قوم ياتون من بعده
[ قوم ياتون من بعده ]
نهج البلاغة
- خطب الإمام علي (ع) –
ج 2 - ص 30 – 32
147 - ومن خطبة له عليه السلام فبعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته ، ومن طاعة الشيطان إلى طاعته ، بقرآن قد بينه وأحكمه ، ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه ، وليقروا به إذ جحدوه ، وليثبتوه بعد إذ أنكروه . فتجلى سبحانه لهم في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته ، وخوفهم من سطوته .
وكيف محق من محق بالمثلات ( 1 ) ، واحتصد من احتصد بالنقمات . وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شئ أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله .
وليس عند أهل ‹ صفحة 31 › ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ، ولا أنفق منه ( 1 ) إذا حرف عن مواضعه .
ولا في البلاد شئ أنكر من المعروف ، ولا أعرف من المنكر . فقد نبذ الكتاب حملته ، وتناساه حفظته .
فالكتاب يومئذ وأهله منفيان طريدان ( 2 ) ، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو .
فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم ، ومعهم وليسا معهم ، لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا .
فاجتمع القوم على الفرقة .
وافترقوا عن الجماعة .
كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم . فلم يبق عندهم منه إلا اسمه ، ولا يعرفون إلا خطه وزبره ( 3 ) .
ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة ( 4 ) ، وسموا صدقهم على الله فرية ( 5 ) ، وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة وإنما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم وتغيب آجالهم ، حتى نزل بهم الموعود ( 6 ) الذي ترد عنه المعذرة ، وترفع عنه التوبة ، وتحل معه القارعة والنقمة ( 7 )
‹ صفحة 32 ›
أيها الناس إنه من استنصح الله وفق ، ومن اتخذ قوله دليلا هدي للتي هي أقوم فإن جار الله آمن ، وعدوه خائف .
وإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم ، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له ، وسلامة الذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له .
فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب ، والباري من ذي السقم ( 1 ) .
واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه ، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه .
فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنهم عيش العلم وموت الجهل . هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم . لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق ، وصامت ناطق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|