عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2010, 04:19 AM   #9
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي 5 ـ عصر الشيخ ابن شهر آشوب ( ت 588 ه‍ )



5 ـ عصر الشيخ ابن شهر آشوب ( ت 588 ه‍ )

هو الشيخ أبو جعفر ، محمد بن علي بن شهر آشوب بن أبي نصر ، السروي المازندراني ، رشيد الدين .

(70)

قال الصفدي : أحد شيوخ الشيعة ، حفظ القرآن وله ثمان سنين .
قال ابن أبي طي الحلبي : اشتغل بالحديث ، ولقي الرجال ، ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت ، ونبغ في الأصول ، ثم تقدم في القراءات والقرآن ، والتفسير ، والعربية .
وكان مقبول الصورة ، مليح العرض على المعاني ، وصنف في : المتفق والمفترق ، والمؤتلف المختلف ، والفصل والوصل ، وفرق بين رجال الخاصة ورجال العامة ـ يعني أهل السنة والشيعة ـ .
كان كثير الخشوع ، مات في شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة .
وقال الصفدي : بلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدم في علم القرآن ، والغريب ، والنحو .
ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه ، وأثنى عليه كثيرا .
وقال الداوودي في ( طبقات المفسرين ) : كان إمام عصره ، وواحد دهره ، أحسن الجمع والتأليف ، وغلب عليه علم القرآن والحديث ، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه ، وتعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ، ومتفقه ومفترقه ، وإلى غير ذلك من أنواعه .
واسع العلم ، كثير الفنون ، قال ابن أبي طي : ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة الحنبلي ، وابن بطة الشيعي ، حتى قدم الرشيد ، فقال : ( ابن بطة الحنبلي بالفتح ، والشيعي بالضم ) (36).
وقد تعرض للمشكلة في ذيل آية : ( . . . ولا أعلم الغيب . . . ) من الآية (31) من سورة هود (11) وهي مكية ، فقال :
____________
(36) نقلنا هذه الكلمات من مقدمة العلامة الجليل محمد صادق بحر العلوم ـ رحمه الله ـ لكتاب ( معالم العلماء ) لابن شهر آشوب : 3 ـ 5 ، فلاحظ مصادره ، وانظر أسماء مؤلفاته في ذلك الكتاب : 119 رقم 791 ، وهو آخر من أسمه ( محمد ) .
(71)

النبي والإمام يجب أن يعلما علوم الدين والشريعة .
ولا يجب أن يعلما الغيب ، وما كان ، وما يكون .
لأن ذلك يؤدي إلى أنهما مشاركان للقديم تعالى في جميع معلوماته ، ومعلوماته لا تتناهى ، وإنما يجب أن يكونا عالمين لأنفسهما ، وقد ثبت أنهما عالمان بعلم محدث .
والعلم لا يتعلق ـ على التفصيل ـ إلا بمعلوم واحد ، ولو علما ما لا يتناهى ، لوجب أن يعلما وجود ما لا يتناهى من المعلومات ، وذلك محال .
ويجوز أن يعلما الغائبات والكائنات الماضيات ، والمستقبلات ، بإعلام الله تعالى لهما شيئا منها .
وما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم أنه مقتول ، وأن قاتله ابن ملجم : فلا يجوز أن يكون عالما بالوقت الذي يقتله فيه على التمييز ، لأنه لو علم ذلك لوجب عليه أن يدفعه عن نفسه ، ولا يلقي بيده إلى التهلكة !
وإن هذا ـ في علم الجملة ـ غير واجب (37).
إن ما أثبته الشيخ ابن شهر آشوب موافق لما سبق ذكره سوى نقطة واحدة :
فما ذكره من نفي ( علم الغيب بالاستقلال ) عن الأئمة مجمع عليه بين المسلمين : وذلك لما ذكرنا في صدر هذا البحث من دلالة الآيات الكريمة على اختصاص ذلك بالله تعالى .
مضافا إلى ما ذكره ابن شهر آشوب من الاستدلال العقلي بأن النبي والإمام محدود متناه ، والغيب لا حد له ، ولا يمكن أن يحيط المحدود باللامنتهي .
____________
(37) متشابه القرآن ومختلفه : 211 .
(72)

ثم ما ذكره من إمكان علم الغيب بإعلام الله تعالى :
هو أيضا مما أجمعت عليه الطائفة ، ودلت عليه الآيات الكريمة التي ذكرناها في صدر البحث .
وأما التفرقة بين علم الإمام بالحوادث ، وخصوصا ما يرتبط بقتله ، من الالتزام بالتفصيل في غير وقت القتل ، والالتزام بالإجمال فيه .
فهذا أيضا قد سبق قول المرتضى فيه ، والتزامه .
وقد أضاف ابن شهر آشوب تصريحا بأن على فرض علم الإمام بوقت قتله بالعلم الاجمالي ، فلا يرد عليه اعتراض الالقاء في التهلكة ، لأن الدفع حينئذ غير واجب لفرض الاجمال فيه وعدم معرفته الأمر بالتفصيل .
وإنما اختص ابن شهر آشوب بالتزامه بالاعتراض على تقدير علم الإمام بوقت قتله تفصيلا ، فقال : ( فلا يجوز أن يكون عالما بالوقت الذي يقتله فيه على التمييز ، لأنه ـ لو علم ذلك ـ لوجب عليه أن يدفعه عن نفسه ، ولا يلقي بيده إلى التهلكة ) .
وهذه هي النقطة التي خالف فيها ابن شهر آشوب من سبقه ، لأن المفيد الذي أشار إلى مسألة علم الجملة ، قال بإمكان القول بالتفصيل ، ومنع كون ذلك من الالقاء في التهلكة ، لإمكان التعبد بالصبر على القتل للإمام .
وحتى المرتضى ـ الذي التزم بالجملة ، ونفى التعبد ـ لم يصرح بالتزامه اعتراض الالقاء في التهلكة على تقدير التفصيل ، فلعله دفعه بأحد الوجوه الكثيرة المتصورة ، والتي يكون تحمل القتل بها أمرا حسنا أيضا ولو بغير التعبد !
ولعل ابن شهر آشوب عد فقدان الإمام ضررا وتهلكة فحكم فيه بوجوب الدفع ، وعدم الالقاء ، محافظة على وجوده الشريف لأداء مهمات الإمامة .
لكن إطلاق لفظ ( الضرر ) ولفظ ( التهلكة ) على ما جرى على الإمام ممنوع ، مطلقا :
فإنه إذا علم الإمام إرادة الله تعالى لما يجري عليه ، مع أنه يعلم ما فيه

(73)

من المصلحة للدين والأمة ، والمصلحة لنفسه الشريفة بالفوز بالشهادة ورفع الدرجات والكرامة الإلهية ، بانقياده المطلق لأوامر الله تعالى ، وتسليمه المطلق لله ، ورضاه بما يرضاه تعالى ، فلا ريب ، أن لا يكون في ما يقدم عليه أي ضرر ، ولا يمكن أن يسمى ذلك تهلكة بأي وجه ، إلا في المنظار المادي ، والدنيوي .
ونظرة إلى قصة إبراهيم ، وولده الذبيح إسماعيل ، عليهما السلام ، التي جاءت في القرآن الكريم ، حين أمر الله إبراهيم بذبح ابنه ، فقال تعالى في نهايتها : ( فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا 0لهو البلاء المبين ) الآيات ( 103 ـ 106 ) من سورة الصافات (37) . . . فقد سمى الله ذلك تسليما ، وتصديقا ، وإحسانا ، وجعه ( بلاء مبينا ) مع أنه لم يتحقق فيه ذبح ، بل فدي إسماعيل بذبح عظيم .
فإذا لم يكن ما جرى على إسماعيل إلقاء في التهلكة وكان شرعيا ؟ !
فلماذا لا يكون ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من القتل ـ بأنواعه ـ أمرا شرعيا متعبدا به ، وقد تعبد به إبراهيم من قبل ؟ !
ولماذا لا يكون ما فعلوه تسليما ، وتصديقا لقضاء الله ، وإحسانا ؟ ! وقد تحملوه في سبيل الله ، وأهداف الدين السامية ؟
وأما ( البلاء ) هنا فهو ( أبين ) لأنه قد تحقق ، وأريقت دماء آل بيت الرسول عليهم الصلاة والسلام ، ولم يفد عنهم بشيء !
مع أن عمل الإمام ، لم يكن امتحانا خاصا وفرديا ، بل هو عمل أعظم وأهم ، لكونه إحياء للإسلام ولرسالة الله الخالدة .
فإذا علم الإمام بتفصيل أسباب ما يجري عليه من الحوادث ، ونتائجه الباهرة ، فهو أحرى أن ينقاد لامتثال ذلك والإطاعة لإرداة الله ، وعمل في مثل هذه العظمة والأهمية ، لا يكون الموت من أجله ( تهلكة ) .

(74)

كل هذا مع عدم وجود ( جبر ) ولا إكراه للإمام على شيء ، وإنما الأمور هي تحت إختياره ، وبهذا يكون إقدامه أبلغ في الكشف عن عظمته وحبه لله والانقياد له تعالى ، لما يختار لقاء الله تعالى على النصر الدنيوي .
وقد جاد هذا المعنى الأخير في بعض روايات الباب .
فإذا لم يكن إقدامهم على ما أصابهم أمرا ( مضرا ) ولا يصح تسميته ( تهلكة ) ولا مانع من أن يكونوا عالمين به ، وعارفين له ، فكيف يجعل إقدامهم عليه دليلا على نفي علمهم به ؟


 

رد مع اقتباس