الصفحة 374
هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟
أحسب لا حاجة بنا في هذا الفصل إلى بحث الاقوال للدكتور القفاري وافتراءاته وأوهامه، فهو نوع من اللّهو، ذلك لأن مسألة "المصحف السري" كان قد طرحها الأجانب وأعداء الإسلام، والآخرون لعبة ـ من حيث لا يشعرون ـ في أيدي أعداء الدين فإنهم ذكروا هذه المسائل كالمصحف السري وغيره على لسانهم حتى يلهو المسلمون بها عن مسائلهم الأساسية ويفسح المجال لأعداء الدين لبثِّ روح العداء والتفرقة بين المسلمين.
فقد اعتمد بعض الناس على المكر والحيلة ليوحي للقارئ بأنّ الشيعة بعيدون عن هذا القرآن الموجود، وأنّ لهم مصحفاً سرّياً خاصاً بهم يتداولونه بينهم، لتحصل التفرقة بين المسلمين وليحقق أعداء الإسلام غرضهم. وعلى هذا آثرت هنا مضطراً ـ رغم عدم رغبتي في ذلك ـ أن أناقش ادّعاءات الدكتور القفاري تلك وأبين خطأها وفسادها.
قبل كلّ شيء ينبغي الالتفات إلى حقيقة غير قابلة للانكار، حتى يتّضح كلّ شيء وهي:
إن كان للشيعة مصحف سرّي متداول بينهم، فكيف ألّفوا عبر القرون مؤلفات كثيرة في تفسير هذا القرآن وعلومه؟ ونكتفي هنا بما قال الشيخ علي الكوراني:
"إذا لاحظنا إن نسبة عدد الشيعة عبر العصور المختلفة كانت خُمس عدد الأمّة الإسلامية وبقية المذاهب السنية أربعة أخماس... فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الاُخرى خمس مجموع مؤلفات إخوانهم السنة...
وإذا لاحظنا ظروف الاضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون، نكون منصفين إذا توقعنا من علمائهم عُشر ما ألّفه إخوانهم السنة
الصفحة 375
حول القرآن بل نصف العشر... بينما نجد أنّ مؤلفات الشيعة حول القرآن قد تزيد على الثلث. وقد أحصت دار القرآن الكريم في قم التي أسسها مرجع الشيعة الراحل السيد الكلبايكاني رحمه الله، مؤلفات الشيعة في التفسير فقط في القرون المختلفة، فزادت على خمسة آلاف مؤلّف...
فكيف يصح أن نعمد إلى طائفة أسهموا على مدى التاريخ الاسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه... ونتهمهم بعدم الإيمان بالقرآن أو بأنّ عندهم قرآناً آخر!!"(1).
إننا لو سألنا الدكتور القفاري; إذا كان للشيعة مصحف سريّ يعملون به، فماذا تقول في كلّ هذه الرّوايات المذكورة في كتب الشيعة حول فضيلة القرآن وقراءته وحفظه وتعليمه...؟ وعندها سيبقى الدكتور القفاري حائراً، وهذا هو سبب لجوئه إلى طريقته في تزوير الحقائق فقال مشيراً إلى بعض تلك الرّوايات من الكافي(2):
____________
1 ـ تدوين القرآن: ص 39 ـ 40.
بل كيف يصح ذاك الاتهام وقد وردت في كتب الشيعة اُلوف الرّوايات في أبواب متعددة في شأن هذا القرآن وتعليمه وقراءته وحفظه و... فعلى سبيل المثال انظر بحار الأنوار: كتاب القرآن: ج 92 و93. وعلى الأقل انظر إلى كتاب: "تذكرة الحفاظ من الشيعة" في جزأين فقد جمع السيد علي النقي النقوي اللكهنوي فيه من حفاظ القرآن من الشيعة. الذريعة: ج 26، ص 179 وفاته خلق كثير، أشار إلى بعضهم العلامة آغا بزرك الطهراني. المصدر نفسه.
2 ـ قال الدكتور القفاري: "وقد جاءت نصوص أخرى عندهم تدعو لتعلم هذا القرآن وحفظه وتذكر ثواب من فعل ذلك كقول أبي جعفر [عليه السلام] لاحد اصحابه ويدعى سعد الخفاف: "يا سعد تعلموا القرآن" (اصول الكافي: ج 2، ص 596) وعقد صاحب الكافي أبواباً بهذه العناوين:
"باب من حفظ القرآن ثم نسيه" وذكر فيه ست روايات... (اصول الكافي: ج 2، ص 607 ـ 609)
"باب في قراءته" (اصول الكافي: ج 2، ص 609)
"باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن" (المصدر السابق: ج 2، ص 610)
"باب ثواب قراءة القرآن" وجاء فيه سبع روايات تتحدث عن عظيم ثواب من قرأ القرآن وتعلمه (المصدر السابق: ج 2، ص 611 ـ 612)
"باب قراءة القرآن في المصحف" وذكر فيه خمس روايات تبين ثواب القراءة في المصحف (المصدر السابق: ج 2، ص 613 ـ 614)
وأبواب أخرى في هذا الموضوع"
أقول: وقد ذكرنا في المقام الأوّل بعض هذه الأبواب وقلنا إن عدد هذه الرّوايات قد ينوف على المئات من الأحاديث المعتبرة، فقد أورد بعض منها في "بحار الأنوار" كتاب القرآن: ج 92، ص 13 ـ 43 وص 175 ـ 372 وأيضاً: ج 93 كتاب القرآن: ص 2 ـ 193 وبعض آخر في كتاب "الحياة": ج 2، الباب السادس، ص 40 ـ 147.
الصفحة 376
"وهذه تنقض تلك الرّوايات بل تثبت من كتبهم زيف وكذب ما يفترونه على آل البيت من تلك "الأكاذيب" إذ كيف يأمرون بقراءة القرآن ويذكرون الثواب العظيم لمن قرأه، وإنّه ينبغي للمسلم أن يقرأه في كلّ يوم وأن ينوّر بيته به. وهم يقولون إنّه مغيّر مبدل؟ أليس هذا يدلّ على عظيم التناقض في هذا المذهب؟"(1).
ما أبعد هذا الكلام عن الانصاف!
اين التناقض العظيم؟
من هم الذين يقولون بأنّ القرآن مغيّر مبدّل؟
وهل أن موضوع الكلام هو في التغيير والتبديل في القرآن الموجود بين ايدينا أيُّها الدكتور القفاري؟! أم الكلام في المصحف السرّي؟ وهل إنّ كلّ تلك الرّوايات لا تعتبر حجّة لكلّ محقق حتّى يحسم القول باُسطورة المصحف السرّي ـ التي وضعها في الأصل أعداء الدين ـ وكذلك القول بتحريف وتبديل القرآن؟
ولكنَّ الدكتور القفاري ـ وبهدف حرف الافكار عن الموضوع ـ عدل إلى
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 259 ـ 260.
الصفحة 377
الكلام عن التغيير والتبديل في القرآن في حين أنّ البحث في هذا الفصل كان تحت عنوان "المصحف السري" لا التغيير والتبديل في القرآن الموجود.
من هنا فإنّ الإنسان يقطع بأنّ الدكتور القفاري ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ يسهل السبيل لأعداء الإسلام ليزرعوا بذور التفرقة والاختلاف بين المسلمين وليستمر أعداء الإسلام في سرقة وسلب ثروات المسلمين أكثر فأكثر.
وإلاّ فإنّ علماء أهل السنة في علوم القرآن يعلمون يقيناً أنّ أحكام الدكتور القفاري هذه لو كانت صادقة لكان الحكم على روايات أهل السنّة أشد وأمرَّ وأدهى، ذلك لأننا لو قارنا بين روايات الإمامية الواردة حول تلاوة القرآن وحفظه وقراءته و... لوجدناها أكثر بكثير من روايات أهل السنة في هذا الباب من حيث العدد، وأقوى من حيث الدلالة وفيما يرتبط بروايات التّحريف والتبديل سيّان على الأقل.
وعلى كلّ حال، فالدكتور القفاري أورد في هذا الفصل عدة مسائل بعضها أجنبي عن بعض ـ لكنّه وانسجاماً مع طريقته في تقطيع وتحريف العبارات ـ لفّقها ليمرّر مؤامرته وإلاّ المحور الأصلي لكلامه في هذا الفصل فهو اُسطورة "سورة الولاية" لا غير وسيأتيك بحثها عن قريب، وأمّا المسائل الأخرى التي طرحها في هذا الفصل فهي عبارة عن:
1 ـ وجود مصحف عند الإمام المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف، وهو مصحف الإمام علي عليه السلام كما في الرّوايات(1) وصرّح به أعلام الإمامية وستأتي في الفصل القادم دراسة حول مصحف الإمام علي عليه السلام، ولا ندري إن كان هذا المصحف عند الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، كيف صار مصحفاً سريّاً عند الشيعة يتداولونه على وجه خفي؟!
____________
1 ـ الكافي: ج 2، ص 631، الرقم 15.
الصفحة 378
2 ـ روايات الفساطيط وتعليم الناس القرآن على ما أنزل الله عزّ وجلّ في عصر ظهور قائم آل محمّد صلّى الله عليه وآله وقد سبق منّا في "المقام الأوّل" البحث في تلك الرّوايات ومن جملتها ما أورده الدكتور القفاري هنا وهي الرواية التي رواها الشيخ المفيد مرسلاً عن جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال: "إذا قام قائم آل محمّد صلّى الله عليه وآله ضرب فساطيط ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عزّ وجلّ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم; لأنـّه يخالف فيه التأليف"(1).
فهذا الحديث ونظائره صريح في وجه الاختلاف في المصحف الذي يكون عند المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ وهو مصحف الإمام علي عليه السلام ـ والمصحف الموجود لا يختلف عنه إلاّ في النظم والتأليف لا شيء غيره فقد ألِف الجمهور هذا النسج الحاضر، واعتادوا عليه خلفاً عن سلف طيلة عشرات القرون فيصعب عليهم التعوّد على خلافه كما أشار إليه الحديث: ومما يدّل على أن القرآن الذي يأتي به صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف ليست فيه زيادة على هذا الموجود ما روي عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "ولو قد قام قائمنا ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ فنطق صدّقه القرآن"(2). ولو كان ما دلّ على صدقه هي زيادات في المصحف الذي لديه عجل الله تعالى فرجه الشريف ممّا لم يعهدها المسلمون من ذي قبل لكان ذلك من الدور الباطل إذ لا يعرف الشيء من قبل نفسه.
هذا وقد صرّح جملة من أعلام أهل السنة بأن مصحف الإمام علي رتب على وفق النزول وهذا يعني مخالفته في تأليف القرآن الموجود وسيأتي نصّ كلامهم. لكنّ الدكتور القفاري حرّف الكلام وجاء باتّهام قبيح وقال:
"وهذه النصوص... تدعو باسلوب "مقنَّع" وغير صريح إلى إهمال
____________
1 ـ الارشاد: ج 2، ص 386.
2 ـ تفسير العياشي: ج 1، ص 13، الرقم 6.
الصفحة 379
حفظ القرآن لأنـّه مغيّر بزعم الشيعة ومن حفظه على تحريفه يصعب عليه حفظه إذا جاء به منتظرهم"(1).
فحرّف الدكتور نصّ الرّواية وكلام الفريقين وقال: "... لأنّه مغيّر... ومن حفظه على تحريفه..." بدل "يخالف فيه التأليف" والاختلاف في التأليف لا مساس له بمسألة التّحريف إطلاقاً، كما أنّ ذكر التنزيل بعنوان شرح المراد والتأويل وما يؤول إليه الكلام ـ وإن كان من الوحي اِلاّ أنـّه غير قرآني ـ في مصحف الإمام علي عليه السلام لا علقة له بمسألة التّحريف وسيأتي نص كلام الفريقين في فصل "مصحف الإمام علي عليه السلام" حول ذاك، بحول الله تعالى وقوته.
إلى هنا ثبت أنّ البحث لا علاقة له بمسألة المصحف السري، وقد انتبه الدكتور القفاري نفسه إلى هذا الأمر، ولذا تراه غيّر شكل البحث قائلاً:
"فهل يقوم الشيعة بجمع أساطيرهم في مصحف ليسهل حفظ المصحف الموعود حين ظهوره؟ يقول المجلسي نقلاً عن المفيد: "نهونا عليهم السلام عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنـّها لم تأت على التواتر وإنّما جاءت بالآحاد، وقد يغلط الواحد فيما ينقله ولأنـّه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلاف...
فهذا يعني أن الآيات المفتراة والمتفرقة في كتبهم والمخالفة لكتاب الله لم تصل عندهم إلى وضعها في مصحف متداول بينهم لسببين، أحدهما: الخوف [من أهل الخلاف] من المسلمين. والآخر: اِنّ الطريق لثبوتها عندهم طريق آحاد..."(2).
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 257.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 258.
الصفحة 380
كيف عبّر الدكتور القفاري عن كلام المجلسي نقلا عن المفيد بـ "الآيات المفتراة" في حين أن كلام الشيخ المفيد حول "أحرف تزيد على الثابت في المصحف" وهذه الأحرف هي القراءات بعينها، وشاهد ذلك هو نفس تتمة كلام الشيخ المفيد ـ الذي حذفه الدكتور القفاري فخان الأمانة العلمية ـ حيث ذكر الشيخ في تتمة كلامه:
"ولا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين أحدهما ما تضمنه المصحف والثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتّى فمن ذلك قوله تعالى: (ما هو على الغيب بضنين) يريد به ببخيل وبالقراءة الاخرى "بظنين" يريد بمتّهم... و(يسألونك الأنفال)و..."(1).
وعلى هذا فإنّه إذا كان بزعم الدكتور القفاري:
أولاً: إن هذه القراءات هي آيات مفتراة.
ثانياً: إنّ الشيعة جعلوا هذه الآيات المفتراة في مصحف مع أنـّها خبر الواحد ليسهل حفظ المصحف الموعود.
ثالثاً: ان الإخباريين من الشيعة يعتبرون جميع أخبار الآحاد من قسم الصحيح(2).
فتكون النتيجة كما زعم الدكتور:
____________
1 ـ المسائل السروية: ص 83 نقل عنه "بحار الأنوار": ج 92، ص 75.
2 ـ نسب الدكتور القفاري ذلك إلى الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب "وسائل الشيعة" ولكننا بمراجعة هذا الكتاب اتضح لنا ان مراد صاحب "وسائل الشيعة" ليس كما ادعى الدكتور القفاري حيث قال:
"اما الأخباريون من الشيعة فانهم يرون صحة ما رواه شيوخهم عن الأئمة في العشرات من الكتب التي صنفوها وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها وثبوت احاديثها عن أهل العصمة". (اصول مذهب الشيعة: ص 259) بل ان مراد صاحب "وسائل الشيعة" هو ان الكتب التي اعتمدها في تأليف "وسائل الشيعة" فقط. انظر: وسائل الشيعة: ج 20، ص 61.
الصفحة 381
"إنّ مسألة التداول السرّي لمصحف مفترىً من الإخباريين أمر وارد"(1).
فلو فرضنا ـ جدلاً ـ أنّ الدكتور القفاري توصّل إلى هذه النتيجة بعد بحث وتحقيق علمي صحيح، فإننا نطبق تلك المزاعم على روايات أهل السنة لتكون النتيجة أشدّ وقعاً واكثر وخامة، وذلك بأن نقول:
أولاً: ان القراءات المتعددة في كتب أهل السنة التي تبلغ العشرات تكون من سنخ الآيات المفتراة والأساطير.
ثانياً: أكثر أهل السنة يحكمون بصحّة روايات التّحريف في القرآن مع أنها أخبار آحاد عندهم وهم يزعمون أنها من آيات القرآن ـ وإن كانت منسوخة التلاوة عند بعضهم ـ بل تردّد الاُصوليّون منهم في جواز مس المحدث تلك المزعومات(2) ـ مع ان اضطراب متونها خير شاهد على اجنبيّتها عن آيات القرآن الكريم ـ وعلى هذا يحق لنا الحكم بهذه النتيجة وهي: إنّهم جعلوا هذه الآيات المفتراة وتلك القراءات المتعددة في مصحف و"إنّ مسألة التداول السري لمصحف من قِبَلِ أكثر أهل السنة أمر وارد!!" بل إنّ الدكتور القفاري يعترف أكثر من ذلك فيقول:
"وقد وصلني مصحف من باكستان طبعه الشيعة وقد حشّاه طابعه بتلك المفتريات ولكن لم تمتد أيديهم إلى الأصل فقد طبع كطبعة تفسير الجلالين حيث وضع نص القرآن في الوسط والتفسير في الحواشي"(3).
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 260.
2 - الإحكام في اصول الأحكام للآمدي: ج 3، ص 201 - 203.
3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 260.
الصفحة 382
فأيدي الشيعة لم تمتدَّ إذاً إلى الأصل، لكن تعال معي إلى روايات أهل السنة لتجدها تقول: إنّ الآية الشريفة (بسم الله الرحمن الرحيم)ليست من القرآن وهذا معناه زيادة 112 آية في أصل القرآن الكريم، بل ذكرت أن يد الحجّاج قد حرّفت القرآن وغيّرت منه!! بل ادّعت أن "المعوذتين" ليستا من القرآن وإنما اضيفتا إليه و...(1).
فهل يجوز اقتفاء أثر بعض الرّوايات التي هي من نوع خبر الواحد، والتي يمكن احتمال تعرضها للوضع والخطأ والنسيان والتغيير، ولا يلتفت إلى قول المحققين من الفريقين حتى نصل إلى تلك النتائج المشؤومة والبعيدة عن الانصاف، ونشغل المسلمين بهذه الألاعيب الخطيرة السخيفة؟
جواب ذلك يقع على عاتق الدكتور القفاري ومن لفّ لفّه!
مصحف سري أم اسطورة سورة الولاية (والنورين)؟!
والآن نرجع إلى صلب البحث:
إنّ أصل هذا البحث من رأسه إلى قدميه يدور حول مسألة "سورة الولاية" المزعومة، فالدكتور القفاري بدأ بحثه بذكر هذه السورة، ونقل ذلك عن محبّ الدين الخطيب، وقال:
"للشيعة مصاحف خاصة تختلف عن المصحف المتداول وقد نشر الخطيب صورة "لسورة مفتراة" يسمونها سورة "الولاية" وقال بأنـّها مصورة من مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق مستر براين وقبل ذلك أثبتها شيخ الرافضة في كتابه "فصل الخطاب" ومن قبل قال صاحب [كتاب] تكفير الشيعة أنهم أحدثوا مصحفاً..."(2).
____________
1 ـ انظر: مبحث "دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة" في المقام الأول.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 255.
الصفحة 383
وفي نهاية بحثه قال:
"إنّ مسألة التداول السرّي لمصحف مفترى من الإخباريين أمر وارد ولعلّ هذا يفسر ما نشره محبّ الدين الخطيب وأحمد الكسروي (الشيعي الأصل) من صورة "لسورة" تسمى "الولاية" مأخوذة من مصحف ايراني"(1).
وينبغي هنا القول:
إذا كان الدكتور القفاري يمتلك الإنصاف فيتحتَّم عليه أن لا يعتمد على قول أمثال محب الدين الخطيب في الخطوة الاولى من بحثه، إذ كيف يقول الخطيب "مصاحف خاصّة" بصيغة الجمع ـ لا "مصحف خاص" ـ "ومصحف إيراني!!" متداول عند الشيعة بدون ذكر أي دليل ولا مستمسك لهذه المصاحف، وكذلك صاحب تكفير الشيعة فهو لم يأت بشيء من المصحف الجديد عدا سورة باسم "سورة الولاية"!
أفلا يكفي تسمية سورة واحدة بـ "مصحف أو مصاحف خاصّة" لاثبات زلّة هؤلاء؟ ثمّ إنّه لو كان ثمّة شيء آخر غير سورة الولاية عند "مستر براين" لذكره وأشاعه وطبّل له وزمّرَ لكي يحطّ من قدر وقيمة القرآن وكذا الحال في "الكسروي" الملحد الذي أنكر البعثة والرّسالة والخالقية(2) ـ ومع الأسف تعتبر
____________
1 ـ المصدر السابق: ص 260.
2 ـ قال الكسروي ما ترجمته:
"زعم المسلمون أن الله قد بعث بشراً وأوحى إليه بواسطة جبرائيل والناس يطلبون منه المعجزة فان أتى بها قبلت دعواه وإلاّ فلا، فهذا الزعم باطل من الأساس لأنّه نشأ من الحمق" در پيرامون اسلام (أي حول الإسلام): ص 9 و82 و83.
وقال أيضاً:
"إن المسلمين ادّعوا ان النبوة قد ختمت برسالة محمّد [صلّى الله عليه وآله ]وهو جهل فاضح وفي الواقع انهم أنكروا قدرة الله على ارسال رسول بعده"!! المصدر نفسه: ص 11.
ثم قال:
"هذه ضلالات تتراءى بعضها أقبح وأخسر من بعض" المصدر السابق: ص 12.
وقال في موضع آخر:
"نعلم كلّنا ان المسلمين اليوم من الشيعة وأهل السنة هم أرذل الناس وأذلّهم" المصدر السابق نفسه: 63.
هذه بعض دعاويه في أحد كتبه ولا نحتاج إلى كتبه الاخرى، ولا غرو، فانه نشأ في أحضان الاستعمار الغربي وترعرع على أفكارهم وجاهد لاطفاء نور الله وتشتيت صفوف المسلمين.
الصفحة 384
آراؤه كالوحي المنزل عند الدكتور القفاري(1) ـ وأمثاله.
هذا وقد تورّط الدكتور القفاري في خلط واضح بين سورة النورين وسورة الولاية، فما نشره محبّ الدين الخطيب وأعمل معول النقد فيه الدكتور القفاري، إنّما هو سورة الولاية المزعومة من سبع (آيات)، فيما كانت تلك السورة الأخرى التي أوردها المحدث النوري في كتابه فصل الخطاب نقلا عن كتاب "دبستان مذاهب"، سورةَ النورين المكوّنة من 41 (آية).
وبدورنا سوف نقوم ـ بغية استيفاء البحث كاملا ـ بدراسة هاتين السورتين، وتسجيل ما عندنا من نقد متعلق بهما.
نظرة إلى بنية السورتين (الولاية والنورين):
إنّ البنية الداخلية واللّحن العام الذي يحكم هاتين السورتين هو إمامة ووصاية أهل البيت عليهم السلام لا سيما الإمام علىّ عليه السلام، وكذلك ما يتعلق بانحراف المخالفين لهم، وما ينتظرهم من عذاب وعقاب إلهيين.
____________
1 ـ فقد أورد الدكتور القفاري آراءه مرّة بعد أخرى وقال ـ زوراً وبهتاناً ـ وشهد شاهد من أهلها!! انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 479 و508 و515 و752 و855 و1094 وغيرها.
الصفحة 385
إنّ البنية المغلوطة والمضمون الساذج والفقير لهاتين السورتين يمثلان دليلا واضحاً وجلياً لكلّ باحث قرآني أو من له أدنى اطلاع على المحتوى القرآني والبلاغة والفصاحة القرآنيين على تدخّل يد الجعل فيهما، وكلّ من ينظر إليهما بعين الإنصاف والعدل لا يتردد في الحكم عليهما بالوضع والجعل(1).
أ ـ وكنموذج، المقطع الأول من سورة النورين حيث نقرأ "يا أيّها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب..."، ففي هذا المقطع يتم أمر المؤمنين بالإيمان بالنورين اللذين أنزلا ليتلوا آيات الكتاب و...، من هو المراد بالنورين المنزلين لتلاوة كتاب الله وتحذير الناس من العذاب والعقاب؟ هل يمكن استنتاج معنى معقول ومحصل من وراء هذه الجمل؟!
ب ـ وكذلك نقرأ في مقطع آخر من السورة نفسها: "واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه..." فلماذا اصطفى من الملائكة وجعل المؤمنين، وما معنى أنهم في خلقه؟
ج ـ وهكذا في مقطع ثالث نجد: "ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل" فما معنى هذه العبارة التي لا أول لها ولا آخر؟!
د ـ وفي موضع آخر جاء: "ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون"، ما معنى أننا آتيناك كلمات لعلهم يرجعون؟ وما هو مرجع الضمير في لعلهم يرجعون؟
____________
1 ـ مثل العلامة السيد محمد حسين الشهرستاني (ت 1315 هـ) في رسالة أسماها "حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف"، والشيخ محمود الشهير بالمعرب الطهراني (ت 1312 هـ) في رسالة "كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب" والمحقق الميرزا محمد حسن الآشتياني (ت 1319 هـ) في كتاب "بحر الفوائد في شرح الفرائد"، ص 101، وعبد الرحمن المحمدي الهيدجي في كتابه "الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب" (ألّفه سنة 1372 هـ)، ص 144، والعلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره القيّم "آلاء الرحمن" ص 24، و...
الصفحة 386
هـ ـ وفي موضع آخر يقول: "يا أيّها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين"، كيف يتسنى للنبىّ أن يأخذ عهداً وضع في ذمة المؤمنين وتحت إرادتهم واختيارهم، ومن ثم يكون شاكراً على ذلك؟!
لعل هذه العبارة مستقاة ـ عن تقليد ـ من الآية الشريفة 144 من سورة الأعراف، وأُريد لها أن تجعل على نسقها، فقد ورد في هذه الآية ضمن خطاب موجّه إلى موسى عليه السلام: (يا موسى إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين * وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء)، وهذه الآيات تشير إلى أن الله سبحانه يطلب من موسى أخذ الألواح، والشكر على إعطائه التوراة، وهو أمرٌ يمكن فهمه وتعقله.
و ـ وفي موضع آخر أيضاً: "إنّ عليّاً قانت في الليل ساجد يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربّه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون"، ما هو معنى جملة "قل هل يستوي الذين ظلموا" في هذا النصّ؟ وما هي المناسبة الموجودة بين هذه الجملة وما بعدها؟
لعلّ من اختلق هذه الآية حاول محاكاة الآية 11 و12 من سورة الزمر التي كانت آنذاك في ذهنه، والتي جاء في نهايتها: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، فأراد استخلاص أنموذج من هذه الآية دونما معرفة بسياقها ونسقها، غافلا عن كونها في مقام الاستفهام الإنكاري، فالقرآن الكريم يقوم هنا بمقايسة ما بين أولئك الذين اتخذوا ـ جهلا وعناداً ـ شريكاً لله تعالى، وذلك لإضلال الناس عن الطريق السوي، وأولئك العاكفين في محاريب الليل في محضر الله تعالى خاضعين له وخاشعين، يرجون رحمته ويخافون عذابه، (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، لكن هل للاستفهام الإنكاري في تلك العبارة المجعولة السخيفة من معنى؟!
الصفحة 387
ز ـ وفي سورة الولاية، جاء في المقطع السابع: "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبىّ وبالولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم * نبي وولي بعضها من بعض وأنا العليم الخبير * إنّ الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم * والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين * إن لهم في جهنّم مقاماً عظيماً إذا نودي لهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون المرسلين * ما خلقهم المرسلين إلاّ بالحق وما كان الله لينظرهم إلى أجل قريب * وسبّح بحمد ربّك وعلىّ من الشاهدين".
ففي هذه السورة المختلقة، ثمّة أغلاط فاحشة وجمل لا معنى لها، من قبيل كلمة "ولىّ" التي جاءت في المقطع الأول، ومسألة عدم خلق المرسلين إلاّ بالحق، وعدم إعطاء الله سبحانه المهلة لهم إلى أجل قريب، وتوجيه أمر مركّب من تسبيح الله تعالى وشهادة علىّ عليه السلام في المقطع الأخير و... كلّ ذلك شاهد جلىّ على جعل هذه السورة واختلاقها من جانب مجموعة من الأفراد الجاهلين بالمحتوى والنسيج القرآنيين.
وعلى أية حال، فكلّ شخص يدرك ويعرف أدلة سلامة القرآن من التحريف، وينظر ويجول في تلك العبارات التي لا أول لها ولا آخر من هاتين السورتين، يحكم ـ بوضوح ـ بكونهما مجعولتين، ولا يجد نفسه مضطراً للولوج في بحث آخر، وهذه القضية لا تختص بهاتين السورتين المختلفتين، بل المسألة أوسع من ذلك وأشمل; فبعد نزول القرآن الكريم كل شخص يسعى جاهداً للإتيان بمثله وعلى شاكلته ويعمل على تكوين سورة على نسق سور القرآن الكريم فإن مآل جهده هذا لن يكون سوى الاستهزاء والسخرية، وليس ذلك إلاّ لأنّ القرآن الكريم غير قابل للإتيان بمثله، ومن ثم لا يمكن قياس مضامينه السامية وبنيته الرائعة الجمال مع أىّ نصّ آخر على الإطلاق.
الصفحة 388
دراسة مستندات أسطورة سورتي النورين والولاية:
ما نلحظه ونركز نظرنا عليه هنا هو دراسة المستندات التاريخية لهاتين السورتين، وذلك ليقف الباحثون القرآنيون ـ كل في دائرة اختصاصه ـ على مبدأ ظهورهما، ولتتبدّى لهم سخافة ادعائهم أننا بهاتين السورتين يمكننا اتهام الشيعة بالقول بالتحريف، أو ادعاء أنهما جزء من مصحف الإمام علىّ بن أبي طالب عليه السلام، ومن ثَمّ لندلل لهم على أن هاتين السورتين لم يكن لهما عين ولا أثر قبل القرن الحادي عشر الهجري في كافة المصادر الشيعية وغير الشيعية أيضاً، ولتظهر أمام الجميع كذلك ركاكة ذاك التوهم الذي عاشه جماعةٌ مالوا إلى القول بتحريف القرآن.
سورتي النورين والولاية في قراءات وتقارير المستشرقين:
لقد اهتم المستشرقون ـ بغية إيجاد التفرقة بين المسلمين ـ بهاتين السورتين، وقاموا بنشرهما في كتبهم ومجلاتهم، وقد كانت نتائج دراساتهم وتقاريرهم حولهما على الشكل التالي:
1 ـ Noldeke، نولدكه (1836 ـ 1931 م) (1): يذكر سورة النورين في كتاب تاريخ القرآن نقلا عن كتاب "دبستان مذاهب"(2).
2 ـ Ignas Goldziher، غولدتسيهر (1850 ـ 1920 م): إنه يقرأ هذا الموضوع بمزيد من التفصيل فيقول:
____________
1 ـ يعد نولدكه ـ على حد تعبير عبد الرحمن بدوي ـ شيخ المستشرقين الألمان، (المصاحف للسجستاني، المقدمة، ص 4، طبعة مصر) وكذلك يعبر عنه غولدتسيهر بـ "الرائد الكبير" (انظر مذاهب التفسير الاسلامي: ص 40) ولمزيد من التعرف على شخصية نولدكه العلمية وآثاره يمكن الرجوع إلى موسوعة المستشرقين، ص 595، وآراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره: ج 2، ص 496 وما بعدها.
2 ـ تاريخ القرآن: ص 144.
الصفحة 389
"وهم في الحق لا يأتون بالأجزاء الناقصة من النص، وبدلا من ذلك جاءوا بسور ناقصة بالكلية من القرآن العثماني، أخفتها الجماعة التي كلّفها عثمان بكتابته، عن سوء نية، في زعمهم، إذ هي تشتمل على تمجيد لعلىّ، وقد نشر جارسان دي تاسي Garcin de Tassy ومرزا كاظم بك، لأول مرّة، في المجلة الآسيوية (Journal Asiatique) (1842)، سورة من هذه السور المتداولة في دوائر الشيعة.
وحديثاً وجدت في مكتبة بانكيبور (بالهند) نسخة من القرآن تشتمل، فضلا عن هذه السورة، على سورة "النورين" (41 آية)، وسورة أخرى شيعية أيضاً (ذات سبع آيات)، وهي سورة الولاية، أي الموالاة لعلىّ والأئمة، كما تشتمل على تفسيرات مذهبية كثيرة في بقية السور المشتركة.
وكل هذه الزيادات الشيعية نشرها كلير تسدال W. st. Clair Tisdall باللغة الإنجليزية.
وكل ذلك يدل على استمرار افتراض الشيعة حصول نقص غير قليل في نص القرآن العثماني بالنسبة إلى المصحف الأصلي الصحيح"(1).
هذا هو ما استنتجه وتخرج به غولدتسيهر، وهو أن تلك السورة التي نشرها كل من "دي تاسي" و"كاظم بيك" كانت متداولة في الأوساط الشيعية، وهاتين السورتين غير تلك السورتين الموجودتين في تلك النسخة من القرآن التي عثر عليها في بلاد الهند، ويردف غولدتسيهر ادعاءاته هذه ـ ودونما دليل ـ معتبراً أن أولئك الذين عنوا بتدوين المصحف العثماني بأمر من عثمان بن عفان قاموا ـ وفقاً لمنطق التفكير الشيعي ـ بإلقاء هاتين السورتين من القرآن، نظراً لاشتمالهما على
____________
1 ـ مذاهب التفسير الإسلامي: ص 294 ـ 295.
الصفحة 390
فضائل علىّ عليه السلام.
والأسئلة التي لا بدّ من إثارتها أمام المستشرقين هي:
1 ـ ما هو المصدر الذي استند إليه دي تاسي وكاظم بيك فيما يخص هاتين السورتين؟
2 ـ هل أن هاتين السورتين اللتين تحدّث عنهما دي تاسي وكاظم بك غير تلك السورتين المعروفتين باسم النورين والولاية؟
3 ـ هل أن ما نقله كلير تسدال ـ الذي يدعي غولدتسيهر بأنه جمع كل الموارد التي ادعي فيها أنها حرّفت من القرآن الكريم ـ من سور ناقصة كان أزيد من هاتين السورتين؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة يمكن استحصاله عن طريق الرجوع إلى المصادر التي ارتكز عليها غولدتسيهر في هذا الموضوع.
ففي عام 1842 م قام دي تاسي ـ ولأول مرّة ـ بنشر النص العربي لسورة النورين في مجلة (1)Journal Asiatique مرفقاً إياه بترجمة فرنسية له، ويذكر دي تاسي بأن المصدر الذي استقى منه هذه السورة إنما هو أثر فارسي يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي (11 هجري) واسمه "دبستان مذاهب"، وهو من تأليف شخص إيراني زرادشتي يقطن الهند(2)، وبعد سنة واحدة من ذلك، أي عام 1843 م، وفي نفس المجلة، قام كاظم بيك بإيراد هذه السورة طبقة لنسخة تجعل آياتها 43 آية، ونشرها مقدّماً ترجمة أكثر دقّةً عنها، بيد أن كاظم بيك لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى تلك النسخة التي اعتمد عليها(3).
____________
1 ـ May, 1842, pp, 431, 36.
2 ـ نفس المصدر: ص 433.
3 ـ (Decembsr, 1843, pp, 414, 19).
الصفحة 391
وبمقايسة متن "سورة النورين" في كلتا المجلتين، نرى أنه ليس هناك أي تفاوت ما بين ألفاظهما، الأمر الذي يدلل على أن كاظم بيك إنما أخذ هذه السورة عن نفس الكتاب، أي عن "دبستان مذاهب"(1)، وبالتالي عن نفس ذاك المصدر الذي كان دي تاسي قد أخذ السورة عنه.
وفي تموز من عام 1913 م كتب كلير تسدال (Clair Tisdall) في مجلة(2) The Moslem World وفي مقالة حملت عنوان "إضافات الشيعة على القرآن" (shiah addions to the koran) يقول:
"إن هناك علاوةً على سورة النورين المكونة من 42 آية، سورةً أخرى هي سورة الولاية، المؤلفة من سبع آيات، كما قام هو بنفسه بترجمة السورتين إلى اللغة الإنجليزية، وتحدث عن مصدره الذي اعتمده في هاتين السورتين فقال: "إن هاتين السورتين مأخوذتان من نسخة خطية للقرآن تعود إلى القرن السادس عشر أو السابع عشر الميلادي موجودة في بانكيبور في الهند"(3).
لكن تسدال يذعن ـ فيما يتعلق بنص هاتين السورتين ـ بأن: "الأشخاص العارفين باللغة العربية، يمكنهم اكتشاف وضع واختلاق
____________
1 ـ الجدير ذكره أن كاظم بيك ذكر رأي الشيخ الصدوق فيما يخص بعدم تحريف القرآن في إطار ذكره لرأي الشيعة دفاعاً عنه. نفس المصدر: 401.
2 ـ 111, July, pp, 231, 34.
3 ـ نفس المصدر: ص 228، والعنوان الوحيد الذي يشير له فيما يخص هذه النسخة من القرآن الكريم هو أن هذه النسخة عثر عليها في حزيران من عام 1912 م في بانكيبور في الهند، وقد قال مسؤول مكتبة بانكيبور بأن هذه النسخة قد تمّ شراؤها قبل عشرين سنة من شخص يدعى نواب في مدينة لكنهوي الهندية، وأن تاريخ هذه النسخة يعود في الأكثر إلى 200 أو 300 سنة سابقة، انظر المصدر نفسه: ص 228.
الصفحة 392
هاتين السورتين عدا تلك الأجزاء التي وجدت فيهما، مما هو من القرآن نفسه، والتكوين الجعلي لهذه الإضافات لم يكن ليمنحها مجالا لتحظى بالتوفيق أبداً، بل لقد احتوت على أخطاء نحوية أيضاً، والنص الموجود بين يدىَّ لسورة النورين يختلف في كثير من المواضع عمّا هو الموجود في النص الذي نشره كانون سيل (Canon Sell)، وقد كان "سيل" أخذ النص الذي عنده عن مقالة المرزا كاظم بيك المنشورة في المجلة الآسيوية"(1).
وبناء عليه، فهاتان السورتان لا تعودان إلى مرحلة زمنية أسبق من القرن السادس عشر الميلادي ـ هذا على فرض أن تلك النسخة من القرآن قد دوّنت في ذلك القرن ـ والحالات التي يتحدث فيها تسدال عن وجود اختلاف بين نسخته والنسخة التي كانت عند كانون سيل، إنما هي من باب الاختلاف ما بين النسخ الخطية، والذي هو أمرٌ طبيعي.
لكن محمد صبيح، ذكر خمس عشرة (آية) من آيات سورة النورين دونما إشارة إلى المصدر الذي اعتمد عليه، مطلِقاً على ما أتى به سورة النورين(2)، مدعياً ـ ودون اتكاء على مستند ـ بأن هذه السورة كانت في مصحف الإمام علىّ عليه السلام، ولكن عثمان قام بتنحيتها جانباً؟!(3) ويكتب محمد جواد مشكور أيضاً فيقول:
"لقد تمّ العثور في الهند على نسخة مختلقة من القرآن تشتمل على سورة ثالثة غير سورتي الولاية والنورين، تحتوي على سبع آيات،
____________
1 ـ نفس المصدر: ص 232.
2 ـ تاريخ القرآن: ص 28.
3 ـ نفس المصدر: ص 29.
الصفحة 393
وهي في زعم غلاة الشيعة سورة ولاية علىّ والأئمة"(1).
لكن مشكور يقع هنا في خطأ واشتباه، ذلك أنه لا توجد سورة باسم سورة ولاية الأئمة غير هاتين السورتين، أي سورة النورين وسورة الولاية، ومقايسة نص هاتين السورتين اللتين أوردهما الدكتور مشكور مع السورة التي ذكرها اللاهيجي(2) وكلير تسدال(3) باسم سورة الولاية، يرشد إلى أنهما سورة واحدة، ومستند الجميع ليس سوى تلك النسخة المجهولة الاسم والعنوان للقرآن الكريم التي ادعى العثور عليها في الهند.
والحاصل أن مصدر ومرجع المستشرقين، ومشكور، والآخرين حول سورتي النورين والولاية، ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب"، ونسخة من القرآن يقال إنها مكتوبة في القرن السابع عشر الميلادي، ولم يقدّم أحد أي مصدر ومستند آخر لهما.
أسطورة سورتي الولاية والنورين في كلمات السلفيين:
ثمّة الكثير من التمسك بهاتين السورتين في كلمات وكتابات السلفيين (الوهابية) لاتهام الشيعة بتحريف القرآن، ونهاية الخيط في ذلك تعود إلى رأسهم، محمّد بن عبد الوهّاب (ت 1206 هـ)، فهو يقول:
"... يقال إن الشيعة في هذا العصر أبرزت سورتين من القرآن، يظنون أن عثمان بن عفان أخفاهما، وقد أضافوهما في نهاية المصحف، إحداهما سورة النورين والأخرى سورة الولاء"(4).
____________
1 ـ تاريخ شيعه وفرقهاى اسلامى تا قرن چهارم: ص 155.
2 ـ تذكرة الأئمة: ص 19 ـ 20.
3 ـ The Moslem World, 111, p. 234.
4 ـ رسالة في الرد على الرافضة: ص 14 ـ 15.
الصفحة 394
وعقب محمد بن عبد الوهاب، ركّز أنصاره على هذا الاتهام، وكان من بينهم، الشاه عبد العزيز الدهلوي(1)، وعلي أحمد السالوسي(2)، ومحب الدين الخطيب(3)، وموسى جار الله(4)، ومحمد مال الله(5)، وإحسان إلهي ظهير(6)، والدكتور أحمد الجلي(7)، و...
وكما لاحظنا، فإن الدكتور القفاري يدّعي وجود هاتين السورتين في المصحف السرّي المتداول بين الأخباريين(8).
ويكتب محب الدين الخطيب أيضاً قائلا:
"ونتيجة البحث حول السورتين (النورين والولاية) هو أن هناك قرآنيين رائجين بين الشيعة، أحدهما هذا القرآن، والآخر قرآن خاص مخفي موجود عندهم"(9).
إن المصادر الذي اعتمد عليه كل هذا الفريق، وكذلك أحمد كسروي(10)، ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب" وتاريخ القرآن لنولدكه، ومذاهب التفسير الإسلامي لغولدتسيهر، وفصل الخطاب للمحدث النوري، وتذكرة الأئمة لمحمد باقر اللاهيجي، وقد عالجنا بالبحث والتحقيق المصدر الذي اعتمد عليه
____________
1 ـ مختصر التحفة الاثني عشرية: ص 33.
2 ـ مع الشيعة الاثني عشرية: ص 104.
3 ـ الخطوط العريضة: ص 12.
4 ـ الوشيعة: ص 104.
5 ـ الشيعة وتحريف القرآن: ص 152.
6 ـ السنة والشيعة: ص 113.
7 ـ دراسة عن الفرق: ص 226.
8 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 260.
9 ـ الخطوط العريضة: ص 12.
10 ـ در بيرامون اسلام: ص 30.
الصفحة 395
غولدتسيهر، أمّا اللاهيجي فإنه يذكر السورتين دونما تعرض لمصدر كلامه ومستنده(1) وسيأتي البحث في اللاهيجي وكتابه أكثر، (وإذا ما لاحظنا النص الذي يذكره اللاهيجي، وقارناه بالنص المذكور في كتاب "دبستان مذاهب"، نجد أن الاختلاف بسيط جداً، لا يعدو كونه اختلافاً في النسخ ليس إلاّ)، أمّا البقية، فالمصدر الوحيد الذي اعتمدوا عليه في نقلهم هذا، إنما هو كتاب "دبستان مذاهب"، وحتى المحدث النوري، ينقل سورة النورين عن نفس هذا الكتاب أيضاً، ثم يكتب المحدث النوري:
"إن الظاهر من كلام دبستان مذاهب هو أنه أخذ هذه السورة من كتب الشيعة، لكنني لم أجد لهذه السورة عيناً ولا أثراً في كتبهم، ولم أعثر على خبر عنها فيها، عدا بناء على ما ينقل عن محمد بن شهرآشوب المازندراني في كتاب المثالب، من أن المخالفين طرحوا من القرآن سورة الولاية، ولعل مراده هذه السورة"(2).
ومع الأسف، فإن المحدث النوري لم يدقق جيداً في نقل دبستان مذاهب،، وكذا في كلام من نسب ذلك إلى ابن شهرآشوب، بل قام ـ وعوضاً عن ذلك ـ بالاعتماد على هذا النقل دون تحقيق، كما سترى ذلك سريعاً، إن شاء الله تعالى.
ومن وجهة نظرنا، فإن تاريخ ظهور سورة النورين ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب" الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، وتذكرة الأئمة الذي جاء بعد حوالي القرن منه استقى منه هذه الفكرة، أمّا النسخة المجهولة التي عثر عليها في بلاد الهند في القرن السابع عشر الميلادي، وادعى كلير تسدال بأن هذه السورة موجودة فيها، فثمّة احتمال قوي ـ عندما نلاحظ تاريخ كتابة هذه النسخة ـ في أن
____________
1 ـ تذكرة الأئمة: ص 19 ـ 20.
2 ـ فصل الخطاب: ص 180.
الصفحة 396
تكون مأخوذة من كتاب "دبستان مذاهب" نفسه أيضاً، وبالتالي فقبل هذا الكتاب ليس ثمة مصدر أو مستند يرجع إليه فيما يخص سورة النورين.
أمّا سورة الولاية، فلم يعثر عليها إلاّ في تلك النسخة المجهولة من القرآن في القرن السابع عشر الميلادي.
وعليه، فلا يوجد أي أثر عن هاتين السورتين في أي مصدر من مصادر الشيعة على الإطلاق، من الكتب الأربعة المتقدمة، وكذلك الكتب المتأخرة، لا سيما في المصادر التي تقع في مظانّ بحث كهذا، ككتاب سليم بن قيس الهلالي (ت 90 هـ)، وكتاب القراءات (والذي سمي اشتباهاً بكتاب التنزيل والتحريف) لأحمد بن محمد السياري (ت 256 هـ)، والتفسير المنسوب إلى علىّ بن إبراهيم القمّي، وكذلك في مطاوي كلمات الذين يميلون إلى فكرة تحريف القرآن، من أمثال، أبي الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ البغدادي (ت 328 هـ)، من علماء أهل السنة، الذي كان يعتقد بهذا الوهم السخيف القائل بالتحريف، حيث كان يرى بأن عثمان أسقط خمسمائة حرف من القرآن(1)، وكذلك في كلماتهم التي تعرضت ـ قبل القرن الحادي عشر الهجري ـ لمعتقدات الشيعة حول القرآن، كأبي الحسن الأشعري(2)، أو التي نقدت العقائد الشيعية، واتهمتها بالقول بتحريف القرآن، من أمثال ابن حزم الأندلسي(3)، والميرزا مخدوم الشيرازي(4) (ت في القرن العاشر الهجري)، والمطهر
____________
1 ـ انظر الجامع لأحكام القرآن: ج 1، ص 80، وتاريخ بغداد: ج 1، ص 280، والمرشد الوجيز: ص 186، وقد بحثنا قبل ـ وبالتفصيل ـ حول ابن شنبوذ في مبحثنا عن "بداية هذا الافتراء في كتب أهل السنة" في المقام الثاني.
2 ـ مقالات الإسلاميين: ج 1، ص 119.
3 ـ الفصل: ج 5، ص 119 ـ 120.
4 ـ النواقض، مخطوط، الورقة 103، نقلا عن كتاب اصول مذهب الشيعة: ص 210.
الصفحة 397
بن عبد الرحمن(1) (توفي في القرن العاشر الهجري).
وعليه، فكل من تعرض لبحث صيانة القرآن من التحريف أو كان بصدد الدفاع عن المعتقدات الشيعية ورفع اتهام التحريف عنها، والإجابة عن الشبهات والاشكالات الموجّهة إليها، وهم جمع غفير من علماء الإمامية، الذين لاحظنا كلماتهم في المقام الأول لدى البحث عن "أدلة سلامة القرآن من التحريف"... لا يعثر في كل آثارهم وكلماتهم على أي اسم أو رسم لهاتين السورتين، لا لإثباتهما ولا لنفيهما، وكما أذعن المحدث النوري ـ الذي يصنف كواحد ممّن قل نظراؤهم في مجال التتبع والاستيعاب الشامل والاطلاع الواسع على كتب الفريقين ـ لم يعثر على أثر لهاتين السورتين في الكتب الشيعية.
ونتيجةً لكل ذلك، فإن المصدر الأول لسورة النورين ليس سوى كتاب "دبستان مذاهب"، الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، فالآن ننظر ما هو كتاب دبستان مذاهب وحقيقته.
كتاب دبستان مذاهب واسطورة سورة النورين:
كتاب "دبستان مذاهب" الذي هو مجهول المؤلف (وسيأتي البحث عن تشخيص هوية المؤلف طبقاً لتفحص محقق الكتاب)، فقد قال:
"انّ بعض الشيعة يقولون انّ عثمان احرق المصاحف التي تتضمن سوراً في شأن علي وفضله، ومن تلك السور سورة الولاية"
ثم أورد متن تلك الاسطورة الغريبة المزعومة التي ملأت ما يقارب الصفحة(2).
وهو بدوره لم يذكر أيّاً من الشيعة الذين نسب إليهم ذلك القول وفي أىّ كتاب ورد ذلك، وما سنده و...؟ لم يذكر لنا شيئاً عن ذلك.
____________
1 ـ تكفير الشيعة، مخطوط، الورقة 58، نقلا عن أصول مذهب الشيعة: ص 210.
2 ـ دبستان مذاهب: ج 1، ص 246.
الصفحة 398
وقد نقل المحدث النوري في كتابه "فصل الخطاب" هذه السورة المزعومة عن كتاب "دبستان مذاهب" فقط وفي نهاية المطاف قال:
"قلت: ظاهر كلامه [أي كلام مؤلف دبستان مذاهب] أنه أخذها من كتب الشيعة ولم أجد لها أثراً فيها غير أنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولعلّها هذه السورة والله العالم"(1).
أقول:
أولاً: إنّ ما قاله المحدّث النوري بأنّ الظاهر من كلام صاحب دبستان مذاهب أنّه أخذها من كتب الشيعة; خطأ كبير، لأنّ نفس صاحب دبستان مذاهب قال في الفصل الأوّل الذي عقده تحت عنوان "در [أي في] ذكر مذهب إثنا عشرية" ما ترجمته: "ما سمعته من جماعة في سنة 1053 في لاهور فأوردته"(2).
ثمّ ذكر تلك السّورة المزعومة بكاملها، وعلى فرض أنـّه لم يحدث دسّ ووضع في كتاب دبستان مذاهب فيما بعد ـ وهو ما نحتمله قوياً وسنورد شواهد عليه فيما بعد ـ فإنّ المؤلف لم ينقل هذه السورة من كتب الشيعة، بل صرّح بأنّه سمعها من جماعة بلاهور وأنّ المحدّث النوري نفسه يقول: "لم أجد لها أثراً فيها ـ أي في كتب الشيعة ـ".
ثانياً: إنّ ما قاله المحدّث النوري: "إنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه..." هذه النسبة أيضاً بتمامها لا أساس لها من الصحّة، ولا يبعد أنّ المحدث النوري انطلت عليه خديعة الاعداء ـ كما خُدع في تأليفه لكتاب "فصل الخطاب" ـ لأنّ كتاب "المثالب" اليوم موجود بين أيدينا وقد
____________
1 ـ فصل الخطاب: ص 180.
2 ـ دبستان مذاهب: ج 1، ص 244 ـ 247.
الصفحة 399
بيّن مؤلفه (أي ابن شهرآشوب ت 588 هـ.) وبصراحة رأيه في مسألة صيانة القرآن عن التّحريف، وهو يذهب ـ كما هو رأي السيد المرتضى علم الهدى (ت 436) ـ في الأساس إلى أنّ القرآن قد جمع ودوّن في عصر النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ومع هذا كيف يمكن لعثمان أن يحذف منه شيئاً؟! ولنستمع إلى نصّ كلام ابن شهرآشوب في التعريض بأهل السنّة:
"... وزعمتم أنه ـ أي عثمان ـ جمع القرآن وقال الله تعالى (إنّ علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتّبع قرآنه) على أنّ لفظة القرآن تدل على خطابه لأنّ القرآن هو المجموع من الأمثال والحكم والوعد والوعيد وأمثالها... ورويتم أنه لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء وكيف يجمع من لم يحفظ أو يحفظ غير المجموع...؟ وقد ثبت أنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قرأ القرآن وحصره وأمر بكتابته... وكان يقرأ على جبرئيل كلّ سنة مرّة إلاّ السنة التي قبض فيها فانه قرأ عليه مرتين ولا يمكن قراءة ما ليس بمجموع ومؤلف ومرتب..."(1).
كما أنـّك لاحظت نصّ عبارة "ابن شهرآشوب" في كتاب آخر أي "متشابه القرآن ومختلفه" فقد ذكر هناك وبصراحة; حفظ القرآن من التّحريف وقال ـ بعد أن ثبت بالدليل أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ:
"... والصحيح كل ما يروى في المصحف من الزيادة إنما هو تأويل، والتنزيل بحاله ما نقص منه وما زاد"(2).
وعلى هذا يكون المحدّث النوري قد أخطأ باعتماده على قول الآخرين بقوله:
"... إنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب ذكر في كتاب المثالب على
____________
1 ـ مثالب النواصب: المخطوط، الورق 468 من نسخة لكنهو و471 من نسخة سبهسالار.
2 ـ متشابه القرآن ومختلفه: ج 2، ص 77.
الصفحة 400
ما حكي عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية...".
وأمّا من هو الشخص الذي حكى عن "ابن شهرآشوب" هذا القول؟ فقد توصلنا بعد البحث إلى أنه "محمود الآلوسي" في "روح المعاني" حيث قال:
"وذكر ابن شهرآشوب المازندراني في كتاب المثالب له أنّ سورة الولاية اُسقطت بتمامها..."(1).
ويحتمل قوياً أنّ المحدّث النوري اعتمد على قول الآلوسي، لأنّ الآلوسي توفي سنة (1270 هـ) والمحدّث النّوري توفي سنة (1320 هـ) وأمّا "فصل الخطاب" فقد طبع في سنة (1298 هـ.) بل قد ينقل النوري عن تفسير روح المعاني في كتاب فصل الخطاب(2) ولم يحك أحد هذا القول عن ابن شهرآشوب سوى الآلوسي.
____________
1 ـ روح المعاني: ص 44.
والمحقق ميرزا محمّد حسن الآشتياني (ت 1319) بعد أن فنّد مزاعم تحريف القرآن، أورد تلك السورة من كتاب "دبستان مذاهب" وقال: "لم اقف عليها من غير الكتاب المذكور نعم عن الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني المعروف، في كتاب المثالب، أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولا يبعد أرادة هذه السورة ولكنك خبير بانها ليست من القرآن المنزل اعجازاً قطعاً إذ يقدر كل عارف بلغة العرب أن يأتي بمثلها مع أنه قال سبحانه (لئن اجتمعت الإنس والجن...): بحر الفوائد في شرح الفرائد: ص 101.
وظاهر عبارة المحقق الآشتياني رحمه الله الذي يقول: "نعم عن الشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب في كتابه المثالب..." يدل انّه لم ير كتاب "المثالب" ولكنه اعتمد على قول الآخرين كالآلوسي حيث صرح الآلوسي قائلاً: "ذكر ابن شهرآشب المازندراني...".
وطبيعي أن لا يتوهّم أحد أنّ "المحدث النوري" نسب سورة الولاية المزعومة إلى "ابن شهرآشوب" اعتماداً على قول المحقق الآشتياني، ذلك لأنّ المرحوم المحقق الآشتياني ألّف كتابه "بحر الفوائد" في سنة 1315 هـ، أي بعد عدّة سنوات من طبع كتاب "فصل الخطاب". انظر: بحر الفوائد في شرح الفرائد: ج 4، ص 68 فإنه صرّح بتأريخ تأليف كتابه في سنة 1315 هـ. بل ربّما اعتمد على كلام النوري في فصل الخطاب.
2 ـ مثل قوله: "قال المحمود الآلوسي المعاصر في الفائدة السادسة من مقدمات تفسيره..." فصل الخطاب: ص 162.
الصفحة 401
2 ـ كتاب "تذكرة الأئمة" وهو المصدر الثاني الذي وردت فيه "سورة النورين" المزعومة لمحمد باقر بن محمّد تقي اللاهيجي، وقد فرغ من هذا الكتاب في سنة 1085 هـ.
وقد أورد المؤلف تلك السورة المزعومة تماماً وهي بنفسها ما وردت في كتاب دبستان مذاهب.
من هو مؤلف كتاب تذكرة الأئمة؟
لقد عدّ بعض جهلاً هذا الكتاب من مؤلفات "العلامة محمّد باقر المجلسي رحمه الله"(1)، بلحاظ التشابه الاسمي بين المجلسي ومؤلف الكتاب، ولكنّ الناظر للصفحات الأولى من هذا الكتاب يتبادر له أنّ مؤلفه من الطائفة الصوفية، وليس هناك ولو علقة بسيطة بين طريقة مؤلفه وطريقة الشيخ المجلسي(2)، ولم يوجد في موسوعة "بحار الأنوار" الذي ألّفه المجلسي لجمع الأخبار وفي المجلّدين اللّذين خصصهما لذكر الروايات حول القرآن الكريم، يضاف إلى ذلك أنه لا يوجد في مؤلفات المجلسي كتاب بهذا الاسم(3) وإنّه ممّا لا يخفى على من راجع فهرست مؤلفات العلاّمة المجلسي، كما إنّ كلّ من كتب حول حياة العلاّمة المجلسي كالسيد مصلح الدين المهدي في كتابه "حياة العلامة المجلسي" لم يذكر هذا الكتاب له، هذا وقد قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني حول كتاب "تذكرة الأئمة":
"(تذكرة الأئمة) في تواريخ الأئمة المعصومين عليهم السلام من
____________
1 ـ كصاحب كتاب اللؤلؤة على ما حكي عنه في "الفيض القدسي": ص 53.
2 ـ على سبيل المثال; انظر: الصفحة الاولى من هذا الكتاب ففيها حديث عن "كعب الاحبار" وحكايته عن قصته أمام معاوية بن أبي سفيان وهي من الاسرائيليات.
3 ـ انظر: ريحانة الأدب: ج 5، ص 195، روضات الجنات: ج 1، ص 118 ـ 124، الاعلام للزركلي: ج 3، ص 868، أعيان الشيعة: ج 9، ص 182 ـ 184، الذريعة: ج 23، ص 319 وما بعدها، رياض العلماء: ج 5، ص 39 والفيض القدسي في ترجمة العلامة المجلسي.
الصفحة 402
ولادتهم ووفياتهم وبيان سائر حالاتهم وما يتعلق بذلك، للمولى محمّد باقر بن محمّد تقي اللاهيجي، فارسي... فرغ من تأليفه في (1085) حكى شيخنا في الفيض القدسي، تصريح صاحب الرياض بأنّ مؤلفه كان معاصراً للعلاّمة المجلسي مشاركاً معه في الاسم واسم الأب وكان مائلاً إلى التصوف، ومع هذا التصريح من صاحب الرياض وهو تلميذ العلاّمة المجلسي وخرّيت الصناعة فتكون نسبة الكتاب إلى المجلسي توهم منشأه الاشتراك الإسمي..."(1).
فلو كان هذا الكتاب للعلاّمة المجلسي لما قال "المحدّث النوري" في "فصل الخطاب" حول السورة المزعومة: "لم أجد لها أثراً في كتب الشيعة"(2)، بل إنّ محمد حسين الخاتون آبادي سبط العلامة محمد باقر المجلسي في رسالته التي ألّفها لبيان عدد تأليفات جدّه وعدد أبيات كل واحدة منها لم يذكر هذا الكتاب في سلسلة مؤلفات المجلسي(3) والمحدث النوري أيضاً ألّف كتاباً بعنوان "الفيض القدسي في أحوال العلاّمة المجلسي" وقال هناك بعد بيان فهرست جميع مؤلفات العلامة المجلسي ما نصّه:
"قال الفاضل المعاصر المحقق سلّمه الله تعالى في الروضات بعد ذكر كلام اللؤلؤة في نسبة كتاب "تذكرة الأئمة" إليه:
قلت: ـ أي صاحب الرَّوضات ـ وهذا باطل من وجوه، أخصرها وأمتنها عدم تعرض ختنه (أي العالم محمّد حسين الخاتون آبادي رحمه الله) الذي هو بمنزلة القميص على بدنه في كراسه التي وضعها
____________
1 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 4، ص 26.
2 ـ فصل الخطاب: ص 180.
3 ـ رسالة في در بيان عدد تأليفات العلامة المجلسي.
الصفحة 403
لخصوص فهرس مصنفات المجلسي أصلاً مع أنـّه كان بصدد ضبط ذلك جدّاً بحيث لم يدع رسالة تكون عدد أبياتها خمسين بيتاً فما دونها".
ثم قال المحدث النوري رحمه الله:
"إنّ أمتن الوجوه بل الشاهد على كذب النسبة قطعاً أنّ تلميذه الفاضل الميرزا عبد الله الاصفهاني قال في الرياض في الفصل الخامس المعدّ لذكر الكتب المجهولة وقد كتب هذا الموضع منه في حياة استاذه كما يظهر من مطاوي الفصل ما لفظه: كتاب تذكرة الأئمة من تأليفات بعض أهل عصرنا ممن كان له ميل إلى التصوف.
وكيف يخفى عليه مؤلَّف شيخه وهو جذيلها المحكك وعذيقها المرّجب."(1)
هذا ويقوي احتمال أنّ هاتين السورتين قد وضعتا وجعلتا من قبل مجموعة من الصوفية لأن سجعما ووزنهما ومفادهما شبيه بأذكار وأوراد الصوفية التي يصوغونها تقليداً لكلمات القرآن الكريم، ويحتمل أنهما لم تسمّا بادئ ذي بدء "بسورة الولاية والنورين" أي لم يطلق عليهما كلمة "سورة" ولكنّ بعضاً ممّن جاء فيما بعد وبالتدريج كمؤلف "تذكرة الأئمة" توهم أن هذه سورة من سور القرآن الكريم.
____________
1 ـ الفيض القدسي، المطبوع في بحار الأنوار: ج 105، ص 53 ـ 54.
الصفحة 404
حصيلة القول في مصدر السورتين المزعومتين:
إنّ المصدر الوحيد لسورة الولاية ليس إلاّ نسخة مخطوطة من القرآن يقال قد كتبت في القرن السابع عشر الميلادي ولم يقدم أحد أي مصدر ومستند آخر لها ومصدر سورة النورين هو كتاب "دبستان مذاهب" ولم يكن لهذه الاسطورة قبله من أثر وقد أخذهما مؤلف تذكرة الأئمة منهما.
ولو حقّقنا في مؤلف كتاب "دبستان مذاهب" وقضية تأليفه والأفراد الّذين نقل عنهم المؤلف ومكان التأليف والذين اهتمّوا بنشره و...; لاتَّضح لنا بما لا يقبل الشك أنَّ هذه السورة المزعومة لم تكن إلاّ مؤامرة من قِبَلِ أعداء الدين، أو هي من أذكار وأوراد الصوفيين الجهلة، والآن نذكر لك بعضاً ممّا خطّته أنامل المحقق البارع لكتاب "دبستان مذاهب" الذي بذل جهداً كبيراً في تحقيق هذا الكتاب(1) حيث قال في مقام مؤلف هذا الكتاب ما ترجمته:
"الخلاصة إنّ المحققين صبّوا جلّ اهتمامهم حول مؤلف هذا الكتاب; فبعضهم نسب هذا الكتاب إلى الشيخ محمّد محسن فاني الكشميري، وهي نسبة لو تنبّهنا إلى الأدّلة المتعددة لثبت لدينا أنّ هذه النسبة غير مطابقة للواقع"(2).
ثمّ ذكر أدلّته، وبعد التنبه إلى القرائن والشواهد المتعددة كتب:
"إنّ كلّ هذه القرائن والشواهد الكافية تجعلنا نعتقد ونقول بضرس قاطع: إنَّ مؤلف "دبستان" هو أحد الأتباع الخلّص لآذركيوان وآيين دساتيري، الذي هو مورد احترام سائر الآذركيوانيين"(3).
____________
1 ـ وهو رحيم رضازاده ملك.
2 ـ دبستان مذاهب: ج 2، ص 22.
3 ـ المصدر السابق: ص 46.
الصفحة 405
وبعد البحث والمطالعة توصّل إلى: "أنّ مؤلف "دبستان مذاهب" لا يكون إلاّ موبد كيخسرو اسفنديار ولد آذركيوان"(1).
وأمّا ما يتعلّق بالمصادر التي اعتمد عليها مؤلف "دبستان مذاهب" فقد قال المحقق ـ بعد ذكر القرائن والشواهد ـ:
"الذي أعتقده أن مؤلف "دبستان" لم يراجع إلاّ رسائل وكتب آذركيوان وبعض كتب ورسائل الزردشتية مباشرة، إلاّ أنّ قسماً من الكتب والرسائل المتعددة التي ذكرها في متن كتابه لم يرها أصلاً"(2).
وأمّا ما يتعلق بأغراض وأهداف المؤلّف فقد قال محقق الكتاب:
"إنّ مؤلف الكتاب وإن حاول أن يوحي للقارئ بأنه التزم الحياد، ولم يعدّ نفسه من أيّة فرقة أو دين، بل أظهر أنه يقبل بكلّ الاديان والمذاهب، ويأخذ بقول المعتقدين بالأديان والفرق لتمجيد وتعظيم وتحسين وتكريم وحاول إثبات أحقية كل المذاهب والفرق... ولكنه [في الحقيقة] سعى أن يحصر جميع الأديان والمذاهب في مبدأ واحد ومنشأ فرد، وحاول تضليل القارئ لقبول فكرة ان أول المسلك هو مسلك "بارسيان" وآخر المذهب هو مذهب "الآذركيوانيين" وانه جامع لجميع جهات الحسن والصحة"(3).
وأخيراً كتب حول بعض مضامين كتاب دبستان قائلاً:
"إنّ قسماً كبيراً من المستندات التي ذكرت حول الأديان والمذاهب المختلفة ومن جملتها المسلمون وخصوصاً الشيعة منهم، باطلة
____________
1 ـ دبستان مذاهب: ص 58.
2 ـ دبستان مذاهب: ج 2، ص 124.
3 ـ المصدر السابق: ج 2، ص 124 ـ 125.
الصفحة 406
ومغرضة حيث يمكن للقارئ أن يلاحظ أنّ أكثر مستنداته بل جميعها قد أخذها عن أفواه جمع من السفلة والأوباش، كما أن مؤلف دبستان وإن أظهر نفسه بأنه حيادي، ولكننا نعلم بأنه من الدعاة إلى المسلك المجعول والكاذب وغرضه الاساس ـ وإن كان قد أخفاه علينا ـ هو إبطال اعتقاد المتدينين بالأديان وجرّهم إلى زمرة المعتقدين بمسلكه.
وفي مقام هذه المطالب السخيفة التي وردت في دبستان لنا احتمال آخر يمكن أن نذكره وهو:
"إنّ كتاب "دبستان" ترجم لأول مرّة من قِبَلِ الانجليز، وطبعه بالفارسية أول مرة "ويليام صاحب"! ومن ذلك يظهر أنه ليس ببعيد أن الانجليز طبقاً لقانونهم. Divide And Rule [أي فرّق تسد]. قد دسّوا في هذا الكتاب كثيراً من المطالب الخاطئة والمغرضة والموضوعة، ولأنّ تلك المطالب الموضوعة لا سابقة لها وهي دالّة على حمقهم بوضوح فقد نسبوها إلى أفواه الناس"(1).
وعلى أية حال فماذا ننتظر من كتاب هذه قصته، وهذا مؤلفه وماهيته؟ وماذا ينبغي أن نقول في رجل جعل من نفسه ـ من حيث يعلم أو لا يعلم ـ "حمّالة الحطب" لأعداء الإسلام بنشر أفكاره المجعولة تلك؟ وماذا يريد الدكتور القفاري وغيره في تشبثه بسورة النورين بالاعتماد على كتاب ألّفه كافر أراد منه هدم الكيان الاسلامي.
أفلا يتحتّم علينا تنزيه ساحة القرآن المقدّسة من مثل هذه المصادر كدبستان
____________
1 ـ دبستان مذاهب: ص 140.
وان أردت مزيد تفصيل فعليك بمراجعة الجزء الثاني من "دبستان مذاهب": ص 131 وما بعدها، مبحث "مؤلف دبستان كيست" "موضوع دبستان" "نسخ خطّي وچاپي دبستان".
الصفحة 407
مذاهب، وما من يوم إلاّ وينشر فيه المستشرقون المغرضون ـ كما رأيتم ـ اُسطورة سورة الولاية وسورة النورين اعتماداً على كتاب دبستان مذاهب ونسخة مخطوطة مجهولة من القرآن.
نعم إذا كان في الماضي قد حيكت تلك المؤامرة لأنّ الإنجليز قد ملأوا جيوبهم من الباوندات الإنجليزية، فإنه في الحاضر يمكن له الحصول على المزيد من الدولارات الأمريكية بواسطة زمرة من بعض الناس ليحصل له ما يريده من الكيد والتفرقة بين المسلمين.
والحاصل أنّ قصة المصحف السرّي ليست إلاّ سراباً طبّل وزمّر له الدكتور القفاري كثيراً، وجذور هذه القصّة تمتد إلى كتاب "دبستان مذاهب" ونسخة مجهولة من القرآن لا غير، هذا من حيث السند وما أقبحه من سند.
وأمّا لو غضضنا الطرف عن سند تلكما السورتين المزعومتين وألقينا نظرة خاطفة على مضامينهما لوجدنا لأول وهلة أنّ تعابيرهما رديئة كلّ الرداءة ومضطربة، وهي ممّا يتبرأ المخلوقون منه لركاكته فكيف بربّ الخلق وخالق اللّسان والقلم؟! كما رأيتم مسبقاً وبالتأكيد أنّ علماء الإمامية لا سيّما الذين ردّوا على كتاب "فصل الخطاب" قد فنّدوا جملهما وبيّنوا زيفهما وبطلانهما.
|