عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 11-10-2010, 07:40 AM
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5405 يوم
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الآية الثالثة عشر قوله تعالى {وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم

الآية الثالثة عشر قوله تعالى {وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} سورة ‏النحل الآية 16‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}، في ما ‏جعله الله لهم من دلائل تُوضِّح مسالك الطرق، وتمنعهم من الحيرة والضياع على الأرض، أما في ‏الصحراء والبحار حيث لا علامات منصوبة متميِّزة، فإنَّ الله ألهمهم الاهتداءَ بالنجم، من خلال ‏خارطة السماء التي اكتشفوا ما تبيِّنه من طريق السير(1).‏
أقول: في نفس اللحظة ـ قبل بضع ثوان ـ التي كنتُ أنقل فيها كلام السيد محمد حسين من ‏كتابه، تذكرتُ كلاماً قاله الإماميُّ الحكيمُ هشام بن الحكم، مُحتجَّاً على أحد أئمة الضلال في ‏البصرة، فأحببتُ أن أنقله، بل الحق، أنه وحده يكفي وفوق الكفاية.‏
فقد روي الكليني بإسناده عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) ‏جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام ابن سالم، والطيار، ‏وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا هشام ألا تخبرني ‏كيف صنعتَ بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ فقال هشام: يا ابن رسول الله، إني أُجِلُّكَ وأستحييكَ ولا ‏يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أمرتكم بشيء فافعلوا. قال هشام: ‏بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، فعظم ذلك عليَّ فخرجتُ إليه ‏ودخلت البصرة يوم الجمعة، فأتيتُ مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه ‏شملة سوداء متَّزِرٌ بها من صوف، وشملة مرتد بها والناس يسألونه، فاستفرجتُ الناس فأفرجوا ‏لي، ثم قعدتُ في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ ‏فقال لي: نعم، فقلتُ له: أَلَك عينٌ؟ فقال يا بني أيُّ شي هذا من السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل ‏عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي، فقال: يا بني سلْ وإن كانت مسألتُك حمقاء. قلتُ: أجبني فيه، قال لي: ‏سلْ، قلت: أَلَك عينٌ؟ قال: نعم، قلتُ: فما تصنع بها؟ قال: أري بها الألوان والأشخاص، قلتُ: فلك ‏أنف؟ قال: نعم، قلتُ: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة، قلتُ: ألك فم؟ قال: نعم، قلتُ: فما ‏تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلتُ: فلك أذن؟ قال: نعم، قلتُ: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها ‏الصوت، قلتُ: ألك قلب؟ قال: نعم، قلتُ: فما تصنع به؟ قال: أميِّز به كلما ورد على هذه الجوارح ‏والحواس، قلتُ: أَوَ ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا، قلتُ: وكيف ذلك وهي ‏صحيحة سليمة؟! قال: يا بني إنَّ الجوارح إذا شكَّت في شيء شمَّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ‏ردَّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك، قال هشام: فقلتُ له: فإنما أقام اللهُ القلبَ لشكِّ ‏الجوارح؟ قال: نعم، قلتُ: لا بُدَّ من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، فقلتُ له: يأ أبا ‏مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً، يُصحِّح لها الصحيح ويتيقن به ‏ما شكَّ فيه، ويترك هذا الخلقَ كلَّهم في حيرتهم وشكِّهم واختلافِهم، لا يُقيِم لهم إماماً يردُّون إليه ‏شكَّهم وحيرتَهم، ويُقيِمُ لك إماماً لجوارحك تردُّ إليه حيرتَك وشكَّك؟!!! قال: فسكتَ ولم يقل لي ‏شيئاً(2).‏
وهكذا، فدائماً مع هشام وأمثال هشام نردِّدُ قائلين، إذا كان المولى سبحانه قد نَصَبَ وجعل ‏لمسافري الليل والصحاري والبحار علاماتٍ لئلا يضلوا السبيل، أفهل يعقل أن يكون المولى ‏سبحانه قد أهمل طريقَ الوصول إليه، فترك الناسَ يتخبَّطون العشواء، وتتلاعبُ بهم الفتن، وتضِلُّ ‏بهم السبل، وتزيغُ بهم الأهواء؟!!‏
بلى إنَّ مَن لا يترك شأناً من شؤون الدنيا مما يحتاجُهُ العبادُ في أمر معاشهم إلا وهيَّأه لهم ‏بأحسن ما يكون، لا يمكن أن يُهمِل أيَّ شيء يحتاجه الناس في دنياهم، إلا وقد هداهم إليه ويسَّرهم ‏نحوه ويسَّره نحوهم.‏
بلى إنَّ من المستحيل أن يُهمِل تعالى ما له دخْلٌ في سعادتهم الأخروية، بل ما تتوقَّفُ ‏عليه سعادتُهم، بل الأمر لا بُدَّ وأن يكون بنحوٍ أوضحٍ وأكملٍ وأتمٍّ في كل ما يكون من شؤون دار ‏القرار؟!‏
واللهِ إنَّ ما ذكره هشام بن الحكم لأوضحُ من شمس في رابعة نهار خلتْ سماؤه إلا من ‏شعاعها، ولكن ماذا تفعل للأعمى وبالأعمى؟
أَتُصدِّقُهُ على ادِّعائه بأنه لا وجودَ للنور وهو الأعمى عن رؤيتِه والإحساسِ به، أم تُصدِّقُ ‏فطرتَك الصافية وما يهديك إليه وجدانُك الحرُّ؟‏
ولا يحتاج الأمرُ إلى إعمال نظرٍ وفكرٍ، بل كلُّ عاقلٍ يُدرِك بنحو اليقين أنه سبحانه لا بُدَّ ‏وأن يجعل في طريق الهداية مَن يدلُّ عليه ويهدي إليه.‏
إنَّ كلَّ عاقل يُدرك بأنَّ الكتاب الكريم والقرآن المجيد لا بُدَّ له من حافظ.‏
إنَّ كلَّ عاقل يدرك بأنَّ الحقَّ يحتاج إلى مَن يكون مجسِّداً له وبجلاء ووضوح وفي كل ‏شيء، فأينَ عقلاءُ الأمة بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى؟!!!‏
بل أينَ هم ـ وبحسب ما يزعم أبناء السُّنة ـ في حياته (صلى الله عليه وآله)، أفلا كانوا ‏يسألونه عمَن يجبُ التمسكُ به، ومَن يجب الرجوعُ إليه والاهتداءُ بهديه؟!‏
أَوَ ليس سبحانه القائل {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}؟
فمَن هم العلاماتُ والتي لا محالة ستتحقَّقُ الهدايةُ باتِّباعها، مع أنه ليس من شأن كلِّ ‏علامة أن يتحقَّقَ الغرضُ المطلوبُ منها والأثر المرتجى؟‏
ولكن العلامات في الآية التي نبحث فيها قد أخبر تعالى بأنها علاماتٌ تهدي أبداً، إذ لم ‏يفرض سبحانه لها ضلالاً، ولم يُخصِّص إتِّباعها بظرف دون ظرف.‏
أخبر سبحانه أنَّ الهدايةَ لا تحصل إلا من خلال تلك العلامات، وإلا من خلال ذاك النجم، ‏وما لم تكن كلُّ هداية حاصلةً من خلال النجم والعلامات المذكورة في الآية، لانتفى أن يكون النجمُ ‏هادياً والعلاماتُ هاديةً بشكل مطلق.‏
والشيءُ ما لم يكن خافياً ولو بنحو من الأنحاء، فلا معنى لأن تكون تلك العلامةُ أو هذه ‏الأمارةُ هاديةً إليه، فإنها لا تكون هاديةً إلا للشيء غير الحاصل وغير الحاضر، وإلا فمع حضور ‏الشيء وحصوله فلا يُتصوَّر صدقُ الهداية والاهتداء على العلامة والنجم بأي معنى وبأي اعتبار.‏
فتلخص أنَّ هناك أشياءَ خافية، ولا يمكن الظفرُ بها إلا من خلال تلك العلامات، أو لا ‏مجال للحصول عليها إلا من جهتها، لذا كانت العلاماتُ مما يجب اتِّباعُها، وإلا لضلَّ المتخلِّف ‏عنها السبيل الحق.‏
وهذا يقودنا إلى نتيجة حاصلها: أنَّ تلك العلاماتِ لا يشبِهُها شيءٌ من العلامات بالمعنى ‏المتعارف من حيث إطلاق صفة الهداية عليها.‏
وذلك نظراً إلى أنَّ هدايتَها لم تكن مقصورةً بوقت خاص وفي زمن معين أو على طائفة ‏دون طائفة، ونظراً إلى أنَّ الهدايةَ غير حاصلةٍ إلا من جهتها، فإنها علاماتٌ لا مجال للاستغناء ‏عنها، أو تبديلها، أو تبدلها مهما تغيَّرت الظروف وتبدَّلت الأحوال.‏
وبعبارة أوضح: إنَّ المولى سبحانه يُخبر بأنَّ من خلال النجم والعلامات تحصل الهداية، ‏بل أخبر بأنَّ الهداية لا تحصل إلا من النجم والعلامات، وهذا يعني أنَّ الضلال واقع من الشخص ‏الذي لا يرجع إلى النجم والعلامات، وهذا المعنى لا يمكن أن ينطبق على أية علامة من العلائم ‏التكوينيَّة.‏
وإذا كان سبحانه قد تفضَّل على الناس، بأن جعل للمسافرين في الصحراء ليلاً علامات ‏خاصة يهتدون من خلالها إلى الطريق الصحيح، فإنَّ الآية ومن خلال ما أشرنا إليه قبل قليل، تدلُّ ‏على أنه سبحانه قد جعل في سبيل الوصول إلى الحق وفي طريق الحق علامات خاصة، وإلا ‏فيكون سبحانه قد أهمل ما لا يصحُّ إهماله، واهتمَّ بأمر أقل أهمية.‏
ومَن يهدي إلى الحق في جميع الأحوال، لا بُدَّ وأن يكون حقَّاً كلَّه، وليس إلا المعصوم مَن ‏هو حقٌّ كلُّه.‏
لذا، وبما أنَّ تلك العلامات علاماتٌ وفي كلِّ زمن، فلزمَ أن لا يخلو زمانٌ منها، وإلا فلو ‏خلا زمنٌ عن علامةٍ، لارتفعت صفةُ الهداية عنها في الزمن الذي خلا منها، وهذا يعني أنَّ تلك ‏العلامات لم تكن هاديةً في جميع الأزمنة.‏
نعم لا تتصوَّر أنَّ ما نقصده من كون العلامات علامات وفي كل زمن، أنَّ كلَّ علامة من ‏تلك العلامات لها صفةُ الهداية فعلاً وفي كل زمن، بل المقصود أنَّ العلامة في ظرف قيامها هي ‏هادية فعلاً، وهذا لا ينافي أن يكون في الزمن الواحد علامتان مثلاً، غايته تكون القائمةُ خصوصَ ‏واحدة منهما، فالإمامة كانت فعلاً للإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، ولم تكن للحسين الشهيد ‏‏(عليه السلام) إلا بعد شهادة الحسن.‏
ثم مما ينبغي أن تعلمه، بأنَّ العلامةَ في مقام هدايتها غيرُ مفتقِرة إلى غيرها، بل تقوم ‏بالأمر على أتمِّ وجهٍ، وإلا فلو كانت تحتاج إلى غيرها لما كانت علامةً بنفسها.‏
بل كلُّ ما سوي العلامة مما تدلُّ عليه يفتقر إلى العلامة، وهي غنيةٌ عنه، فهي تهدي إلى ‏الحق ولا يمكن حصول هداها ممَن تهديهم، فالافتقار من جانب واحد، فهي تُسأل ولا تسأل، تعطي ‏ولا تأخذ، فأين هذه إلا أنها صفة الأولياء الكمَّل، المطهَّرون المعصومون.‏




 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء







رد مع اقتباس