[ دعوة علي على انس ]
الغدير - الشيخ الأميني - ج 1 - ص 191 - 195
( من أصابته الدعوة )
بإخفاء حديث الغدير .
قد مر الايعاز في غير واحد من أحاديث المناشدة يومي الرحبة والركبان إلى أن
قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله الحضور في يوم غدير خم قد كتموا شهادتهم
لأمير المؤمنين عليه السلام بالحديث فدعا عليهم فأخذتهم الدعوة ، كما وقع النص بذلك
في غير واحد من المعاجم ، والقوم هم :
‹ صفحة 192 ›
1 - أبو حمزة أنس بن مالك المتوفى 90 / 1 / 3 .
2 - براء بن عازب الأنصاري المتوفى 71 / 2 .
3 - جرير بن عبد الله البجلي المتوفى 51 / 54 .
4 - زيد بن أرقم الخزرجي 66 / 8 .
5 - عبد الرحمن بن مدلج .
6 - يزيد بن وديعة .
( نظرة في حديث إصابة الدعوة )
ربما يقف في صدر القارئ الاختلاف بين الأحاديث الناصة بأن أنسا قد أصابته
الدعوة بكتمان الشهادة ، وما جاء موهما بشهادته ، لكن : عرفت أن الفريق الأخير منهما
محرف المتن فيه تصحيف ، وعلى تقدير سلامته لا يقاوم الأول كثرة وصحة وصراحة ،
مع ما هناك من نصوص أخرى غير ما ذكر . منها :
قال أبو محمد ابن قتيبة ( المترجم ص 96 ) في المعارف ص 251 : أنس بن مالك
كان بوجهه برص وذكر قوم : إن عليا رضي الله عنه سأله عن قول رسول الله : اللهم وال
من والاه ، وعاد من عاداه . فقال : كبرت سني ونسيت ، فقال علي : إن كنت كاذبا
فضربك الله بيضاء لا تواريها العمامة .
* ( قال الأميني ) * هذا نص ابن قتيبة في الكتاب وهو الذي اعتمد عليه ابن أبي
الحديد في شرح نهج البلاغة 4 ص 388 حيث قال : قد ذكر ابن قتيبة حديث البرص
والدعوة التي دعا بها أمير المؤمنين عليه السلام على أنس بن مالك في كتاب المعارف في
باب البرص من أعيان الرجال وابن قتيبة غير متهم في حق علي عليه السلام على المشهور
من انحرافه عنه . ا ه . وهو يكشف عن جزمه بصحة العبارة وتطابق النسخ على ذلك
كما يظهر من غيره أيضا ممن نقل هذه الكلمة عن كتاب المعارف لكن : اليد الأمينة
على ودايع العلماء في كتبهم في المطابع المصرية دست في الكتاب ما ليس منه فزادت
بعد القصة ما لفظه : قال أبو محمد : ليس لهذا أصل . ذهولا عن أن سياق الكتاب يعرب
عن هذه الجناية ، ويأبى هذه الزيادة إذ المؤلف يذكر فيه من مصاديق كل موضوع
‹ صفحة 193 ›
ما هو المسلم عنده . ولا يوجد من أول الكتاب إلى آخره حكم في موضوع بنفي شئ
من مصاديقه بعد ذكره إلا هذه فأول رجل يذكره في عد من كان عليه البرص هو أنس
ثم يعد من دونه ، فهل يمكن أن يذكر مؤلف في إثبات ما يرتأيه مصداقا ثم ينكره
بقوله لا أصل له ؟ وليس هذا التحريف في كتاب المعارف بأول في بابه فسيوافيك
في المناشدة الرابعة عشر حذفها منه ، وقد وجدنا في ترجمة المهلب بن أبي صفرة من تاريخ
ابن خلكان 2 ص 273 نقلا عن المعارف ما حذفته المطابع .
وقال أحمد بن جابر البلاذري المتوفى 379 في الجزء الأول من أنساب الأشراف :
قال علي على المنبر : أنشد الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير خم : اللهم وال
من والاه ، وعاد من عاداه ، إلا قام وشهد ؟ وتحت المنبر أنس بن مالك ، والبراء
بن عازب ، وجرير بن عبد الله البجلي ، فأعادها فلم يجبه أحد فقال : اللهم من كتم هذه
الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها . قال : فبرص
أنس ، وعمي البراء ، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته فأتى الشراة فمات في بيت أمه .
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4 ص 488 : المشهور أن عليا عليه السلام ناشد
الناس في الرحبة بالكوفة فقال : أنشدكم الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي و
هو منصرف من حجة الوداع : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ،
وعاد من عاداه ؟ فقام رجال فشهدوا بذلك . فقال عليه السلام لأنس بن مالك : ولقد
حضرتها فمالك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ؟ كبرت سني وصار ما أنساه أكثر مما أذكره
فقال له : إن كنت كاذبا فضربك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة . فما مات حتى أصابه البرص .
وقال في ج 1 ص 361 : وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين إن عدة من
الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين من علي عليه السلام قائلين فيه السوء و
منهم من كتم مناقبه وأعان أعدائه ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة ، فمنهم : أنس بن مالك
ناشد علي عليه السلام في رحبة القصر أو قالوا برحبة الجامع بالكوفة : أيكم سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه . فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها
وأنس بن مالك في القوم لم يقم . فقال له : يا أنس ؟ ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها
فقال : يا أمير المؤمنين ؟ كبرت ونسيت . فقال : اللهم إن كان كاذبا فارمه بيضاء لا تواريها
‹ صفحة 194 ›
العمامة . قال طلحة بن عمير : فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه ، و
روى عثمان بن مطرف : إن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن
أبي طالب ؟ فقال : إني آليت أن لا أكتم حديثا سألت عنه في علي بعد يوم الرحبة ،
ذاك رأس المتقين يوم القيامة ، سمعته والله من نبيكم .
وفي تاريخ ابن عساكر 3 ص 150 : قال أحمد بن صالح العجلي : لم يبتل أحد
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا رجلين معيقيب ( 1 ) كان به داء الجذام ، وأنس بن مالك
كان به وضح يعني البرص ، وقال أبو جعفر : رأيت أنسا يأكل فرأيته يلقم لقما كبارا
ورأيت به وضحا وكان يتخلق بالخلوق . وقول العجلي المذكور حكاه أبو الحجاج
المزي في تهذيبه كما في خلاصة الخزرجي ص 35 وقد نظم السيد الحميري ( 2 )
إصابة الدعوة عليه في لاميته الآتية بقوله :
في رده سيد كل الورى * مولاهم في المحكم المنزل
فصده ذو العرش عن رشده * وشأنه بالبرص الأنكل
وقال الزاهي ( 3 ) في قصيدته التي تأتي :
ذاك الذي استوحش منه أنس * أن يشهد الحق فشاهد البرص
إذ قال : من يشهد بالغدير لي ؟ * فبادر السامع وهو قد نكص
فقال : أنسيت . فقال : كاذب * سوف ترى ما لا تواريه القمص
وهناك حديث مجمل أحسبه إجمال هذا التفصيل ، أخرج الخوارزمي من طريق
الحافظ ابن مردويه في مناقبه عن زاذان أبي عمرو : إن عليا سأل رجلا في الرحبة من
حديث فكذبه ، فقال علي : إنك قد كذبتني ، فقال : ما كذبتك . فقال : أدعو الله عليك
إن كنت كذبتني أن يعمي بصرك ، قال : ادع الله . فدعا عليه فلم يخرج من الرحبة
حتى قبض بصره .
‹ صفحة 195 ›
ورواه خواجة پارسا في فصل الخطاب من طريق الإمام المستغفري ( 1 ) وكذلك
نور الدين عبد الرحمن الجامي عن المستغفري ، وعده ابن حجر في الصواعق ص 77 من
كرامات أمير المؤمنين عليه السلام ، ورواه الوصابي في محكي الاكتفاء عن زاذان من
طريق الحافظ عمر بن محمد الملائي في سيرته وجمع آخرون .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 194 ›
( 1 ) معيقيب ( مصغرا ) هو ابن أبي فاطمة الدوسي الأزدي من أمناء عمر بن الخطاب على بيت
المال ، ترجمه ابن قتيبة في المعارف ص 137 .
( 2 ) أحد شعراء الغدير في القرن الثاني يأتي هناك شعره وترجمته .
( 3 ) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع يأتي هناك شعره وترجمته .
‹ هامش ص 195 ›
( 1 ) جعفر بن محمد النسفي المستغفري المولود 350 والمتوفى 432 صاحب التآليف القيمة
ترجمه الذهبي في تذكرته 3 ص 300 .
( 2 ) كتاب سليم من الأصول المشهورة المتداولة في العصور القديمة المعتمد عليها عند محدثي
الفريقين وحملة التاريخ ، قال ابن النديم في الفهرست ص 307 : ( إن سليما ) لما حضرته الوفاة
قال لأبان : إن لك علي حقا وقد حضرتني الوفاة يا بن أخي ؟ إنه كان من أمر رسول الله كيت و
كيت . وأعطاه كتابا وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور ، إلى أن قال : وأول كتاب ظهر
للشيعة كتاب سليم . وفي التنبيه والاشراف للمسعودي ص 198 ما نصه : والقطعية بالإمامة
الاثنا عشرية منهم الذين أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه . وقال السبكي
في محاسن الرسائل في معرفة الأوائل . إن أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم . واللام في كلام
ابن النديم والسبكي للمنفعة فمفادها أنهم كانوا يحتجون به فيخصمون المجادل لاقتناعه بما فيه
ثقة بأمانة سليم في النقل لا محض أن الشيعة تقتنع بما فيه وهو الذي يعطيه كلام المسعودي حيث
أسند احتجاج الإمامية الاثني عشرية في حصر العدد بما فيه ، فإن الاقتناع بمجرده غير مجد في
عصور قام الحجاج فيها على أشدها ، ولذلك أسند إليه وروى عنه غير واحد من أعلام العامة منهم
الحاكم الحسكاني ( المترجم ص 112 ) في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : والإمام الحمويني
( المترجم ص 123 ) في فرايد السمطين ، والسيد ابن شهاب الهمداني ( المذكور ص 127 ) في
مودة القربى ، والقندوزي الحنفي ( المترجم ص 147 ) في ينابيع المودة ، وغيرهم وحول الكتاب
كلمات درية أفردناها في رسالة ، وإنما ذكرنا هذا الاجمال لتعلم أن التعويل على الكتاب مما تسالم
عليه الفريقان ، وهو الذي حدانا إلى النقل عنه في كتابنا هذا .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|