الدرس السادس عشر : التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته
عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال : يارسول الله ! ليس لي قائد وقد شق علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ائت الميضاة فتوضأ ثم صلي ركعتين ثم قل : اللهم إني أسئلك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمه يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك فيجلى لي عن بصري ، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي ، قال عثمان : فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر )) . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه . وقال الذهبي عن الحديث إنه صحيح 1/519 . وقال الترمذي في أبواب الدعوات أخر السنن : هذا حديث حسن صحيح غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي .
قلت : والصواب أن أبا جعفر هو الخطمي المدني كما جاء مصرحا به في روايات الطبراني والحاكم والبيهقي ، وزاد الطبراني في المعجم الصغير أن اسمه عمير بن يزيد وأنه ثقة ، قال العلامة المحدث الغماري في رسالته (( اتحاف الاذكياء )) : وليس من المعقول أن يجمع الحفاظ على تصحيح حديث في سنده مجهول خصوصا الذهبي والمنذري والحافظ .
قال المنذري : ورواه أيضا النسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه ( كذا في الترغيب كتاب النوافل باب الترغيب في صلاة الحاجة ( ج1 ص 438 ) .
وليس هذا خاصا بحياته صلى الله عليه وسلم بل قد استعمل بعض الصحابة هذه الصيغة من التوسل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فقد روى الطبراني هذا الحديث وذكر في أوله قصة وهي : أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي اله عنه في حاجة له ، وكان عثمان رضي الله عنه لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقي الرجل عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه ،فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضاة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل : (( اللهم إني أسئلك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمه يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي ، وتذكر حاجتك .......
فانطلق الرجل فصنع ماقال له ، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذه بيده فأدخله على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة وقال : ماحاجتك ؟ فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال : ماذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ثم قال : ما كانت لك حاجه فأتنا ، ثم إن الرجل لما خرج من عنده لقى عثمان بن حنيف وقال له : جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في ، فقال عثمان بن حنيف : والله ماكلمته ، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو تصبر ؟ فقال يارسول الله ! ليس لي قائد ، وقد شق علي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ائت الميضاة فتوضأ ثم صلي ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات ، فقال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط )) .
قال المنذري : رواه الطبراني ، وقال بعد ذكره : والحديث صحيح ، كذا في الترغيب ج 1 ص 440 وكذا في مجمع الزوائد ج 2 ص 279 .
وقال الشيخ ابن تيمية : قال الطبراني روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر عن شعبة ، قال أبو عبد الله المقدسي : والحديث صحيح .
قلت : قال الشيخ ابن تيمية : ذكر تفرده بمبلغ علمه ولم تبلغه رواية روح بن عبادة عن شعبة ، وذلك إسناد صحيح يبين أنه لم ينفرد به عثمان بن عمر اهـ.
( قاعدة جليله في التوسل والوسيلة ص 106)
وبهذا ظهر أن هذه القصة صححها الطبراني والحافظ أبو عبد الله المقدسي ، ونقل ذلك التصحيح الحافظ المنذري والحافظ نور الدين الهيثمي والشيخ ابن تيميه (1)
وحاصل القصة أن عثمان بن حنيف الراوي للحديث المشاهد للقصة علم من شكا إليه إبطاء الخليفة عن قضاء حاجته هذا الدعاء الذي فيه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والنداء له مستغيثا به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، ولما ظن الرجل أن حاجته قضيت بسبب كلام عثمان مع الخليفة ، بادر ابن حنيف بنفي ذلك الظن وحدثه بالحديث الذي سمعه وشهده ليثبت له أن حاجته إنما قضيت بتوسله به صلى الله عليه وسلم وندائه له واستغاثته به ، وأكد ذلك له بالحلف أنه ما كلم الخليفة في شأنه .
------------------------------------
(1) قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب : قال الطبراني بعد ما ذكر طرقه : والحديث صحيح وقول الطبراني هذا يدل دلالة واضحة على تصحيحه للحديث من جميع طرقه التي وردت ، ومنها طريق القصة فهو صحيح عنده غير متكلم فيه ، والراوي للحديث وللقصة واحد ، وهو = عثمان بن حنيف ، وصحح الحاكم القصة أيضا ، فقال : تابعه شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم بزيادات في المتن والإسناد ، والقول فيه قول شبيب ، فإنه ثقة مأمون ، كذا في المستدرك ج 1 ص 526 قلت : ولم يعترض على هذا الذهبي بشئ فهو إقرار منه بذلك . هذا وقد صنف بعض أهل العلم رسالة خاصة في هذا الحديث وجمع طرقه سماها : (( المنار المنيف في حديث عثمان بن حنيف )).
|