من الزاهدين في الجياة والمتفرغين للعلم والعمل الصالح بعيدا عن كل المعوقات التي تشغله عن الاشتغال والتحصيل ومتابعة المعارف.
اذا حضر محفلا علميا بدأ بالبحث العلمي او اجتمع بصديق له عرض عليه مسألة مشكلة للتوصل الى الحلول واذا ادى واجبا اجتماعيا اقتصر على اسقاط الغرض دون التبذير بالزمن ... فيه بساطة الاتقياء وعليه سيماء الصالحين ولديه فكر المتيقظ الحذر وعنده الخبرة الكافية بمعاصريه كما هي في الرجال ومدارك التعديل....
يعطي لنفسه فسحة يتروح فيها على نهر الفرات في الكوفة سائرا ومفكرا وتجديد للنشاط والحيوية يقابل بالسلام ليس غير وتقابه بالتحية فحسب فهذا السيد الورع في فكر دائم بما يبني به كيان الامة في صرحها العلمي في النجف الاشرف وهو معني بالشأن العلمي منذ شبابه الاول حتى كهولته وهو عنفوانها اليوم وان تجاوز الثمانين من عمره المديد حفظه الله وحرسه بعينه التي لا تنام جلت قدرته.
ومن امثلة اهتمامه بالعلم انه لدى اقامته في قم راسل العلامة المرحوم السيد علي البهبهاني وكان موضوع الرسائل البحث الدقيق في بعض مسائل القبلة وبعد مجموعة من المراسلات العلمية كتب المرحوم البهبهاني رسالة للسيد فيها ثناء وتقدير بالغين عن تنبهه لدقيق المسائل موكلا اكمال البحث الى حين التقائه به عند زيارة الامام الرضا عليه السلام.
زار السيد السيستاني سماحة اية الله العظمى المرحوم الشيخ محمد طاهر الشيخ راضي في منزله والشيخ محمد طاهر من القلائل الافذاذ في الفقه والاصول وهو دائرة معارف في الادب والتراث والفلسفة والتاريخ ولدى تباحثه مع السيد في اعمق المسائل فقها واصولا وفلسفة اغتبط كثيرا بامثال هذه الطاقات النادرة لدى السيد حفظه الله وقال له : سيدنا ابق على عزلتك ودراستك وبحثك هكذا فسوف ياتي يوم تحتاج اليك النجف الاشرف ... وبعد وفاة السيد الخوئي اعلى الله مقامه اتجهت الانظار الى العلمين البارزين السيد عبد الاعلى السبزواري والسيد علي السيستاني وبعد وفاة الاول كانت المرجعية للسيد السيستاني بنظر اهل الخبرة والدراية ممن يوثق باختبارهم ويطمئن الى ترشيحهم وهكذا كان فقد من الله على الطائفة الامامية بهذا المرجع المؤيد حيث ان السيد السيستاني عظيم التدبير حديد الملاحظة جدي المعالجة بصير الرؤية نافذ البصيرة يتطلع الى الافق البعيد في منظور معاصر ويفيد من الماضي خبرة الناقد الواعي ومن خلال هذين الملحظين تجلت له الحقائق مرتبطة بالمناخ الواقعي الذي يزن الامور فكان دقيق الميزان فيما يقرر مصيبا فيما يرى تسدده العناية الالهية في معايشة عصره بمفارقاته ومضاعفاته المتلاحقة دقيق الميزان في العدل شديد الورع في المال واضح الزهد في المعاش واللباس والاثاث والدار لا يعدوا طعامه الجشب ولا يألف من الابراد الا البسيط في داره عادي من الفراش وزهيد من الاواني لا دار له ولا عقار وانما هي الدار التي عاش فيها طالبا ومدرسا في الحوزة العلمية لا تتجاوز مساحتها السبعين مترا وهي مستأجرة لا يملكها يدفع اجاراتها الشهرية حتى اليوم بمبلغ متواضع والسيد السيستاني يمثل الذروة في تواضعه وترسله وواقعيته والامثلة على ذلك عديدة لا تحصى ففي يوم من الايام زاره احد المراجع العظام ومن شدة فرحه بلقاءه وتعظيمه له صافحه مصافحة حارة حتى كاد ان يهوي الى يده فيقبلها
وفي احد الايام شيع احد الاعاظم في الدين الى ساحة الدار فاهوى الى الارض وقدم له نعليه بل ودع احد اصدقاءه فقدم له حذائه فقال له : ماذا تصنع سيدنا ؟ فقال السيد احترام المؤمن واجب واريد ان اظهر منزلتك عند من لا يعرف قدرك.
اذا زار اي شخص السيد السيستاني ممن له اثارة من من علم او ملحظ من دين او ظاهرة من ورع وتقوى قربه اليه حتى ليزاحمه في مجلسه و يشغله في ديوانه كثرة الشؤون عن الاستفسار عن صحة كل قادم والتركيز على ذوي الشرعية لان الله اخفى وليه بين عباده
ومن مميزات السيد السيستاني انه يعيش مكمدا وتراه باسما ويصبح محزونا فلا يظهر عليه ذلك وتظنه في سعادة وهو في اقصى درجات الالم وتحسبه في راحة وهو في بحبوحة الاضطراب لا يشتكي طرفة عين ابدا ولا يبدي جزعا في اشد الاحداث نكاية ولا يظهر تأففا وهو في ضيق تام اوكل امره الى الله متخذا القرار وحده في النوازل لا تزعزعه عاديات الزمن ولا تستولي عليه صروف الدهر يتأسى بما اصاب الائمة الطاهرين من العنت والعسر والاخراج وهذه خصيصة نادرة
اذا سئل عن حكم شرعي اجاب بطلاقة واسلوب مشوق يفهم منه السامع ويفيد المتلقي تجنب في ذلك الايغال ومال الى الاسماح اي انه يبسط الاجابة بما يناسب مقتضى الحال دون الدخول في تفصيلات مضنية قد لا يستوعبها السائل ولا يهضمها المجموع العام.
يروي عنه الاستاذ محمد حسين الصغير احد المقربين منه هذه الرواية فيقول:
اقبل عليه احدهم طالبا منه العفو عمن كان يسبه ويشتمه وقد توفي فقال السيد : قد عفوت عنه فقلت له : لماذا يسبك الان هلا سبك قبل المرجعية انه يسبك باعتبارك مرجعا لا باعتبارك السيستاني وهذا متعلق بالمنصب والمقام فقال السيد : نوكل امر ذلك الى الله تعالى فقلت له : ان السيد محسن الحكيم قدس سره قد تعرض لمثل هذا النوع من الشتم والسباب فقد كلف احدهم والدي ان يكلم السيد الحكيم ليعفو عنه وليغفر له ما قذفه به اوائل مرجعيته وكلمه الوالد فقال له: هناك جهتان في هذا الاغتياب او الشتم : الاولى السيد الحكيم نفسه وقد عفوت عنه وابرات ذمته والثانية السيد الحكيم باعتباره مرجعا فهو تهوين بالمقام واعتداء على المنصب ولا ابرء ذمته على الاطلاق فقال السيد السيستاني : معنى هذا ان السيد قد اوكل ذلك الى الله وانا فعلت الشئ نفسه .
والسيد السيستاني في مميزاته يمثل نفحات اهل البيت فقد جمع الى جانب العلم الحلم والى ميزة التواضع العزة والى شعار الزهد التقوى والى جانب الاسترسال الحيطة والحذر والى تشخيص الذوات اعطائهم منازلهم والى الترحيب بالناس الاعتداد بالشباب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حياة الزهد :

هناك ميزة امتاز بها السيد السيستاني الا وهي العيش الكفاف وحياة الزهد فقد كان السيد السيستاني فقيرا مقتصدا واصبح مرجعا وهو فقير مقتصد يحيا حياة الفقراء والبؤساء ولننقل هذه القضية التي يرويها الاستاذ محمد حسن الصغير :
يقول الاستاذ محمد حسين الصغير : خرجت من الجامعة الدينية في النجف الاشرف مساءا اوائل عام 1995 بعد احالتي على التقاعد واضعا يدي الى الخلف مطأطأ برأسي الى الارض مفكرا فيما وصلت اليه بعد جهاد طويل استمر اربعين عاما واذا بي افاجأ بالسيد السيستاني قريبا من دارنا بنحو مئة متر سلمت عليه ورحبت به وابديت متطلبات المجاملة الواقعية ومعه ولده فقلت : سيدنا خيرا في هذا الليل ( وكان من عادته ان يكرس الليل للعمل العلمي ) فقال:
انت تعلم ما بيني وبين السيد حسين بحر العلوم من الخصوصية وهو مريض جئت لعيادته فقلت : تفضلوا ( ومعه ولده الثقة العدل محمد رضا) استرح في دارنا واوصلكم بالسيارة الى داخل المدينة فقال : الليلة تحصيل ( يقصد ان غدا يوم تدريس البحث العالي ولا بد من التحضير الليلي لمفردات الموضوع المباحث).
ثم التفت الي وقال: انت مشغول الفكر لم ترني حتى دنوت مني ؟ فقلت سيدنا انت تعلم اني اعيش منذ اربعة وثلاثين سنة استاذا وانا مكفي المؤونة كفافا براتبي في الجامعة وقد احلت على التقاعد بما تعلمه من تفاصيل وانا افكر بماذا اسد متطلبات الحياة ماليا والحقوق الشرعية كما تعلم لا اتناول منها شيئا ولدي عرضان :
الاول من جامعات ليبيا بحدود 1500 دولار شهريا وعرض من جامعات الاردن بحدود 2500 دولار لا سيما وانا بدرجة استاذ اول وانا افكر في ذلك .
فقال لي : لا تفعل ولا تترك النجف لك بي اسوة في الفقر فانا رجل فقير اتكفف العيش منذ هبطت النجف حتى اليوم الفقر ليس عائقا اتريد ان تتركني وحدي ( وكان السيد بفضله يأنس بارائي وعينني بمنصب المسؤولية الشرعية بموقع فيما بيني وبينه ما لا يعلمه حتى ولده وما زال الامر سرا حتى اليوم)
ولدى خطاب السيد لي بذلك اعرضت عن السفر لخارج العراق من اجل التعيين في الجامعات وصبرت معه على الفقر.
هذا هو السيد السيستاني الذي جمع الى الصدق في القول الصدق في التعامل والى الجدية في لعمل الطموح الى المستقبل الرائد والى حب الخير حب الناس حتى الاعداء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرجعية العالم الرباني :

كانت مرجعية السيد السيستاني حدثا فاصلا فالسيستاني لم يطرح نفسه للمرجعية والسيستاني بعيد كل البعد عن الانظار ولكنها الاشاءة الربانية التي رشحت رجلا لم يعمل للمرجعية ولم يعمل له احد فيها جائته عفوية تلقائية واستقرت عنده في رحاب ومقام اشم حتى انه قد لا يعجبه هذا التوجه اليه وطالما ابان انه في غنى عن هذا المنصب وكان الافضل ان يظل في الحوزة فردا اعتياديا له ما لها وعليه ما عليها وكا يقال له : بانه لا بد من التصدي والا فالموازين في خطر لئلا يختلط الحاب بالنابل فتلغى حقائق الاشياء وربما ضرب مثلا وعدم التصدي باستاذه الشيخ حسين الحلي اعلى الله مقامه فيقال له: ان الظروف تختلف تماما اذ التكليف الشرعي يحتم العلم الشاخص ومهما يكن من امر فقد اصبح السيد السيستاني هو المرجع الاعلى وجاءت مرجعيته سليمة من المؤثرات الخارجية والداخلية وانتهت اليه رئاسة الامامية ولم يلغ دور المراجع العظام وانما هم يد واحدة لاحتضان الامة وتعظيم الدين وهذا من الاسرار الالهية التي لم تصادر التعددية في المرجعيات الدينية ولكن المثل الاعلى قائم بذاته مشخص بمميزاته
يقول الاستاذ اسكندر شاهر في بحث له بعنوان ( كلام في المرجعية الدينية):
(( اذا اردنا تشخيص المرجعية الدينية فاننا سنكون بحاجة الى مساحة اوسع تفي بهذا الغرض ولكني ساورد نموذجا واحدا وليس وحيدا بغية تقريب الصورة فمثلا يقلد ملايين المسلمين المتجمعين في بقاع مختلفة من العالم والذين يصل عددهم الى اكثر بكثير من سكان عدد من الدول وهم مبثوثون في العراق وايران وبعض دول الخليج والهند وباكستان وغيرها يقلدون مرجعية دينية متمثلة في المرجع الديني الاعلى اية الله العظمى علي السيستاني المقيم في النجف الاشرف في العراق والذي يوصف في الاوساط المطلعة والمهتمة بانه المرجعية العلمية المحضة التي تحظى بثقة العدد الاوفر من المسلمين في العالم الامر الذي يجعل هذه المرجعية معادلا قويا من شانه ان ينعكس ايجابيا على واقع الناس وشؤون حياتهم))
وقد كان الامر كذلك فهناك شبه اجماع علمي على اهلية هذه المرجعية اقليميا وعالميا لانها تمثل البعد الاستراتيجي لنيابة الائمة الطاهرين ولا ادل على ذلك من التوجه العلمي الصاعد في حياة هذه المرجعية من جهة ومن السلوك الانساني الهادئ بادارة الحياة العامة من جهة اخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صفات قل نظيرها :

لم تتغير حياة السيد السيستاني في مرجعيته عن ذي قبل فهي هي بساطة في المظاهر وتعفف في السمات ووحدة في الايدلوجية
البيت متواضع نفسه والزهد في الاعتبارات ذاته والتوجه نحو الناس في ازدياد هائل تقصده كل يوم الالاف للتبرك والافادة والافتاء يرحب بهذا ويدعوا لذاك ويجيب على اسئلة الاخرين ويقضي حوائج ذوي الضر يعالج مرضاهم ويساعد ضعيفهم ويشفق على عائلهم حتى قيل فيه بيت من الشعر من اروع ما قيل في حقه :

وابـــــو اليتامــــــــــــى والجيــــــــــاع يعولهــــم فكأنـــــــه وكـــــأنهــــــــم ارحـــــــام

والجديد الرائع في مرجعيته سياسته المالية الرشيدة التي جعلت الموسرين جادين في استخراج حقوقهم الشرعية وجعلت الفقراء في غنى وكفاف عن الاحتياج لقد عمد السيد السيستاني فاجاز للعراقيين كافة ان يعطوا حقوقهم للفقراء يدا بيد وطالما اوصاهم ان يشعر الفقير بان هذا المال هدية من الله ورسوله دون من من احد ولا اذى من فرد حقوق الله لعباد الله ومال الله لخلق الله وما فرضه الله من حق شرعي على الاغنياء في مالهم يعود دون وساطة احد الى الفقراء والمرضى واليتامى وابناء السبيل في ضوء ما فصله القران العظيم وحتى الذين في الخارج فلهم تسليم حقوقهم الى العراقيين المحتاجين والمستحقين داخلا وخارجا بل اجاز حتى اللبنانيين في اعطاء ذوي الفاقة منهم يدا بيد .
ان هذا التوجه خلق موجة من الاعجاب وانتهت معها الشكوك والتساؤلات وغاب التهجم فالمرجع لا يحتجن المال بل خول ذوي الحقوق بصرفه في مواضعه وبذلك تغيرت النظرة الضيقة وسقط التهافت وخرست الالسن المضللة والفقراء هؤلاء يتمتعون بما فرضه الله لهم دون منة او فضل او استعلاء ومرجعهم فقير مثلهم لم يضع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة لباسه الزهد وشعاره التقوى.
والمرضى لهم علاجهم ودوائهم واجرة اطبائهم وحساب مستشفياتهم كل بنسبة ترفع الحرج ولا تبذر المال وقد يتحمل السيد كل المصاريف.
وترميم البيوت واصلاح المنازل وتوفير الضروريات تحضى بعناية خاصة بحيث لا تطغى على المناخ المالي ولا تترك حبلا على غارب وانما هي بين بين وبالتي هي احسن واوفق .
ومع ان الاصل في مصرف بيت المال عند السيد السيستاني هو سد حاجة الفقير بيد ان المشاريع التي يفيد منها الفقراء لم تترك هملا كترميم المساجد والمستشفيات والطرق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ


 

رد مع اقتباس