عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2010, 04:33 AM   #15
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي خلاصة البحث :



خلاصة البحث :

1 ـ تعتقد الشيعة الإمامية أن علم الغيب ، بالاستقلال خاص بالله تعالى ، بنص القرآن الكريم .
2 ـ وتعتقد أن الله تعالى يطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الغيب بوسيلة الوحي أو الالهام ، وهذا أيضا منصوص عليه في القرآن الكريم ، ومذكور في الحديث الشريف . وكذا الإمام يعلم ذلك بواسطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
3 ـ أجمعت الطائفة الإمامية على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام يعلمان ـ بإعلام الله وإطلاعه ـ الغيب ، سواء في الأحكام ، أو في الموضوعات ، ويدخل في ذلك علمهم بأسباب موتهم والمصائب الجارية عليهم ، وما يرتبط بذلك من الزمان والمكان والفاعل ، علما تفصيليا .
إلا أن أفرادا خالفوا في خصوص ( وقت القتل ) فاعتقدوا فيه بالعلم الاجمالي ، وعدم التحديد التفصيلي ، حذرا من ورود الاعتراض التالي عليهم . ويترتب على القول بالتفصيل كونهم عليهم السلام مختارين في انتخاب الموت لأنفسهم .
وقد دلت على ذلك الأحاديث والآثار المنقولة .
4 ـ لقد اعترض المنحرفون والخارجون عن المذهب على الشيعة في أصل ( علم الأئمة بالغيب ) .
واستدلوا على ذلك بالآيات ، وبدليل العقل بمحدودية المخلوقين فلا يمكنهم الإحاطة بالغيب الذي هو غير محدود .
ورد هذا الاعتراض : بأن الله تعالى نص في القرآن بأنه يطلع من يشاء من الرسل على الغيب .
وأما العقل ، فبأن ما ذكر من اللازم ، إنما يلزم على تقدير ادعاء أن غير

(99)

الله يعلم بالغيب بالاستقلال وبنفسه ، وقد عرفت أن ذلك خاص بالله تعالى ، ولا يشركه فيه أحد من المخلوقات بشرا أو ملائكة أو غيرهما .
وإنما نقول في مسألة علم النبي ـ ويتبعه الإمام ـ بما يطلعهما الله تبارك وتعالى عليه من مخزون علمه ، وبإرادته .
وقد استأثر الله لنفسه بكثير من العلوم كعلم الساعة ووقتها ، وأمر الروح .
ولكنه بفضله على أوليائه من الرسل والأئمة عليهم السلام يلهمهم علوما اختصهم بذلك دون البشر ، كرامة لهم وإعظاما لشأنهم .
وقد استثنى الله تعالى ذلك مما دل على حصر الغيب بنفسه ، في القرآن الكريم .
فليس اعتقاد ذلك منافيا لمدلول تلك الآيات التي هي حق .
5 ـ ومع اعتقادنا بأن النبي والإمام يعلمان الغيب بإعلام الله ويطلعان عليه بالوحي والإلهام ، فإن علمها لا بد أن يكون محددا بحدود الوحي والإلهام والإعلام الإلهي وإطلاعه جل وعز لهما على ما يشاء من الغيب .
وقد دلت الأحاديث والآثار والنقول ـ المتواترة بالمعنى ـ على حصول علم الغيب لهم عليهم السلام في بعض القضايا والأمور الماضية والمستقبلة .
وهذا في نفسه كاف لإبطال ما أقيم من الشبه ـ في وجه هذا المعتقد ـ باسم الأدلة العقلية ، فلو تحقق علمهم بالغيب بنحو الموجبة الجزئية انقضى الدليل على سلب ذلك كليا ، ونفيه بشكل عام .
لكن ذلك لا يستلزم الإثبات الكلي إلا إذا دل الدليل عليه ، كما وردت به الروايات والآثار العديدة .
وحيث لا مانع ـ شرعي ولا عقلي ـ من الالتزام بها ، بعد كونها ممكنة ، فلا نرى في الالتزام بمداليلها ومضامينها محذورا .
6 ـ وقد أثيرت في وجه الالتزام بهذه الروايات والآثار ، والاعتقاد بعلم الغيب للنبي والأئمة عليهم السلام ( شبه ) من قبيل الحوادث التاريخية المنقولة

(100)

في سيرتهم عليهم السلام والتي تتضمن قضايا ظاهرها عدم علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام بالنتائج المترتبة عليها .
مثل ما في قضية ( خالد ) وفعلته المنكرة في إحدى قبائل العرب ، التي قتل فيها جماعة من المسلمين ، ولما اطلع الرسول على فعله تبرأ منه وبعث من فداهم .
فلو كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علم ما سيفعله خالد لما أرسله ، ولمنعه ولا بد له بغيره ؟ !
وكذلك تأمير الإمام علي عليه السلام زياد ابن أبيه ، الذي أدى بعد ميله إلى معاوية إلى فتكه بالشيعة .
فلو كان الإمام يعلم بعاقبة أمره ، لما ولاه ، ولما اعتمد عليه ؟ !
وقضايا أخرى ظاهرها أن النبي والإمام كانا يظهران أسفهما على ما صدر منهما ، مما يدل على عدم علمهما بالنتائج !
أقول : إن هذه القضايا التاريخية لا يمكن الاعتماد عليها في بحث علم الغيب ، لكونها قضايا مبتورة لم تنقل بتفاصيلها الواضحة ، بل لا يعتمد على ناقليها الذين ليسوا إلا من كتاب الأجهزة الحكومية ومؤرخي السلطات ، والذين يسعون إلى إخفاء حقائق كثيرة من كل ما يروونه ، فلم نعرف عنها تفصيلا لكل جزئياتها وخصوصياتها ، ومع ذلك لا يمكن الحكم من خلالها على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا الإمام عليه السلام بشيء ما لم نعرف كل ظروفها ومجرياتها .
ثم إن النبي والإمام عليهما السلام لم يكن بإمكانهما إبداء كل ما يعلمان ، والتصريح بكل شيء إلى من حولهما من الناس ، لاختلاف مقاماتهم في العقيدة والإيمان والالتزام والتصديق ، وقابلية الادراك والتعقل ، وسعة المعرفة ، وبعد النظر ، والتقوى ، والزهد في الشهوات ، ولذلك تجد اختلافا في الخطابات الصادرة إليهم حسب مستوياتهم ، فليس بإمكان النبي والإمام

(101)

التصريح بكل الحقائق لكل السامعين ، وليس من المفروض أن يقبل جميع السامعين ما يسمعون ، وكذلك ليس كل الناقلين أمناء في ما ينقلون .
ومع هذه الحقائق لم يبق اعتماد على مثل هذه القضايا المبتورة بحيث يرد به الأخبار والآثار المتضافرة الواردة عن علم الأئمة عليهم السلام بالغيب .
وإن صحت ، فالنبي والإمام عليهما السلام مكلفون أن يتصرفوا ويتعاملوا مع الآخرين حسب ظواهر الأمور والأسباب الطبيعية ، لا على أساس ما يعلمونه من الغيب .
إن من الغريب أن يحاول المغرضون مواجهة ما ورد من روايات علم الغيب بالإشكالات السندية ، ومعارضتها بمثل هذه القضايا التي لم تثبت حتى بسند ضعيف ، وإنما هي أخبار تاريخية ، لا يعتمد على ناقليها في مجال القصص ، فضلا عن مجال الأحكام والعقائد !
7 ـ وقد اعترضوا على علم الأئمة عليهم السلام بالغيب أنه يستلزم أن يكونوا قد أقدموا على إلقاء أنفسهم إلى التهلكة ، لأن خروجهم إلى موارد الخطر ـ مع علمهم بذلك ـ يلزم منه ما ذكر .
والإلقاء إلى التهلكة حرام شرعا بنص القرآن الكريم ، وحرام عقلا لأنه إضرار بالنفس ، وهو قبيح .
مع أنه لا ريب في قبح ما أجراه الظالم على أهل البيت عليهم السلام ، بل هو من أقبح القبيح ، فيكف يقدم الأئمة العالمون بقبحه عليه ؟ !
وقد أجيب عن ذلك بوجوه :
الجواب الأول : أن هذا الاعتراض إنما يتصور ويفرض بعد الاعتقاد بعلم الأئمة للغيب ، أما لو أنكر ذلك ، ولم يعتقد بعلمهم به ، فلا يرد الاعتراض ، لأنه مع عدم العلم لا يكون الإقدام إلا على ما يجوز ، وليس إلقاء إلى التهلكة ، فلا يكون الاجتناب عليه واجبا ، لعدم التكليف بما لا يعلم ورفعه عمن لا يعلم ، فلا يكون الاعتراض واردا .


ومن ذلك يعلم أن الجمع بين الاعتراضين في الأسئلة التي وردت في هذا المجال ، وكذا الكتب الباحثة عنه ، إنما هو مبني على الجهل والغرض الباطل .
وكذلك نعلم أن الأسئلة إنما يوجهها غير الشيعة ويعترضون بها على الشيعة بفرض اعتقادهم في الأئمة بعلم الغيب ، وأنه على هذا التقدير يأتي الاعتراض بالإلقاء إلى التهلكة .
ولكن إذا ثبت أو فرض علم الأئمة بالغيب ، فالجواب عن الاعتراض بما سيأتي من الوجوه الأخر .
الجواب الثاني : أن الأئمة إذا ثبتت إمامتهم بالأدلة القطعية الواردة في كتب الإمامة ، فلا بد أن تتوفر فيهم شروطها التي منها ( العصمة ) و ( العلم بالأحكام الشرعية ) لاقتضاء مقام خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذلك .
وحينئذ فالمعتقد بالإمامة يسلم بأن الإمام لا يقدم على فعل الحرام ، فلا يكون إقدامهم على ذلك من الالقاء المحرم ، ولا بد من الالتزام بأحد التوجيهات الآتية .
وأما غير المعتقد بالإمامة فلا يرى لزوما لأصل الاعتقاد بعلم الأئمة ، فلا وجه في اعتراضه ! لأنه لا يراهم مقدمين على ما يعلمون ! فهذا الاعتراض على كلا الفرضين غير وارد .
الجواب الثالث : إن درك العقل لقبح صدور ذلك من الظالمين لا ينكر ، لكنه لا يستلزم قبحا على المظلومين ، لعده رضاهم بذلك ، وعدم تمكينهم ، وإنما قاموا بما يلزمهم القيام به ، حسب وظائفهم وما يراد منهم ، وهو حكم عليهم من قبل الله تعالى ، فلا يكون إقدامهم على الأمور الحسنة أو المباحة ، قبيحا بإرادة الظالم وفعله ، وكل من الظالم والمظلوم مكلف ومحاسب بما يقوم به حسب وظيفته ونيته ، وعلى ما صدر منه ، فالأعمال بالنيات ، ولك امرئ

(103)

ما نوى .
الجواب الرابع : إن شمول ( الالقاء المحرم ) لإقدام الأئمة عليهم السلام غير صحيح ، لا شرعا ، ولا عقلا .
أما شرعا ، فإن الالقاء إنما يكون حراما إذا كان إلى التهلكة ، وليس ( الموت ) في سبيل الله ( تهلكة ) وإنما هو عين ( الفوز ) و ( النجاة ) و ( السعادة ) و ( الحياة ) في نظر الأئمة عليهم السلام وشيعتهم .
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ـ لما ضرب بالسيف على رأسه ـ : ( فزت ورب الكعبة ) .
وكما قال الحسين عليه السلام : ( إني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ) .
وأما عقلا : فلما مر من أن الحكم بحرمة الالقاء إلى التهلكة ليس مطلقا ، بل إنما هو ـ على فرض وروده ـ خاليا عن مصلحة وأدرك العقل قبحه ، ولا يكون حراما إذا كان فيه نفع أهم وأعم ، وكان في صالح الإنسان المقدم عليه نفسه ، أو في صالح أمته أو دينه ، أو وطنه ، لأن العقل حينئذ يقدم مصلحة الفعل على مفسدة القبح المدرك ، فلا يحكم بحرمته ، ولا يعاقب المقدم عليه ، بل يثاب .
وعلى فرض وروده ، وإطلاق حكمه ، فهو ليس إلزاميا إذا عارضته أحكام دينية وأغراض شرعية ومصالح عامة إلهية ، وإنما هو مجرد إدراك وجداني يصادمه إدراك ضرورة وجدانية باتباع الأحكام الدينية والإرادة الإلهية .
وأما المصالح التي ذكروها في الإقدام على الأخطار ، وعروضها على الأئمة الأطهار ، فهي الوجوه التالية :
الأول : العمل بمقتضى القضاء الإلهي والقدر الرباني ، والانصياع للإرادة المولوية ، التي يعلمها الأئمة عليهم السلام .
وقد ورد هذا الوجه في حديث للإمام الباقر عليه السلام وللأمام الرضا

(104)

عليه السلام ، وذكره عدة من العلماء الأبرار .
الثاني : اختيار لقاء الله تعالى على البقاء في الدنيا الفانية .
وقد ورد في الحديث الشريف أيضا .
الثالث : التعبد بأوامر الله تعالى بأن يقدموا أنفسهم قرابين في سبيل الدين ، ويضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل إعلاء كلمة الدين .
ذكره الشيخ المفيد ، ونسبه الطوسي إلى جمهور الطائفة ، وذكره جمع من بعده كالعلامة الحلي وغيره .
الرابع : أن ما ترتب على ذلك من المصالح الدنيوية والمقامات الدائمة الأخروية ، يتدارك بها ما فيها من الآلام الزائلة .
وهناك وجوه أخر ، ومصالح دقيقة عرفانية ، مستنبطة من سائر أحوالهم وأقوالهم ، جمعها سماحة آية الله العظمى الإمام الخراساني في كتابه ( عروض البلاء على الأولياء ) ذكرناها مجملا ، ولا نطيل هذا الملخص بإعادتها .
وسوف يقرؤها العلماء في النص المحقق لكتابه (51).
وقد وفقني الله تبارك وتعالى ، لإعداد هذا البحث في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الإسلام والمذهب ، حيث يستهدف الكفر العالمي الحضارة الإسلامية بأعنف الحملات الطائشة .
وكان دوري ـ بعد التجميع لنصوص الإجابات المعروضة في طول التاريخ ـ أني وضعتها في إطار قراءات تحليلية يمكن من خلالها الوقوف على الأبعاد الدلالية والعقيدية غير المنظورة .
وأسأل الله أن يتقبل هذه الخدمة للحق ، وأن يثيبنا في الدنيا بالتوفيق للعلم والعمل الصالح ، وفي الآخرة بالمغفرة والجنة ، وأن يلحقنا بالصالحين .
والحمد لله رب العالمين .
____________
(51) وستقرأه في هذا العدد من ( تراثنا ) في الصفحات 213 ـ 242 .
(105)


 

رد مع اقتباس