فقد قال الشيخ الصدوق في كمال الدين: وقال علماء الإمامية: قال الله عزَّ وجل {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} فوجب بعموم هذه الآية، أن لا يزال في آل إبراهيم مصطفى، وذلك أنَّ الله عزَّ وجل جنَّس الناس في هذا الكتاب جنسين، فاصطفى جنساً منهم وهم الأنبياء والرسل والخلفاء (عليهم السلام)، وجنساً أُمروا باتِّباعهم، فما دام في الأرض مَن به حاجة إلى مدبِّرٍ وسائسٍ ومعلِّمٍ ومقوِّمٍ، يجب أن يكون بإزائهم مصطفى من آل إبراهيم، ويجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله عزَّ وجل {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}، وقد صح أنَّ رسول الله (عليهما السلام) وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) المصطفون من آل إبراهيم، فوجب أن يكون المصطفى بعد الحسين (عليه السلام) منه لقوله عزَّ وجل {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعضٍ}، ومتى لم تكنْ الذريَّةُ منه لا تكون الذريَّةُ بعضها من بعض، إلا أن تكون في بطنٍ دون جميعهم، وكانت الإمامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسين ’، وجب أن يكون منه ومن صلبه مَن يقوم مقامه، وذلك معنى قوله تعالى {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فدلت الآية على ما دلت السُّنَّة عليه.
وأخرج الصدوق في عيون الأخبار ـ باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون والمجلس مشهور جداً ومعروف محفوظ وثابت قطعاً ـ.... فقال المأمون: هل فضَّل الله العترةَ على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إنَّ الله عزَّ وجل أبانَ فَضْلَ العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال له المأمون: وأين ذلك من كتاب الله؟ فقال له الرضا (عليه السلام) في قول الله عز وجل {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وأخرج الشيخ الطوسي في الأمالي والحاكم الحسكاني في الشواهد بإسنادهما عن محمد بن إبراهيم قال: سمعت جعفر بن محمد ’ يقول: كان يقرأ {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ وَآلَ مُحَمَّد على الْعَالَمِينَ} قال: هكذا أنزلت.
أقول: قوله (عليه السلام) «هكذا أنزلت»، محمول على إرادة التأويل والتفسير، أي أنَّ الآية هكذا نزلت مع تأويلها وتفسيرها، وليس مقصود الإمام (عليه السلام) أنَّ لفظ «وآل محمد» هو من جملة الآية، فإنَّ الشيعة وتبعاً لأئمتهم يُؤمنون بعدم تحريف القرآن الكريم، وأنه قد تكفَّل سبحانه بحفظه وصونه عن كلِّ تحريف وتغيير.
وأخرج ابن البطريق من تفسير الثعلبي بإسناده عن الأعمش عن أبي وائل قال: قرأت في مصحف عبد الله ابن مسعود {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ مُحَمَّد على الْعَالَمِينَ}.
وأخرج أيضاً من كتاب الجمع بين الصحاح الستة لرزين بن معاوية قال: وقال ابن عباس {َآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران، وآل يس وآل محمد (عليهم السلام).
وأخرج العياشي في تفسيره بإسناده عن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} قال: نحن منهم، ونحن بقيَّةُ تلك العترة.
وأخرجه أيضاً عن أيوب عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وكذا عن أبي عمرو الزبيري.
وأخرج فرات في تفسيره عن أبي مسلم الخولاني قال: دخل النبي (عليهما السلام) على فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعائشة وهما يفتخران وقد احمرَّت وجوههما، فسألهما عن خبرهما فأخبرتاه، فقال النبي(عليهما السلام): يا عائشة أَوَ ما علمتِ أنَّ الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران وعلياً والحسن والحسين وحمزة وجعفر وفاطمة وخديجة على العالمين.
وقال اليعقوبي في تاريخه: وبلغ عثمان أنَّ أبا ذر يقعد في مجلس رسول الله (عليهما السلام) ويجتمع إليه الناس، فيحدِّث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد فقال: أيها الناس مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا: أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد (صلى الله عليه وآله).
وغير هذا ومثله وفي مصادر كثيرة وبأسانيد مختلفة، فراجع(5).
وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ} إلى قوله {يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال ابن عباس: وآل عمران المؤمنون من آل ابراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد (عليهما السلام).
وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناده عن ابن عباس قوله {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ} قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد (عليهما السلام).
وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} قال هم المؤمنون من آل ابراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد (عليهما السلام).
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن الأعمش عن شقيق قال: قرأت في مصحف عبد الله ابن مسعود {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ وَآلَ مُحَمَّد على الْعَالَمِينَ}.
وبإسناده عن نمير بن عريب: أنَّ ابن مسعود كان يقرأ: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً} الآية، يقول ابن عباس: وآل عمران وآل أحمد على العالمين.
قال الحسكاني: قلتُ: إن لم تثبت هذه القراءة، فلا شك في دخولهم في الآية لانهم آلُ إبراهيم(6).
أقول: وحسبك ما نقلناه لك عن بعض كتب العامة المعتمَدَة عندهم، ولو لم يكنْ إلا ما في صحيح البخاري لكفى، وهذا المقدار الذي نقلناه لك مع تفطُّنِك إلى تعدُّد الطرق واختلافها واختلاف المنقول عنهم وفي وقائع مختلفة، مما يُورِث إن لم يكن القطع بالصحة ـ وهو كذلك ـ فلا أقل من الاطمئنان، فإنَّ ما نقلناه لك مع ما في المصادر المشار إليها مما لم ننقله يصل إلى حد التواتر بلا شبهة، وعليه فالمضمون يثبت على تمام وجميع المسالك في العمل بالخبر.
وأخيراً: فليتني أدري ما الذي دعى السيد محمد حسين للإعراض عن الإشارة والتنويه بفضيلة لأهل بيت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وعليهم السلام أجمعين؟!!!
نعم وجدنا مَن لا تستسيغ له نفسُه ولا تطاوعه على الإذعان بالحق فيما يخصُّ آل محمد (عليهما السلام)، وجدناه مفترياً على المذهب الحق، مكذِّباً نفسَه، ومتفوِّهاً بما كذَّبه وسيبقى يكذِّبه به كلُّ مطلع على بهتانه وافترائه.
نعم حيث تفطن إلى أنَّ الإقرار بشمول الاصطفاء لآل محمد (عليهم السلام)، سيضطره إلى الاعتراف بكون أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الوصي والخليفة الحق بعد الرسول الأكرم (عليهما السلام)، وأوحى إليه شيطان الهوى والضلال أنه لا مجال للتفصي عن ما يلزم عن الإقرار، فبادر إلى الهذيان والهجوم، وقد قيل بأنَّ أفضلَ وسيلة للدفاع هو الهجوم، ولكنه ما اكتفى بذلك، بل زاد وافتري إثماً وبهتاناً عظيماً.
فقد قال ابن كثير ـ وهو ابن كثيرين بحق ـ وزعمت الروافض: أنَّ اسم أبي طالب عمران، وأنه المراد من قوله تعالى {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ وَآلَ مُحَمَّد على الْعَالَمِينَ}، وقد أخطأوا في ذلك خطأ كثيراً، ولم يتأملوا القرآن قبل أن يقولوا هذا البهتان من القول في تفسيرهم له، على غير مراد الله تعالى(7).
أقول: نعم نحن الذين رفضنا كلَّ بيعة ضلال، ورفضنا كلَّ باطل ومن اليوم الأول تبعاً لأئمة الهدي، نقول للمفتري المخادِع ولأمثاله النواصب:
إمَّا أنك لم تنظر في كتبنا وهذا إحتمال بعيد وموهوم جداً، وإمَّا أنك مفتريٍ مخادعٌ متعصِّبٌ وهو الاحتمال المتعيِّن.
ونقول: هذه هي كتب أبناء الفرقة الناجية، وقد ملأت بفضل الله تعالى الخافقيَن، فهلَّا أتانا أحد بشاهد ولو ضعيف على افتراءِ هذا الناصبيِّ وبهتانِهِ؟
يا أيها المنصف، دونك كتب الشيعة الإمامية، وفي جميع الفنون والعلوم منتشرة مباحة، فهل تجد لما زعمه وليُّ الإفك والزور من وجه، سوي أنه أعماه الهوي، وأضله الله عن علم؟!!
---------------------
(1)البحرين ج1 ص 680، تاج العروس ج 10 ص 211
(2) صحيح البخارى ج 8 ص 26و113، صحيح مسلم ج 3 ص 100 وج 5 ص 116، سنن ابن ماجة ج 1 ص 625 ـ 626، سنن أبي داود ج 2 ص 343، سنن الترمذي ج 2 ص 442، سنن الدارمى ج 2 ص 179، السنن الكبري للبيهقي ج 8 ص 211 ـ 213، مسند احمد بن حنبل ج 1 ص 36 ـ 47 و55 و143 وج 4 ص 368 وج 5 ص 132 وج 6 ص 269، المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 359 ـ 360، فتح البارى ج 11 ص 219 ـ 220، مجمع الزوائد ج 1 ص 97
(3) تفسير من وحي القرآن ج 5 ص 342 إلى344.
(4) الندوة 1ص 268
(5) الكافي ج8 ص117، كمال الدين وتمام النعمة ص 64 – 65، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 207 – 209، بشارة المصطفى 305 و350، الأمالي للشيخ الطوسي ص300، العمدة ص 55، خصائص الوحي المبين ص111- 113، تفسير العياشي ج 1 ص 168، تفسير القمي ج 1ص100، تفسير فرات ج1 ص 78، بحار الأنوار ج 32 ص 222 و225 وج 73 ص 63 وج 72 ص 320 وج 82 ص 275 وج 44 ص 317، شرح الأخبار ج 2 ص 499، تفسير مجمع البيان ج 2 ص 278، تفسير التبيان ج 2ص 441، سعد السعود ص 79، تفسير نور الثقلين ج 1 ص 328، تفسيرالصافي ج 1 ص 328 وكنز الدقائق ج 2ص60-62 و483، تفسير الميزان ج 3 ص 168، تأويل الآيات ج 1 ص 105، الاختصاص ص 256، الغيبة للنعماني ص 281، روضة الواعظين ص185، مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 215
(6) من مصادر أبناء السُّنة: صحيح البخارى ج 4 ص 138، شواهد التنـزيل ج1 ص152 - 154، تفسيرجامع البيان ج 3 ص 317، الدر المنثور ج 2 ص 17، تفسير القرطبي ج4 ص 62، فتح القدير ج1 ص 334، تاريخ اليعقوبي ج2 ص 171، ينابيع المودة ج1 ص134
(7) البداية والنهاية ج 7 ص 369.
|