إخبار النبي والأئمة صلوات الله عليهم بأنه سوف يولد للإمام العسكري ولد يملأ الأرض قسطا وعدلا ويغيب ، ويلزم على كل مسلم أن يؤمن بذلك .
هذه الأحاديث كثيرة ، فالشيخ الصدوق في كمال الدين جعلها في أبواب : باب ما روي عن النبي في الإمام المهدي ، ذكر فيه خمسة وأربعين حديثا .
ثم بعد ذلك ذكر باب ما روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الإمام المهدي .
ثم باب عن الزهراء سلام الله عليها وما ورد عنها في الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، ذكر فيه أربعة أحاديث .
ثم عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ذكر فيه حديثين .
ثم عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ذكر فيه خمسة أحاديث . ثم عن الإمام السجاد ( عليه السلام ) ، ذكر فيه تسعة أحاديث .
ثم عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، ذكر فيه سبعة عشر حديثا . ثم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ذكرفيه سبعة وخمسين حديثا .
وقد جمعت الأحاديث فكانت مائة وثلاثة وتسعين حديثا . هذا فقط ما يرويه الشيخ الصدوق في الإكمال ( 1 ) ، ولا أريد أن أضم ما ذكره الكليني في الكافي ، والشيخ الطوسي ، وغيرهما ( 2 ) ، وربما آنذاك يفوق العدد الألف رواية . وتبركا وتيمنا أذكر حديثا واحدا عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحديثين عن الإمام الصادق سلام الله عليه . أما عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فهو ما رواه ابن عباس قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : " . . . ألا وإن الله تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججا على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ، ويحفظون وصيتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ، يظهر بعد غيبة طويلة . . . " إلى آخر الحديث ( 3 ) .
وبهذا المضمون أو قريب منه أحاديث كثيرة ، وبعض الأحاديث تذكر أسماء الأئمة صلوات الله عليهم . وأما عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : فهو ما رواه محمد بن مسلم بسند صحيح متفق عليه قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : " إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها " ( 4) .
وحديث آخر عن زرارة يقول : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : " إن للقائم غيبة قبل أن يقوم ، يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشك في ولادته " (5) .
فمسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الإمام الصادق ( عليه السلام ) من ذلك الزمان ، فكان أول من شكك في الولادة جعفر عم الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، لعدم اطلاعه على الولادة ، ووجود تعتيم إعلامي قوي على مسألة ولادة الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، نتيجة الظروف الحرجة المحيطة بالإمامة في تلك الفترة ، حتى أنه لم يجز الأئمة التصريح باسم الإمام المهدي ، فجعفر ما كان مطلعا على أن الإمام العسكري ( عليه السلام ) له ولد باسم الإمام المهدي ، لذلك فوجئ بالقضية وأنكر أو شكك في الولادة ، فهو أول من شكك . ثم تلاه في التشكيك ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل ، شكك في مسألة الولادة فقال : وتقول طائفة منهم - أي من الشيعة - أن مولد هذا يعني الإمام المهدي الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين ، سنة موت أبيه (6) .
وتبعه على ذلك محمد اسعاف النشاشيبي في كتابه الإسلام الصحيح ، يقول : ولم يعقب الحسن - يعني العسكري سلام الله عليه - ‹ صفحة 30 › ذكرا ولا أنثى ( 7 ) .
على أي حال مسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الإمام الصادق
( عليه السلام ) ، وكانت موجودة من تلك الفترة ، فالإمام يقول لزرارة : " وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته ، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من يقول أنه ولد قبل موت أبيه بسنتين . . . " إلى أن يقول الإمام : " يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادعوا بهذا الدعاء : " اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " ( 8 ) .
واقعا الإنسان والعياذ بالله فجأة يضل عن الدين من حيث لا يشعر ، فالدعاء بهذا ضروري للبقاء بالتمسك بهذا المذهب الصحيح : " اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " . ومن الأشياء التي لا تنبغي الغفلة عنها الأدعية المعروفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم ، ومنها هذا الدعاء : " اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا " ( 9 ) .
ومن الطبيعي أن الأئمة صلوات الله عليهم يذكرون هذا الدعاء ليعلموا شيعتهم ، ومن تعبيرهم بالحجة فقط يعلم مدى حالة الكتمان والتكتم ، حتى أن الوارد في الدعاء المتقدم " اللهم كن لوليك فلان ابن فلان " كتمانا للاسم المبارك .
هذه جملة من الأحاديث ، وهي بهذا الصدد كثيرة ، رواها الكليني في الكافي والشيخ في الغيبة وغيرهما ، وهي تشكل في الحقيقة مئات الأحاديث في هذا المجال . وبعد هذه الكثرة فهي من حيث السند متواترة لا معنى للمناقشة فيها ، وهي واضحة غير قابلة للاجتهاد ، وإلا لكان ذلك اجتهادا في مقابل النص . هذا هو العامل الثاني من عوامل نشوء اليقين بولادة الإمام المهدي سلام الله عليه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ›
1 - كمال الدين : 409 ح 9 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 217 ، ونحوه الكافي 1 : 377 ح 3 ، وفي مسند الطيالسي : 259 ، وصحيح مسلم 3 : 239 ح 1851 عن عبد الله بن عمر : " . . . من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " .
1 - كمال الدين : 256 - 384 .
2 - الكافي 1 : 328 - 335 ، والغيبة للطوسي : 157 ، البحار 51 : 65 - 162 .
3 - كمال الدين : 257 ح 2 ، كفاية الأثر : 10 .
4 - الكافي 1 : 340 ح 15 ، الغيبة للطوسي : 161 ح 118 .
5 - كمال الدين : 342 ح 24 .
6- الفصل 3 : 114 . ‹ هامش ص 30 ›
7ـ الإسلام الصحيح : 348 .
8- كمال الدين : 342 ح 24 . 3 - الكافي 4 : 162
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .