هل النبي صل الله عليه وآله يجتهد
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم
هل النبي صل الله عليه وآله يجتهد
قال في الندوة : وقد سئل عن كيفية التوفيق بين أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله لا يجتهد وبين مثل مفاد قوله تعالى" عفا الله عنك لمَ أذنت لهم " والذي ظاهره اللوم ؟
فأجاب : في الواقع لا يوجد في هذه الآية لوم بمعنى أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله اخطأ… إلى أنْ قال : وإنما أراد أن يظهر حقيقتهم ، أي أنَّ هؤلاء الذين استأذنوك ليسوا معذورين في الواقع ، وأنت أذنت لهم بسبب أخلاقك ، ولكنهم لا يستحقون ذلك ولا يستحقون كرم أخلاقك .[143]
أقول : أما قوله : وإنما أراد إلى قوله: ليسوا معذورين في الواقع ، يفيد بظاهره جَهْلَ النبي صلَّى الله عليه وآله بما هو واقع أؤلئك الذين استأذنوه ، وهذا المعنى لا يرى السيِّد فضل الله أيَّ ضيرٍ في الالتزام به ، إذ هو من الأمور الغيبية ، وقد صرَّح في أكثر من موضع بأنَّ الله تعالى يُطلِع نبيَّه على بعض غيبه ، فقال : إنَّ قضية ما يهب الله الأنبياء عليهم السلام والأولياء من علم الغيب أو من القدرات إنما ذلك من خلال حاجة دورهم في النبوة وفي الإمامة ، وقال : وقد كان الله يخبر رسوله ببعض غيبه مما يحتاجه رسوله في نبوته .[144]
ولكن قد عرفت بأنَّ الله تعالى صرَّح بأنْ " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء"[145] ، فضلاً عمَّا لا يحصى من الأخبار الشريفة المصرَّح فيها بعلم الإمام بما كان وسيكون ، والنبي صلَّى الله عليه وآله هو المعلِّم والأستاذ ، ويكفي لكلِّ باحث عن الحقِّ بغيةَ الاعتقاد به أنْ يرجع إلى كتاب الكافي حيث أورد مصنِّفُه في أبواب كتاب الحُجَّة من المجلد الأول من أصول الكافي ما فيه فوق الكفاية .
وقد قال مولى المتقين أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة : "فاسألوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها ، ومن يقتل من أهلها قتلاً ، ومن يموت منهم موتاً ".[146]
وقال عليه السلام : والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ، ولكن أخاف أن تكفروا فيَّ برسول الله صلَّى الله عليه وآله .[147]
وأما قول صاحب الندوة : ولكنهم لا يستحقون ذلك ولا يستحقون كرم أخلاقك ، فلا يخفى ما فيه .
وقد قال سبحانه وتعالى : " وما ينطق عن الهوى "،[148] والمعصوم هو الحقُّ في جميع شؤونه وسائر تقلباته ، فلا يصدر منه فعلٌ لا يتصف بالصحة والحقِّ في الواقع .
ومَنْ لا يستحق أن يُؤذَن له ، كيف يأذن له النبي صلَّى الله عليه وآله ويكون منشأ الأذن كرم أخلاقه صلَّى الله عليه وآله ؟!
فإنَّ كريم الخُلق وإنْ يفعل مع الذي لا يستحق أمراً معيناً ، ولكن العاقل يدعوه إلى ذلك أسباب راجحة ، بحيث لا يكون منشأ ما فعله كرم أخلاقه فحسب ، لأنَّ كريم الخُلق العاقِل هو مَنْ يضع الشيء مواضعه 0
وإذنُ النبي صلَّى الله عليه وآله منشؤه أمرٌ راجحٌ قطعاً ، وإلا فهو سيِّد العقلاء ومربي المعصومين ، وإلا فالنبي هو العالِم بمن يستحق الأذن وبمن يستحق كرم أخلاقه ، وهو المعصوم ظاهراً وباطناً ، فعلاً وتقريراً .
-----------
[143] الندوة 1 ص 245 ط الثانية 1417 -1997
[144] الندوة 1 ص 258 ط الثانية 1417 -1997
[145] النحل89
[146] نهج البلاغة الخطبة 90 من القسم الاول
[147] المصدر السابق الخطبة 173
[148] النجم آية3
 
يــــا لـثارات الـــزهــــــراء
|