عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2010, 12:37 AM   #2
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي القصة الثانية



القصة الثانية للدكتور امين رويحة مع الاعشاب

أما الحادثة الثانية من حقائق التاريخ عن اكتشاف الكينا ، فهي طويلة وقد سجلتها فيما سجلت في سجن ( سالسبوري ) من مختلف المواضيع ، ونشرت في بعض الصحف العربية تباعا تحت عنوان ( سمر سجين ) وأرى من الفائدة اعادتها في هذا الصدد رغم طولها لأنها طريفة ومفيدة أيضا : ( شجرة في الجبال : خيم الصمت الموحش على قصر آل ( كينكون ) في مدينة ( ليما ) عاصمة ( بيرو ) في أميركا الجنوبية ، حتى كأن الموت قد لف في طيات ردائه الواسع قصر المركيز نائب الملك وحاكم تلك البلاد . وكأن النهار أوقف دورانه والهواء جريانه فلا يتكلم أحد في القصر إلا همسا ولا يمشي إلا على رؤوس أصابع قدميه ، فتخفي الطنافس والأبسطة الفخمة المفروشة في غرف القصر وممراته كل ما يمكن ان يحدثه الرائحون والغادون من جلبة أو ضوضاء .
وكان الخفراء يحيطون بالقصر والطرقات المؤدية إليه فيمنعون فيها الضوضاء ، لان المركيزة ( فرانسيسكا ) زوج المركيز كينكون نائب الملك وحاكم البلاد - مريضة ممددة على سريرها قد أصابتها حمى شديدة تهددها بالموت ، واجتمع يوما حول سريرها أطباء المركيز المختصون للتداول في حالتها وفيما يمكن ان يقدموا لها من أنواع العلاج .
وكان الناظر إلى وجوههم إذا ذاك يستطيع ان يتبين فيها دلائل اليأس من شفاء المركيزة ، وعجزهم عن التغلب على سلطان الموت الذي اخذ يبسط ظلاله الرهيبة في الغرفة شيئا فشيئا ، حتى قارب حافة السرير وشرع يمد يده ليغمض عيني المركيزة إلى الأبد . وقال طبيب المركيز الخاص : ( لابد من استدعاء المركيز ومصارحته . ) ثم سكت الطبيب قليلا ليردف قائلا : : ( لقد أصبحت أيدينا مغلولة حيال الموت ، وباتت وشيكة ، الساعة التي تفارق روح المركيزة فيها جسدها الفاني فليأت المركيز ليطبق بيديه أجفان زوجته . ) وعندما دخل المركيز إلى القاعة ، سأل الأطباء بصوت مرتعش : - كيف حال المريضة ؟ فأجابه طبيبه الخاص : - ان حالتها سيئة يا صاحب السمو وقد انقطع كل أمل لنا بشفائها . - آه . . . صه لا تقل ذلك ، لا أريد . . بل لا أستطيع ان اسمع . - إنني أقوم بما يحتمه على واجبي كطبيب يا سيدي المركيز . - أتسمى هذا واجبا ؟ . . . أمن واجباتك الطبية أن تحطم كل أمل لي بنجاة زوجتي الحبيبة ؟ . . ألا يمكن ان تحدث معجزة ؟ . - معجزة ! .
طبعا ، ولكن ذلك ليس في أيدينا ، والذي يهدينا إليه العلم هو ان المركيزة ( فرنسيسكا ) لن تشهد أكثر من ثلاث مرات شروق الشمس وغروبها بعد اليوم حتى يقف قلبها وقفته الأبدية التي تنتهي بها الحياة . - يا إلهي ! . . ماذا تقول ؟ وما اسم هذا المرض الخبيث الذي سيسلب مني كل شئ ، ويحرم البلاد من أم رؤوم ؟ - ليس بين السماء والأرض في بلاد ( بيرو ) أو في أية بلاد أخرى من يستطيع التغلب على هذا المرض وشدة بطشه ، ونحن كأطباء نقر بعجزنا كل العجز عن مكافحته والتغلب عليه . فخرج المركيز عن القاعة وقد اغرورقت عيناه بالدموع ، ولحق به طبيبه الخاص محاولا تخفيف ، وقع الصدمة عليه وهو يقول : ( ان الموت يا سيدي المركيز سيريح سيدتي المركيزة من الآلام المبرحة التي لا تفارقها مدى الحياة ) .
فرد عليه المركيز : - احتفظ بهذه الحكم لنفسك يا عزيزي الطبيب ، انكم مع ما بلغتموه من العلم عاجزون عن شفائها ، ولكني لن أيأس وسأوفد فرسانا ورسلا إلى أنحاء المملكة كافة ، ليفتشوا عن شخص قد يستطيع إنقاذها بعلمه وخبرته من مخالب الموت . وهكذا انتشر فرسان نائب الملك ورسله في جميع أنحاء البلاد يطوفونها سائلين باحثين ، عن الشخص المطلوب . . في المدن والقرى وعلى رؤوس الجبال ، وفى بطون الأودية ، معلنين في كل ناحية أخبار الفاجعة التي توشك ان تحل بقصر آل ( كينكون ) . وقيل أخيرا لاحد الفرسان من رسل نائب الملك ان في قمة جبل ( آنده ) شيخا خبيرا بالأعشاب عليما بأسرارها ، وهو زاهد متقشف ، يحيا حياة الفاقة والفقر في صومعته النائية . فألوى الفارس عنان جواده وراح يدفعه نحو القمة بأقصى ما يستطيع من قوة وسرعة ، حتى وصل إلى الشيخ المنشود فبادره قائلا : - أأنت رجل العجائب الذي قيل لي انه يعرف أسرار الأعشاب ويقدر على شفاء زوجة نائب الملك من مرضها الفتاك ؟ - نعم يا سيدي ، أنا هو ذلك الرجل . - إذن تعال معي إلى قصره مسرعا ، فهو الذي أوفدني إليك ، لعلك تشفي زوجته . وهو ، إذا نجحت ، سيغمرك بالمال الوفير . . بل بذهب التاج كله إذا أردت ، وبعيشة رغيدة هانئة طيلة حياتك في قصره المنيف . - ان شيئا من ذلك كله لا يغريني بالذهاب ، ولكني سأعمل على شفاء المريضة لوجه الله الذي وهبني المعرفة بأسرار الأعشاب الشافية . - إذن أسرع وهيا بنا إلى قصر نائب الملك أيها الشيخ النبيل ، ولنسابق الريح . . فطبيب نائب الملك يقول إن الموت جاثم فوق رأس المريضة يكاد يختطفها .
وعندما وصل الفارس ومعه رجل الأعشاب إلى القصر أخذ النبلاء يهزون برؤوسهم استخفافا ويتساءلون : أهذا الشيخ ذو الثياب الرثة ، المنقطع في أعالي الجبال ، يستطيع إنقاذ المركيزة ؟ لا ، لا . . لا يجوز لنائب الملك ان يسمح لمثل هذا المخلوق بالدخول إلى مخدع المركيزة بثيابه البالية القذرة . . تعالوا بنا إلى المارشال أولا نستوضحه رأيه في الموضوع . وهنا ظهر نائب الملك نفسه وقال للنبلاء : لا تعترضوا الرجل فأنا الذي استدعيته . ثم التفت إلى الشيخ وقال له : - اتبعني أيها الشيخ ، سأقودك بنفسي إلى سرير المريضة .
وهكذا وقف ( رجل الأعشاب ) بجوار سرير المركيزة وراح يفتش في كيسه الممتلئ بمختلف أنواع الأعشاب ، حتى أخرج منه قشورا جافة فغلاها بالماء واستخرج منها شرابا خضه وصفاه ، ثم أعطى المركيزة منه جرعة بعد جرعة ، كانت وهي تتجرعها تقبض أسارير وجهها وتقول : - يا إلهي ما أمر مذاق هذا الشراب ! وبعد ذلك سكنت المركيزة ، فندت عن نائب الملك صيحة فزع ، وصرخ بالشيخ : لقد ماتت ! . - لا يا سيدي المركيز ، بل هي ستعيش . أنا واثق من ذلك وثوقي بأنني رجل الأعشاب . وستنام المركيزة ولا تصحو إلا عند المساء ، فأعود إذ ذاك إلى تجريعها كمية أخرى من الدواء .
وسترى يا سيدي المركيز انها ستشفى بعد أسابيع قليلة وتعود إليها صحتها ونضارتها كأحسن ما كانت عليه من قبل . - حقق الله أقوالك أيها الشيخ . - ثق يا سيدي المركيز بأن هذا الشراب الذي أعددته من قشور - لحاء - بعض الأشجار لا يخيب ابدا في معالجة الحمى وشفائها ، انها قشور مأخوذة من جذع شجرة برية تنبت عند منحدر الجبل الاعلى ، وقد تعرفت على سرها من سكان الجبل نفسه . - يقول طبيبي الخاص أن ليس في الأعشاب ما يجدى في معالجة هذا المرض . . ان الله يا سيدي المركيز يهدى بعض مخلوقاته الساذجة إلى العلم والمعرفة ، والى ما لا يستطيع أذكى الناس التوصل إليه بالدرس والاطلاع على مختلف العلوم ، وفوق كل ذي علم عليم . - أرى انك جدير بأن تصبح طبيبي الخاص أيها الشيخ ، فإن وافقت على ذلك أسكنتك قصري وألبستك الحرير وأغدقت عليك الذهب بسخاء ، لأنك أوفر حكمة ممن في بلدنا من رجال حكماء . - انك لكريم رحيم يا سيدي المركيز ، ولكني أفضل ان تأذن لي بالعودة إلى الجبال بعد انتهاء مهمتي ، لأنني أود التعرف إلى المزيد من أسرار الأعشاب ولا أستطيع ذلك إن بقيت هنا .
أما إذا حدث وأصابك أو أصاب زوجتك أي مرض ، لا سمح الله ، فاستدعني مرة أخرى لأشفيكما منه بإذن الله . - لك إذن ما تريد أيها الشيخ العجيب ، فارجع إلى جبلك فتكون على استعداد لتلبية نداء كل من يحتاج إليك من أفراد رعيتي . وصدقت أقوال الشيخ وشفيت المركيزة من مرض الحمى - الملاريا . ولم تمض أسابيع حتى هجرت سريرها الذي كانت قد أشرفت من فوقه على الموت . وأطلق نائب الملك فرسانه ورسله من جديد يطوفون أنحاء البلاد . وينقلون للرعية بشرى شفاء المركيزة من مرضها ، على يد رجل الأعشاب ، وأعفى الرعية من ضرائب سنة كاملة ابتهاجا ، فعم البلاد السرور والغبطة ، وأقيمت الزينات والأعياد في كل مكان ، ومضى الأهلون يكبرون مهارة رجل الأعشاب ويثنون عليه أعظم الثناء . وسجل شفاء المركيزة ( فرنسيسكا آل كينكون ) من الملاريا في سنة 1630 نقطة تحول في سيرة هذا المرض الفتاك وسميت القشور - اللحاء - التي استعملت في معالجتها ب‍ - قشور شجرة آل كينكون .
اما اسم الشجرة العلمي فهو ( سنكوناد جريانا ) أو قشور الكينا ، ومنها استخرج فيما بعد ( الكينين ) الذي ظل ( 300 ) سنة ملكا من ملوك الأدوية في عالم الطب . وكان المركيز كينكون أول أوروبي اطلع على سر تلك القشور وفائدتها في معالجة الملاريا ، فنشرت عن طريقه في بلاده ( إسبانيا ) وأرسل كمية للأطباء الإسبان ، فصنع هؤلاء منها مسحوقا عرف أول ما عرف باسم ( مسحوق المركيزة ) ثم استغله واحتكره الجزويت بعد ذلك ، فبدلوا اسمه باسم


 

رد مع اقتباس