المرحلة الثالثة من الجواب
وفي الخاتمة ، نكرر أنه من الممكن جدا نسبة تلك الرواية إلى أحد الرواة ، وأن الراوي عنه بنفسه غير مطلع على هذه النسبة .
وذلك كالرواية التي كان ينقلها أبو عثمان النهدي عن زهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق ، وعرفنا رأي علماء الحديث حيث قالوا : إنه بمفرده نقل هذه الرواية عنهما ، وان غيره من الناس لم ‹ صفحة 305 › يسمع هذه الرواية منهما ، وكذلك الرواية المنقولة عن ابن عباس أو عن أبي أمامة أو براء بن عازب وأمثالهم ، فمن الممكن انه لم يقل أحد من هؤلاء مثل هذا الذي نقل عنهم ، بل يمكن أن نثق بعدم صدور ذلك عنهم ، لكنه بعد أن صدر مرسوم معاوية ، وجهز جميع القدرة الأموية لجعل مثل هذه الأحاديث ، حينئذ يمكننا ان نتصور بوضوح ان عروة بن الزبير ناقل روايات أم المؤمنين عائشة ، أو محمد بن شهاب الزهري ناقل روايات أبي هريرة ( 1 )، ممن قد جعلا هذه الروايات أساسا ، ثم نسبوها إلى أمثال عائشة وأبي هريرة وابن عباس .
وفي طبقات ابن سعد روايات تصرح بان قول رسول الله ( ص ) :
لا أغني من الله شيئا ، كان في مرض وفاة الرسول ( ص ) كالآتي بيانه :
أ - بسنده عن الصحابي ابن مسعود أنه قال : نعى لنا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر ، بأبي هو وأمي ونفسي له الفداء ، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة وتشدد لنا فقال : مرحبا بكم حياكم الله بالسلام ، رحمكم الله ، حفظكم الله ، جبركم الله ، رزقكم الله ، رفعكم الله ، نفعكم الله ، أداكم الله ، وقاكم الله ، أوصيكم بتقوى الله وأوصي الله بكم ، أستخلفه عليكم وأحذركم الله إني لكم منه نذير مبين ، ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده فإنه قال لي ولكم : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) . وقال : ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) ؟ ب - بسنده عن أم المؤمنين عائشة ان رسول الله ( ص ) قال في مرضه الذي توفي فيه : أيها الناس ! لا تعلقوا علي بواحدة ، ما أحللت الا ما أحل الله وما حرمت إلا ما حرم الله .
ج - بسنده عن عبيد بن عمير قال : قال رسول الله ( ص ) في مرضه الذي ‹ صفحة 306 › توفي فيه : أيها الناس ! والله لا تمسكون علي بشئ ، إني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله ! يا فاطمة بنت رسول الله ، يا صفية عمة رسول الله ، اعملا لما عند الله ، إني لا أغني عنكما من الله شيئا .
د - بسنده عن سعيد بن المسيب أنه قال : قال رسول الله ( ص ) : يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ! يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ! يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ! سلوني ما شئتم ( 1 ) .
دراسة الأحاديث :
إن الأحاديث الأربعة الماضية من حيث الزمان يناسب أن يكون في مرض وفاة الرسول ( ص ) وفي المدينة ، وليس في مكة وفي السنة الثالثة من بعثة الرسول ( ص ) كما جاء في الأحاديث اللاتي درسناها قبل هذا .
والحديثان الأول والثاني يصح سندها ومتنهما ، والحديثان الثالث والرابع في سندهما ومتنهما مناقشة . * * *
كانت تلكم نتيجة دراساتنا لروايات بدء نزول الوحي وبدء الدعوة .