[ شبهة حول بدء الدعوة ]
أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج 2 - ص 292 - 300
‹ صفحة 293 ›
روايات بدء الدعوة (التي وردت فيها الشبهة)
أ - في صحيح مسلم عن عائشة قالت : لما نزلت : ( وانذر عشيرتك الأقربين ، قام رسول الله ( ص ) على الصفا فقال : يا فاطمة بنت محمد ! يا صفية بنت عبد المطلب ! يا بني عبد المطلب ! لا أملك لكم من الله شيئا ، سلوني من مالي ما شئتم ( 1 ) .
ب - في صحيح مسلم وسنن النسائي ومسند أحمد واللفظ للأول عن أبي هريرة قال : لما أنزلت هذه الآية : ( وانذر عشيرتك الأقربين ) دعا رسول الله ( ص ) قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال : يا بني كعب بن لؤي ! أنقذوا أنفسكم من النار . يا بني مرة بن كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار . . . يا بني هاشم ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب ! أنقذوا أنفسكم من النار . يا فاطمة ! أنقذي نفسك من النار ، فاني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ( 2 ) .
ج - في صحيح مسلم : ان أبا هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) حين انزل ‹ صفحة 294 › عليه : ( وانذر عشيرتك الأقربين ) : يا معشر قريش ! اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد المطلب ! لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله ! لا أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت رسول الله ! سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئا ( 1 ) .
د - في سنن الترمذي وتفسيري الطبري والسيوطي عن أبي موسى الأشعري ، يقول أبو موسى : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وضع رسول الله ( ص ) إصبعه في اذنيه فرفع من صوته فقال : يا بني عبد مناف يا صباحاه فخاطبهم : اني أنذركم وأخوفكم من الخطر . . . ( 2 ) .
ه - في تفسير السيوطي عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ورهطك منهم المخلصين خرج النبي ( ص ) حتى صعد على الصفا فنادى : يا صباحاه ، فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد ! فاجتمعوا إليه ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقا ، قال : فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت : ( تبت يدا أبي ‹ صفحة 295 › لهب وتب ) ( 1 ) .
و - في مسند أحمد وصحيح مسلم وتفسير الطبري والسيوطي عن أبي عثمان النهدي ، عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو قال : لما نزلت على رسول الله ( ص ) : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) انطلق رسول الله ( ص ) إلى صخرة من جبل فعلا أعلاها ، ثم نادى أو قال : يا آل عبد مناف اني نذير ، ان مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربؤ أهله ينادي ، أو قال : يهتف يا صباحاه ( 2 ) . ز - في الدر المنثور بسنده عن أنس قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) بكى رسول الله ( ص ) ثم جمع أهله فقال : يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، ثم التفت إلى فاطمة فقال : يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فاني لا أغني عنكم من الله شيئا ، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ( 3 ) .
ح - عن البراء قال : لما نزلت على النبي ( ص ) : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) صعد النبي ( ص ) ربوة من جبل فنادى : يا صباحاه ، فاجتمعوا ، فحذرهم وأنذرهم ثم قال : لا أملك لكم من الله شيئا ، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فاني لا أملك لك من الله شيئا ( 4 ) .
ط - عن أبي أمامة قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) جمع رسول الله ( ص ) بني هاشم فأجلسهم على الباب ، وجمع نساءه وأهله فأجلسهم ‹ صفحة 296 › في البيت ، ثم اطلع عليهم فقال : يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم وافتكوها بأنفسكم من الله ، فاني لا أملك لكم من الله شيئا ، ثم اقبل على أهل بيته فقال : يا عائشة بنت أبي بكر ويا حفصة بنت عمر ويا أم سلمة ويا فاطمة بنت محمد . . . اشتروا أنفسكم من الله واسعوا في فكاك رقابكم ، فاني لا أملك لكم من الله شيئا ولا أغني ، فبكت عائشة وقالت : وهل يكون ذلك اليوم لا تغني عنا شيئا . . . ( 1 ) ؟
الرد على هذه الشبهة
المرحلة الاولى
أجمع العلماء والمفسرون ان آية : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) من سورة الشعراء المكية نزلت في العام الثالث بعد البعثة ( 2 ) .
وينتهي سند الرواية الأولى إلى أم المؤمنين عائشة ، وقد ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة ( 3 ) فأنى لها أن تتحدث عن خبر آية نزلت قبل ولادتها بعام ! ؟
وتنتهي الرواية الثانية والثالثة إلى الصحابي أبي هريرة ، والرابعة إلى الصحابي أبي موسى الأشعري ، وكلاهما ورد المدينة في السنة السابعة بعد الهجرة وبعد فتخ خيبر .
والرواية الخامسة عن ابن عباس وقد ولد في شعب أبي طالب وقبل الهجرة
‹ صفحة 297 › إلى المدينة بثلاث سنوات أي بعد نزول الآية الكريمة بسبع سنوات ( 1 ) .
والرواية السادسة يرويها أبو عثمان عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو ، وقبيصة بن مخارق من قبيلة بني هلال ، ولم ير الرسول ( ص ) بمكة ، بل كان أول لقائه للنبي ( ص ) عندما جاء مع وفد من قبيلته إلى المدينة واسلم يومئذ ثم رجع إلى موطنه ( 2 ) .
وزهير بن عمرو لم يرد أي ذكر عنه في غير هذه الرواية ، ويقول الباحثون في علم الرجال وأحوال الصحابة : ان أول ما عرف زهير من الناحية التاريخية كان في البصرة ، ولم يعرف عنه أي خبر قبل ذلك ، وكان له بيت في هذه المدينة التي أسست عام 14 ه ، وهذه الرواية هي العلامة الوحيدة لكونه صحابيا ، وقال علماء الرجال : لا نعرف له حديثا غير هذا ، وان البخاري لم يعتقد بصحة هذا الحديث ، ولم ينقله في كتابه ، وقال : ان الدليل على بطلان الرواية وعلى أن زهيرا هذا لم يكن صحابيا ان زهيرا لم يذكر في هذا الحديث أنه سمعه من رسول الله ( ص ) ( 3 ) .
والحاصل ان الذي عد زهيرا في عداد الصحابة اعتمد هذا الحديث ، في حين ان هذا الحديث لا يدل على درك زهير لصحبة النبي ( ص ) بل يوجد الشك في لقائه للنبي ( ص ) . وبناء ، على ما أوردناه ان راويي هذا الحديث لم يشاهدا الرسول ( ص ) بمكة ليخبرا عن أحواله في بدء الدعوة .
والرواية السابعة عن انس بن مالك ، وكان قد ولد في المدينة في السنة
‹ صفحة 298 › الثالثة من البعثة ، أي في سنة نزول الآية ، فكيف يخبر عن خبر نزول آية في تلك السنة في مكة المكرمة ؟
والرواية الثامنة عن البراء بن عازب وهو من قبيلة الأوس من الأنصار ، وحضر بدر في السنة الثانية بعد الهجرة ، ولم يكن قد بلغ الخامسة عشرة ، فلم يقبل الرسول ( ص ) اشتراكه في الحرب لصغر سنه ، فكيف يخبر عن شأن نزول آية نزلت قبل ذلك التاريخ باثنتي عشرة سنة .
والرواية التاسعة عن أبي أمامة ، وفي باب الكنى بأسد الغابة ترجم لخمسة كناهم بابي امامة .
1 - أبو امامة أسعد بن زرارة ، شهد بيعة العقبة الأولى والثانية وتوفي في شوال بعد تسعة أشهر من الهجرة .
2 - أبو امامة الأنصاري ، ذكر حديثا جاء فيه اسمه لا يدرى من هو !
3 - أبو امامة الباهلي ، سكن مصر وتوفي إحدى أو ست وثمانين هجرية في الشام ، وهذا لم يدرك النبي ( ص ) بمكة ليتحدث عن بدء نزول الوحي .
4 - أبو امامة بن ثعلبة الأنصاري ، له عن النبي ( ص ) ثلاثة أحاديث ، وهذا - أيضا - لم يكن من أهل مكة ليدرك النبي ( ص ) .
5 - أبو امامة بن سهل بن حنيف ، توفي سنه مائة وهو ابن نيف وتسعين سنة ، وهذا - أيضا - لا يدرك عصر الرسول ( ص ) بمكة ( 1 ) .
هكذا كان اسناد الروايات إلى رواة لم يدركوا عصر الرسول ( ص ) بمكة ليخبروا عنه .