بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم
هل الإمامة اصل من أصول الدين؟
سُئل في الندوة : قلتم أنَّ الإمامة ليست أصلاً من أصول الدين بينما هناك حديث يقول : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية؟
فأجاب : قلت أنها ليست من أصول الدين بمعنى أنَّ مَنْ لا يؤمن بها يعتبر مسلماً كالكثير من المسلمين الذين لا يعترفون بالإمامة . ولكن إذا قلنا إنها من حقائق الدين فهذا صحيح لأنها ثبتت بطريق قطعي، وليس معنى ميتة الجاهلية أنْ يصير كافراً ، بل هو منحرف عن خطِّ الإسلام تماماً كما لو كان يعيش بعض عناوين الجاهلية .[159]
أقول : لستُ أدري مِن أيِّ النقاط أبدأ البحث في مقام الجواب ، فهل أنَّ أحداً مِن المسلمين لا يُؤمن بالإمامة بمعنى الخلافة ؟!
وهل أنَّ فيهم مَنْ يُنكِر شيئاً مِنْ حقائق الدين ومع ذلك يُعتبر ويُحكم عليه بأنه مسلم ، وإنْ لم يكن إنكاره ناشئاً عن شبهةٍ أو قصورٍ أو ما شاكل ؟!
ثم مما يقضي بالعجب أنه فسَّر الميتة الجاهلية بمعنى بعيدٍ جداً في نفسه عن احتمال كونه مراداً بالنظر إلى سياق الحديث ، وبمعنى مِن المقطوع به عدم إرادته بالنظر إلى القرائن الخارجية ، وبمعنى يتنافى جداً مع ما ذكره مِن أنَّ الإمامة مِن حقائق الدين 0
فإنَّ مَنْ يُنكر إمام زمانه ليس كمَنْ يعيش بعض عناوين الجاهلية ، إذ أنَّ عناوين الجاهلية كثيرة جداً 0
فمنها ما يستلزم خروج مَنْ يعيش بعضها عن الإسلام ، ومنها ما لا يلزم عنه إلا صيرورة مَنْ يعيش بعضها إنساناً فاسقاً مع عدم قدحٍ ولو ضئيلٍ في عقيدته تارةً ، ومنها ما لا يقضي بوصف مَنْ يعيشها بكونه منحرِفاً عن جادة الصواب إلا مع إصراره متعمِّداً ، ومنها ومنها 0000
والإنحراف عن خطِّ الإسلام عنوانٌ عريض يسع ما لا يحصى ، ويصدق على أشخاص كثيرين أنهم منحرفون عن خط الإسلام بارتكاب محرَّمٍ واحد في ظرف خاص من مئات المحرمات والتي تشمل الصغائر من الذنوب .
فمَنْ يرتكب بعض الصغائر قد يصدق عليه أنه منحرفٌ عن خطِّ الإسلام ، ولو كان ممن اجتنب عن الكبائر فهو مغفور له بنص الآية " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"[160] 0
وبالجملة فالتعبير -- عمَنْ يجهل إمام زمانه مُنكِراً له غيرَ معترِفٍ به بأنه كمن يعيش بعض عناوين الجاهلية وليس إلا منحرفاً عن خط الإسلام -- تعبيرٌ فاسدٌ جداً ، يلزم عنه إنكار أهمية منصب الإمامة والخلافة في الإسلام ، بحيث لم تعد تُمثِّل أصلاً مهماً في محور العقيدة ، وإلا فمع الالتزام بأنَّ الإمامة من الأمور العقائدية الأساسية ومن الحقائق الدينية الأصيلة ، فإنه لا يتأتَّى الالتزام بأنَّ المنكِر لإمام زمانه حاله حال مَنْ يعيش بعض عناوين الجاهلية .
وهل كانت الإمامة كذلك وهي مع ذلك كانت تمامية النعمة بنصب الإمام وتعريف الناس إياه ، وكان كمال الدين متحقِّقاً في ذلك اليوم العظيم ، وقد رضي الله بالإسلام ديناً .
فإنَّ آية " اليوم أكملت لكم دينكم " ،[161] تفيد بملاحظة سبب النزول أنَّ بعدم معرفة الأمام يكون الدين ناقصاً ، والنعمة غير تامة ، والإسلام ليس مرضيَّاً به كدينٍ إلهيٍّ .
وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون مُنكِر الإمام ممن يعيش بعض عناوين الجاهلية ؟!
نعم هو منحرفٌ عن الإسلام ، وهل بعد الحقِّ إلا الضَّلال ، لا أنه منحرف عن خطِّ الإسلام .
وإذا كان تعريفُ النبي صلَّى الله عليه وآله شخصَ الإمام للناس يُمثِّل من الأهمية ما يُمثِّل ، بحيث اعتبر المولى سبحانه أنه مع عدم تبليغ الرسول صلَّى الله عليه وآله ذلك يكون بمثابة مَنْ لم يُبلِّغ الرسالة كما هو مفاد آية " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك "[162] ، فهل يكون مفاد الحديث المبحوث فيه مِن أنَّ المقصود من الميتة الجاهلية هو ما أفاده السيِّد فضل الله في الندوة ؟!
وإذا كانت قد تظافرت الأخبار عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام على أنَّ ميزان قبول الأعمال هو معرفة إمام الحقِّ ، فهل يكون ما ادَّعاه في الندوة مِن معنى الحديث معنىً معقولاً مقبولاً ؟!
فقد روى الكليني في الكافي بإسناده عن أبي حمزة قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : إنما يعبد الله من يعرف الله ، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً . قلت : جعلت فداك فما معرفة الله ؟ قال : تصديق الله عزَّ وجلَّ وتصديق رسوله صلَّى الله عليه وآله وموالاة عليٍّ عليه السلام والإئتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام والبراءة إلى الله عزَّ وجلَّ من عدوِّهم ، هكذا يُعرف الله عزَّ وجلَّ .[163]
وفيه عن أحدهما عليهما السلام أنه قال : لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله صلَّى الله عليه وآله والائمة كلهم وإمام زمانه.[164]
وفيه عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إنما يعرف الله عزَّ وجلَّ ويعبده مَنْ عرف الله وعرف إمامه منَّا أهل البيت ، ومَنْ لا يعرف الله عزَّ وجلَّ ولا يعرف الإمام منَّا أهل البيت ، فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالاً .[165]
وفيه عن ذريح وقد سأل الصادق عليه السلام عن الأئمة بعد النبي صلَّى الله عليه وآله وكان مما أجاب : مَنْ أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة رسوله صلَّى الله عليه وآله .[166]
وفيه عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كلُّ مَنْ دان الله عزَّ وجلَّ بعبادةٍ يجهد فيها نفسه ولا إمام له مِن الله فسعيه غير مقبول ، وهو ضالٌّ متحير والله شانئ لأعماله .[167]
وفيه عن إبن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : " ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله " قال : يعني مَنْ اتخذ دينه رأيه ، بغير إمام من أئمة الهدى .[168]
وفيه عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : بُني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يُناد بشيء كما نُوديَ بالولاية .[169]
وعن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام مثله .[170]
وعن إبن العرزمي عن أبيه عن الصادق عليه السلام قال : قال : أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ، لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها .[171]
وعن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام ،[172] وعن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام ،[173] وعن عيسى بن السري عن أبي عبد الله عليه السلام ،[174] وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ،[175] وعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام ،[176] وعن عمرو بن حريث عن الصادق عليه السلام ،[177] مثل سابقه أو قريب منه .
وعن إسماعيل الجعفي قال : دخل رجل على أبي جعفر عليه السلام ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر عليه السلام : هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال : رحمك الله هذا الذي أريد . فقال أبو جعفر عليه السلام : شهادة أنْ لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمداً صلَّى الله عليه وآله عبده ورسوله ، وتقر بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت 00000الحديث .[178]
وروى البرقي في المحاسن بإسناده عن عبَّاد بن زياد قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا عبَّاد ، ما على ملة إبراهيم أحد غيركم ، وما يقبل الله إلا منكم ، ولا يغفر الذنوب إلا لكم .[179]
وفي الوسائل نقلاً من كتاب عقاب الأعمال للصدوق بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لنا علي بن الحسين عليه السلام : أي البقاع أفضل ؟ فقلنا الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال لنا : أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أنَّ رجلاً عمَّر ما عمَّر نوح في قومه ، ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ، ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً .[180]
وعنه بإسناده عن المعلَّى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا معلَّى ، لو أنَّ عبداً عبد الله مائة عام ما بين الركن والمقام ، يصوم النهار ويقوم الليل حتى يسقط حاجباه على عينيه ويلتقي تراقيه هرماً ، جاهلاً بحقنا لم يكن له ثواب .[181]
ومثله وقريب منه بل وأبلغ كثيرٌ جداً ، فهل أنَّ السيِّد فضل الله لم يكن مطَّلِعا على هذه الأحاديث ؟!
أو أنَّ هذه الأحاديث وعشرات غيرها غامضةٌ خفيَّةُ الدلالة ، مخالفةٌ لكتاب الله تعالى ، وليست من أسلوب الأئمة ومما لا يقبله العقل ؟!
أو أنَّ هذه الأحاديث تفيد أنَّ مَنْ لا يؤمن بالإمامة حاله حال مَنْ يعيش بعض عناوين الجاهلية؟! ليت شعري فعلامَ هذا التمويه وهذه والتعمية!
ثم إنَّ المولى سبحانه بيَّن في محكَم كتابه حالَ مَنْ ضلَّ وجهل بالإمام الحقِّ فقال تعالى : " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ، فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يُظلمون فتيلا. ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً " .[182]