منزلة أمير المؤمنين عليه السلام
[ 46 منزلة علي ع ]
حوار مع فضل الله حول الزهراء (س)
- السيد هاشم الهاشمي - ص 90 – 91
منزلة أمير المؤمنين عليه السلام
إلا أن معرفة جانب من معاني هذا الحديث يتوقف على معرفة منزلة ومقام
أمير المؤمنين عليه السلام ، وبما أن الولوج في هذا المبحث لن توفيه كتب مستقلة ، لذا أكتفي
بسرد بعض أقوال واستدلالات علمائنا في هذا الصدد على نحو الاختصار الشديد .
فقد ألف الشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد
( المتوفى سنة 449 ه ) رسالة خاصة عقدها لبيان هذا الامر ، والرسالة على صغر حجمها
غنية في محتواها متينة في استدلالها ، وقد قال فيها : ( الذي نذهب إليه في ذلك ، هو
أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أفضل من جميع البشر ممن تقدم
وتأخر ، سوى رسول الله صلى الله عليه وآله . وعلى هذا القول ، إجماع الشيعة الامامية ، ولم يخالف
فيه منهم إلا الأصاغر الذين حادوا عن الطريق المعروفة بما هم عليه من إهمالهم أو
محافظة عن أهلها ، وأنا أذكر ما عندي من الأدلة بعد تقرير أصل في هذه المسألة ) ( 1 ) .
ولاحظ قوله : ( بما هم عليه من إهمالهم أو محافظة عن أهلها ) فهو يعين على
معرفة ما قد يوجد لدى القلة القليلة من علمائنا من كلمات متوقفة في مقام التفضيل .
وذكر العلامة الحلي في ( مناهج اليقين ) استدلالا على أفضلية أمير المؤمنين على
الملائكة ، وقد ابتنى استدلاله على آية المباهلة ( 2 ) ، وغير خلفي له لمن راجع كلامه أن
استدلاله كما هو قابل للجريان في تفضيل علي عليه السلام على الملائكة وبقية أمة النبي صلى الله عليه وآله ،
فكذلك هو صالح للاستدلال على أفضليته على جميع الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بما
فيهم الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم آلاف الصلاة والسلام ( 3 ) .
وروى الشيخ الصدوق في عيون الاخبار عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب
وجعفر بن محمد بن مسرور ، قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن
أبيه ، عن الريان بن الصلت قال : ( حضر الرضا مجلس المأمون بمرو وقد اجتمع في
مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ، . . . ) ، والحديث طويل ومما جاء فيه :
أن الامام سأل العلماء الحاضرين في المجلس : ( فهل تدرون ما معنى قوله : ( وأنفسنا
وأنفسكم ) ؟ قالت العلماء : عنى به نفسه ، فقال أبو الحسن عليه السلام : لقد غلطتم ، إنما
عنى بها علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومما يدل على ذلك قول النبي : لينتهين أبو لهيعة أو
لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يعني علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعنى بالأبناء الحسن
والحسين عليهما السلام ، وعنى بالنساء فاطمة عليها السلام ، فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد ، وفضل
لا يلحقهم فيه بشر ، وشرف لا يسبقهم إليه خلق ، إذ جعل نفس علي كنفسه ) ( 4 ) .
‹ صفحة 91 ›
ورواة السند من أجلة الثقاة ، وإنما الكلام فيمن روى عنهم الشيخ الصدوق ، فالسيد
الخوئي أهملهما ، أما المامقاني فقد ذهب إلى وثاقتهما ، وعد الأردبيلي في جامع الرواة
جعفر بن مسرور من الحسان ، والحديث في متانته وعمق مضامينه وأدلته شاهد على
صدقه ، وفي سنده قرائن الصحة حيث أن الشيخ الصدوق رواه عن اثنين من مشايخه ،
وجاء تعبيره عنهما على نحو الترضي ، ولو قيل بأن الترضي يفيد حسنا أكثر مما يفيد
الترحم لم يكن بعيدا .
وقال الشريف الرضي ( المتوفى سنة 406 ه ) في تفسير آية المباهلة :
( ومن شجون هذه المسألة ما حكي عن القاسم بن سهل النوشجاني قال : كنت بين
يدي المأمون في إيوان أبي مسلم بمرو وعلي بن موسى الرضا عليه السلام قاعد عن يمينه ،
فقال لي المأمون : يا قاسم ، أي فضائل صاحبك أفضل ؟ فقلت : ليس شئ منها أفضل
من آية المباهلة ، فإن الله سبحانه جعل نفس رسوله صلى الله عليه وآله ونفس علي عليه السلام واحدة ، فقال
لي : إن قال لك خصمك : إ ن الناس قد عرفوا الأبناء في هذه الآية والنساء وهم
الحسن والحسين وفاطمة ، وأما الأنفس فهي نفس رسول الله وحده ، بأي شئ تجيبه ؟
قال النوشجاني : فأظلم علي ما بينه وبيني ، وأمسكت لا أهتدي بحجة ، فقال المأمون
للرضا عليه السلام : ما تقول فيها يا أبا الحسن ؟ فقال له : في هذا شئ لا مذهب عنه ، قال :
وما هو ؟ قال : هو أن رسول الله صلى الله عليه وآله داع ، ولذلك قال سبحانه : ( قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) ، والداعي لا يدعو نفسه وإنما
يدعو غيره ، فلما دعا الأبناء والنساء ولم يصح أن يتوجه دعاء الأنفس إلا إلى علي
بن أبي طالب عليه السلام إذ لم يكن بحضرته - بعد من ذكرناه - غيره ممن يجوز توجيه دعاء
الأنفس إليه ، ولو لمن يكن كذلك بطل معنى الآية ، قال النوشجاني : فانجلى عني
بصري ، وأمسك المأمون قليلا ثم قال له : يا أبا الحسن إذا أصيب الصواب انقطع
الجواب ! ) ( 1 ) . ولم يكن القول بأفضلية أمير المؤمنين عليه السلام على جميع البشر بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله مما انحصر أمر الاقرار به في خصوص الامامية ، فقد شهد بذلك أيضا أبو
جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي المعتزلي ( المتوفى سنة 240 ه ) ( 2 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 90 ›
( 1 ) التفضيل : ص 8 .
( 2 ) راجع مناهج اليقين : ص 331 .
( 3 ) وقد أجاب العلامة المجلسي على ما أورده الفخر الرازي في تفسير على الاستدلال بالآية فمن شاء فليراجع التفسير
الكبير : ج 8 ، ص 81 ، وبحار الأنوار : ج 21 ، ص 284 .
( 4 ) عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1 ، ص 232 .
‹ هامش ص 91 ›
( 1 ) حقائق التأويل : ج 5 ص 232 .
( 2 ) المعيار والموازنة : ص 63 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|