10-27-2010, 05:50 PM
|
#4
|
المشرف العام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 11
|
تاريخ التسجيل : May 2010
|
أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
|
المشاركات :
735 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
النموذج الرابع: اضطراب الميزان
يقول شريعتي في كتابه "العودة إلى الذات": (( الخلاصة: أنني لا أطرح قضية الدين في المجتمع بهذا الشكل على أساس فكرةٍ ما أو عاطفة ما، لأن منطلقي من الدين من نوعٍ يستطيع معه حتى مفكر علماني أن يأتي وينطلق معي منه، والفرق بيني وبينه أن منطلقي يُعدّ إيمانًا ومسئولية اجتماعية، بينما يستطيع ذلك المفكر أن يشترك معي من موقع المسئولية الاجتماعية فحسب.
على كل حال، أريد هنا كمفكر مسئول عن عصره وجيله أن أحدّد الهدف من مسئوليتنا، وأن أحدّد الدور الاجتماعي الملقى على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين في المجتمعات الآسيوية أو الإسلامية. وذلك على أساس الشعار نفسه الذي قَبِله المفكرون الدينيون وغير الدينيين -خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية- مثل عمر اوزجان وإيما سيزار وفرانز فانون ويوجين يونسكو، فهم يعتقدون أن من حق كل مجتمع أن يكون المفكر فيه مرتكزًا على تاريخه وثقافته، وعليه أن يلعب دوره كمفكّر ويقوم برسالته على أساس تاريخ السواد الأعظم وثقافته ولغته، أجل على أساس هذه المبادئ الثلاثة.
على كل حال فإن شعار العودة إلى الذات، شعار لم يطرح الآن في عالم المتدينين، بل إن أكثر المفكرين التقدميين العلمانيين من أمثال إيما سيزار وفي إفريقيا مثل فرانز فانون وجوليوس نيريري وجومو كينياتا وسنغور في السنغال وكاتب ياسين الجزائري وجلال آل أحمد في إيران هم الذين طرحوا هذه القضية لأول مرة.)) ([29]).
يريد شريعتي في هذا النص أن يطرح قضية [العودة إلى الذات]، ولكنه يمهّد لطرحه هذا بمقدمة يبيّن لنا فيها جملة من الحيثيات المرتبطة بموضوع كلامه.
وأول هذه الحيثيات هي انطلاقه من موقع المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي يفسح المجال حتى للمفكر العلماني لكي يشاركه في منطلقاته..
ويمضي بعد ذلك ليبيّن لنا ماهية الصفة التي يتحدّث إلينا من خلالها، وما هي المسائل التي يشتمل عليها موضوع بحثه. ولذلك قال: [على كل حال، أريد هنا كمفكر مسئول عن عصره وجيله أن أحدّد الهدف من مسئوليتنا، وأن أحدّد الدور الاجتماعي الملقى على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين في المجتمعات الآسيوية أو الإسلامية].
ينمّ هذا التمهيد عن خبرة عالية بالأساليب البلاغية، فهو يثير في نفس القارئ شعورًا بالتهيّب أمام ما سيلقى عليه من كلام.
كيف لا ؟! وهو كلام يتميّز بجلال مصدره [مفكر مسؤول عن عصره وجيله]، وبخطورة موضوعه (تحديد الهدف من مسؤوليتنا، وتحديد الدور الاجتماعي الملقى على عاتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين).
وحين يتملّك القارئَ الشعورُ بالتهيّب فإنه غالبًا ما يميل إلى قبول الأفكار المطروحة دون أن ينتبه لما قد يتضمنه الكلام من خطأ أو بطلان.
لكنه ومن حسن الحظ يبقى بين القرّاء أشخاص يستطيعون الفكاك من أسر البلاغة، وتبقى عقولهم متنبّهة لمضمون الكلام فيميزون الغثّ من السمين، غير متأثرين ببهارج البلاغة وزخارفها.
وهذا ما حدث للنص الذي بين أيدينا. فنحن نجد فيه أن شريعتي وبعد أن وصف نفسه بأنه مفكر مسؤول عن عصره وجيله، وأنه في مقام تحديد الأهداف والمسؤوليات الملقاة على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين، إنه وبعد هذا كله يقدّم لنا: "جوليوس نيريري" و"جومو كينياتا" و"سنغور" كمفكرين تقدميين.
والغريب هو أن هؤلاء جميعهم معروفون بدورهم المشبوه، وبخدماتهم التي أدّوها للاستعمار. ولذلك نجد أن هذا النص قد أثار حفيظة مترجم كتاب شريعتي، فكتب حاشية يعلّق فيها على كلامه -وهي من المرات النادرة التي يكتب فيها واحد من مترجمي كتب شريعتي حاشية تنتقد كلامه- وقد جاء فيها:
((على مدى هذا الكتاب يذكر الزعماء الأفارقة الذين أمسكوا بمقاليد الحكم في بلادهم بعد استقلالها الصوري على أساس أنهم من كبار المفكرين الأصلاء، في حين أنه مهما كانت لبعضهم بعض الاجتهادات الفكرية علينا أن نلاحظ عدة نقاط من أهمهما أن أغلب هؤلاء الزعماء قد تقلّدوا الزعامة في بلادهم (لا)([30]) على أساس اختيار شعبي عام أو سابقة ممتدة في الكفاح بل كان معظمهم مباركًا من السلطة الاستعمارية ربيبًا لها، إما في جيشها أو في جامعاتها، ومعظمهم الجيل الأول المرتد من أسر مسلمة، ولا أدري كيف فات علي شريعتي أن معظم هؤلاء مسيحيون من أبوين مسلمين، وأن بعضهم يحكم شعوبًا أغلبيتها مسلمة وهو مسيحي، وجواز السلطة الوحيد أنه مسيحي، أما [أفريقانية] سنغور فهي [أفريكانية] فرنسية للاستهلاك العالمي، وهدفها الوحيد الحيلولة دون أفريقيا وواحدٍ من أهم مقومات ثقافتها وهو الإسلام، ولا أدري أيضًا كيف لم يلحظ شريعتي المصير الذي لقيه بعض حكام أفريقيا الذين حاولوا الحفاظ على إسلامهم من تشنيع وتلويث ثم إقصاء، وأفضل هؤلاء الحكام هم بالفعل الذين يتظاهرون بالفكر ووضع النظريات، وهم أرحم حالاً من الميجورات الذين انقلبوا في يوم وليلة إلى جنرالات ثم سُلّطوا على شعوبهم بمساعدة من الفرقة الأجنبية، ويعمل التبشير العسكري في بلادهم على قدم وساق، بينما يُحْرَمُ المسلم في بلادٍ غالبيتها من المسلمين من أبسط الحقوق المدنية، ليس نيريري وسنغور وكينياتا ذوي الروابط الوثيقة جدًا بإسرائيل بالنماذج والمثل التي تضرب هنا، بل هم من وجوه الاستعمار الجديد.))([31]).
إن ما جاء في هذه الحاشية يضعنا أمام صورة موجزة لما هو معروف من مآسي هؤلاء الحكام، لكن وعلى الرغم من ذلك فقد شاء شريعتي أن يصنّفهم بين المفكّرين التقدميين.
ولست أدري، ما هو الميزان، بل ما هو الدافع الذي حدا بشريعتي لكي يعتبر أمثال هؤلاء المشبوهين مفكرين تقدميين.
وعلى كل حال فإن هذا يبيّن لنا مدى اضطراب الميزان لدى شريعتي، هذا الميزان الذي نجده هنا يقدّر "نيريري" وأصحابه، بينما نراه في أماكن أخرى يلفظ أشخاصًا آخرين ولأدنى سبب مما يعتبره شريعتي خطأً في توجّههم السياسي.
وأخيرًا نسأل: هل إن شريعتي مؤهّل حقًا للدور الذي نسبه إلى نفسه في مقدمة كلامه ؟ وهل يحقّ له أن يضع نفسه في مقام المفكّر المسؤول عن عصره والذي يناط به تحديد الدور الاجتماعي الملقى على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين، وهو يجهل في الوقت ذاته واقع أمثال هؤلاء الحكّام من أبناء عصره، ويغفل عن حقيقة أمرهم ؟!
وهكذا نجد أن الأسلوب البلاغي الذي مهّد به شريعتي لفرض هيبته الفكرية على القارئ، لم ينفعه هنا، بل تصدّى له هذه المرة حتى مترجم كتابه ليقول لنا أن الحقيقة قد فاتت شريعتي. ومن طرائف الصدف أن يأتي هذا الاحتجاج من المترجم على شريعتي في الموضع الذي يُنصِّب فيه شريعتي نفسه قيّمًا على العصر والجيل، ومرشدًا للمفكرين والمتعلمين والمثقفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([29]) العودة إلى الذات، مصدر سابق، ص34-35.
([30]) غير موجودة في الأصل ولكن السياق يقتضيها.
([31]) العودة إلى الذات، مصدر سابق، هامش ص35.
([32]) اسم الموقع هو (واحات ينابيع المودة).
|
|
يــــا لـثارات الـــزهــــــراء
|