عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2010, 10:19 PM   #4
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 126


النقطة الثالثة: تفنيد مناقشات النوري في أدلّة سلامة القرآن

لقد عقد المحدث النوري الباب الثاني من كتابه في بيان أدلة سلامة القرآن من التحريف والمناقشة فيها، والآن ننظر ما هي مناقشاته وكيف يجاب عنها.


1) تفنيد المناقشات في دلالة الآيات

أ ـ قال المحدث النوري في جواب المستدلين على صيانة القرآن من التحريف بالآية الشريفة: (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون)(1):


"الذكر قد أطلق في القرآن كثيراً على رسول الله صلّى الله عليه وآله ومن الجايز أن يكون هو المراد منه هنا أيضاً... ولو سلمنا فإن المراد بالحفظ، حفط معاني القرآن ومداليله عن تطرق شبه المعاندين بحيث لا يوجد فيه مدخل إلى القدح فيه، ولا الجامع من حفظ معاني القرآن وحفظ ألفاظه عن الإسقاط، بل فالحفظ عند محمد وآله صلوات الله عليهم يكفي في تحقق مفهوم الآية ومعه لا مانع لتغيره عند غيرهم".



ثمّ قال:


"التحقيق في الجواب أنّ ظاهر الآية ـ والله أعلم ـ أنـّه تعالى يحفظ القرآن في الموضع الذي أنزله فيه... وموضعه الذي أنزله تعالى فيه ووعد حفظه هو قلب النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم لا الصحف والدفاتر ولا غير صدره من الضمائر"(2).



وجوابنا عن ذلك:

أولاً: إن كلمة "الذكر" الواردة في القرآن تطلق كثيراً بشكل صريح على القرآن

____________

1 ـ سورة الحجر (15): الآية 9.

2 ـ فصل الخطاب: ص 359 ـ 360.
الصفحة 127

الكريم كقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم)(1).

ثانياً: إن الآية السادسة من سورة الحجر تمثل قرينة سياقية واضحة على أن المقصود من "الذكر" في الآية التاسعة من هذه السورة هو القرآن العظيم; لأن كلمة الذكر الواردة فيها وهي: (وقالوا يا أيّها الذي نزل عليه الذكر إنّك لمجنون) تدل دلالة قاطعة وصريحة على أنّ المراد من الذكر هو القرآن، وفي الواقع إنّ كلمة الذكر الواردة في قوله تعالى: (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون) تمثل جواباً قاطعاً عن شبهات المعاندين التي أوردها في الآية السادسة فالألف واللام في كلمة "الذكر" هنا للعهد الذكري.

ثالثاً: إن نفس الادعاء القائل بأن المراد من حفظ القرآن هو حفظه قبال شبهات المعاندين هو ادعاء بلا دليل، بل إنّه مخالف لإطلاق الآية نفسها، ذلك الإطلاق الشامل لمطلق أنواع التحريف والذي من جملته الإسقاط والتغيير، وليس ثمة نوع من أنواع الحفظ أكثر أهمية من هذا النوع، بل إنّ الآية الكريمة ـ وأخذاً بعين الاعتبار الأرضية التي تتحرك فيها ـ تبدو أكثر ظهوراً في هذا النوع من الحفظ منه في الأنواع الأخرى، ذلك أنّ الشبهات والتشكيكات التي يثيرها الكافرون هنا تتعلق بتدخل القوى غير الإلهيّة لإسقاط القرآن ونسبته إلى غير الله سبحانه، وليس لها أية علاقة باختلاق الشبهات على صعيد المعارف والمضامين القرآنية، والقرآن ينبئنا بنفسه ـ عبر تأكيداته المتواصلة ـ عن حفظه من أي مساس حين نزوله وبعد النزول أيضاً.

رابعاً: كيف يمكن أن تصمد المعارف القرآنية ومحتويات الكتاب العزيز أمام الشبهات المقامة من قبل المعاندين والحال أنـّه ـ ووفقاً لتصورات المحدث النوري نفسه والمستندة إلى الرواية التي يوردها في كتابه والقاضية بأن ما يزيد على ثلثي

____________

1 ـ سورة النحل / 44.
الصفحة 128

القرآن قد تم إسقاطه منه عبر عملية تحريف مسبقة ـ لا يمكن، أخذاً بعين الاعتبار الإتساق القائم بين المضامين، والتصديق بهذه المزعمة فيما إذا أدّت إلى زيادة أو نقصان حرف واحد أو كلمة واحدة مفضية إلى تبديل مطلب بأكمله من حق إلى باطل، أو إسقاط تعبير من التعبيرات الواردة في الآية، يؤدي إلى خدش الفصاحة والمساس بالبلاغة القرآنية بشكل كامل وكلّي.

خامساً: كيف يتم للمحدث النوري القول بأنّ تحقق مفهوم الآية يكفي فيه حفظ القرآن ولو نسخة واحدة بيد المعصوم عليه السلام؟! ويقدم لذلك جواباً عميقاً حين يقول: بأن الوعد بحفظ القرآن يمكن تحققه بالحفظ في قلب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم!! أليس الهدف من نزول القرآن الكريم يتطلب بيان الآيات الشريفة؟ فالمطلوب هو أن يحفظ القرآن النازل على النبىّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم في يد الناس حتى يمكنهم عبر الوصول إليه الوصول إلى العلم والتصديق والعمل بما جاء فيه وهل يتحقق هذا النوع من الهداية من خلال حفظ القرآن الكريم ولو بنسخة واحدة في يد المعصوم فيما يصبح القرآن المحرف هو المتداول في أيدي الناس؟! وفي هذه الحالة هل هناك من ضرورة لكل هذا التأكيدات الواردة في الآية الكريمة على كلّ هذه الأهمية والعظمة؟ وإذا كان الحال كما يقوله المحدث النوري من أنّ القرآن المحرف لا يسقط عن سمة الهداية ومقام الإرشاد بل يقوم ـ كما كان ـ بمهمة إيصال الناس إلى الهدف المنشود، فلماذا لا بدّ له أن يحفظ في قلب النبىّ؟ أليس قادراً ـ على تقدير تعرضه للتحريف في هذه المرحلة ـ على الهداية وتحقيق الغاية من أخذ يد البشر إلى طريق الغاية والهدف المقصود، ومن ثم فليس بحاجة إلى كلّ هذا الوعد الإلهي بالحفظ في قلبه صلّى الله عليه وآله وسلم. وعليه فإنّ الوعد بالحفظ الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى إنّما هو ليبقى هذا القرآن حجة على الناس أجمعين، وهو أمر لا يتسنى تحققه إلاّ عن طريق الصفحة 129

حفظه في تمام المراحل والمقامات بدءاً من تلقي الوحي ومروراً بإبلاغ الآيات ووصولا إلى مرحلة البقاء في يد الناس على نفس الصورة، وهذا الوعد وعد مستمر متواصل إلى يوم القيامة في حق القرآن الكريم، ذاك الكتاب السماوي الخالد ذي الهيمنة على الكتب التي سبقته، وميزان حقانية معارفها وعلومها(1)؟

ب: ناقش المحدث النوري الاستدلال بالآية الشريفة: (... وإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)(2) على سلامة القرآن من التحريف بقوله:


"إنّ الحذف والتغيير والتبديل وإن كان باطلا لكن ليس المراد من الآية ذلك لأنّه:

أولا: فلأن ظاهرها أنـّه لا يجوز أن يحصل فيه ما يستلزم بطلانه من تناقض في أحكامه أو كذب في إخباراته وقصصه [وأنـّه لا يعلو عليه شيء ولا يمكن نسخه أو إبطال محتواه].

ثانياً: فلأنّه منقوض بمنسوخ التلاوة والحكم أو التلاوة فقط بناء على مذهب الجمهور من وقوع القسمين في الآية.

وثالثاً: يكفي في انتفاء الباطل عنه انتفاؤه عن ذلك الفرد المحفوظ عند أهل البيت عليهم السلام"(3).



وللرد على هذه المناقشات نقول:

أولا: إنّ سياق الآية مطلق، ولا يوجد أي قيد يخصص ذلك، وتخصيصها بهذا النوع من الصيانة والحفظ يحتاج إلى دليل، بل كيف يمكن مع وقوع كل هذا التغيير

____________

1 ـ انظر: سورة المائدة (5): الآية 48.

2 ـ سورة فصل (41): الآية 41 ـ 42.

3 ـ فصل الخطاب: ص 361 ـ 362.
الصفحة 130

في ألفاظ القرآن الكريم وعباراته وعلى هذا النطاق الواسع ـ بحسب ما يزعم المحدث النوري ـ بقاء العلوم والمعارف القرآنية على حقيقتها، لا سيما ـ كما أشرنا سابقاً ـ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار فصاحة وبلاغة القرآن والدقة التي توخاها، بحيث إننا لو أضفنا أو اختزلنا حرفاً واحداً فإنّ المضمون القرآني سوف يصاب بالتغيير، مما يصحح في بعض الأحيان انقلاب الباطل حقاً والحق باطلا.

بل نضيف للمحدث النوري قائلين: أليس عدم وجود مدخل إلى شبه المعاندين وما يستلزم بطلانه من التناقض في الأحكام أو الكذب في إخباراته وقصصه... أليس هذا أدل دليل على صيانته عن التحريف بإسقاط ألفاظه؟!

ثانياً: إن كان منسوخ التلاوة والحكم أو دون الحكم، باطلا ـ يعني إن الآيات التي نسخت تلاوتها ليست في الواقع آية قرآنية كما هو الحق ـ فالآن لا يوجد آيات منسوخة في القرآن فلم يدخل الباطل فيه، وإن كانت تلك الآيات آيات قرآنية في الواقع ووقع نسخها فهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل، بل إن الأدلة دالة على عدم كونها آيات قرآنية، وسيأتي إن شاء الله تعالى البحث في هذه النقطة. وإن كانت تلك الآيات آيات قرآنية في الواقع ونسخت حقيقة فلا يدخل الباطل في القرآن، والشبهة منتفية موضوعاً.

ثالثاً: قلنا سابقاً إن حفظ نسخة كاملة من القرآن الكريم فقط عند أهل البيت عليهم السلام دون عامة الناس لا يلبي الغاية التي أنزل من أجلها القرآن.


2) تفنيد المناقشات في دلالة روايات العرض

قلنا إنّ المستفاد من أحاديث عرض الأخبار على القرآن، والتي وردت في كتب الفريقين متواترةً هو:

أولا: إنّ القرآن الكريم يمثل الميزان والمقياس الكلي والمطلق، وإذا كان القرآن ميزاناً فيجب أن يكون متواتراً مقطوعاً به، لا يدنسه التحريف; لأنّه المقياس الصفحة 131

الفارق بين الحق والباطل.

ثانياً: إن الروايات الدالة بظاهرها على التحريف ـ إذا لم يوجد لها تأويل صحيح ـ تتحول بنفسها عند عرضها على الكتاب إلى روايات ساقطة غير ممكنة القبول، ذلك أنها تشكل مصداقاً لما خالف القرآن فيجب طرحه.

والمحدث النوري وبعد اعترافه بتواتر تلك الأخبار عن النبىّ والأئمة عليهم السلام وإنّ العرض على المحرَّف المبدَّل لا وجه له وعلى المنزل المحفوظ لا يستطاع، قال:


"والجواب: إنّ ما ورد عن النبىّ صلى الله عليه وآله في ذلك فلا ينافي ما ورد في التغيير بعده وما جاء عنهم عليهم السلام فهو قرينة على أن الساقط لم يضر بالموجود وتمامه من المنزل للإعجاز، فلا مانع من العرض عليه، مضافاً إلى اختصاص ذلك بآيات الأحكام..."(1).



لكن مناقشات المحدث النوري هذه باطلة من حيثيات متعددة:

أولا: لماذا نقيِّد أحاديث النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم في هذا المجال بما قبل وفاته؟ وما هو دليلنا على هذا التقييد؟ والحال أننا لو رجعنا إلى كلماته لوجدناها مطلقة في اعتبار القرآن الكريم معياراً وميزاناً يرجع إليه عند الفتن ويحتمى به عند الشبهات.

ثانياً: إن المحدث النوري يخالف مدلولات هذه الأخبار مخالفة صريحة، ذلك أنّ روح مناقشته في الحقيقة تؤول إلى أنّ القرآن لا بدّ له أن يكون محكوماً للأخبار بما فيها تلك الأخبار الدالة على وقوع التحريف فيه، ومن ثم فتحريف القرآن يصبح أمراً ثابتاً نتيجة قيام أخبار التحريف نفسها، ولأجل إدراك مقدار التحريف الحاصل لا بدّ لنا مجدداً من العودة إلى عرض القرآن الكريم على أخبار العرض،

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 363.
الصفحة 132

حتى تحدد تلك الأخبار وظيفة القرآن نفسه، فتعين بالتالي ما هو المقدار الساقط من القرآن الكريم، وهل أنّ هذا المقدار الساقط يضر بمرجعية القرآن وكونه ميزاناً ومعياراً أم لا؟! أليس هذا النوع من المحاكمة مخالفاً لأخبار العرض نفسها؟ ألا تعتبر أخبار العرض كتاب الله تعالى ـ وبشكل قطعي وواضح ـ الميزان والحاكم والمعيار؟ وعليه كيف يعطي المحدث النوري هذه المعيارية وهذه السلطنة والمحورية الممنوحة للقرآن الكريم للروايات فيجعل القرآن محكوماً لها بدل أن يكون حاكماً عليها؟ ومن الطبيعي أن محورية الحديث بالنسبة لشخص كالمحدث النوري الذي تحكمه ثقافة الحديث ومركزيته ليست بالأمر الغريب حينما توضع قبال المركزية التي يمثلها القرآن الكريم.

ثالثاً: ما هو الدليل الذي يجعل أخبار العرض محصورة في دائرة آيات الأحكام؟ والحال أن المعصومين عليهم السلام كانوا بصدد تقديم ضابطة كلية وعامة، كما أن تعبيراتهم في هذا المجال اتسمت بالإطلاق والشمولية.


 

رد مع اقتباس