الرد على ما ساقه الخميس من الادلة على التحريم للمتعة
ثم إن عثمان الخميس إفترى على الله سبحانه وتعالى فزعم أنّه تعالى حرم نكاح المتعة بقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَأفِظُونَ * إلاّ على أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ إيمانهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ إبتغى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (1) ، فنقول في الرد عليه :
1- إن قوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَأفِظُونَ } إلى آخر الآيات من سورة المؤمنون وهي
___________________
(1) المؤمنون : 5 – 7.
(28)
مكية نزلت قبل الهجرة ، فلا يمكن أن تكون ناسخة لنكاح المتعة المشرع في المدينة بعد الهجرة.
2- إن المتمتع بها زوجة شرعية ، فالزوجة من نكاح المتعة داخلة تحت قوله تعالى:{ إلاّ على أَزْوَاجِهِمْ }.
3- إن الصحابة كانوا يمارسون هذا النوع من النكاح إلى آخر يوم من حياة رسول الله (ص) وطوال إمرة أبي بكر إبن أبي قحافة ، وبرهة من الزمن من إمرة عمر بن الخطاب حتى نهى عنها عمر بسبب قضية خاصة كما سيأتي ، وهذا ثابت في الروايات الصحيحة عند أهل السنة ، ففي رواية أخرجها مسلم بن الحجاج في صحيحه 2/1023 بسنده ، عن أبي الزبير قال : ( سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ) ، وفي هذا دليل على أنّ الصحابة ليس عندهم دليل على
(29)
التحريم لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله (ص)ه.
فهل عثمان الخميس وغيره من علماء السنيين ممن يزعم حرمة نكاح المتعة بالقرآن الكريم أعلم من الصحابة بالقرآن الكريم وحلاله وحرامه ؟
فهل هم أعلم بالقرإن من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أو من عبد الله بن مسعود ، أو من إبن عباس أو من غيرهم من الصحابة ممن إستمروا على القول بحليتها حتى بعد نهي عمر عنها ؟
يقول إبن حزم :
( وقد ثبت على تحليلها - المتعة - بعد رسول الله (ص) جماعة من السلف (ر) منهم من الصحابة (ر) أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وجابر بن عبد الله ، وإبن مسعود ، وإبن عباس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو إبن حريث ، وأبو سعيد الخدري ، وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف ، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع
(30)
الصحابة مدة رسول الله ، ومدة أبي بكر وعمر إلى آخر خلافة عمر.
وإختلف في إباحتها ، عن إبن الزبير ، وعن علي فيه توقف (1) ، وعن عمر بن الخطاب أنّه إنما إنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط ، وإباحتها بشهادة عدلين ، ومن التابعين طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة أعزّها الله ) (2).
أما ما ذكره الشيخ عثمان الخميس من أنّ رواية تحريم المتعة يوم خيبر المنقولة ، عن علي ، عن رسول الله (ص) مذكورة في كتب الشيعة ، فنقول في جوابه :
1- إن روايات أهل السنة وكذلك أقوال علمائهم
___________________
(1) الصحيح أن الإمام علي (ع) يرى حلية نكاح المتعة ، وقد ثبت عنه قوله : لولا نهي عمر ، عن المتعة ما زنى إلاّّ شقي.
(2) المحلى لإبن حزم 11/69.
(31)
صرحت بأن النبي (ص) قد أباح لأصحابة التمتع بالنساء بعد خيبر ، وهذا دليل على أنه لم يصدر منه (ص) في يوم خيبر في حرمتها شيء ، وإلاّّ فلماذا أباحها بعد ذلك ؟ ، إلاّّ اللهم أن يقال : - وقد قال ذلك بعضهم - بأنها حرمت ثم أبيحت ثم حرمت ثم أبيحت ، وهو محاولة من قائله لرفع التناقض الموجود بين الروايات ، وهو قول ضعيف لا يسنده دليل.
2- إن رواية علي (ع) التي أشار إليها الخميس أنها مذكورة في كتب الشيعة رواها الشيخ الطوسي في كتابيه التهذيب والإستبصار (1) ، وهي ضعيفة السند لوقوع الحسين بن علوان وعمرو بن خالد الواسطي في سندها ، أما الأول فهو سني المذهب ، وقد إختلف في توثيقه وذلك لأن عبارة الشيخ النجاشي في ترجمته في رجاله
___________________
(1) تهذيب الأحكام 7/251 ، الاستبصار 3/142.
(32)
يحتمل فيها عود التوثيقاليه ويحتمل فيها أيضاًًً عوده إلى أخيه الحسن ، ولا توثيق له آخر ، ولذلك وثقه بعض الفقهاء وضعفه آخرون ، وعلى كل حال فالرجل مختلف في وثاقته ، أما الثاني فإنه لم يصدر في حقه توثيق في كتب الرجال ، وإختلف في مذهبه هل هو سني أم زيدي ، فكيف يحتج على الشيعة برواية هكذا حالها.
إضافة إلى ذلك فإن هذه الرواية معارضة عند الشيعة بروايات بلغت حد التواتر تفيد حلية نكاح المتعة وجوازه فكيف ترفع اليد ، عن تلكم الروايات وتعتمد هذه الرواية الضعيفة ؟!
3- لقد صرح بعض الأعلام من أهل السنة أنه لم يقع في خيبر تمتع ولم يصدر من رسول الله (ص) تحريم للمتعة في ذلك اليوم من ذلك :
قال البيهقي : ( فيما قرأته في كتاب المعرفة ، وكان
(33)
إبن عيينة يزعم أنّ تاريخ خيبر في حديث علي : إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في نكاح المتعة ، قال البيهقي : وهو يشبه أن يكون كما قال : فقد روي أنّه رخّص فيه بعد ذلك... ) (1).
وقال : السيهلي : ( النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر لا يعرفة أحد من أهل السير ولا من رواة الأثر... ) (2).
وقال : ابـن عبـد البر : ( إن ذكر النهي يـوم خيبـر غلط) (3).
وقال : القسطلاني : ( وقد قيل إنّ في الحديث تقديماً وتأخيراً وأنّ الصواب نهى في غزوة خيبر ، عن لحوم
___________________
(1) إرشاد الشاري بشرح صحيح البخار للقسطلأني 11/397.
(2) المصدر السابق نفس المجلد والصفحة ، شرح الزرقاني 3/198 ، فتح الباري 9/168.
(3) إرشاد الساري 9/232 ، شرح الزرقاني 3/198.
(34)
الحمر الأنسية ، وعن متعة النساء وليس يوم خيبر ظرفاًً لمتـعة النسـاء لأنه لم يقـع فـي غـزوة خيبـر تمتـع بالنساء ) (1).
وقال إبن القيم : ( وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ولا استأذنوا في ذلك رسول الله (ص) ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلاًً ولا تحريماًً... ) (2).
وفي هذه الأقوال تصريح بأن النبي (ص)لم ينه ، عن المتعة يوم خيبر بل لم يحصل تمتع أصلاًًً في هذه الغزوة يؤيد ذلك الروايات المروية من غير طريق علي (ع) فإنها لم تذكر المتعة وإنما ذكرت فقط الحمر الأهلية ، إذاً القول بأنّ النهي عن المتعة كان يوم خيبر باطل وغير
___________________
(1) إرشاد الساري 9/232.
(2) زاد المعاد 2/158.
(35)
صحيح ، وأنّ الرواية المنسوبة لعلي (ع) التي تدّعي أن رسول الله (ص)حرم المتعة يوم خيبر مكذوبة عليه (ع).
4- إذا كان علي (ع) - كما تدعي الرواية التي ذكرها عثمان الخميس - قد أخبر إبن عباس ، عن نهي رسول الله (ص)، عن المتعة وتحريمه لها ، فلماذا بقي إبن عباس حتى آخر حياته يقول بالمتعة ويجيزها ؟
ولنا على ذلك أدلة إضافة إلى ما مر من كلام لإبن حزم منها :
1- ما ورد في الرواية التي أخرجها مسلم بن الحجاج في صحيحه : ( أنّ عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال : إن أناساًًًً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل (1) ، فناداه فقال : إنك لجلف جاف ،
___________________
(1) هو إبن عباس كما ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم 9/188.
(36)
فلعمري لقـد كانت المتعـة تفعل على عهد إمام المتقين - يريد رسول الله (ص) - فقال له إبن الزبير : فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ) (1).
وظاهر هذه الرواية صريح في أن إبن الزبير عرض بإبن عباس أيام إمرته ، يشهد له قوله : ( فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ) فهو من منطلق سلطته يهدد إبن عباس برجمه إن هومارس المتعة ، كما يشهد له أن هذا القول صدر من إبن الزبير وكان إبن عباس حينها أعمى البصر ، وقد ثبت أنه عمي في آخر أيام حياته.
2- قال إبن قدامة : ( وحكي ، عن إبن عباس : أنّها جائزة وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاووس وبه قال :
___________________
(1) صحيح مسلم 2/1026 رواية رقم : 1406 ، سنن البيهقي 7/205 رواية رقم : 13942.
(37)
جريح وحكي ذلك ، عن أبي سعيد الخدري وجابـر وإليه ذهب الشيعة لأنه ثبت أن النبي (ص) إذن فيها ) (1).
3- قال : الشوكاني في نيل الأوطار : ( وقال إبن بطال روى أهل مكة واليمن ، عن إبن عباس إباحة المتعة ، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة ) (2).
4- أثر ، عن إبن عباس قوله : ( ما كانت المتعة إلاّّ رحمة رحم الله بها عباده ولولا تحريم عمر لما احتيج إلى الزنا ) (3).
ومما يكذب الخبر المنسوب لعلي (ع) في حرمة نكاح المتعة يوم خيبر قول الإمام (ع) : ( لولا أن عمر
___________________
(1) المغني 7/571.
(2) نيل الأوطار 6/270.
(3) ستأتي الإشارة إلى مصادره صفحة 44.
(38)
نهى عن المتعة ما زنى إلاّّ شقي ) (1) ، وقوله : ( لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب أو قال : من رأي إبن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم مازنى إلاّّ شقي ) (2) ، وذلك مروي عنه بطريق معتبر صحيح ، ففي قوله هذا ينسب (ع) تحريم المتعة إلى عمر بن الخطاب وليس إلى رسول الله (ص)، ولو كان علي (ع) سمع من رسول الله (ص)تحريم المتعة في يوم خيبر لكان أبعد ، عن محاولة الأمر بها بعد تحريمها.
|