الدرس الثالث : محل الخلاف
ومحل الخلاف في مسألة التوسل هو التوسل بغير عمل المتوسل ، كالتوسل بالذوات والاشخاص بأن يقول : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أو أتوسل إليك بأبي بكر الصديق أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم ، فهذا هو الممنوع عند بعضهم .
ونحن نرى الخلاف شكلي وليس بجوهري ، لان التوسل بالذات يرجع في الحقيقة إلى توسل الانسان بعمله وهو المتفق على جوازه ، ولو نظر المانع المتعنت في المسأله بعين البصيرة لانجلى له الامر وأنحل الاشكال وزالت الفتنة التي وقع بسببها من وقع فحكم على المسلمين بالشرك والضلال .
وسأبين كيف أن المتوسل بغيره في الحقيقة متوسل بعمله المنسوب إليه والذي هو من كسبه .
فأقول : إعلم أن من توسل بشخص ما فهو لانه يحبه إذ يعتقد صلاحه وولايته وفضله تحسينا للظن به ، أو لانه يعتقد أن هذا الشخص محب لله سبحانه وتعالى يجاهد في سبيله ، أو لانه يعتقد أن الله تعالى يحبه كما قال تعالى : ( يحبهم ويحبونه ) أو لاعتقاد هذه الامور كلها في شخص المتوسل به .
وإذا تدبرت الامر وجدت أن هذه المحبة وذلك الاعتقاد من عمل المتوسل لانه اعتقاده الذي انعقد عليه قلبه فهو منسوب إليه ومسئول عنه ومثاب عليه ، وكأنه يقول : يارب إني أحب فلانا وأعتقد أنه يحبك وهو مخلص لك ويجاهد في سبيلك ، وأعتقد أنك تحبه وأنت راض عنه فأتوسل إليك بمحبتي له وباعتقادي فيه أن تفعل كذا وكذا ، ولكن أكثر المتوسلين يتسامحون في التصريح بهذا الامر مكتفين بعلم من لاتخفى عليه خافية في الارض ولا السماء يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور.
فمن قال : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك ، هو ومن قال : اللهم إني أتوسل إليك بمحبتي لنبيك ، سواء لان الاول ماأقدم على هذا إلا لمحبته وإيمانه بنبيه ، ولولا المحبة له والايمان به ماتوسل به ، وهكذا يقال في حق غيره من أولياء الامة .
وبهذا ظهر أن الخلاف في الحقيقة شكلي ولايقتضي هذا التفرق والعداء بالحكم بالكفر على المتوسلين وإخراجهم عن دائرة الاسلام ( سبحانك هذا بهتان عظيم )
|