وبالجملة فهل مع وجود سيِّد الملائكة في الأرض كان لينزل الملائكة إليها قبل التشرُّف في النزول إلى بيت خليفة الله بل وبداعي الإستئذان منه أيضاً ، والمفروض أنَّ في الأرض لله خليفة ؟
وهذا المعنى ينهض بإثباته مفاد الآيات الواردة في سورة الحجر الحاكية عن ضيف إبراهيم ، وكذلك ما في سورة والذاريات فتدبرها جيداً 0
وملخَّص الكلام : أنه لو حصل للملائكة الإذن في النزول إلى الأرض لأيِّ غرضٍ ، فلا يُعقل لهم ومنهم أنْ ينزلوا إلى غير بيت خليفة الله أولاً ، بل لعل أكابرهم كانوا يعتبرون أمر الله تعالى لهم بالنزول إلى الأرض حال وجود خليفته فيها وسيِّدهم هو الفوز والغنيمة حيث سيكون لهم التشرُّفُ بلقاء سيِّدنا وسيِّدهم .
وفي كتاب تأويل الآيات الظاهرة للسيِّد علي الحسيني الاسترآبادي ما لفظه : وعن الصادق عليه السلام أنه قال : أنها( ليلة القدر) باقية إلى يوم القيامة لأنها لو رُفعت لأرتفع القرآن بأجمعه ، لأنَّ فيها تتنزل الملائكة والروح . وقال سبحانه تتنزل بلفظ المستقبل ولم يقل نزل بلفظ الماضي وذلك حق ، لأنها لا تجيء لقوم دون قوم بل لسائر الخلق فلابُدَّ مِن رجل تنزل عليه الملائكة والروح فيها بالأمر المحتوم في ليلة القدر في كل سنة ، ولو لم يكن كذلك لم يكن بكل أمر. ففي زمن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان هو المنزَل عليه ، ومِن بعده على أوصيائه أولهم أمير المؤمنين وآخرهم القائم عليه السلام ، وهو المنزَل عليه إلى يوم القيامة ، لأنَّ الأرض لا تخلو مِن حُجَّة لله عليها ، وهو الحُجَّة الباقية إلى يوم القيامة ، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة التامة .
و يؤيد هذا التأويل ما رواه محمد بن العباس رحمه الله - المعروف بإبن الحجَّام - عن محمد بن القاسم عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن صفوان عن إبن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزَّ وجلَّ " خير من ألف شهر" قال : من ملك بني أمية. قال : وقوله " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم" أي من عند ربهم على محمد وآل محمد بكل أمر سلام .[202]
وفيه عن الشيخ الطوسي عن رجاله عن عبد الله بن عجلان السكوني (في حديث) عن الباقر عليه السلام ، وما من بيت من بيوت الأئمة منا إلا وفيه معراج الملائكة لقول الله عزَّ وجلَّ " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام ".....الحديث .[203]
وروى الكليني في الكافي بإسناده إلى أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام قال : سمعته يقول : ما من ملك يهبطه الله في أمر ما يهبطه إلا بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه ، وإنَّ مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر .[204]
ويؤيد هذا المعنى ما ورد في متظافر الأخبار من أنهم سلام الله عليهم مختلف الملائكة ، وأيضاً قوله سبحانه" إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة "،[205] وأيضاً ما رواه الشيخ الطوسي في أماليه مسنداً عن أمير الؤمنين عليه السلام وفيه " وأُيِّدت بليلة القدر نفلاً وإنَّ ذلك ليجري لي ومَن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار.[206]
وكذا : " والرابعة خُصصنا بليلة القدر وأنت معي فيها وليس لأحد غيرنا [207] ، وراجع البصائر.[208]
وأخيراً فإنَّ الملائكة الذين يتنزَّلون في ليلة القدر لا بُدَّ وأنْ يكون مقصدهم أولاً وجه الله ونوره وحجته وخليفته ، وأنَّى لعاقلٍ أنْ يتصور غير ذلك ، فإنه بالالتفات إلى ما يُمثِّله خليفة الله في الأرض وإلى ما هو محله وما هي مرتبته ، يتحقق القطع لكل متأمل ملتفت أنه لا يكون مِن الملائكة إلا قصد مَنْ سجدوا له وخضعوا .
وفي الختام ، فإني أظنُّ أنَّ السيِّد فضل الله لا يُعرِض عن ما فسَّره الأئمة عليهم السلام وشرحوه ، ولكن لعل عذره أنه لم يُحقِّق ويتحقق ، وإلا فعدم الالتزام بما يقوله أهل البيت لا يصدر ممن يعتقد بهم ما تعتقد الشيعة فيهم .
---------------
[193] الندوة 1 ص184 ط الثانية 1417 --1997
[194] سورة البقرة 30-34.
[195] الحجر28-30
[196] ص71-73.
[197] ياسين (12)0
[198] الأنعام38
[199] النحل89
[200] فاطر 32
[201] آل عمران61
[202] تأويل الآيات ص 792 -793
[203] المصدر السابق
[204] الكافي 1 ص394 0
[205] فصلت آية (30)
[206] امالي الطوسي ص 637-654، ط مؤسسة الوفاء بيروت
[207] امالي الطوسي ص 637-654، ط مؤسسة الوفاء بيروت
|