فتلخَّص ، أنَّ أهل الذكر هم أهل القرآن الحقيقيون ، هم أهل الرسول صلَّى الله عليه وآله ، وهم مَنْ يجب متابعتهم ، وهم - بعد ثبوت عصمتهم - مَنْ يفيد قولهم العلم ، وهم مَنْ لا يختلف قولهم ولا يخالِف القرآن الكريم ، وصدق النبي صلَّى الله عليه وآله حيث قال:" إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي" ، وقد رواه بهذا المعنى وما يقرب منه السنة والشيعة 0
ومن الواضح جداً أنه لا معنى للسؤال ممن يدلُّ على غير الحقِّ ، ولا يعرفُ الحقَّ إلا أهله ، وليس أهل القرآن إلا أهل البيت عليهم السلام 0 وقد روى عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" ، قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله : " الذكرُ أنا ، والأئمةُ أهل الذكر"[7].
وعن عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : "فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" . قال : " الذكر محمد صلَّى الله عليه وآله ونحن أهله المسؤولون "[8].
وعن الوشاء قال : سألت الرضا عليه السلام فقلت له : جُعلتُ فداك " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم تعلمون " ؟ فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون . [9]
وعن أبي بكر الحضرمي قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام ودخل عليه الورد أخو الكميت ، إلى أنْ قال : قال : قول الله تبارك وتعالى " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" مَنْ هم ؟ قال : نحن .[10]
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : " إنَّ مَنْ عندنا يزعمون أنَّ قول الله عزَّ وجلَّ : " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " أنهم اليهود والنصارى ، قال : إذاً يدعونكم إلى دينهم ! قال : قال بيده إلى صدره – نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون .[11]
وروى الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : قال علي بن الحسين عليه السلام : على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم ، وعلى شيعتنا ما ليس علينا ، أمرهم الله عزَّ وجلَّ أنْ يسألونا قال : " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".[12]
وبما أنَّ أهل الذكر هم خصوص الأئمة ، وكان وحدهم الشيعة مَنْ يرجع إليهم ويسأل منهم ، فإنه تعرف وجه تخصيص الإمام بتوجه الأمر إلى الشيعة ، فإنَّ المنظور إليه مَنْ يمتثل ، فافهم جيداً 0
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : " فرسول الله صلَّى الله عليه وآله الذكر وأهل بيته عليهم السلام المسؤولون وهم أهل الذكر" [13]0
وعن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال جلَّ ذكره " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " قال :" الكتاب : الذكر ،
وأهله آل محمد صلَّى الله عليه وآله " [14].
وعن حمزة ابن الطيار ، أنه عرض على أبي عبد الله عليه السلام بعض خطب أبيه ، حتى إذا بلغ موضعاً منها ، قال له : كُفْ واسكت. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم العمى ، ويعرِّفوكم فيه الحقَّ ، قال الله تبارك وتعالى : " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "[15].
وعن الكلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قوله تعالى :" فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً " قال : الذكر إسمٌ من أسماء محمد صلَّى الله عليه وآله ونحن أهل الذكر[16]0
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" من المعنون بذلك فقال : نحن ، فقلت فأنتم المسؤولون ؟ قال : نعم [17]0
وعن الريان بن الصلت قال : حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون وقال فيه الرضا عليه السلام : فنحن أهل الذكر فسألونا إن كنتم لا تعلمون [18]0
وعن الأصبغ ابن نباتة عن عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عزَّ وجلَّ : " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" قال : نحن أهل الذكر[19].
وروى جابر بن يزيد ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : نحن أهل الذكر[20]0
وعن معاوية بن عمار الدهني عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله جلَّ اسمه :" فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" ؟ قال : نحن أهل الذكر[21]0
وعن هشام قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى:"فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " مَنْ هم ؟ قال : نحن.[22]
ومن طريق المخالفين ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في المستخرَج من التفاسير الإثني عشر في تفسير قوله تعالى : " فسئلوا أهل الذكر " يعني أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، واللهِ ما سمي المؤمن مؤمناً إلا كرامةً لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام .[23]
وَلْيُعلم أننا فيما ننقله من الأخبار لم نلتزم بنقل تمام الحديث فقد ننقله بتمامه وقد ننقل خصوص موضع الحاجة .
وأنت إذ عرفت فيما تقدم وجهَ كون أهل الذكر هم أهل القرآن والعالِمون به ، فإنه مضافاً لقيام الضرورة على أنَّ الأئمة عليهم السلام هم وحدهم العالِمون بجميع علوم القرآن ، فإنَّ ما ورد عنهم في هذا المعنى يفيد لما نبحث فيه ، وسيوافيك ذكر بعضها إنشاء الله تعالى فيما يأتي .
وإذ قد أحطت خُبراً بما ذكرنا ورجعت إلى أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام في تحديدهم وتعيينهم وتشخيصهم لمن هم أهل الذكر من خلال ملاحظتك للأخبار التي نقلناها ، فإنه تعرف فساد ما قيل مِنْ أنَّ أهل الذكر هم أهل الخبرة في القرآن ، وتقف أيضاً على فساد القول بأنَّ أهل الذكر: هم الذين أشارت إليهم الآية الكريمة " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " إلى الجهاد " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون" .[24]
هذا ومما ينبغي أنْ نُلفِت نظر القارئ الكريم إليه أننا لم نلتزم أيضاً بنقل جميع وتمام الأخبار في تمام بحوث الكتاب ، وفي ما تقدم يكفي ملاحظة كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار الباب التاسع عشر ص 38 ط مكتبة السيِّد المرعشي النجفي .
هذا وبينما كنتُ أبحثُ في كتاب الشهرستاني عن ما رُوي عن ابن عباس في تفسير أمير المؤمنين عليه السلام له سورة الفاتحة – على ما سيأتي في أواخر الكتاب - عثرتُ على كلامٍ للشهرستاني يتعلق بما ينفع جداً في شأن اختصاص آية " فسئلوا أهل الذكر" بأهل البيت عليهم السلام ، نازعتني نفسي جداً لنقله لما فيه من فائدة ، وهو ينفع هنا ولبعض ما يأتي عند الكلام في الراسخين في العلم . وحيث إني وجدت هذا الكلام بعد ما شارفت على الانتهاء من كتابة هذا الكتاب ، فرأيت أنْ أذكره بتمامه هنا لما فيه من نفعٍ فيما نبحث فيه ولغيره أيضاً ، فليحفظ لبعض ما يأتي ، والفضلُ ما شهِدتْ به الأعداءُ 0
فأقول : قال : محمد بن عبد الكريم الشهرستاني الأشعري الشافعي صاحب كتاب المِلل والنِحل ، قال في كتابه التفسير المسمى بمفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار ، ما لفظه : ولقد كانت الصحابة (رضي الله عنهم ) متفقين على أنَّ علم القرآن مخصوصٌ بأهل البيت عليهم السلام ، إذ كانوا يسألون علي بن أبي طالب عليه السلام : هل خُصِّصتم أهل البيت دوننا بشيء سوى القرآن ؟ وكان يقول : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا بما في قراب سيفي هذا… الخبر. فإستثناء القرآن بالتخصيص دليلٌ على إجماعهم بأنَّ القرآن وعلمه تنزيله وتأويله مخصوصٌ بهم .[25]
وقال في موضع آخر ما لفظه : ومن المعلوم أنَّ الذين تولوا جمعه (القرآن) كيف خاضوا فيه ، ولم يراجعوا أهل البيت عليهم السلام في حرف بعد اتفاقهم على أنَّ القرآن مخصوصٌ بهم ، وأنهم أَحَدُ الثقلين في قول النبي صلَّى الله عليه وآله " إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي - وفي رواية – أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، وأنهما لم يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض". بلى والله ، إنَّ القرآن محفوظٌ لقوله تعالى " إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون " وإنما حفظه بحفظ أهل البيت ، فإنهما لا يفترقان قطُّ ، فلا وصلُ القول ينقطع لقوله تعالى " ولقد وصلنا لهم القول " ولا جمعُ الثقلين يفترق لقوله تعالى " إنَّ علينا جمعه وقرآنه " فنسخته إن كانت عند قوم مهجورةً ، فهي بحمد الله عند قوم محفوظةٌ مستورة " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ".[26]
وقال في موضع ثالث : وقد قيل " ليس شيء بأبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن " اللهم إلا رجالاً يؤتيهم الله فهماً في القرآن ، هم أوتاد الأرض ، وأمان أهلها ، وورثة الأنبياء ، وأحد الثقلين ، وصفوة الكونين والعالَمَين ، أولئك آل الله وخاصته وحزبه".[27]
وقال في موضع رابع : وإذا قلتُ : قال أهل القرآن ، أو أصحاب الأسرار أو الذي شققتُ له إسماً من معنى الآية ، فلا أريد به نفسي عياذاً بالله ، وإنما أريد الصدِّيقين من أهل بيت النبي ( صلَّى الله عليه وآله) فهم الواقفون على الأسرار ، وهم من المصطفين الأخيار .[28]
وقال في موضع خامس : وعن جعفر بن محمد عليه السلام : أنَّ رجلاً سأله فقال : مَنْ عندَنا يقولون في قوله تعالى : " فسئلوا أهل الذكران كنتم لا تعلمون " إنَّ الذكر هو التوراة ، وأهل الذكر هم علماء اليهود ، فقال : إذاً والله يدعوننا إلى دينهم ، بل نحن واللهِ أهل الذكر الذين أمر الله تعالى بردِّ المسألة إلينا ، وكذلك نُقل عن عليٍّ عليه السلام أنه قال نحن أهل الذكر .[29]
ولا أدري هل أنَّ السيِّد فضل الله لم بكن يراجع ويقرأ ما ورد عن أئمة الهدى ؟!!
أو أنَّ قول الأئمة نحن أهل الذكر معناه : أهل الذكر هم أهل الخبرة في القرآن !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[7] الكافي ج 1 ص210 ح 1 ط الثالثة دار الكتب الاسلامية طهران 1388
[8] المصدر السابق ح 2 ص 210
[9] المصدر السابق ح 3 ص 210
[10] المصدر السابق ح 6 ص 211
[11] المصدر السابق ح 7 ص 211
[12] المصدر السابق ح 8 ص 212
[13] المصدر السابق ح 4 ص 211
[14] البرهان في تفسير القرآن 4 ص451 ح 8 ط الاولى مؤسسة الاعلمي بيروت 1419 –1999
[15] المصدر السابق ح 9 ص 451
[16] المصدر السابق ح 10 ص452
[17] المصدر السابق ح 12 ص 452
[18] المصدر السابق ح 13 ص 452
[19] المصدر السابق ح 16 ص 454
[20] المصدر السابق ح 22 ص 455
[21] المصدر السابق ح 15 ص 453
[22] المصدر السابق ح 14 ص 453
[23] المصدر السابق ح 23 ص 455
[24] الندوة الكتاب الثاني ط الثانية 1418 - 1997 0
[25] تفسير الشهرستاني 1 ص105ط مكتب نشرالتراث المخطوط طهران ط الاولى 1997 0
[26] المصدر السابق ص 121
[27] المصدر السابق ص155
[28] نفس المصدر ص175
[29] نفس المصدر
|