عرض مشاركة واحدة
قديم 11-22-2010, 02:14 PM   #2
ثار الله
موالي مميز


الصورة الرمزية ثار الله
ثار الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 06-13-2015 (06:11 PM)
 المشاركات : 186 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فهذه نماذج من النساء حدثنا القرآن الكريم عنهنّ ولم يكنّ نبيّات ومع ذلك شاهدن الملائكة وحدّثنهم ، أو أوحي إليهّن باسلوب آخر غير تحديث الملائكة ، ولم يستنكر ذلك أحد . ففاطمة عليها السلام دلّت النصوص على أنها كانت محدّثة ولم تكن نبيّة ، وكذلك تقول الشيعة الإمامية بالنسبة لأئمة أهل البيت عليهم السلام دون أن يدّعي أحد منهم لهم النبوّة إذ لا تلازم بينهما كما تقدم .
ثم إن الإ‘تقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء – سلام الله عليها – لا يعدّ غلوّاً ، ولا مبالغة في فضلها ، فهي سلام الله عليها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وأفضل من مريم بنت عمران ومن سارة امرأة ابراهيم عليه وعلى نبينا السلام ، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهما للملائكة وتكليمهما لهم ، فأيّ غلوّ في نسبة مثل ذلك لمن هي أفضل منهما ؟
روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة )) (2)
_________________
(1) سورة هود / 69 – 73 .
(2) صحيح البخاري 4 /209 – 219 .
(10)
وروى مسلم عنه صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لها : (( يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمّة )) (1) .
وهي سلام الله عليها ممن نزلت بهم آية المباهلة والتطهير وضمّهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بكسائه .
ومن الجدير بالذّكر أن الوحي له أساليب وأغراض متعددّة ولا تلازم بين الوحي والنبوّة ، وإن كان كل نبي لا بدّ أن يوحى إليه ، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآنية ، فبالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لم يكن كل ما نزل عليه من الوحي قرآناً ، فهناك الأحاديث القدسية وهناك تفسير القرآن وتأويله ، والإخبار بالموضوعات الخارجية وأمثال ذلك وكلها ليست قرآناً .
فاتضح أن تحديث الملائكة للزهراء سلام الله عليها لم يكن من الوحي النبوي ولا من الوحي القرآني .
المحدّثون عند أهل السنة
إذا كان تحدّث الملائكة مع أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا غلوّاً ، فلنلقي نظرة على كتب الحديث
__________________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16 / 6- 7 .
(11)
والسيرة والتاريخ عند أهل السنة ، لنرى كيف يدّعى تحديث الملائكة مع جماعة من رجالهم :
(1) أخرج البخاري في مناقب عمر بن الخطاب – وبعد حديث الغار – عن أبي هريرة ، وأخرج مسلم في فضائل عمر أيضاً عن عائشة : أن عمر بن الخطاب كان من المحدثين .
وقد حاول شرّاح البخاري أن يأولوه بأن المراد أنه من الملهمين أو من الّذين يلقى في روعهم أو يظنون فيصيبون الحق فكأنّه حُدّث (1) ... وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر للفظ . ولأجل ذلك قال القرطبي : إنّه ليس المراد بالمحدّثين المصيبين فيما يظنون ، لأنه كثير في العلماء بل وفي العواك من يقوى حدسه قتصح إصابته ، فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر (2) .
(2) ممن ادّعى أن الملائكة تحدّثهم عمران بن الحصين الخزاعي المتوفى سنة 52 هـ قالوا : كانت الملائكة تسلّم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً ، ثم أكرمه الله بردّ ذلك (3) .
__________________
(1) صحيح البخاري 4/200 ، وصحيح مسلم بشرح النووي 15/166، وسنن الترمذي 5/581 وراجع : ارشاد الساري شرح صحيح البخاري 6/99و 5/431 .
(2) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن .
(3) ابن سعد : الطبقات الكبرى 7/11و4/288 – 289 ، ومعجم الطبراني الكبير 18/107 ، ح /203 .
(12)
(3) ومنهم أبو المعالي الصالح المتوفى سنة 27هـ ، رووا أنه كلّمته الملائكة في صورة طائر (1) .
(4) أبو يحيى الناقد المتوفى سنة 285 هـ رووا أنّه كلّمته الحوراء (2) .
وأمثال هذه المرويات في كتب السّنة غير قليل ، ولم يستنكر ذلك أحد ولم يتّهم أصحابها بالغلو .
ومما يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوّة ما رواه الكليني عن حمران بن أعين قال : قال أبو جعفر { الباقر} عليه السلام : (( إن علياً كان محدّثاً )) فخرجت إلى أصحابي فقلت : جئتكم بعجيبة فقالوا : وما هي ؟ فقلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كان علي عليه السلام محدثاً ، فقالوا : ما صنعت شيئاً ، ألا سألته من كان يحدّثه ، فرجعت إليه .. فقال لي : يحدّثه ملك ، قلت : تقول : إنّه نبي ؟ قال : فحرّك يده – هكذا (3) – أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنه قال : وفيكم مثله (4) ؟ ! .
__________________
(1) ابن الجوزي : المنتظم 17/82 ، وصفوة الصفوة 2/250 .
(2) ابن الجوزي : المنتظم 12/ 386 ، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/362 .
(3) لعلّ المراد أنه أشار بيده نفياً ، و ((أو)) لعلّها من زيادة النساخ ، ولعلّها هو ، وفي البصائر : وكصاحب سليمان ...
(4) الكليني : الكافي 1/271 .
(13)
وفي (( بصائر الدرجات )) هذا الخبر هكذا : عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ألست حدثتني أنّ عليّاً كان محدّثاً ؟ قال : بلى ، قلت : من يحدثه ؟ قال : ملك . قلت : فأقول : إنّه نبيّ أو رسول ؟ قال : لا . بل مثله مثل صاحب سليمان ومثل صاحب موسى ، ومثل ذي القرنين (1) { أما بلغك أن علياً سئل عن ذي القرنين ، فقالوا : كان نبيّاً ؟ قال : لا ، بل كان عبداً أحبّ الله فأحبّه وناصح الله فناصحه } (2) .
ولا بدّ من الإشارة إلى بعض رواياتنا التي تتحدث عن مصحف فاطمة أنه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وخط علي عليه السلام :
(1) فعن علي بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام : (( ... وعندنا والله مصحف فاطمة ، مافيه آية من كتاب الله وانه لإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام بيده )) (3) .
(2) عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (( ... وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنه من كلام الله أنزل عليها إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
______________________
(1) الصفار : بصائر الدرجات / 323 ط . المرعشي .
(2) الأميني الغدير 5/48 عن بصائر الدرجات ، إلاّ أن في البصائر المطبوعة سقطت هذه العبارة .
(3) المجلسي : بحار الأنوار 26/41 ، 47/271 ، والصفار : بصائر الدّرجات /153 ط . المرعشي .
(14)
وحط علي )) (1) .
(3) عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام : (( ... وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام أما والله ما فيه حرف من القرآن ، ولكنه إملاء رسول الله وخط علي )) (2) .
هذه الروايات الثلاث تخالف الروايات المستفيضة المتقدمة في حقيقة مصحف فاطمة ، حيث ذكرت أنه (( إملاء رسول الله )) والثانية منها لا تخلو من تهافت حيث جعلته كلاماً من كلام الله أنزل عليها ، وفي عين الحال جعلته من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولو كان من إملاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما كان منزلاً عليها بل عليه ، والحاصل أنه لا بد من علاج هذه الروايات أو طرحها والعلاج بأحد وجوه :
1ـ ربما كان ذلك من باب اشتباه الرواي أو الناسخ حيث خلط بين الصحيفة الجامعة التي أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على علي عليه السلام وخطها بيمينه ، وبين مصحف فاطمة الذي بيّنت الروايات أنه حدّث الملك به فاطمة وكتبه علي عليه السلام ، خاصة كون الإثنين واردين معاً في نفس النصوص المذكورة .
____________________
(1) المجلسي : بحار الأنوار 26 / 42 ، والصفار : بصائر الدرجات /155 ط . المرعشي .
(2) المجلسي : بحار الأنوار 26 / 48 – 49 ، والصفار : بصائر الدرجات / 161 ط . المرعشي .
(15)
2ـ أن يكون المراد برسول الله في هذه الأخبار الملك الذي كان يحدّث فاطمة عليها السلام لا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( كما احتمله المجلسي ) .
3- كما يحتمل أن يكون مصحف فاطمة عليها السلام متضمناً لبعض المعارف التي تلقّتها عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى ما تقدّم من الأمور التي كان يحدّثها بها الملك ، ولعلّ الرواية التي تذكر شمول المصحف المذكور لوصيّة فاطمة عليها السلام تقصد هذا . فيصحّ عنئذٍ أنه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بهذا الإعتبار ، والله أعلم .
4ـ كما يحتمل أن تكون فاطمة عليها السلام قد تركت مصحفين ، الأول دونت فيه بخط علي عليه السلام ما حدّثتها الملائكة به بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم والآخر دونت فيه بعض العلوم التي أملاها عليها وعلى علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه فيتعدّد الموضوع .
وعلى أي حال فهذا لا يضرّ بمقصودنا ، وهو نفي التهمة التي يتمسّك بها المخالفون ، حيث صرّحت جميع الأخبار – بما فيها هذه الثلاثة المتقدمة – بنفي القرآنية عن مصحف فاطمة .
في نهاية المطاف نذكّر أن المصحف المذكور بقي عند أئمة أهل البيت عليهم السلام يتوارثونه مع بقيّة الكتب المتضمنّة لعلوم الأنبياء والرسل الماضين ، ومع صحيفة الأحكام الجامعة التي أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على علي عليه السلام ...
(16)
وقد كان هذا الميراث العلمي يشكل أحد علائم الإمامة الكبرى .
المهمّ هو الإشارة إلى أن مصحف فاطمة كبقية الصحف والكتب لم تنتقل إلى غيرهم عليهم السلام ، ولم تصل إلى شيعتهم ، وليس هناك أي واقع لما يدّعيه افتراءً بعض الكتّاب من كون هذا المصحف متداولاً في بعض مناطق الشيعة ، لا في بلاد الحجاز ولا في غيرها ، والمؤسف أن أصحاب هذه الأقلام يطلقون العنان لأقلامهم دون تدبّر ولا تثبّت ، ويأخذون معلوماتهم من العوام ، ويصدقون كل مقولة للطعن والتشنيع ، فيثبتونها في كتبهم لتصبح بعد ذلك مصادر يعتمد عليها المأجورون والساعون وراء تفريق المسلمين وزرع الفتن بينهم .
نسأله تعالى أن يعصمنا من الزلل وأن يغفر لنا هفوات الفكر واللسان وأن يحفظ المسلمين من كيد الشياطين وأهل الفتن .


 

رد مع اقتباس