عرض مشاركة واحدة
قديم 10-27-2010, 05:39 PM   #2
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



النموذج الثاني: التحريف والانتقائية

يقول شريعتي في كتابه "الإنسان والإسلام": (( إن قصة هابيل وقابيل الموجودة في قصصنا الإسلامية، والتي يسميها القرآن نفسه بـ[القصة]، مليئة بالحقيقة العلمية. (إذا أخذنا القصص المشابهة باعتبارها وقائع تاريخية تكون غير مفهومة وبدون نتيجة([7])، ولكن إذا أخذناها باعتبارها حقايق نموذجية فإنها مليئة بالأسرار العلمية لمعرفة الإنسان ومعرفة التاريخ).
قابيل وهابيل، من هما ؟ ابنا آدم. إذًا عندما تُذكر قصة قابيل وهابيل فإنه المراد بها قصة بداية التاريخ البشري بصورة رمزية ونموذجية. (كما يذكر "البير كامو" قصة "أوران" ))([8]).
بهذه المقدمة يضعنا شريعتي أمام المنهج الذي يريدنا أن نتبّعه في فهم القصص الديني ومن بينها قصة ابني آدم، فهو يدعونا إلى عدم أخذ قصة ابني آدم وما يشابهها من القصص باعتبارها وقائع تاريخية، وإلا كانت غير مفهومة وبدون نتيجة. لذا علينا أن نأخذها باعتبارها حقائق نموذجية ورموزًا على نحو ما يذكر "البير كامو" قصة "أوران".
والشاهد الذي يؤيد به شريعتي كلامه هو أن القرآن نفسه يسمي قصة ابني آدم بـ(القصة).
ولكي يتأكد القارئ من صحة هذه الدعوى لشريعتي فما عليه إلا أن يرجع بنفسه إلى القرآن الكريم.
وغالبًا ما يصدّق القارئ الكلام ويمضي قُدُمًا... ولكنه لو توقّف لحظة ليفحص ويتأكد لأصيب بصدمة تذهل عقله.
لماذا ؟ لأن القرآن الكريم يقول: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناًفَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}([9]). فالقرآن يسمي هذه القصة بـ(النبأ) ولم يسمّها بـ(القصة) كما ادّعى شريعتي.
و(النبأ) يأتي بمعنى الخبر، وقد عرّفه الراغب الأصفهاني في "معجم مفردات ألفاظ القرآن" بقوله: (( النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمّن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرّى عن الكذب، كالتواتر وخبر الله تعالى، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام )).
والنبأ بهذا المعنى – أي بمعنى الخبر - لا يناسب مذهب شريعتي ولا يؤيد منهجه الذي ينكر واقعية قصة ابني آدم وما يشابهها من القصص.
وأما (القصة) فهي مأخوذة لغة من قصِّ الأثر أي تتبّعه. و(القصص) كما يذكر الراغب الأصفهاني في "مفرداته" هي [الأخبار المُتتبّعة]، ولفظ (القصة) بهذا المعنى لا يخدم هو أيضًا غرض شريعتي. غير أن هذا اللفظ قد خضع لشيء من التطوّر في دلالته فصار يستعمل في الحكاية مطلقًا حتى لو كانت كلها أو بعضها من نسج الخيال، ولم يعد مقتصرًا على قصِّ الأثر أو تتبّع الخبر. وبناء على هذا التطور الدلالي يحاول شريعتي أن يقنعنا بأن قصة ابني آدم ما هي سوى قصة رمزية تضعنا أمام حقائق نموذجية ولا تخبرنا عن الوقائع التاريخية شيئًا.
ولكن الغريب في الأمر هو أن هذا التحريف على شناعته لا يتيح لشريعتي الوصول إلى مبتغاه، وذلك لأنه حتى لو سلمنا بأن القرآن يسمي قصة ابني آدم بـ(القصة)، فإن القرائن([10]) تشير إلى أن القرآن لم يستعمل لفظ القصة بدلالته المتطورة كما يذهب إليه شريعتي، وإنما استعملها بمعناها اللغوي والذي يفيد معنى (تتبّع الأثر، والأخبار المتتبّعة). خصوصًا وأنه يصف قصصه بأنها القصص الحق كما في قوله تعالى {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}([11]).
وعلى كل حال دعنا نتجاوز الآن عن هذه المقدمة([12]) التي يمهّد بها شريعتي لرواية القصة على ما انطوت عليه من تحريف، ولنستمع إليه وهو يروي الحكاية حيث يقول: ((نموذجان هما قابيل وهابيل. يقوم آدم بخطبة ابنتيه لابنيه هذين. ولكن قابيل يرى خطيبة أخيه أجمل من خطيبته فيطمع فيها، ومن أجل ذلك يتمرّد قابيل.
إنهما أول إنسانين على وجه الأرض يبدآن بالتاريخ البشري. آدم أنموذج لنوع الإنسان، أما هذين([13]) فهما أنموذج بدء التاريخ البشري.
يقول هابيل: أنا قانع بحقي الذي اختير لي. ولكن قابيل يقول: لا، عليّ أن آخذ حقي منك. فيبدأ صراعهما على صورة تمرّدِ واعتداءِ قابيل على هابيل، بدافع أخذ خطيبته منه، فيشكوان إلى آدم، يقول آدم: فلينتخب كلٌّ منكما قربانا، وأيّ منكما قبل الله قربانه، فليذعن الآخر. قبلا بذلك. ينتخب هابيل من إبله ناقة شقراء عزيزة ويأتي بها إلى المنحر قربانًا لله. وقابيل يأتي بقبضة من القمح الذابل الأجوف القاتم المضروب الذي لا يفيد كل شخص، إلى محل القرابين. وبالتالي -وبصورة طبيعية- يُقبل قربان هابيل. ويظل قابيل خائبًا مرة أخرى.
قابيل -الذي حُرم من هذا العمل أيضًا- يستمرّ في اعتدائه، ويخدع أخاه هابيل في الصحراء ويقتله، وهذا أول دم سفك في التاريخ البشري بواسطة الإنسان، أول قتل أخٍ بدأ في النوع الإنساني))([14]).
وبعد أن يستنتج شريعتي من هذه القصة عقيدته في فلسفة التاريخ، يعود ليقول لنا: ((.. أنّ التاريخ -بمقتولية هابيل وقاتلية قابيل- ينتقل من مرحلة الوحدة الإنسانية إلى مرحلة التمييز الإنساني، ومن مرحلة أصالة النوع البشري إلى مرحلة أصالة الفرد البشري وحبّ الانفرادية للنوع البشري.
أي أن التاريخ بذهاب هابيل وبقاء قابيل انتقل من المرحلة الهابيليّة إلى المرحلة القابيليّة. وبإزالة هابيل وبقاء قابيل، أصبحنا جميعًا أبناء قابيل لأن هابيل لم يتزوج وظلّ محرومًا))([15]).
ثم يقول بعد هذا: ((قابيل حيّ دائمًا في تاريخ البشرية لأن هابيل قد مات))([16]).
هنا وقبل الشروع في مناقشتنا لا بد أن نلتفت إلى الملاحظة التالية، وهي أن كلام شريعتي قد يوحي بالتناقض وذلك لأنه ذهب سابقًا إلى أن قصة ابني آدم هي قصة رمزية لا يجب أخذها كوقائع تاريخية، ويعود هنا ليقول أننا جميعًا أبناء قابيل. فكيف يمكن الجمع بين الأمرين؟
والجواب هو أن شريعتي -على ما يفهم من كلامه- حين يقول بأننا جميعًا أبناء قابيل فإنه لا يقصد البنوّة الحقيقية، بل يقصد البنوّة الرمزية أي أننا نحن أبناء [معنى] قابيل وما يرمز إليه من دلالات وقِيَم.
ونعود الآن إلى ما كنا فيه لنقول: إننا هنا أيضًا وعلى ما هو ديدننا في هذه المقالة لا نرمي إلى مناقشة شريعتي في مختلف نظرياته، ومنها نظريته في فلسفة التاريخ، ولذلك لم ننقل عنه جميع استنتاجاته من القصة السابقة([17]). وإنما الذي نرمي إليه هو أن نقف على ما تمتزج به بلاغته المؤثرة من خلل في المنهج و قصور في الدليل.
ولا أجد داعيًا للإفاضة في تناول القوة البلاغية التي يتميّز بها النص الآنف، فهي واضحة يحسُّ بها القارئُ إحساسًا جليًا. ويكفيك منها قوله [أصبحنا جميعًا أبناء قابيل] و[قابيل حيّ دائمًا في تاريخ البشرية].. لذا سأقصر الكلام على مناقشة بعض ما يتعلق بالمنهج والدليل.
وأهم ما يجدر بنا ذكره هو أن هذه القصة كما يرويها شريعتي مأخوذة من كتب التراث الموجودة بين أيدي المسلمين، وليست مما رواه لنا القرآن الكريم.. ولذلك نجد أن بعض ما روي عن أهل البيت يكذب هذه القصة ولا يقيم لها وزنًا. وكذلك يفعل بعض العلماء من المسلمين السنة.
وإليك على سبيل المثال هذه الكلمة التي يعلّق بها أحد علماء السنة على هذه القصة فيقول: ((هذا من قصص أهل الكتاب، ليس له أصل صحيح))([18]).
فهذه القصة إذًا وكما يرى هذا العالم ليس لها أصل صحيح بل هي من قصص أهل الكتاب، أي من الإسرائيليات.
وأما أهل البيت (عليهم السلام) فقد روي عنهم العديد من الروايات([19]) التي تردّ على هذه القصة، بل وتستنكر على بعض السائلين حتى مجرد نقلها وروايتها.
فعن زرارة قال: ((سئل أبو عبد الله (عليه السلام): كيف بدؤ النسل من ذرية آدم (عليه السلام) فإن عندنا أناسًا يقولون إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام) أن يزوج بناته من بنيه، وأن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات ؟
قال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله، وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، يقول من يقول هذا: إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله وحججه والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر والطاهر الطيب..)) ([20]).
بلى والله، إن لله عزّ وجلّ القدرة كل القدرة على خلق صفوة خلقه وباقي المؤمنين والمؤمنات من الحلال دون الحرام، خصوصًا وأنه قد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب.
وليس بنا من حاجة تدعونا لأن نتعلق بالإسرائيليات ونتخذها مادةً تاريخية أو رمزية لنا نفسّر على أساسها التاريخ ونستنتج منها فلسفته.
هذا فيما يتعلّق ببدء النسل وما إذا كان من حلال أو حرام. فماذا عن السبب الذي قدّم من أجله ابنا آدم القربان؟
في رواية عن سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام)، قال سليمان: ((جعلت فداك إنهم يزعمون أن قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على أختهما ؟ فقال له: يا سليمان تقول هذا ؟ أما تستحيي أن تروي هذا على نبي الله آدم ؟! فقلت: جعلت فداك ففيم قتل قابيل هابيل ؟ فقال: في الوصية، ثم قال لي: يا سليمان إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل، وكان قابيل أكبر منه، فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال: أنا أولى بالكرامة والوصية، فأمرهما أن يقربا قربانًا بوحي من الله إليه ففعلا، فقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله))([21]).
إن التأمل في مضامين هذه الرواية يكشف لنا عن ثلاثة أمور هامة:
1- يبدو أن سليمان بن خالد لم تطمئن نفسه لما سمعه من حكاية اختلاف ابني آدم على أختيهما، ولذلك راح يسأل عنها الإمام الصادق (عليه السلام)، وكان سؤاله بصيغة (يزعمون).
2- إن الإمام الصادق (عليه السلام) يستنكر على سليمان حتى رواية هذا الزعم، لأنه يسيء إلى نبي الله آدم (عليه السلام).
3- يُنكر الإمام الصادق (عليه السلام) أن يكون الخلاف بين ابني آدم على أختهما، ويبيّن لنا أنه كان على الوصيّة. وما أبعد الفرق بين أن يكون الخلاف على الأخت أو يكون على الوصية وعلى اسم الله الأعظم!
ويبقى أن نسأل عن مدى صحة استنتاج شريعتي أنه وبإزالة هابيل وبقاء قابيل أصبحنا جميعًا أبناء قابيل.. وأن قابيل حيٌّ دائمًا في تاريخ البشرية؟
عن هذا السؤال تجيبنا أيضًا بعض الروايات ، ومنها الرواية التالية الواردة عن أبي بصير والتي جاء فيها أن طاووسًا اليماني سأل الإمام الباقر (عليه السلام): ((.. فأيهما كان أبًا للناس، القاتل أو القتيل؟ قال: لا واحد منهما بل أبوهم شيث بن آدم))([22]).
ولا يخفى على القارئ أن شيثًا (عليه السلام) كان نبيًا ، فإذا ما مضينا مع شريعتي في عملية الاستنتاج ، لأمكننا القول بأننا أصبحنا جميعًا أبناء شيث، وأن شيثًا النبي هو الحي دائمًا في تاريخ البشرية وليس قابيل القاتل، كما حلا له أن يستنبط ويفسّر.
ويبقى في البين سؤال عن الباقين من ولد آدم إذ المعروف أنه (عليه السلام) كان له الكثير من الأولاد غير قابيل وهابيل؟
تجيبنا بعض الروايات الإسلامية على هذا السؤال بأن الباقين من ولد آدم قد أُغرقوا في طوفان نوح (عليه السلام). وعلى كل حال فالمسألة مورد بحث، غير أن المؤكد هو أن قابيل لم يكن الأب الوحيد للبشرية جمعاء كما يجزم شريعتي.
من كل ما تقدم يظهر لنا النهج الشريعتيّ على حقيقته، فهو يتبنّى فهمًا مسبقًا لفلسفة التاريخ، ثم يحاول إقناعنا بأن هذا هو الفهم الصحيح والمناسب للمنهج الإسلامي، فيقوم لأجل ذلك بانتقاء قصة معيّنة تناسب فهمه المسبق مغفلاً غيرها من القصص وبدون ذكر أيّ تعليل أو تبرير لهذه (الانتقائية)، حتى لو كانت القصة المنتقاة مخالفة للعديد من روايات أهل البيت(عليهم السلام)، ومرفوضة من قبل بعض علماء السنة. وما ذلك إلا لأن هذه القصة هي التي يمكنها أن تعبّد له الطريق لبلوغ مأربه، وتمكّنه من إسقاط ما يحلو له إسقاطه من نظريات مسبقة على حقائق الإسلام ومعارفه.
وهكذا يبيّن لنا النموذج الثاني بعض أمثلة (التحريف) و(الانتقائية) في فكر شريعتي، والتي يحاول تمريرها بنبرته العالية، وبلاغته الأخّاذة، وبمؤثراته المتنوعة، وبكل ما من شأنه أن يُعمي ويُصم، ولا يكاد يسلم من تبعاته إلا المتدبّرون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([7]) هذا الكلام لا يصح على إطلاقه، إذ من الممكن أن تكون القصة قصة واقعية بكل ما للكلمة من معنى، ولكنها تضعنا في الوقت نفسه أمام حقائق نموذجية ويكون لها دلالاتها الرمزية أيضًا.

([8]) د. علي شريعتي: الإنسان والإسلام، ترجمة د. عباس الترجمان، دار الصحف للنشر، طهران، ط 1، 1411هـ، ص35.

([9]) المائدة: من الآية27.

([10]) إن تتبّع الموارد التي يستعمل فيها القرآن الكريم لفظي [القصة] و[النبأ] ثم المقارنة بينهما يظهر بوضوح أن مراد القرآن من لفظ القصة في مثل موردنا هو ما كان له واقع وكان ذا حقيقة تاريخية.

([11]) آل عمران: 62.

([12]) إن النقاش التفصيلي لكلام شريعتي في مقدمته هذه يخرجنا عن الغرض المحدد الذي تلتزمه مقالتنا، على أننا وبما بيّناه من التحريف الذي اصطنعه شريعتي نكون قد أقمنا الأساس لهدم منهجه في اعتبار القصة القرآنية قصة رمزية، وتفصيل البحث ينتظر المهتمين من أصحاب القلم.

([13]) كذا في الأصل، والصحيح : هذان.

([14]) الإنسان والإسلام، مصدر سابق، ص36.

([15]) نفسه، ص38.

([16]) نفسه، ص39.

([17]) هنا ايضا ينفتح المجال واسعًا لمناقشة شريعتي في ما يستنتجه من فلسفة التاريخ، حيث يرى أن سبب الصراع بين قابيل وهابيل هو الملكية الفردية. غير أننا سنرى لاحقًا أن سبب الصراع قد يكون هو الوصية واسم الله الأعظم. هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد شريعتي يقول: إن قابيل كان فلاحًا لأنه جاء بالقمح.
ولكننا لو دققنا في هذه المسألة -وبناء على القصة التي يرويها شريعتي- لوجدنا أن استنتاجه هذا في غير محله، وذلك لأن الأصح هو جعل قابيل (رمزًا) لمرحلة التقاط الغذاء وليس لمرحلة الفلاحة. ومرحلة التقاط الغذاء سابقة على مرحلة الفلاحة كما هو معروف، ولذلك فإنه أمر أكثر انسجامًا أن نقول أن قابيل (يرمز) إلى مرحلة التقاط الغذاء، خصوصًا وأن القصة التي يتمسك بها شريعتي تحكي البدايات الأولى للبشرية. كما أن بعض الدراسات في علم الاجتماع تخبرنا بأن القمح والشعير كانا ينموان طبيعيًا في بعض البيئات وقبل أن يدجّنها الإنسان. (انظر على سبيل المثال: بيتر فارب، بنو الإنسان، ترجمة زهير الكرمي، سلسلة عالم المعرفة الكويتية، العدد 67، ص77) .
فهاهنا أيضًا بحث آخر ينتظر المهتمين من أصحاب القلم.

([18]) الشيخ محمد متولي الشعرواي: قصص الأنبياء، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، هامش ص 240.

([19]) لم نتعرّض لصحة هذه الروايات لأن غرضنا هنا لا يتعلق بالوصول إلى ما هو الصحيح من قصة ابني آدم، بل أردنا فقط أن نشير إلى انتقائية شريعتي حيث ينتخب الحكاية التي تناسبه، ويغفل غيرها من دون أيّة إشارة أو تعليل.

([20]) الشيخ الصدوق: علل الشرائع، ج1، ص 17 (مكتبة أهل البيت الالكترونية).

([21]) محمد بن مسعود العياشي: تفسير العياشي ج 1، ص 312 (مكتبة أهل البيت الالكترونية).

([22]) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج3، ص332 (مكتبة أهل البيت الالكترونية).


 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء







التعديل الأخير تم بواسطة السيد عباس ابو الحسن ; 10-27-2010 الساعة 05:48 PM

رد مع اقتباس