7 - الحديث السابع :
ما رواه الشيخ الصدوق أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( إن فاطمة صلوات الله عليها ليست
كأحد منكن ، إنها لا ترى دما في حيض ولا نفاس ، كالحورية ) ( 3 ) . ثم أردفه الشيخ
الصدوق بحديث آخر عن الامام الصادق عليه السلام حيث سئل عن قول الله عز وجل :
( ولهم فيها أزواج مطهرة ) فقال ( الأزواج المطهرة اللاتي لا يحضن ولا يحدثن ) ( 4 ) .
وقد روى العياشي نفس هذا المعنى في تفسيره عن أبي بصير عن الامام الصادق
عليه السلام ( 5 ) ، وقال علي بن إبراهيم القمي : ( وأما قوله : ( وأزواج مطهرة ) قال : في الجنة
لا يحضن ولا يحدثن ) ( 6 ) . هذا وقد اتفقت كلمة المفسرين على إرادة هذا المعنى كأمر
مسلم ضمن المعاني المرادة في وجه تفسير الآية ( 7 ) .
ووجه الارداف من الشيخ الصدوق يعود إلى أن الربط بين عدم رؤية الزهراء عليها السلام
للدم وتشبيهها بالحورية واضح ، ويشهد لكونها كالحور العين في خلقتها وخصائصها
البدنية ما ورد من أن من ألقابها الحوراء ، وما روي من أنها انعقدت من ثمار الجنة ،
ومن أنها حورية في صورة إنسية . أما الايراد بأن الرواية من مرسلات الصدوق فهو
صحيح على بعض الآراء دون بعض ، فالامام الخميني يذهب إلى الاعتماد على
مرسلات الصدوق مشمولا للاستثناء المورد المحتمل أو المظنون أن مرسلته عين المسندة الضعيفة ( 8 ) .
وليس المقام مشمولا للاستثناء نظرا للاختلاف الحاصل في متن الرواية عما دل على
نفس المعنى ، بالإضافة إلى أنه لم يرد عن الامام الصادق حيث مشابه له .
‹ صفحة 104 ›
ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا بعدم صحة العمل بمرسلات الصدوق فإن هذا لا يخدش
في مضمون الرواية بعد اعتضادها بالأحاديث الصحيحة والقرائن الخارجية ، فقد روى
علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بسند صحيح ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ،
عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه السلام : ( كان رسول الله يكثر تقبيل
فاطمة ، فأنكرت ذلك عائشة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عائشة إني لما أسري بي إلى
السماء دخلت الجنة فأدناني جبرائيل من شجرة طوبى ، وناولني من ثمارها ، فأكلت
فحول الله ذلك ماء في ظهري ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت
بفاطمة ، فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها ) ( 1 ) .
وروى الشيخ الصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكل ( رضي الله عنه ) قال :
حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن يعقوب بن يزيد ، قال : حدثنا الحسن بن علي
بن فضال ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن سدير الصيرفي ، عن الصادق جعفر بن
محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( خلق الله نور فاطمة عليها السلام
قبل أن تخلق الأرض والسماء . فقال بعض الناس : يا نبي الله فليست هي إنسية ؟ فقال
صلى الله عليه وآله : فاطمة حوراء إنسية ، قال : يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية ؟ قال : خلقها
الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح ، فلما خلق الله عز
وجل آدم عرضت على آدم . قيل : يا نبي الله وأين كانت فاطمة ؟ قال : كانت في
حقة تحت ساق العرش ، قالوا : يا نبي الله فما كان طعامها ؟ قال : التسبيح ،
والتهليل ، والتحميد . فلما خلق الله عز وجل آدم وأخرجني من صلبه أحب الله عز
وجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرائيل عليه السلام فقال لي :
السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد ، قلت : وعليك السلام ورحمة الله حبيبي
جبرائيل . فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام . قلت : منه السلام وإليه يعود
السلام . قال : يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل إليك من الجنة فأخذتها
وضممتها إلى صدري . قال : يا محمد يقول الله جل جلاله : كلها . ففلقتها فرأيت
نورا ساطعا ففزعت منه فقال : يا محمد ما لك لا تأكل ؟ كلها ولا تخف ، فإن ذلك
النور المنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة ، قلت : حبيبي جبرائيل ، ولم سميت
في السماء ( المنصورة ) وفي الأرض ( فاطمة ) ؟ قال : سميت في الأرض ( فاطمة ) لأنها
فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبها ، وهي في السماء ( المنصورة ) وذلك
قول الله عز وجل : ( يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) ( 2 ) ، يعني نصر
فاطمة لمحبيها ( 3 ) .
‹ صفحة 105 ›
ولا كلام في وثاقة رجال السند فهم من أجلة الرواة ، وإنما وقع الكلام في سدير
الصيرفي ، وقد ناقش السيد الخوئي ما روي في حقه من روايات مادحة وقادحة ثم
استنتج توثيقه استنادا لشهادة القمي وابن قولويه بتوثيق من جاء في أسانيد كتابيهما ،
ومع عدوله عن توثيق ابن قولويه يحكم بوثاقته لشهادة القمي في تفسيره ( 1 ) . هذا رغم
أن كثيرا من علمائنا قالوا بوثاقة سدير الصيرفي ( 2 ) .
ويؤيد ما سبق أيضا ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده إلى ابن عباس ، قال : دخلت
عائشة على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقبل فاطمة ، فقالت له : أتحبها يا رسول الله ؟ قال :
أما والله لو علمت حبي لها لازددت لها حبا ، إنه لما عرج بي إلى السماء الرابعة . . . ،
فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ،
فإذا اشتقت إلى الجنة شممت فاطمة ) ( 3 ) .
وروى الصدوق بمعناه بسند صحيح ، فقد روى عن أحمد بن زياد بن جعفر
الهمداني رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه إبراهيم بن
هاشم ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن الامام الرضا عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله :
( . . . لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل عليه السلام فأدخلني الجنة فناولني من رطبها
فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت
بفاطمة عليها السلام ، ففاطمة حوراء إنسية ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي
فاطمة عليها السلام ) ( 4 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 103 ›
( 1 ) ( 1 ) المقنعة : ص 467 ، وتهذيب الاحكام : ج 6 ، ص 41 .
( 2 ) مرآة العقول : ج 5 ، ص 362 .
( 3 ) من لا يحضره الفقيه : ج 1 ، ص 50 ، ح 3 .
( 4 ) نفس المصدر : ح 4 .
( 5 ) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 164 ، ح 11 ، عنه البحار : ج 8 ، ص 139 ، ح 52 .
( 6 ) تفسير القمي : ج 1 ، ص 98 .
( 7 ) راجع على سبيل المثال التفسير الكبير : ج 2 ، ص 130 ، وتفسير التبيان : ج 1 ، ص 111 ، والجامع لاحكام القرآن :
ج 1 ، ص 241 ، وتفسير الميزان : ج 1 ، ص 90 ، وتفسير كنز الدقائق : ج 1 ، ص 190 .
( 8 ) الخلل في الصلاة : ص 225 .
‹ هامش ص 104 ›
( 1 ) تفسير القمي : ج 1 ، ص 365 ، عنه البحار : ج 43 ، ص 6 ، ح 6 .
( 2 ) الآيتان 3 و 4 من سورة الروم .
( 3 ) معاني الاخبار : ص 396 ، ح 53 .
‹ هامش ص 105 ›
( 1 ) معجم رجال الحديث : ج 8 ، ص 37 .
( 2 ) فقد وثقه الأردبيلي في جامع الرواة : ج 1 ، ص 350 ، ومحمد تقي المجلسي في روضة المتقين : ج 1 ، ص 303 ،
والمامقاني في تنقيح المقال : ج 1 ، ص 61 من نتائج التنقيح ، والخاجوئي في الفوائد الرجالية : ص 332 ، وابن داود
الحلي في الرجال : ص 101 ، والشيخ موسى الزنجاني في الجامع في الرجال : ج 1 ، ص 839 ، وقال : ذكره العلامة في
القسم الأول ( الممدوحين ) وعده المتأخرون حسنا .
( 3 ) علل الشرائع : ص 183 ، ح 2 ، ومثله في دلائل الإمامة : ص 146 ، ح 55 .
( 4 ) عيون أخبار الرضا : ج 1 ، ص 93 ، ح 3 ، ومثله في الأمالي : ص 372 ، ح 7 ، عنهما البحار : ج 43 ، ص 4 ، ح 2 .
( 5 ) المناقب : ج 3 ، ص 110 ، وذخائر العقبى : ص 26 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|