[ علة استتار المهدي ع وكيف يتوصل لاحكامه ]
[ علة استتار المهدي ع وكيف يتوصل لاحكامه ]
رسائل المرتضى
- الشريف المرتضى –
ج 1 - ص 320 – 324
[ علة استتار الإمام وكيفية التوصل إلى أحكامه ]
وما جوابه
إن قال قائل إن الله تعالى أباح كثيرا من أنبيائه عليهم السلام الاستتار من أعدائه حسب ما علمه من المصلحة في ذلك ، ولم يقتض حكمته إظهارهم ، إذ ذاك بالقهر والإعزاز ، ولا التخلية بينهم وبين أعدائهم الضلال . فكان سبب ما فات من الانتفاع بهم من قبل الظالمين لا من قبل الله سبحانه .
قيل لكم : ولا سواء غيبة من غير شريعة تقررت يجب سعيدها وإمضاؤها وإزالة الشبهة عنها ، والإبانة عن عقابها ، وكون هذه الغيبة بعد ظهور شائع ذائع قد ارتفع الريب ، وانقطع العذر به ، للمعلوم به ضرورة وحسا ، وغيبة بعد شريعة تقررت يجب فيها ما تقدم ذكره من غير ظهور تشاكل ذلك الظهور في حكمه ، لينقطع العذر به . فكيف يجوز أن يبيح الله تعالى للإمام الغيبة والاستتار ، كما أباح بمن قبله وتمسك عن تأييدهم ، والصفات مختلفة ، والأسباب متضادة ، وتدل أبنا ( كذا ) كم رفعتم عذر الإمام ، وضيعتموه في الاستتار ، لو أطبقت شيعته والنقلة عن آبائه على الضلال وأوجبتم عليه إذ ذاك الظهور ليصدق بالحق على كل حال ، وذلك قولكم عند إلزامكم استغناء خصومكم بالنقلة ، وإن كانوا غير معصومين ‹ صفحة 321 › كاسفناكم ( 1 ) بتغليبكم إذا كانوا كذلك . وما ذاك إلا لاختلاف الأسباب على ما بيناه . ولو وجب ذلك لوجب مثله على الأنبياء المستترين في حال استتارهم عن الأنام ، وقد كانوا إذ ذاك مطبقين على الضلال .
وبعد :
فكيف أوجبتم ظهوره ورفعتم عذره عند ذاك على شرط التأييد له من الله تعالى ، والمنع لإعدائه من الوصول ، أم على وجه التخلية بينه وبينهم .
فإن كان على شرط التأييد ، فكيف أوجبتم تأييده عند ذلك ولم توجبوه عند استمرار الظلم وعدم حقية الحكم ، وارتفاع العلم به ، والنص عليه على وجه ينقطع به العذر ، ويرتفع الخلاف فيه بين الكل ، وتعطيل الحدود وحدود المعضلات والمشكلات .
وإن كان على وجه التغرير منه بنفسه ، فكيف وجب تغريره بها في ذلك ، ولم يجب في هذا ، وكيف يجب عليه من ذلك ما لم يجب على الأنبياء في حال الاطباق على الضلال ، فهم على جملة التقية والاستتار قالوا أولا مهرب من الذي أردناه إلى ما قلناه ولا جوزناه .
فقولوا ما عندكم فيه وأقربوه بالدليل الذي يتميز من الشبهة وبيانها في المعنى والصفة لنعمة منكم إنشاء الله تعالى .
الجواب : أما الفرق بين تشريع استتار نبي بخوف من أمته ، وبين استتار إمام الزمان ، بأن النبي صلى الله عليه وآله قد تبين شريعته وأداها وأوضحها ومهدها في النفوس ، فاستتاره غير قادح في طريق العلم بالحق .
‹ صفحة 322 ›
وليس كذلك استتار الإمام عليه السلام ، لأن الأمر في الأحكام في حال غيبته مشكل غير متمهد ولا متقرر فغير صحيح والأمر بالعكس منه .
لأن إمام الزمان عليه السلام لم يغب إلا وشريعة الرسول عليه السلام قد أديت ومهدت وتقررت ، وأدى الرسول من ذلك ما وجب عليه ، وبين الأئمة بعده من لدن وفاته إلى زمان الإمام الغائب ( على جماعتهم الصلاة والسلام ) من شريعته ما وجب بيانه ، وأوضحوا المشكل وكشفوا الغامض .
فاستوى الأمران في جواز الغيبة مع الخوف على النص ما روى كثير من المعتزلة يذهبون إلى أن الله تعالى لو علم أن النبي عليه السلام الذي بعثه ليؤدي الشريعة ما لا يمكن علمه إلا من جهة يخصه الله على نفسه ، ويقتلونه إن أدى إليهم ما حمله ، وعلم أنه ليس في المعذور ما يصرفهم عن قتله من لطف وما يجري مجراه مما لا ينافي التكليف .
فإن الله تعالى يسقط عن أمته التكليف الذي ذلك الشرع لطف فيه ، ويجرون ذلك مجرى أن يعلم تعالى أن النبي المبعوث يكتم الرسالة لا يؤديها ، وليس الأمر على ما ظنوه . وبين ( 1 ) الأمرين واضح لا يخفى على متأمل ، لأن بعثه من لا يؤدي ويعلم من جهته أنه لا يتم الرسالة سد على الأمة طريق العلم بما هو مصلحة لها في الشرائع .
[ و ] ليس كذلك إذا أخافوه على نفسه فاستتر وهو مقيم بين أظهرهم ، لأنهم والحال هذه يتمكنون من معرفة ما هو لطف لهم من الشرائع ، بأن يزيلوا خوفه ويؤمنون ، فيظهر لهم ويؤدي إليهم .
ففوت المعرفة هاهنا من جهتهم ، وفي القسم الأول من جهة غيرهم على وجه لا يتمكنون من إزالته . فما النبوة في هذه المسألة إلا كالإمامة ، ومن فرق ‹ صفحة 323 › بينهما فقد ضل عن الصواب ، وكيف يذهب عما ذكرناه ذاهب . وقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله إذا حمل الرسالة ، ولم ينعم أمته النظر في معجزه ، واشتبه عليهم الأمر في صدقه :
فكذبوه لا يقول أحد أن الله تعالى يسقط عن أمته التكليف فيما كان ما يؤديه لطفا فيه ويقتلون ( 1 ) في إسقاطه غير واجب ، بأن اشتباه الحق عليهم في صدقه لا يخرجهم من أن يكونوا متمكنين من العلم بما فيه مصلحتهم من جهته ، إنما أتوا من قبل تقصيرهم ، ولو شاؤوا لا صابوا الحق وعرفوا من جهة المصلحة .
وهذا الاعتلال صحيح ، وهو قائم في المسألة التي ذكرناها ، لأن الأمة مع استتار النبي عليه السلام عنهم لخوفه على نفسه ، يتمكنون من معرفة ما يحتاجون إليه من جهته ، بأن يؤمنوه ويزيلوا مخافته .
ولهذا يقول أهل الحق : إن اليهود والنصارى مخاطبون بشريعتنا مأمورون بكل شئ أمرنا به منها .
فإذا قيل لنا :
كيف يصح من اليهودي والنصراني وهو على ما هو عليه من الكفر الصلاة أو الصيام ؟ .
كان جوابنا :
إنه يقدر على الإيمان والمعرفة بصدق الرسول ، فيعلم مع ذلك صحة الشريعة ووجوبها عليه ، فيفعل ما أمر به .
ولأنا نقول :
إن تكليف الشريعة سقط عنه مع الكفر ، للتمكن الذي أشرنا إليه ، وهو قائم في الموضع الذي اختلفنا فيه .
وعلى هذا الذي ذكرناه هاهنا يجب الاعتماد ، فهو المحقق المحصل .
وما مضى في آخر المسألة من الكلام في كيفية التأييد للإمام عليه السلام ومنع الأعداء منها ، وهل يجب القطع على وجوب ظهوره على كل حال ؟
إدا أطبق الخلق على ضلال ، إلى آخر ما ختمت به المسألة .
فقد مضى بيان الحق ‹ صفحة 324 › فيه في كلامنا ، والفرق بين الصحيح فيه والباطل ، فلا وجه لا عادته .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 321 ›
( 1 ) كذا في النسخة .
‹ هامش ص 322 ›
( 1 ) ظ : وبون .
‹ هامش ص 323 ›
( 1 ) كذا في الأصل .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|