عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2010, 10:49 PM   #9
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 318


بداية الافتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة

الدكتور القفاري قبل ولوج هذا البحث ـ وكما فعل من قبل ـ ادّعى التزام كمال الصدق والأمانة العلمية في نقل الأقوال، وفي موقف الناصح المشفق والفقيه الناسك ليوحي إلى الآخرين صدق أقواله، وقال:


"سنبدأ بدراسة هذه القضية من بدايتها، والتحري في صدق الأقوال من تقيتها بتحليل الاقوال... وأسأل الله سبحانه أن يعصمنا من اتهام الآخرين بما ليس فيهم... وسنتناول هذه القضية الخطيرة التي يترتب على رمي الشيعة بها انفصالها عن المسلمين لمفارقتها للأصل الذي يتفقون عليه..."(1).



ثمّ قال:


"أول كتاب تسجل فيه هذه الفرية ـ أي فرية التّحريف ـ هو "كتاب سليم بن قيس" الذي رواه عنه أبان بن أبي عيّاش، لم يرو عنه غيره وهو "أول كتاب ظهر للشيعة" كما يقول ابن النديم وغيره.

وقد أكثر الشيعة من مدحه وتوثيقه والثناء على كتابه رغم إنني لم أجد لمؤلفه ذكراً فيما رجعت إليه من مصادر... بل ان من متقدمي الشيعة من قال: "إنّ سليماً لا يعرف ولا ذكر في خبر" وإن كان هذا ليس بمرضي عند متأخري الشيعة. ورغم أنّ الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه علي [عليه السلام] ووصفه بأوصاف لا يوصف بها إلاّ ربّ العالمين... وسليم الذي يزعمون أنـّه مؤلف الكتاب مجهول. وقد لا يكون له وجود إلاّ في خيالات الشيعة... وجاء في الكتاب "إنّ الأئمة ثلاثة عشر" وهذه طامة كبرى تهدد



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 220.
الصفحة 319


بنيان الاثنى عشرية بالسقوط... ولهذا كفونا مؤنة نقض هذا الكتاب..."(1).



فالدراسة التحليلية لـ "كتاب سليم بن قيس" المتداول بين الناس واسعة النطاق جداً وخارجة عن اطار بحثنا هذا، وما يتراءى من اختلاف آراء العلماء في هذا الكتاب يرجع أساساً الى اختلاف نسخه ـ شأنه شأن كل كتاب لم يوفّق المصنف لنشره بنفسه بل يقوم الآخرون بنشره بعد وفاته ـ ويقسم بعض الأفاضل نسخ الكتاب إلى ستّة أنواع وبيان طرقها ونذكر من جملة طرقها، طريق علماء أهل السنة إليه(2). وجملة القول عند علماء الإمامية رحمة الله عليهم أجمعين في شأن الكتاب: "إنْ تأيّد ما فيه بدليل من الخارج فهو وإلاّ فلا اعتبار بما يتفرد به"(3).


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 224.

2 ـ وهي النسخة المروية عن طريق محمّد بن صبيح بن رجاء (المترجم له في تاريخ مدينة دمشق: ج 53، ص 274 بالرقم 6464) عن عصمة بن أبي عصمة البخاري (المترجم له في تاريخ دمشق: ج 40، ص 351، بالرقم 4700) عن أبي بكر أحمد بن المنذر (المترجم له في تاريخ الإسلام: وفيات 221 ـ 230 هـ.، ص 55) عن عبدالرزاق بن همام (مؤلف كتاب المصنف، المترجم له في تهذيب الكمال: ج 18، ص 52، بالرقم 3415) عن معمر بن راشد البصري152 هـ. المترجم له في تهذيب الكمال: ج 28، ص 303 بالرقم 6104) عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي انظر كتاب سليم بن قيس: تحقيق الشيخ محمّد باقر الانصاري: ج 1، ص 151 و318.

3 ـ ومن اللازم ان نتوقف عند رأي العلامة أبي الحسن الشعراني ـ من أعلام الإمامية (ت 1392) ـ في كتاب سليم بن قيس، لأنّ الدكتور القفاري بعد تقطيع وتحريف رأي الشعراني، استنتج ما يحلو له فيقول:


"ان الزيادة امر ميسور عندهم كما بدا لنا ذلك في كتاب سليم بن قيس والذي اعترف بوضعه والتغيير فيه شيوخهم"


اصول مذهب الشيعة: ص 287، ومراده من "شيوخهم" هو العلامة الشعراني كما نصّ عليه ثم جعل ذلك ـ زوراً وبهتاناً ـ معياراً لنقد جميع كتب الشيعة وخصوصاً الكتب الاربعة (التي سنبحث فيه مع دعاوي الدكتور القفاري بشيء من التفصيل في "التذييل") وقال مرّات:


"إنّ الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب سليم بن قيس"


انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 291 و294 و286 و289 فهل الشعراني اعترف بوضع وتغيير في كتاب سليم بن قيس، انظر نص كلام الشعراني:


"...الحق ان هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية وطرائف ابن طاووس والرحلة المدرسية للبلاغي وامثاله وان واضعه جمع اموراً مشهورة وغير مشهورة ولما لم يكن معصوماً أورد فيه اشياء غير صحيحة... وبالجملة ان تأيّد ما فيه بدليل من خارج فهو وإلاّ فلا اعتبار بما يتفرد به والغالب فيه التأيد وعدم التفرّد"


حواشي الشعراني على شرح جامع الكافي: ج 2، ص 373 ـ 374.

هذا ومعلوم لدى كل مصنف ان مراد الشعراني في قوله "هذا الكتاب موضوع" ـ مع التنبه إلى القرائن في كلامه وأمثلته ـ بمعنى أنّ هذا الكتاب صُنف لغرض صحيح وليس بمعنى أنَّ هذا الكتاب مختلق مكذوب، قد تغيّر ما فيه كما استفاد الدكتور القفاري بعد ان قام بتقطيع عبارة الشعراني ووزّعها في كتابه. انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 384 و224.
الصفحة 320

بعد هذه المقدمة الموجزة حول كتاب سليم بن قيس نبحث في صحة أقوال الدكتور القفاري الذي ادّعى:

أ ـ إنّ سليم بن قيس غير موجود إلاّ في خيالات الشيعة(1).

ب ـ أول كتاب فيه هذه الفرية ـ وهي فرية تحريف القرآن ـ هو كتاب سليم بن قيس.

ج ـ إنّ الكتاب يحمل اخطر آراء السبئية وهو تأليه علي [عليه السلام].

د ـ جاء في الكتاب "إنّ الأئمة ثلاثة عشر" وهذه طامة كبرى...


سليم بن قيس شخص واقعي أم خيالي؟

هل أن سليماً موجود خيالي(2)؟ كيف يمكن للدكتور القفاري ادعاء أن سليم بن قيس مختلق؟ فهل يريد اخفاء جريمة الامويين ـ وسقوط الدولة الاموية التي

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 234.

2 ـ اصول مذهب الشيعة.
الصفحة 321

يعتبره بعضهم سقوطاً لعزة الإسلام ـ(1) وكذا التستر على جرائم الحجّاج ابن يوسف(2).

قال الدكتور القفاري:


"رجعت في البحث عنه إلى مصادر كثيرة من كتب أهل السنة فلم أجد له ذكراً..."


ولكنك لو رجعت إلى كتاب "الجرح والتعديل" للحافظ شيخ الإسلام الرازي (327) لوجدت ما يلي:


"سليم بن قيس العامري روى عن سحيم بن نوفل روى عنه أبان سمعت أبي يقول ذلك"(3).



وسليم بن قيس هذا شهد صفين على ما نقله ابن عساكر إذ قال في كتابه "تاريخ مدينة دمشق" بسنده عن عبدالله بن اُذينة البصري عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليمان بن قيس العامري، قال:


"رأيت اُوَيساً القَرَني بصفين صريعاً بين عمّار وخزيمة بن ثابت"(4).



هذا، و"سليمان بن قيس العامري" تصحيف "سليم بن قيس العامري" قطعاً، لقرينة اللّقب (العامري) والراوي (أبان ابن أبي عيّاش) وعدم وجود شخص

____________

1 ـ منهاج السنة: ج 4، ص 210 والمنتقى (مختصر منهاج السنة): ص 523.

2 ـ وكذلك يقول "ابن النديم" و"العقيقي": "كان سليم هارباً من الحجّاج لانه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن أبي عياش فآواه" وكذا أبان بن أبي عياش نفسه يقول: "لما قدم الحجّاج العراق سأل عن سليم بن قيس فهرب منه..." الفهرست لابن النديم: ص 275 وخلاصة الاقوال: ص 83.

3 ـ الجرح والتعديل: ج 4، ص 214، رقم الترجمة 930 وشيخ الإسلام الرازي هو: أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال الذهبي في التذكرة: "الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام الرازي... كتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالمرتبة المتقنة في الحفظ" وقال في الميزان: "الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت" انظر مقدمة كتاب "الجرح والتعديل": ص "ز".

4 ـ تاريخ مدينة دمشق: ج 9، ص 455.
الصفحة 322

مسمى بـ "سليمان بن قيس العامري" في كتب التراجم والرِّجال من العامة والخاصة.

و"سليم بن قيس" هذا، يوجد في طريق كثير من الرّوايات، فمن روى عنه من علماء الإمامية فكثير جداً(1) ومن علماء أهل السنة:

1. الفاضل المحدّث القاضي أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم الحسكاني (ت 483) في كتابه "شواهد التنزيل" (ص: 41، 129، 202، 345، 794).

2. الحافظ أبو المؤيد موفق بن أحمد المكّي الحنفي المعروف بخطيب خوارزم (568) في كتابه "مقتل الحسين" (ج 1، ص 146).

3. الشيخ أبو اسحاق إبراهيم بن سعد الدين محمّد بن محمّد المعروف بالحمويني (722) في كتابه "فرائد السمطين" (ج 1، ص 312، باب 58 ح 250).

4. المحدّث علي بن شهاب الدّين بن محمّد الهمداني (ت 786) في كتابه "مودة القربى" ورواه عنه "القندوزي" في "ينابيع المودة" (ص 114، 168، 258، 445، 492). وفيه كفاية ومثل هذا كثير(2).

ثمّ قام الدكتور القفاري تأييداً لآرائه التي قد سبقت ـ بأن لا يكون لسليم بن قيس وجود إلاّ في خيالات الشيعة ـ قال:


"بل إن من متقدمي الشيعة من قال: ان سليماً لا يُعرف ولا ذُكر في خبر"(3).



هذا الادعاء نقل عن "أبي عبد الله الحسين ابن الغضائري" (ت 411) عن بعض

____________

1 ـ انظر: كتاب سليم بن قيس: تحقيق الشيخ محمّد باقر الانصاري، ص 122 وما بعدها.

2 ـ انظر كتاب سليم بن قيس، تحقيق الشيخ محمّد باقر الأنصاري: ص 126 وما بعدها.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 222.
الصفحة 323

ـ على ما نقل عنه العلاّمة الحلّي رحمه الله في "خلاصة الأقوال في معرفة الرجال" ـ ثم قال ابن الغضائري ردّاً عليه: "وقد وجدت ذكره ـ أي سليم بن قيس ـ في مواضع من غير جهة كتابه ولا رواية أبان بن أبي عيّاش وقد ذكر "أبو العباس بن عقدة" في رجال أمير المؤمنين عليه السلام أحاديث عنه"(1).

وبناء على هذا فإن الدكتور القفاري ـ وكعادته السالفة ـ قام بتقطيع عبارة ابن الغضائري وترك ما بعدها ليضفي على آرائه وخيالاته طابع الصحة.


فرية التّحريف في كتاب سليم بن قيس:

أمّا ما ادّعاه الدكتور القفاري بأنّ فرية التّحريف سجّلت في أول كتاب ظهر للشيعة وهو "كتاب سليم بن قيس". لا يكون إلاّ بوجود خبر مصحف الإمام علىّ ـ الذي جمعه الإمام بعد وفاة النبىّ ـ في كتاب سليم بن قيس.

هذا الادعاء ذكره الدكتور القفاري في أول الكتاب(2)، ثم ذكره أيضاً في الخلاصة في خاتمة كتابه(3)، وكذلك كرره في مواضع أُخر.

وقد تكلّمنا في مدخل بحثنا هذا بعض الشيء عن هذا الموضوع، وعرفنا ماهيّة تلك الاقاويل.

هذا وما ذكره الدكتور القفاري بعنوان بداية فرية التّحريف فلم تكن إلاّ ثلاث روايات ـ وإن ذكر الدكتور القفاري أنـّها روايتان اشتباهاً ـ في كتاب "سليم بن قيس" حول مصحف الإمام علي عليه السلام، وذكرنا أنّ مضمون هذه الرّوايات هو أنّ الإمام عليّاً عليه السلام بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم جمع القرآن وجاء به إلى المسجد، ولكنّهم لم يقبلوا به، وقد وردت هذه القضية في كتب أهل

____________

1 ـ رجال العلامة الحلي المعروف بـ "خلاصة الاقوال في معرفة الرجال": ص 83.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 14.

3 ـ المصدر السابق: ص 1281.
الصفحة 324

السنة بشكل مستفيض، وبعضها جاء بروايات صحيحة، ودلالتها واضحة لا إبهام فيها. وسنورد موضوع "مصحف الإمام علىّ عليه السلام" بشكل تفصيلي وندرس أسانيد تلك الروايات ومحتواها إن شاء الله وسوف ترون أن تلك الروايات لا علاقة لها بمسألة التحريف إطلاقاً.

وعلى هذا فعلى قبول كلام الدكتور القفاري، الذي مؤداه أنه لمجرّد وجود خبر عن مصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب من الكتب يحكي عن فكرة السبئية، وتحريف القرآن، والطعن في كتاب الله، فيكون جميع كتب أهل السنة التي تحدثت عن مصحف الإمام علي عليه السلام وهي إلى القرن العاشر أربعة عشر كتاباً محكومة بهذه الأحكام.

نعم، الدكتور القفاري وهو في تفحص لآثار السبئية قال:


"هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنـّها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية [أي فرية تحريف القرآن] إذ أنـّنا نلاحظ ان الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس..."(1).



ولكنّه وبعد السعي اليائس والبحث الفاشل أقرّ قائلاً:


"فإذن لم تكن هذه القضية من مقالات السبئية بل حدثت فيما بعد"(2).



ولو سألنا الدكتور لِمَ لم تنجح في اكتشافك؟ لوجّه كلامه بتوجيه يضحك الثكلى، حيث يقول:


"وقد تتبعت الآراء المنسوبة إلى ابن سبأ وطائفة السبئية فلم أجد أن هذه المقالة [أي تحريف القرآن] قد نقلت عن ابن سبأ لأنـّها ـ فيما



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 225.

2 ـ المصدر السابق.
الصفحة 325


يبدو ـ لم تخطر على باله لوضوح بطلانها امام الجيل الذي عاصر التنزيل ولأنـّها وسيلة سريعة لانكشاف كذبه فلم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية..."(1).



عجبا! كيف تجرّأ ابن سبأ ـ على فرض وجوده في العالم ـ وادعى النبوّة وزعم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ـ تعالى الله وتقدّس ـ واستتابه الإمام علي عليه السلام فلم يتب فَأحرقه بالنار(2)، لكن مع هذا، لم يتجرّأ على اظهار القول بهذه الفرية ـ أي فرية التّحريف ـ؟ هل هذا الادعاء اسرع لانكشاف كذبه أم دعوى النبوة وألوهية الإمام علي عليه السلام...؟؟

أظنّ أنّ الدكتور القفاري في الواقع ـ ويحتمل علمه بذلك ـ أعدّ مسرحية ثرثارة عرضها بصور مختلفة ليُوهم الناس صحّة ادعائه ولينال على هذا الاكتشاف الكبير وهو وجود قصّة السبئية في كتب الشيعة استحسان الجمهور!!

والطريف في الأمر أنّ الدكتور القفاري بعد علمه بفشله في هذا الاكتشاف وعدم الحيلة للخروج من هذا المأزق لجأ إلى اختراع عدّة ادعاءات اُخر، وهي كما سترى فاقدة لأيّ دليل، يقول:


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة.

2 ـ أورد الدكتور القفاري تلك القضية في كتابه: ص 75 ونحن هنا لسنا في مقام البحث حول شخصية عبد الله بن سبأ وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة وجوده أو عدم وجوده أصلاً بل وقد ظهر كتاب نفيس اسمه "عبد الله بن سبأ" من تأليف السيد مرتضى العسكري اثبت فيه بأدلة قويّة مقنعة ان هذا الاسم لا حقيقة له. وقبله الدكتور طه حسين في كتابه "الفتنة الكبرى": ج 2 "علي وبنوه" قال: ـ وهو يتحدث عن وقعة صفين وبعد ذكر الادلّة القويمة على أن عبد الله بن سبأ لم يكن إلاّ وهماً قال: انما هو شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة ليدخلوا في اصول هذا المذهب عنصراً يهودياً امعاناً في الكيد لهم والنيل منهم..." ولم يشر الدكتور القفاري إلى كلام طه حسين مطلقاً ولا إلى أدلة السيد مرتضى العسكري بل ظلّت سجيته الشتم واستعمال الألفاظ البذيئة للوصول إلى مراده بدل الاستدلال العلمي المتين. اصول مذهب الشيعة: ص 72.
الصفحة 326


"فاذن لم تكن هذه القضية من مقالات السبئية بل حدثت فيما بعد، أمّا من هو الذي تولّى كبر وضع هذا الكفر بين الشيعة؟ فإن الاجابة المحددة قد لا تكون ميسرة ولا يجدي في هذا تتبع أسانيد روايات التّحريف لأنّ في أخبارها ماهو عار من السّند كالروايات التي جاءت في كتاب الاحتجاج للطبرسي، ولأنّ مسألة الإسناد عندهم قد وجدت بعض القرائن ـ كما سيأتي ـ التي تدل على انها صنعت متأخرة، كما ان من أساليبهم وضع الأسانيد الصحيحة لمتون مكذوبة فلا يؤدي سلوك هذا المنهج لنتيجة جازمة"(1).



إنّ ما قاله الدكتور القفاري: "ان مسألة الاسناد عندهم قد وجدت بعض القرائن كما سيأتي..." إلى آخر كلامه. هذه دعوى ذكرها الدكتور القفاري بدون ذكر أيّ دليل وبدون بيان الموضع الذي وعدنا بذكره في قوله كما سيأتي وهو أيضاً من الاشكالات المنهجية الواضحة في كتاب الدكتور القفاري.

ولكن نقول للدكتور القفاري على وجه المماشاة:

إن كان في روايات التّحريف ما هو عار من السند فهي غير معتبرة وغير صالحة لأن تعتمد أنت وغيرك عليها، ولكنّك حينما يقول الشيعة بعدم اعتبارها تقول: قولهم "تقية"؟! واختلط الحابل بالنابل.

وأما كتاب "الإحتجاج" للطبرسي الذي أشار إليه الدكتور القفاري، فهو من القرن السابع الهجري فقد ذكر مؤلّفه في مقدمة كتابه علة عدم ذكره الإسناد(2).


أخطر آراء السبئية في كتاب سليم بن قيس

هل الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية؟


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 226.

2 ـ مقدمة الاحتجاج على أهل اللجاج: ص 4.
الصفحة 327

وهو مانصّ عليه الدكتور القفاري بقوله:


"إنّ كتاب سليم بن قيس يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه علي ووصفه بأوصاف لا يوصف بها إلاّ ربّ العالمين فجاء في بعض روايات الكتاب مخاطبة علي بهذه الالقاب "يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء عليم"... وهذه الأوصاف هي من الآثار السبئية التي تؤلّه علياً والتي ورثتها الاثنا عشرية... وهذه أوصاف لرب العالمين قال تعالى: (هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)"(1)


هذا أيضاً كذب عظيم وأسوأ من الاكاذيب المتقدمة، فانظر أصل الخبر ومصدره:

قال محقق كتاب سليم بن قيس، في مقدمة الكتاب:


"الفائدة الخامسة: فيما أورده العلماء من الأحاديث المروية عن سليم ممّا لا يوجد في كتاب سليم بن قيس، ما رواه الشيخ عبد الوهاب بإسناده عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت أبا ذرّ جندب بن جنادة الغفاري. قال: رأيت محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد قال لأمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة إذا كان غداً اقصد إلى جبال البقيع وقف على نشز من الأرض فإذا بزغت الشمس فسلّم عليها فان الله تعالى قد أمرها أن تجيبك بما فيك فلمّا اطلعت الشمس قرنيها قال عليه السلام: السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له. فسمعوا دويّاً من السماء وجواب قائل يقول: وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 224.
الصفحة 328


عليم، فلما سمع أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار كلام الشمس صعقوا ثمّ أفاقوا بعد ساعات وقد انصرف أمير المؤمنين عليه السلام عن المكان فوافوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الجماعة وقالوا أنت تقول أنّ علياً بشر مثلنا وقد خاطبته الشَّمس بما خاطب به الباري نفسه فقال النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وما سمعتموه منها؟ فقالوا: سمعناها تقول: السلام عليك يا أوّل. قال: صدقت هو أول من آمن بي، فقالوا: سمعناها تقول: يا آخر قال: صدقت هو آخِرُ الناس عهداً بي يغسّلني ويكفّنني ويُدخلني قبري، فقالوا: سمعناها تقول: يا ظاهر، قال: صدقت ظهر علمي كلُّه له، فقالوا: سمعناها تقول: يا باطن قال: صدقت بَطُنَ سري كلُّه له قالوا: سمعناها: تقول يا من هو بكلّ شيء عليم، قال: صدقت هو العالم بالحلال والحرام والفرائض والسُّنن وما شاكل ذلك فقاموا كلهم..."(1).



على هذا، فإنَّ الرواية ليست من كتاب سليم بن قيس، بل من كتاب عيون المعجزات بسند مؤلفه الشيخ حسين عبد الوهاب ـ المعاصر للسيدين الرضىّ والمرتضى "رحمهما الله" في القرن الخامس ـ عن سليم بن قيس عن أبي ذر جُندب بن جنادة. وعلى فرض اعتبار كتاب عيون المعجزات وصحَّة تلك الرواية، فلا علاقة لها بتأليه الإمام علي عليه السلام.

فالدكتور القفاري ـ مع الأسف ـ خِلوٌ من الأمانة العلمية، وقد بلغت خيانته العلمية أوجها حينما اقتطع من الرّوايات ما لو ذكره لبطل استدلاله بها، فتتمة الرّواية تكمل المعنى المقصود منها، ولا يتم بذكر الصدر فقط، فانظر وتعجب!

وعلى هذا لا توجد في كتاب سليم بن قيس روايات تشتمل على طعن في كتاب

____________

1 ـ مقدمة كتاب سليم بن قيس: 38 ـ 39 ط. دار الفنون وعيون المعجزات: ص 14 ـ 15.
الصفحة 329

الله، ولا توجد رواية في تأليه الإمام علي عليه السلام.



الطامة الكبرى!

5 ـ وأخيراً ما ذكره الدكتور القفاري مسمّياً إيّاه بـ "الطامة الكبرى التي تهدد بنيان الاثني عشرية بالسقوط" وهو ما جاء في بعض نسخ "كتاب سليم بن قيس" بأنّ "الأئمة ثلاثة عشر" فنرجىء تفصيل الكلام فيه إلى مبحث "الإمامة" ونكتفي هنا بذكر ملخّص ما قاله محقق "كتاب سليم بن قيس":

1 ـ النصوص التي وردت في "كتاب سليم" نفسه في حصر عدد الأئمة الطاهرين في اثني عشر، واحد وعشرون مورداً(1)، وموارد كثيرة أخرى فيها تلويحات واشارات إلى الموضوع عينه، وعلى هذا لا مجال للتمسك بمورد واحد.

2 ـ ورد في بعض نسخ "كتاب سليم بن قيس" مورد واحد هذا نصه:


"سليم بن قيس بسنده [عن سلمان] عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "... الا وان الله نظر إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين أحدهما أنا... والآخر علي بن أبي طالب... ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيّاً من أهل بيتي فجعلهم خيار أُمتي واحداً بعد واحد..."(2).



وترتكز المناقشة في رجوع الضمير في "بعدنا" إلى رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وذكر "اثني عشر" بعدهما.

قال: الاجابة على هذه الشبهة بوجوه:


____________

1 ـ فقد أورد محقق الكتاب نص كل مورد على حدة فراجع مقدمة "كتاب سليم بن قيس": ص 173 وما بعدها، وإليك أرقام الأحاديث: 1، 10، 11 (في الرقم 11 جاء في اربعة موارد)، 14، 16، 21، 25 (في الرقم 25 جاء خمسة موارد)، 37، 42 (في الرقم 42 جاء موردان)، 49، 61 (في الرقم 61 جاء موردان)، 67 و77.

2 ـ كتاب سليم بن قيس: ص 245. ط. دار الفنون، وص 857 ط. الهادي، قم، رقم الحديث: 45.
الصفحة 330


"الأوّل: إنه لا اشكال في العبارة بأن تكون فاطمة الزهراء عليها السلام داخلة في الاثني عشر وذلك ان موضوع الحديث من اختارهم الله وليّاً لنفسه عند ابتداء خلقه من بين جميع أهل الأرض والذين جعلهم خيار اُمة الرسول صلّى الله عليه وآله... فانا نعتقد عصمتها وانها صاحبة الولاية الإلهيّة إلاّ انها ليست بامام.

ويؤيد ذلك ما في الحديث 25 من كتاب سليم في تفسير آية التطهير حيث قال صلّى الله عليه وآله: "انما نزلت فيّ وفي أخي عليّ وابنتي فاطمة وابنيَّ الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني خاصة ليس معنا غيرنا"(1).



الثاني: ان "بعدنا" تصحيف "بعدي" على تقدير ان يكون المراد عدد الأئمة وقد وجدنا في بعض النسخ "بعدي" من دون تصحيف، خاصة وان الكلمة مما يقبل التصحيف مطمئنّين إلى وقوع ذلك من الراوي أو الناسخ عند الكتابة أو السماع. ويؤيد ذلك استعمال ضمير المتكلم بعد ذلك في قوله "أهل بيتي" و"امتي" وكذلك يحتمل تصحيف كلمة "احد عشر" إلى "اثني عشر" كما أشار العلاّمة المجلسي إلى ذلك في البحار(2) ويؤيد ذلك انّ هذا الحديث بعينه مذكور في الحديث 14 من الكتاب أيضاً بهذه العبارة: "ان الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيّاً من أهل بيتي وهم خيار امّتي، منهم احد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد..." وأورد في آخر الحديث ذكر أسمائهم بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أول الأئمة علىّ خيرهم ثم ابني الحسن...".

الثالث: إذا علمنا باشتهار كتاب سليم بن قيس في التنصيص على الأئمة الاثني

____________

1 ـ كتاب سليم بن قيس: طـ الهادي، ص 761.

2 ـ بحار الأنوار: ج 22، ص 150.
الصفحة 331

عشر عليهم السلام وذكر أسمائهم في كثير من موارده وعلمنا أيضاً ان هذه العبارة المبحوث عنها ليست نصّاً في الثلاثة عشر بل فيه ايهام لذلك يحصل اليقين من جميع ذلك انها من قبيل سوء تعبير الرواة في النقل... يعني ان الراوي لم يُرد إلاّ ذكر التنصيص على الاثني عشر فعبّر بـ "الإثني عشر" وغفل عن كلمة "بعدنا" التي ذكرها قبله ونظائر هذا في الكتب كثيرة(1).

أقول: اضف إلى ذلك ما جاء في الكتب المعتبرة عند أهل السنة من روايات كثيرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بان الأئمة إثنا عشر وفي بعضها كلهم من قريش.

فمن تلك الكتب: صحيح البخاري: ج 2، ص 101 وصحيح مسلم: ج 3، ص 1453 وسنن الترمذي: ج 4، ص 501 وسنن أبي داود: ج 4، ص 472 والبزّاز وغيرهم. وفي "الصواعق المحرقة" أورد ثمانية من هذه الأحاديث، والسيوطي في "تاريخ الخلفاء": ص 11 وقد أورد السيوطي آراء العلماء حول الحديث المذكور.

فإن كان حديث كتاب سليم بن قيس يهدد بنيان الإثنا عشرية، فإنّه يهدد أيضاً بنيان هذه الكتب ومؤلفيها حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.


____________

1 ـ كتاب سليم بن قيس: ص 180 ـ 182.

وقد تعرّض محقق كتاب سليم في مقدمته لشبهة اُخرى أثارها بعضهم وهي أنه: كيف وعظ محمّد بن أبي بكر أباه وتكلّم معه عند موته مع صغر سنه؟ الأمر الذي ورد ذكره في الحديث بالرقم 37 من كتاب سليم، ثم أدّى في الجواب عنها ما ملخصّه: "ان رواية تكلّم محمّد بن أبي بكر مع أبيه عند موته قد وردت في كتب أهل السنّة أيضاً، فقد أورد الغزالي في اوائل كتابه "سر العالمين": ص 11 وسبط ابن الجوزي في "تذكرة خواص الاُمّة": الباب الرابع: ص 62. ثم قال: إنّ تاريخ ولادة محمّد بن أبي بكر ممّا اختلف فيه أصحاب السير والتواريخ، ففي بعض الرّوايات انه ولد في حجة الوداع، وفي بعضها انه ولد في سنة ثمان من الهجرة وفي بعضها ما يدلُّ على ان ميلاده كان قبل ذلك. ثم أورد دليل كل منها وقال في آخر المطاف: ان سن محمّد بن أبي بكر كان في حد يمكن معه صدور الكلام منه عند موت ابيه." مقدمة كتاب سليم: ص 187 وما بعدها.


 

رد مع اقتباس