الموضوع
:
الحادية عشرة: تخبط الشراح في تفسير الأئمة الإثني عشر
عرض مشاركة واحدة
11-24-2010, 12:42 PM
#
3
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
1
تاريخ التسجيل :
May 2010
أخر زيارة :
04-27-2022 (11:22 AM)
المشاركات :
2,305 [
+
]
التقييم :
10
لوني المفضل :
Cadetblue
ولهذه الأسباب كثرت أقوالهم واحتمالاتهم في تفسير الأئمة المبشر بهم، ولعلها زادت عن الثلاثين قولاً..! وكلها معلولة ينقضها الحديث الشريف، وينقض بعضها بعضاً:
ـ ولعل أقدمها قول ابن حبان الذي نقله عنه في عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11| 361، قال:
وأما: الخلفاء اثنا عشر، فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حبان وغيره: إن آخرهم عمر بن عبد العزيز، فذكروا الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثم يزيد ابنه، ثم معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم عبد الملك ابنه، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن العزيز. وكانت وفاته على رأس المائة. انتهى.
ولكن هذا التفسير الأموي لابن حبان وجماعته، قد نسخه العلماء الذين جاؤوا من بعدهم وأحبوا العباسيين، فأدخلوا بعضهم في بشارة النبي صلى الله عليه وآله، وخذفوا بني أمية، كلاً أو بعضاً !
ويلاحظ أن هذا التفسير حذف اسم الإمام المهدي عليه السلام مع أنه مبشرٌ به بأحاديث صحيحة عندهم، ويشمله قول جده صلى الله عليه وآله (من بعدي اثنا عشر إماماً).
كما حذفوا اسم الإمام الحسن عليه السلام مع أنه بايعه المسلمون ماعدا أهل الشام وحكم ستة أشهر، وقد أثبته السنييون المتأخرون عنهم.
بل كان يجب أن يثبتوا اسمه واسم أخيه الحسين عليهما السلام لأن النبي صلى الله عليه وآله شهد بأنهما إمامان قاما أم قعدا، وشهد بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 56
--------------------------------------------------------------------------------
بينما أثبت هذا التفسير اسم يزيد بن معاوية، وجعله من الأئمة الربانيين الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه وآله، وهي درجةٌ لا يطمع فيها يزيد ولا محبوه العقلاء، لأنهم الى اليوم يكافحون لإثبات إسلام يزيد، وعدم ارتداده بسبب تصريحاته، وعدم فسقه بسبب جرائمه التي ارتكبها في كربلاء، وفي استباحة المدينة، وفي هدم الكعبة !
كما عدوا منهم على هذا التفسير معاوية بن يزيد (معاوية الثاني) الذي ولوه الخلافة بعد أبيه يزيد، فخطب خطبته الأولى والأخيرة، وتبرأ فيها من ظلم أبيه يزيد وجده معاوية! وشهد بأن الخلافة حقٌّ شرعي لعلي عليه السلام، وأن معاوية ظلمه وغصبها منه، ثم عزل نفسه عنها، فقتله بنو أمية!
فلو كان هذا الشخص من الأئمة الإثني عشر الربانيين لعرف هو ذلك، وما خلع نفسه وعرَّضها لغضب أسرته الحاكمة الباطشة !
كما أن هذا التفسير تجاهل حديث (سفينة) الثابت عندهم القائل إن الخلافة ثلاثون سنة، وبعدها الملك العضوض، وقد صححه المحدثون، وأخذ به المفسرون الآخرون.. الى آخر الإشكالات عليه !
ويطول الكلام لو أردنا أن نستقصي محاولات كبار علمائهم تفسير الحديث الشريف، ولكن الذي يسهل الأمر أن كلامهم في ذلك متشابه، وأنه ما زال الى اليوم يدور في محور التفسير الأموي !!
وفيما يلي نماذج من تفاسيرهم وما يرد عليها:
ـ قال السيوطي في تاريخ الخلفاء |10:
قال القاضي عياض: لعل المراد بالإثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس الى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة، زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم، الى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 57
--------------------------------------------------------------------------------
قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري: كلام القاضي عياض أحسن ما
قيل في الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: كلهم يجتمع عليه الناس.
قلت: وعلى هذا فقد وجد من الإثنا عشر خليفة: الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية.
ويحتمل أن يضم اليهم المهتدي من العباسيين، لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر، لما أوتيه من العدل، وبقي الإثنان المنتظران: أحدهما المهدي، لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.
***
ولكن السيوطي وابن حجر أخذا بزيادة (وكلهم تجتمع عليهم الأمة) التي تقدم أنها لم تثبت، وأن الألباني الوهابي وغيره قالوا إنها منكرة.
كما أنهما تجاوزا حديث سفينة الذي صح عندهم، والذي يحدد المدة الزمنية للخلافة الراشدة بثلاثين سنة! وبذلك يصير المطلوب لهم أحد عشر حاكماً في ثلاثين سنة، ويبطل انتقاء أحد من الحكام الأمويين والعباسيين !
مضافاً الى أن نقل السيوطي لكلام عياض وابن حجر لم يكن دقيقاً مع الأسف! فقد تجاهل كلام ابن حجر الذي عدهم الى الثاني عشر من بني أمية، فقال (والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك) بينما أوصلهم السيوطي في بني أمية الى ثمانية، ووضع فيهم اثنين من خلفاء بني العباس !!.. واليك فقرات من كلام ابن حجر في فتح الباري لتعرف الخلل في نقل السيوطي عنه! قال:
قال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث يعني بشىَ معين! فقوم قالوا: يكونون بتوالي إمارتهم.
وقوم قالوا: يكونون في زمن واحد كلهم يدعي الإمارة !
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 58
--------------------------------------------------------------------------------
قال: والذي يغلب على الظن أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن، حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميراً !
قال: ولو أراد غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا، فلما أعراهم من الخبر، عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد. انتهى (أي كلام ابن بطال). وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة، وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم، وهو كون الإسلام عزيزاً منيعاً.
وفي الرواية الأخرى صفة أخرى وهو أن كلهم يجتمع عليه الناس، كما وقع عند أبي داود، فإنه أخرج هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة بلفظ: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة. وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة بلفظ: لا تضرهم عداوة من عاداهم.
وقد لخص القاضي عياض ذلك فقال: توجه على هذا العدد سؤالان:
أحدهما: أنه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة، يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً. الثلاثون سنة لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي.
والثاني: أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد.
قال والجواب عن الأول: أنه أراد في حديث سفينة: خلافة النبوة، ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك.
وعن الثاني: أنه لم يقل لا يلي إلا اثنا عشر، وإنما قال يكون اثنا عشر، وقد ولي هذا العدد، ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم.
قال: وهذا إن جعل اللفظ واقعاً على كل من ولي، وإلا فيحتمل أن يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل، وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 59
--------------------------------------------------------------------------------
وقد قيل: إنهم يكونون في زمن واحد يفترق الناس عليهم، وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة، ومعهم صاحب مصر، والعباسية ببغداد، الى من كان يدعى الخلافة في أقطار الأرض، من العلوية والخوارج.
قال: ويعضد هذا التأويل قوله في حديث آخر في مسلم: ستكون خلفاء فيكثرون.
قال: ويحتمل أن يكون المراد أن يكون الإثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة، ويؤيده قوله في بعض الطرق: كلهم تجتمع عليه الأمة، وهذا قد وجد فيما اجتمع عليه الناس الى أن أضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم الى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم. وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر.
قال: وقد يحتمل وجوهاً أخر.. والله أعلم بمراد نبيه. انتهى. (أي كلام عياض)
والإحتمال الذي قبل هذا، وهو اجتماع اثني عشر في عصر واحد كلهم يطلب الخلافة، هو الذي اختاره المهلب كما تقدم. وقد ذكرت وجه الرد عليه، ولو لم يرد إلا قوله كلهم يجتمع عليه الناس، فإن في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق، فلا يصح أن يكون المراد.
ويؤيد ما وقع عند أبي داود: ما أخرجه أحمد والبزار من حديث بن مسعود بسند حسن، أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه، وسألت عنه فلم أقع على المقصود به، لأن ألفاظه مختلفة، ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة، ثم وقع لي فيه شيء وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار اليه، ثم وجدت كلاماً لأبي الحسين بن المنادي وكلاماً لغيره.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 60
--------------------------------------------------------------------------------
فأما الوجه الأول، فإنه أشار الى ما يكون بعده وبعد أصحابه، وأن حكم أصحابه مرتبط بحكمه، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأنه أشار بذلك الى عدد الخلفاء من بني أمية، وكأن قوله: لا يزال الدين أي الولاية الى أن يلي اثنا عشر خليفة، ثم ينتقل الى صفة أخرى أشد من الأولى.
وأول بني أمية يزيد بن معاوية، وآخرهم مروان الحمار، وعدتهم ثلاثة عشر، ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير، لكونهم صحابة! فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته، أو لأنه كان متغلباً بعد أن اجتمع الناس على عبد الله بن الزبير، صحت العدة.
وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة، حتى استقرت دولة بني العباس، فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيراً بيناً.
قال: ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود من حديث بن مسعود رفعه: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً. (لا أعرف من صححه غير الألباني)
قلت: لكن يعكر عليه أن من استقرار الملك لبني أمية عند اجتماع الناس على معاوية سنة إحدى وأربعين، الى أن زالت دولة بني أمية فقتل مروان بن محمد في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة، أزيد من تسعين سنة...
قال: وأما الوجه الثاني فقال أبو الحسين بن المنادي في الجزء الذي جمعه في المهدي: يحتمل في معنى حديث: يكون اثنا عشر خليفة، أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً، كل واحد منهم إمام مهدي.
قال ابن المنادي: وفي رواية أبي صالح عن بن عباس: المهدي اسمه محمد بن
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 61
--------------------------------------------------------------------------------
عبد الله، وهو رجل ربعة مشرب بحمرة، يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً، ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم، ثم يموت فيفسد الزمان.
وعن كعب الأحبار: يكون اثنا عشر مهدياً، ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال.
قال: والوجه الثالث: أن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام الى يوم القيامة، يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم.
ويؤيده ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير، من طريق أبي بحر أن أبا الجلد حدثه أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد، يعيش أحدهما أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة. وعلى هذا فالمراد بقوله: ثم يكون الهرج، أي الفتن المؤذنه بقيام الساعة، من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج الى أن تنقضي الدنيا. انتهى كلام بن الجوزي ملخصاً بزيادات يسيرة. (وتابع ابن حجر
والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي عياض، فكأنه ما وقف عليه، بدليل أن في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه.
وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه، أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده
بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: كلهم يجتمع عليه الناس.
وإيضاح ذلك أن المراد بالإجتماع انقيادهم لبيعته. والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، الى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الإختلاف، الى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل بن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين. والثاني
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 62
--------------------------------------------------------------------------------
عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، واجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على بن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس، الى أن قتل.
ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح، ولم تطل مدته، مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها الى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض، الى أن لم يبق من الخلافة إلا الإسم في بعض البلاد، بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً ويميناً مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة. ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك.
فعلى هذا يكون المراد بقوله: ثم يكون الهرج، يعني القتل الناشيء عن الفتن وقوعاً فاشياً يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام، وكذا كان. والله المستعان.
والوجه الذي ذكره بن المنادي ليس بواضح، ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده رفعه: سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمر القطحاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه. فهذا يرد على ما نقله بن المنادي من كتاب دانيال.
وأما ما ذكره عن أبي صالح فواهٍ جداً، وكذا عن كعب....
فالأولى أن يحمل قوله: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، على حقيقة البعدية فإن
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 63
--------------------------------------------------------------------------------
جميع من ولي الخلافة من الصديق الى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفساً، منهم اثنان لم تصح ولايتهما، ولم تطل مدتهما، وهما معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفساً على الولاء، كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة، وتغيرت الأحوال بعده، وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون.
ولا يقدح في ذلك قوله: يجتمع عليهم الناس، لأنه يحمل على الأكثر الأغلب، لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير، مع صحة ولايتهما، والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن، وبعد قتل بن الزبير. والله أعلم.
وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الإثني عشر منتظمة، وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة الى الإستقامة نادر. والله أعلم.
وقد تكلم ابن حبان على معنى حديث تدور رحى الإسلام، فقال: المراد بقوله: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين، انتقال أمر الخلافة الى بني أمية وذلك أن قيام معاوية عن علي بصفين حتى وقع التحكيم، هو مبدأ مشاركة بني أمية ثم استمر الأمر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة، فكان أول ماظهرت دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة، وساق ذلك بعبارة طويلة، عليه فيها مؤاخذات كثيرة، أولها دعواه أن قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين، وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب الأخبار، فإنها كانت بعد وقعة صفين بعدة أشهر، وكانت سنة سبع وثلاثين. والذي قدمته أولى بأن يحمل الحديث عليه. والله أعلم. انتهى.
***
وقد رأيت أن ما اختاره ابن حجر غير ما نسبه اليه السيوطي..
ورأيت تحيرهم جميعاً وكثرة احتمالاتهم، وتضاربها! وأن أكثرهم أخذوا زيادة
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 64
--------------------------------------------------------------------------------
(تجتمع عليه الأمة) محوراً لتفسيرهم، مع أنها لم تثبت واستنكرها عدد منهم ورأيت أن القاضي عياض لم يجزم بشىَ، بل ذكر وجوهاً عديدة بكلمة قيل ويحتمل.. وأن ابن حجر رجح الإحتمال الثالث منها، فقال (وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجهٌ أرجحها الثالث من أوجه القاضي).
والنتيجة التي يخرج منها القارىء لتفاسيرهم: أنهم يضيعون عليه الحديث الذي أرادوا أن يفسروه، وهو حديث صحيحٌ عندهم صريحٌ بالبشارة النبوية باثني عشر إماماً ربانيين، هداةٍ مهديين، قيمين على الأمة، ولكنهم يصرون على تلبيس الحديث لحكام بني أمية، وعلى خلطه بزيادةٍ وأحاديث غير ثابتة، لا يستقيم لها معنى، ولا أثر فيها للبلاغة النبوية !!
***
وإذا أردت مزيداً من الأمثلة على ضياعهم فاقرأ عون المعبود 11|362 ـ 364:
قال: بعض المحققين: قد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة. وقيل: إنهم يكونون في زمانٍ واحد يفترق الناس عليهم.
وقال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث وما يعتقبه في هذا المعنى، أن يحمل على المقسطين منهم، فإنهم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة، ولا يلزم أن يكونوا على الولاء.
وإن قدر أنهم على الولاء، فإن المراد منه المسمون على المجاز! كذا في المرقاة.
وقال الشيخ الأجل ولي الله المحدث في قرة العينين في تفضيل الشيخين: وقد استشكل في حديث: لا يزال هذا الدين ظاهراً الى أن يبعث الله اثني عشر خليفةً كلهم من قريش، ووجه الإستشكال: أن هذا الحديث ناظرٌ الى مذهب الإثني عشرية الذين أثبتوا اثني عشر إماماً.
والأصل أن كلامه صلى الله عليه وآله بمنزلة القرآن يفسر بعضه بعضاً، فقد ثبت من حديث عبد
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 65
--------------------------------------------------------------------------------
الله بن مسعود: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين سنة، أو ست وثلاثين سنة، أو سبع وثلاثين سنة، فإن يهلكوا فسبيل من قد هلك، وإن يقم لهم دينهم، يقيم سبعين سنة مما مضى.
وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث، ونحن نقول ما فهمناه على وجه التحقيق:
إن ابتداء هذه المدة من ابتداء الجهاد في السنة الثانية من الهجرة...!!
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنة خمس وثلاثين من ابتداء الجهاد وقعت حادثة قتل ذي النورين وتفرق المسلمين....
ولكن الله تعالى بعد ذلك جعل أمر الخلافة منتظماً، وأمضى الجهاد الى ظهور بني العباس، وتلاشي دولة بني أمية...
فتارةً أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خلافة النبوة، وخصصه بثلاثين سنة، والتي بعدهم عبرها بملكٍ عضوضٍ، وتارة عن خلافة النبوة، والتي تتصل بها كليهما معاً، وعبرها باثني عشر خليفة...
فالتحقيق في هذه المسألة: أن يُعتبروا بمعاوية وعبد الملك وبنيه الأربع (كذا) وعمر بن عبد العزيز، ووليد بن يزيد بن عبد الملك، بعد الخلفاء الأربعة الراشدين.
وقد نقل عن الإمام مالك أن عبد الله بن الزبير أحق بالخلافة من مخالفيه، ولنا فيه نظر، فإن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قد ذكرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن تسلط ابن الزبير واستحلال الحرم به مصيبةٌ من مصائب الأمة، أخرج حديثهما أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: جاء ابن الزبير الى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو، فقال عمر: أجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فرد ذلك عليه، فقال له عمر: في الثالثة أو التي تليها: أقعد في بيتك، والله إني لأجد بطرف المدينة منك وأصحابك أن تخرجوا فتفسدوا علي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الحاكم.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 66
--------------------------------------------------------------------------------
فمن لفظه بطرف المدينة، يفهم أن واقعة الجمل غير مراد ها هنا، بل المراد خروجه للخلافة، والى هذا المعنى قد أشار علي رضي الله عنه في قصة جواب الحسن رضي الله عنه، ولم ينتظم أمر الخلافة عليه.
ويزيد بن معاوية ساقطٌ من هذا البين، لعدم استقراره مدة يعتد بها، وسوء سيرته. والله أعلم. انتهى.
وأنت ترى أن صاحب قرة العينين اعترف بأن ملك بني أمية ملكٌ عضوضٌ، وأن خلافتهم ليست خلافة نبوة.. ومع ذلك فسر بهم الحديث، وطبق عليهم البشارة النبوية بالائمة الإثني عشر الربانيين القيمين بأمر الله تعالى على أمة نبيه !
كما ترى أنه حذف منهم الإمام الحسن والإمام المهدي عليهم السلام، وحذف ابن الزبير الذي أثبته الإمام مالك وآخرون... الخ. !
وهو مع ذلك ينتقد الذين غلطوا في تفسيره فيقول (وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث) ووعد الناس بأن يرفع المعضلة، ويحل المشكلة !!
ثم اقرأ ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية: 3|248:
ذكر الأخبار عن الأئمة الإثني عشر الذين كلهم من قريش. وليسوا بالإثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة، فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر بسرداب سامرا، وليس له وجودٌ ولا عين ولا أثر.
بل هؤلاء الأئمة الإثنا عشر المخبر عنهم في الحديث: الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الإثني عشر. انتهى.
ولعله يقصد بالقولين القول بتتابعهم زمنياً، وعدمه، ولكنهما وجهان في كل واحد منهما عددٌ من الأقوال.. وقد ذكر هو جملةً منها، ثم أشار ابن كثير الى
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 67
--------------------------------------------------------------------------------
الإحتمالات، وركز منها على مناقشة البيهقي فقال: فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الإثني عشر المذكورين في هذا الحديث، هم المتتابعون الى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد، فإنه مسلكٌ فيه نظر، وبيان ذلك: أن الخلفاء الى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة:
الخلافة بعدي ثلاثون سنة. ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لأن علياً أوصى اليه وبايعه أهل العراق، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام، حتى اصطلح هو ومعاوية كما دل عليه حديث أبي بكرة، في صحيح البخاري. ثم معاوية، ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن عبد الملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الإثني عشر يزيد بن معاوية، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز، الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه، وعدُّوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبةً على عدله وأن أيامه كانت من أعدل الأيام، حتى الرافضة يعترفون بذلك.
فإن قال: أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالب ولا ابنه، لأن الناس لم يجتمعوا عليهما، وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما، وعدَّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير، فإن الأمة لم تجتمع على واحد منهما.
فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عاداً للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد بن سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام، فهؤلاء عشرة، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، ولكن
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 68
--------------------------------------------------------------------------------
هذا لا يمكن أن يسلك، لأنه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الإثني عشر، وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة، بل والشيعة، ثم هو خلاف ما دل عليه نصاً حديث سفينة عن رسول الله أنه قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً. وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثلاثين سنة فجمعها من خلافة الأربعة، وقد بينا دخول خلافة الحسن، وكانت نحواً من ستة أشهر فيها أيضاً، ثم صار الملك الى معاوية لما سلم الأمر اليه الحسن بن علي.
وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة، وبيان أن الخلافة قط انقطعت بعد الثلاثين سنة لا مطلقاً، بل انقطع تتابعها، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك، كما دل عليه حديث جابر بن سمرة.
وقال نعيم بن حماد: حدثنا راشد بن سعد، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حذيفة بن اليمان قال: يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكاً من بني أمية، قيل له: خلفاء؟ قال: لا، بل ملوك.
وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة، عن أبي بحر قال: كان أبو الجلد جاراً لي، فسمعته يقول يحلف عليه: إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل البيت، أحدهما يعيش أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة.
ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد، وهذا عجيب منه !
وقد وافق أبا الجلد طائفةٌ من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا.
وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالى بشر ابراهيم بإسماعيل، وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً. انتهى.
ويقصد ابن كثير ما هو موجود في التوراة الفعلية ـ العهد القديم والجديد 1|25 ـ طبعة مجمع الكنائس الشرقية ـ في سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، قال:
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 69
--------------------------------------------------------------------------------
18 ـ وقال ابراهيم لله ليت اسماعيل يعيش أمامك.
19 ـ فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه اسحق، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً، لنسله من بعده.
20 ـ وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيراً جداً. اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة.
21 ـ ولكن عهدي أقيمه مع اسحق، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة الآتية. انتهى.
وقد وردت ترجمتها عن كعب الأحبار (قيماً) وترجمها بعضهم (إماماً)..
فالنص موجودٌ في التوراة، وفي مصادر السنة، والشيعة، وهو مؤيدٌ لبشارة نبينا صلى الله عليه وآله، ولكنه لا يحل مشكلة المفسرين السنيين، بل يزيدها !
فترة الأقامة :
5406 يوم
زيارات الملف الشخصي :
635
إحصائية مشاركات »
الشيخ محمد العبدالله
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
0.43 يوميا
الشيخ محمد العبدالله
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى الشيخ محمد العبدالله
زيارة موقع الشيخ محمد العبدالله المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها الشيخ محمد العبدالله