الصفحة 193
ب: الجواب عن روايات التّحريف بالزيادة
اختلف العلماء من أهل السنّة في حديث إنكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين ففي الإتقان، عن الفخر الرازي:
"نقل في بعض الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنّا إن قلنا إنّ النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصّحابة يكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإن قلنا لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان فيلزم أنّ القرآن ليس بمتواتر في الأصل، قال: والأغلب على الظن أنّ نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة. وعن القاضي أبي بكر: "لا يصحُّ عنه ـ أي ابن مسعود ـ أنها ليست من القرآن ولا حفظ عنه". وعن النَّووي في شرح المهذّب: "أجمع المسلمون على أنَّ المعوذتين والفاتحة من القرآن، ومن جحد منها شيئاً كفر وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح" وقال ابن حزم: "هذا كذب على ابن مسعود وموضوع..."(1).
وقال الباقلاني في ذلك:
"أمّا دعوى من ادّعى أن ابن مسعود أنكر أن تكون المعوذتان قرآناً منزلاً وجحد ذلك، فإنّها دعوى تدل على جهل من ظنَّ صحتها وغباوته وشدة بُعده عن التحصيل..."(2).
لكن ابن حجر استنكر هذا الموقف وردّه بشدة حيث قال في شرح البخاري:
"قد صح عن ابن مسعود انكار ذلك وبعد سرد الرّوايات قال: فقول
____________
1 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 79 ـ 80.
2 ـ عن حاشية "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة: ص 43.
الصفحة 194
من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الرّوايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرّوايات صحيحة والتأويل محتمل... ثم ذكر تأويل القاضي وغيره في هذا المجال مع اشكال وجواب"(1).
وبعد تنازع أهل السنّة في سند حديث انكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين بين كذب موضوع وصحيح مقبول، تنازعوا في تأويل هذا الانكار، فقال القاضي أبو بكر:
"... إنّما حكها واسقطها من مصحفه انكاراً لكتابتها لا جحداً لكونها قرآناً..."
ثم قال ابن حجر بعد ذكر تأويل القاضي:
"هو تأويل حسن إلاّ أنّ الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها; ويقول: انهما ليستا من كتاب الله، قال ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتم التأويل المذكور، لكن قال: من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع قال: وقد أجاب ابن الصبّاغ... انهما كانتا متواترتين في عصره لكنهما لم يتواترا عنده"(2).
وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن:
"... ظن ابن مسعود أنّ المعوذتين ليستا من القرآن; لأنّه رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم يعوذ بهما الحسن والحسين(3)... فأقامه على ظنّه ولا نقول: إنّه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار...، وأمّا
____________
1 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 80.
2 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 80.
3 ـ أخرجه البخاري في كتاب الانبياء: باب قول الله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلاً): ج 6، ص 292 ـ 293 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: ج 4، ص 2080 ـ 2081.
الصفحة 195
إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنّه أنـّها ليست من القرآن معاذ الله... ولكنّه ذهب إلى أنّ القرآن انما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشكّ والنسيان والزيادة والنقصان ورأى أن ذلك مأمون في سورة الفاتحة لقصرها... ووجوب تعلمها على كلِّ أحد"(1).
____________
1 ـ تأويل مشكل القرآن: ص 42 ـ 49 وعنه في جامع الأحكام للقرطبي: ج 20، ص 251 والإتقان للسيوطي: ج 1، ص 80.
|