وأخيراً فإنَّ كلَّ غيرِ معصومٍ لا يكون عند الله تعالى ـ لا عند الناس وبنظرهم ـ مقيماً للصلاة بحدودها، وآتياً بالزكاة بشرائطها، وناهياً عن كلِّ منكر، وآمراً بكلِّ معروف، مخلِصاً في ذلك العبادة لربه تعالى.
لعلك تقول: ولكنْ كل هذا الذي ذكرتَه من إقامة الصلاة بحدودها، والانتهاء عن كل منكر لم تتحدث عنه الآية.
فنقولُ لك: ولكننا قد أشرنا ونبَّهْنا على أنَّ كلامه تعالى ليس ككلامنا، ونسبتُه سبحانه الأشياءَ بعضها إلى بعض ليس كنسبتنا، فإطلاقُه الحكم لا يمكن أن يكون مبنيَّاً على نحو من المبالغة أو المسامحة.
ولو أننا أغمضنا الطرْف عن جميع ما مهَّدناه، غير أنه يكفي دليلاً لنا على ما ندَّعيه من اختصاص الآية بآل محمد (عليهم السلام)، ما نقرأه وفي جميع الزيارات الواردة عن أئمة الهدي (عليهم السلام)، حيث ورد فيها: وأشهدُ أنك قد أقمتَ الصلاةَ، وآتيتَ الزكاةَ، وأمرتَ بالمعروف، ونهيتَ عن المنكر.
فهل تظنُّ أنَّ صادق آل محمد (عليهم السلام)، يأمرنا بأن نقول عند زيارة جدِّه سيِّد الشهداء (عليه السلام) «وأشهد أنك قد أقمت...» وهو يريد ويقصد أنَّ الحسين صلوات الله عليه كان يصلي ويزكي ويأمر وينهى مثلما نفعل نحن؟!
ومهما يكنْ من أمر، فكلُّ ذي نفسٍ زكيَّة وقلبٍ صافٍ ـ وهي صفةُ كلِّ موالٍ لآل محمد (عليهم السلام) ـ لَيَعلَم بحقٍّ، بأنَّ ما ورد في الزيارات لا يُراد منه إلا المعنى الذي قدمناه، وعرضناه من خلال ما عرضناه من أمور أربعة، بل لعلَّ الأمرَ أدقُّ وأعظمُ مما ذكرناه، وعذرُنا هو الاعترافُ بالقصور عن إدراك شيء مما يخصُّ آل محمد (عليهم السلام).
وإنني لعلى يقينٍ، بأنَّ كلَّ متأمل بما ذكرناه يحصلُ له اليقينُ، بأنَّ الآيةَ لا تعدو آلَ محمد (عليهم السلام)، ويزيدك بصيرةً بعضُ ما سنُطلِعك عليه من أخبار.
فقد أخرج الخطيب البغدادي ـ وهو من أهل السُّنة ـ في تاريخه بإسناده عن أبي صالح في قول الله عزوجل {الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} قال: هم بنو هاشم.
وأخرج الحاكم الحسكاني في الشواهد ـ وهو من أهل السُّنة ـ وفرات الكوفي في تفسيره، بإسنادهما عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر محمد بن علي ’ في قوله تعالى {الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ} قال: فينا واللهِ نزلتْ هذه الآيةُ.
وأيضاً بإسنادهما عن أبي خليفة قال: دخلت أنا وأبو عبيدة الحذاء على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا جارية هلُّمي بمرفقة، قلت: بل نجلس، قال: يا أبا خليفة لا تردّ الكرامةَ، إنَّ الكرامة لا يردها إلا حمار، فقلت له: كيف لنا بصاحب هذا الأمر حتى نعرفه؟ فقال: قول الله تعالى{الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} إذا رأيتَ هذا الرجلَ منا، فاتبعه فإنه هو صاحبه.
وبإسنادهما عن زيد بن علي ’ قال: إذا قام القائم من آل محمد (عليهم السلام) يقول: يا أيها الناس، نحن الذين وعدكم الله في كتابه {الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ}.
وعن القمي في تفسيره أنَّ في رواية أبي الجارود ـ وأخرجها محمد بن العباس في تفسيره بإسناده عن أبي الجارود ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله {الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} هذه الآية لآل محمد (عليهم السلام).
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره بإسناده عن الإمام الزكي الحسن الشهيد (عليه السلام)، وبإسناده عن عيسى بن داود وعن حصين بن مخارق عن الامام موسى بن جعفر’، في قوله عزَّ وجل {الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ} قال: هذه نزلت فينا أهلَ البيت، وقال: نحن هم.
وعن المجلسي في البحار نقلاً عن كتاب الإرشاد في أئمة العباد تصنيف محمد بن الحسن الصفار قال: وقد كفانا أميرُ المؤمنين (عليه السلام) المؤونة في خطبة خطبها، وفيها: إنَّ الله تبارك اسمُه وضعَ إمامتي في قرآنه، وقال {الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} (4).
----------
(1) من وحي القرآن ج16 ص 86
(2) الطارق الآية 13 ـ 14
(3) سورة لقمان الآية 13
(4) بحار الأنوار ج 13 ص 475 - 476 و651 وج 15 ص 47 وج 25 ص373 وج 29 ص 558إلى 567 وج 42 ص 164إلى 166، الأمالي للطوسي ص 236، مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 207 و523، تفسير القمي ج 2 ص 87، تفسير فرات الكوفي ص 273 –274، تفسير مجمع البيان ج 7 ص 158، تأويل الآيات ج 1 ص 342 ـ 343، التفسير الصافي ج 3 ص 381، التفسير الأصفى ج 2 ص 810، تفسير نور الثقلين ج 3 ص 506،
من مصادر أبناء السُّنة: تاريخ بغداد ج 14 ص 69 ـ 70، شواهد التنزيل ج 1 ص 522 ـ 523، ينابيع المودة ج 3 ص 243 - 244
|