عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2010, 03:53 AM   #8
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي 4 ـ عصر الشيخ الطوسي ( ت 460 ه‍ )




4 ـ عصر الشيخ الطوسي ( ت 460 ه‍ )

الشيخ أبو جعفر ، محمد بن الحسن بن علي الطوسي ( 385 ـ 460 ه‍ ) .
قال السيد بحر العلوم : شيخ الطائفة المحقة ، رافع أعلام الشريعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين ، وعماد الشيعة الإمامية في كل ما يتعلق بالمذهب والدين ، محقق الأصول والفروع ، ومهذب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الاطلاق ، ورئيسها الذي تلوي إليه الأعناق ، صنف في جميع علوم الإسلام ، وكان القدوة في كل ذلك والإمام (26).
____________
(26) لاحظ أوائل المقالات : 67 من طبعة مؤتمر الشيخ المفيد ، وص 77 من طبعة شيخ الإسلام ، التي أعادتها مكتبة الداوري ـ قم .
(27) رجال السيد بحر العلوم 3 / 227 ـ 228 .


وقد عرض الشيخ الطوسي الاعتراض وأجاب عنه ، وهذا نص ما ذكره :
فإن قيل : أليس في أصحابكم من قال : ( إن الحسين عليه السلام كان يعلم ما ينتهي إليه أمره ، وأنه يقتل ويخذله من راسله وكاتبه ، وإنما تعبد بالجهاد والصبر على القتل ) .
أيجوز ذلك عندكم ، أم لا ؟ !
وكذلك قالوا في أمير المؤمنين عليه السلام : ( إنه كان يعمل أنه متقول ) . والأخبار عنه مستفيضة به .
وأنه كان يقول : ( ما يمنع أشقاها أن يخضب هذه من هذا ) ـ ويومئ إلى لحيته ورأسه ـ .
وأنه كان يقول تلك الليلة ـ وقد خرج وصحن الإوز في وجهه : ( إنهن صوائح تتبعها نوائح ) .
قالوا : ( وإنما أمر بالصبر على ذلك ) .
فهل ذلك جائز عندكم ؟ !
قيل : اختلف أصحابنا في ذلك :
فمنهم من أجاز ذلك (28) وقال : لا يمتنع أن يتعبد بالصبر على مثل ذلك ، لأن ما وقع من القتل ـ وإن كان ممن فعله قبيحا ـ فالصبر عليه حسن ، والثواب عليه جزيل .
بل ، ربما كان أكثر ، فإن مع العلم بحصول القتل ـ لا محالة ـ الصبر أشق منه إذا جوز الظفر وبلوغ الغرض .
____________
(28) علق محقق ( تخليص الشافعي ) : يقصد بذلك الشيخين المفيد والكليني ـ قدس الله سرهما ـ وعلى ذلك جرى كثير من علمائنا المتأخرين قدس الله أسرارهم ، كالعلامة الحلي ، والمجلسي ، والشهيد ، وغيرهم .
وقد علق الكليني في أصول ( الكافي ) بابا خاصا بذلك سماه : ( باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون ) واستعرض فيه جملة من الروايات عن الأئمة في إثبات ذلك .
(55)

ومنهم من قال : إن ذلك لا يجوز ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب عقلا وشرعا ، ولا يجوز أن يتعبد بالصبر على القبيح ، وإنما يتعبد بالصبر على الحسن ، ولا خلاف أن ما وقع من القتل كان قبيحا ، بل من أقبح القبيح .
وتأول هذا القائل ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، من الأخبار الدالة على علمه بقتله ، بأن قال : كان يعلم ذلك على سبيل الجملة ، ولم يعلم بالوقت بعينه ، وكذلك علم الليلة التي يقتل فيها بعينها ، غير أنه لم يعلم الوقت الذي يحدث فيه القتل .
وهذا المذهب هو الذي اختاره المرتضى ـ رحمة الله عليه ـ في هذه المسألة .
ولي ـ في هذه المسألة ـ نظر (29) .
والذي يستفاد من هذا النص سؤالا وجوابا :
1 ـ أن الطائفة لم تختلف في أصل ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وما يجري عليهم ) لكن المرتضى خالف في خصوص ( الوقت المعين ) للقتل ، هل يعرفه الإمام بالتفصيل ، أو يعرفه بالإجمال ؟
وأما العلم بحوادث أخر فهو ـ أيضا مجمع عليه ، ولا خلاف فيه .
2 ـ أن الأخبار التي ظاهرها العلم بالتفصيل ـ حتى بوقت الموت ـ متضافرة وواردة ، وإنما القائل بالإجمال يحاول تأويلها !
3 ـ أن القائل بالإجمال إنما صار إلى ذلك ، لتصوره أن أمرا مثل الإقدام على الشهادة أمر لا يمكن التعبد به ، لأنه قتل قبيح ، ولا تعبد بالقبيح ! وأن دفع الضرر واجب عقلا وشرعا ، فلا يجوز تركه على الإمام .
____________
(29) تلخيص الشافي 4 / 188 ـ 190 ، وعلق محققه : راجع في تفصيل الباب : مرآة العقول ـ للمجلسي ـ 3 / 123 ، والبحار ـ له ـ 42 / 259 ، والدرة النجفية ـ للبحراني ـ 85 ، وغيرها .
(56)

لكن هذا التصور خاطئ لوجوه :
الأول : أن كون الفعل قبيحا صدورا من الفاعل ، لا يقتضي كونه قبيحا بالنسبة إلى الواقع عليه ، فبالإمكان أن يفرض العمل قبيحا صدورا باعتبار حرمته على الفاعل أن يقوم به ، ولكنه يكون بالنسبة إلى القابل ، أو الواقع عليه جائزا مباحا ، أو مرادا .
فلا مانع من أن يكون قتل الأئمة عليهم السلام حراما على القاتلين ، لكونه ظلما وتعديا ، بل من أقبح صوره وأفحشها ، ولكن يكون الصبر على ذلك من الإمام أمرا حسنا لكونه امتثالا لأمر الله ، وانقيادا لإرادته ، ورضا بقضائه ، وتعبدا بما عبد به الإمام ، لتحقيق المصالح الدنيوية عليه ، ولبلوغ الأئمة المقامات العالية المفروضة لهم في ظرف طواعيتهم وتحملهم لذلك .
الثاني : أنه مع ورود النص بثبوت علم الأئمة لا وجه للجوء إلى مثل هذا التصور ، لأن قبح القتل ـ في موارد ـ إنما هو من جهة كونه ظلما وحراما ، وكذا الإقدام على أن يقتل ، والإلقاء إلى التهلكة ، إنما يكون حراما إذا كان منهيا عنه ، أما إذا تعلق به أمر إلهي ، وصار موردا للتعبد به لمصلحة ، فهو لا يكون قبيحا للمتعبد بذلك ، والمفروض أن الأخبار قد وردت بذلك ، فلا بد من فرض جوازه وحسنه .
كما كان الإقدام على الشهادة ، والقتل في سبيل الله ، من أفضل القرب وأشرفها ، وأكثرها أجرا ، وتستوجب أرفع الدرجات مع الصديقين .
الثالث : أن تحمل القتل والصبر عليه ، في مثل هذا الفرض ، لا يصح تسميته ضررا ، بل هو نفع ، من أنفع ما يقدم عليه عباد الله المخلصون ، ويختارونه لكونه لقاء الله ، ومقربا إليه ، ولما يترتب على ذلك من المصالح للإسلام وللأمة ، ولأنه محقق أروع الأمثلة للتضحية والفداء في سبيل الأهداف الإلهية الكبيرة والجليلة .

(57)

فلا حرمة فيه شرعا ، ولا عقلا ، بل هو محبوب ، وواجب في بعض الأحيان .
4 ـ وقد دل هذا النص على أن المتفرد بالقول بالإجمال إنما هو السيد المرتضى ، وأن القائل بالإجمال يعارض التعبد بالصبر على ذلك ، فظهر أن المفيد ـ الذي مر افتراضه للتعبد ـ إنما يفترض ذلك على تقدير التفصيل ، وأن القول بالإجمال ليس بحاجة إلى افتراض ذلك .

مبيت علي عليه السلام على فراش الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الهجرة .

ثم إن ما يؤكد جواز إقدام الإمام عليه السلام على الأخطار مع علمه بها هو مبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة هجرته من مكة إلى المدينة فاديا له بنفسه ، حتى نزلت فيه آية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله . . . ) الآية ( 207 ) من سورة البقرة (2) .
وقد كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فتوجه إلى الغار وأنام عليا على فراشه وألبسه برده (30) .
فقال علي السلام في ذلك شعرا (31) : وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى وبت أراعي منهم ما ينوبني ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر وقد صبرت نفسي على القتل والأسر


ولم يكن يخفى على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يتهدد الإمام عليه السلام من الخطر ، فكيف أمره بالمبيت وأنامه على فراشه ؟ !
وما كان يخفى على علي عليه السلام خطر القتل والأسر ، فكيف تعبد
____________
(30) انظر : تفسير الحبري : 242 ح 9 ، انظر : ص 410 ـ 416 .
(31) المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ 3 / 4 ، ولاحظ : شواهد التنزيل 1 / 131 .
(58)

بذلك وأطاع ؟ !
ولو قيل : إنهما كانا يعلمان عدم إصابته بأذى في ذلك ، فهو إثبات لعلم الغيب الذي يحاول إنكاره .
مع أنه قد كان القتل محتملا كما قال الله تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) ( الآية (3) من سورة الأنفال (8)) وكما احتمله الإمام علي عليه السلام في شعره المذكور ؟ !

حول شهادة الحسين عليه السلام :

ثم إن للشيخ الطوسي كلاما حول أعذار الحسين عليه السلام في مخرجه ومقتله ، ذكره في ( تلخيص الشافي ) وهو بعين العبارة مذكور في كتاب ( تنزيه الأنبياء ) للسيد المرتضى ، فلا بد من ذكره ، سؤالا وجوابا ، لارتباطه الوثيق بهذا المبحث :
فإن قيل : فما أعذار الحسين عليه السلام ؟ !
لأنه خرج بأهله وعياله إلى الكوفة ، والمستولي عليها أعداؤه والمتأمر فيها من قبل يزيد منبسط اليد والأمر والنهي ، وقد رأى صنيع أهل الكوفة بأبيه وأخيه عليهما السلام ، وأنهم غادرون خوانون ؟ !
وكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه ، لأن ابن عباس ـ رحمة الله عليه ـ أشار بالعدول عن خروجه ، وقطع على العطب .
وابن عمر لما ودعه بقول : أستودعك الله من قتيل .
وأخوه محمد مثل ذلك .
إلى غير ما ذكرناه ممن تكلم في هذا الباب ؟ !
ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل ـ وقد أنفذه رائدا له ـ كيف لم يرجع ، ويعلم الغدر من القوم ، وتفطن بالحيلة والمكيدة ؟ !
ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل ، لجموع عظيمة خلفها مواد لها

(59)

كثيرة ؟ !
ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان ، وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه ؟ !
ولم ألقى بيده إلى التهلكة ؟ !
وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر إلى معاوية ؟ !
وقد أجابا عن جميع ما ورد في السؤال بتفصيل ، ونحن نقسمه إلى مقاطع لتسهيل الارجاع إليها :
قيل لهم :
1 ـ قد علمنا أن الإمام متى غلب على ظنه أن يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه ـ بضرب من الفعل ـ وجب عليه ذلك ، وإن كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها ـ تحملها .
وأبو عبد الله عليه السلام لم يسر إلى الكوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود ، وبعد أن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ، ومبتدئين غير مجيبين .
وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها ، تقدمت إليه عليه السلام في أيام معاوية ، وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن عليه السلام ، فدفعهم وقال في الجواب ما وجب .
ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن عليه السلام ـ ومعاوية باق ـ فوعدهم ومناهم . وكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها .
فلما مضى معاوية أعادوا المكاتبة وذلك الطاعة ، وكرروا الطلب والرغبة ، ورأى عليه السلام من قوتهم ـ على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد وتسلحهم عليه وضعفه عليهم ـ ما قوى في ظنه أن المسير هو الواجب ، وتعين عليه فعله .

(60)

2 ـ ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم ، ويضعف بعضهم عن نصرته ، ويتفق ما اتفق من الأمور الطريفة الغريبة . . . إن أسباب الظفر بالعدو كانت لائحة ، وإن الاتفاق السيئ هو الذي عكس الأمر وقلبه حتى تم فيه ما تم .
3 ـ وقد هم أبو عبد الله عليه السلام لما عرف بقتل مسلم وأشير عليه بالعود ، فوثب إليه بنو عقيل فقالوا : والله ، لا ننصرف حتى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا ، فقال عليه السلام : ( لا خير في العيش بعد هؤلاء ) .
4 ـ ثم لحقه الحر بن يزيد ومن معه من الرجال . . . ومنعه من الانصراف ، وسامه أن يقدم على ابن زياد ، نازلا على حكمه ، فامتنع ، ولما رأى ألا سبيل إلى العود ، ولا إلى دخول الكوفة ، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد ، لعلمه عليه السلام بأنه ـ على ما به ـ أرق به من ابن زياد وأصحابه !
فسار حتى قدم عليه عمر بن سعد في العسكر العظيم ، وكان من أمره ما قد ذكر وسطر .
فيكف يقال : إنه عليه السلام ألقى بيده إلى التهلكة ؟ !
وقد روي أنه عليه السلام قال لعمر بن سعد : اختاروا مني : إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو أن أضع يدي على يد يزيد ـ فهو ابن عمي يرى في رأيه ـ ، وإما أن تسيروا بي إلى ثغر من ثغور المسلمين ، فأكون رجلا من أهله ، لي ماله ، وعلي ما عليه .
وإن عمر كتب إلى عبيد الله بن زياد بما سأل ، فأبى عليه ، وكاتبه بالمناجزة ، وتمثل بالبيت المعروف ، وهو :
الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين أوان


فلما رأى عليه السلام إقدام القوم ، وأن الدين منبوذ وراء ظهورهم ، وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل والعار ، وآل أمره ـ من بعد ـ إلى القتل ، التجأ إلى المحاربة والمدافعة لنفسه ، وكان بين إحدى الحسنيين : إما الظفر ، أو الشهادة والميتة الكريمة .

(61)

5 ـ وأما مخالفة ظنه لظن جميع من أشار عليه من النصحاء ، كابن عباس وغيره ، فالظنون إنما تغلب بحسب الأمارات ، وقد تقوى عند واحد ، وتضعف عند آخر ، ولعل ابن عباس لم يقف على ما كوتب به عليه السلام من الكوفة ، وما تردد في ذلك من المكاتبات والمراسلات والعهود المواثيق . . .
6 ـ فأما محاربة الكثير بالنفر القليل ، فقد بينا أن الضرورة دعت إليها ، وأن الدين والحزم معا ما اقتضيا في هذه الحال إلا ما فعل . . .
7 ـ وليس يمتنع أن يكون عليه السلام في تلك الحال مجوزا أن يفئ إليه قوم ممن بايعه وعاهده ثم قعد عنه ، ويحملهم ما يرون ـ من صبره وعدم استسلامه ، وقلة ناصره ـ على الرجوع إلى الحق ، دينا أو حمية ، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه عليه السلام شهداء .
ومثل هذا يطمع فيه ، ويتوقع في أحوال الشدة . . .
8 -. . . والحسين عليه السلام لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ، فرأى من أسباب قوة نصار الحق وضعف نصار الباطل ، ما وجب معه عليه الطلب والخروج .
فلما انعكس ذلك ، وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافة والتسليم ، كما فعل أخوه عليه السلام ، فمنع من ذلك ، وحيل بينه وبينه (32).
أقول :
لا بد من تفسير ما ورد في هذا النص ـ سؤالا وجوابا ـ من عبارة : ( كيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه ) في السؤال .
____________
(32) تلخيص الشافي 4 / 181 ـ 188 ، وقد نقله عنه وعن تنزيه الأنبياء ـ للسيد المرتضى ـ : 179 ـ 182 النقوي في : السبطان في موقفيهما ـ ص 51 فما بعدها ـ ، مع رد على مفردات السؤال والجواب معا ، فلاحظه .
(62)

وعبارة : ( غلب على ظنه ) و ( قوى في ظنه ) في الفقرة الأولى من الجواب ، وعبارة ( وأما مخالفة ظنه لظن جميع من أشار عليه ) في الفقرة الخامسة ، وعبارة : ( لما قوى في ظنه النصرة ) في الفقرة الثامنة .
حيث أضيفت كلمة ( الظن ) إلى الإمام عليه السلام ، وهي ظاهرة في إرادة حالة الشك والتردد ، خصوصا بقرينة كلمات ( غلب ) و ( قوى ) و ( قوي ) وقياسه بظنون الآخرين .
وهذا بلا شك ، يعطي الموافقة على أن الإمام عليه السلام لم يكن متأكدا بصورة علمية مما يقدم عليه .
فلا بد إذن من توجيه لهذا الاطلاق ، فأقول :
بما أن المرتضى والطوسي استعملا في الجواب كلمة ( الظن ) في مورد الحكم الشرعي حيث قالا في الفقرة الأولى : ( متى غلب ظنه أنه يصل إلى حقه . . . بضرب من الفعل وجب عليه ذلك ) وفي الفقرة الثامنة : ( لما قوي في ظنه النصرة . . . ما وجب معه عليه الطلب والخروج ) .
وهذا ( الوجوب ) حكم شرعي .
وقد عرفنا فيما نقله المفيد إجماع الطائفة على أن الإمام يعلم الأحكام كلها ، ولا يعتمد فيها على مجرد ( الظن ) حيث قال المفيد : ( وإنما إجماعهم ثابت على أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون ) وكذلك قال : ( وعلى ذلك جماعة أهل الإمامة ) في إثبات علم الأئمة بالغيب المستفاد من الله تعالى ، واستثنى الغلاة .
وكذلك ما حصل من حصر الطوسي أقوال الطائفة في مسألة علم الأئمة بالغيب بين قولين فقط ، ولم يختلفا في أصل علم الأئمة بالغيب ، وإنما اختلفا في معرفة ( وقت القتل ) بين التفصيل والإجمال ، واتفقا على العلم بغير ذلك بالتفصيل ، فإنه يقتضي أن يكون الإمام عالما بالأحكام .
كما عرفت أن الطوسي نسب القول بالعلم الاجمالي بوقت القتل إلى

(63)

خصوص المرتضى ، مما يقتضي ، عدم مخالفته للطائفة في التزام العلم في غير هذا ، ومنه الأحكام .
كما أن استدلال الكلاميين من الطائفة على ثبوت علم الإمام بالأحكام وضرورة ذلك معروف في كتب الكلام .
ومع كل هذا ، فيكف يمكن أن يريد الطوسي والمرتضى مجرد الشك والاحتمال ـ ولو الاحتمال الراجح ـ من كلمة ( الظن ) ؟ !
فلا بد أن يكون المراد بالظن ليس ما يقابل اليقين ، بل يراد به هو ( اليقين ) .
وقد استعمل ( الظن ) وأطلق على ( اليقين ) لغة ، وصرح علماء اللغة بذلك :
قال الجوهري : الظن : معروف ، وقد يوضع موضع العلم .
وقال الأزهري : الظن : يقين ، وشك .
وقال ابن سيده : الظن : شك ، ويقين ، إلا أنه ليس بيقين عيان ، إنما هو يقين تدبر (33).
فإذا كان المراد بالظن هو اليقين ، فالمعنى : أن الإمام عليه السلام لما علم بأن الفعل الكذائي هو الواجب عليه حسب الظروف المعينة التي تحيط به ، فهو عالم بما يقوم به ، في صلحه وسلمه ، وفي خروجه وحربه .
والإمام الحسين عليه السلام كان على علم ويقين بأن حركته هي إعلان عن حقه في قيادة المسلمين التي آلت إليه في تلك الظروف ، وأنه بخروجه وقيامه يملأ الثغرة التي كادت الدولة الأموية أن توسعها بعد ما أحدثتها ، والضربة القاضية التي كاد يزيد أن يوقعها بالأمة الإسلامية والدين الإلهي ، بعد أن أنهكهما أبوه طعنا ، فكانت حركته سدا منيعا يصد الجاهلية أن تعود إلى
____________
(33) لاحظ : لسان العرب ، مادة ( ظن ) .
(64)

الحياة .
ويدل على أن مراد المرتضى والطوسي ( علم الإمام بما يجري ) قولهما في آخر الفقرة الرابعة : ( فلما رأى عليه السلام إقدام القوم ، وأن الدين منبوذ وراء ظهورهم ، وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل . . . ) .
فإذا كان الحسين عليه السلام علم هذا ، فأجدر به أن يعلم غيره مما جرى !
وأما قولهما في الفقرة الثانية : ( ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم . . . ) .
فمعناه : أن احتمالات الغدر والخيانة وطروء الظروف غير المنظورة ، أمور لا تدخل في الحساب ، لأنها تخمينات لا يمكن الاعتماد عليها لمن يقدم على مثل ما أقدم عليه الإمام الحسين عليه السلام في الخطورة والأهمية ، وفي النتائج العظيمة والوخيمة التي كانت تترتب عليه إيجابا وسلبا .
فالإمام الحسين عليه السلام بنى حركته على أساس من علمه بوجوبها عليه ، وعلمه بما يترتب عليها من النتائج ، وما يجب أن يتحمله من المآسي والآلام ، فلا تمنعه الاحتمالات ولا تدخل في حسابه التخمينات ، ولم يأبه بما يثار في هذه الطريق من الأخطار ، إذ لا ينقض اليقين بيقين أحد من الناس العاديين ، فكيف بظنونهم واحتمالاتهم ؟ !
إن الحسين عليه السلام كان يعمل ويسير من منطلق العلم بالحكم الشرعي المحدد له في مثل ظرفه ، والواضح له من خلال تدبر مصالح الإسلام والمسلمين ، والمعروف له من بوابة الغيب المتصلة بطرق السماء من خلال الوحي النبوي والإلهام ، فكان يرى كل شيء رأي العين ، ويسير بثبات ويقين ، ولم يكن ليصرفه عن واجبه الإلهي المعلوم له ، كل ما يعرفه من غدر الكوفة وخيانة أهلها ، فكيف ينصرف باحتمال غدرهم ، وظن خيانتهم ؟ !
وقد شرحنا في كتابنا ( الحسين عليه السلام سماته وسيرته ) جانبا من هذه

(65)

الحقيقة ، في ذكر مواجهة الإمام الحسين عليه السلام لجواب الناصحين له بعدم الخروج ، والمتنبئين بأن مصيره ( القتل ) فكان الجواب الحاسم :
( أن الحسين عليه السلام إذا كان خارجا لأداء واجب الدعوة إلى الله ، فلا يكون خروجه لغوا ، ولا يحق لأحد أن يعاتبه عليه ، لأنه إنما يؤدي بإقدامه واجبا إلهيا ، وضعه الله على الأنبياء وعلى الأئمة من قبل الحسين عليه السلام ، ومن بعده .
وإذا أحرز الإمام تحقق شرط ذلك ، وتمت عنده العدة ـ ولو الظاهرية ـ للخروج ، من خلال العهود والمواثيق ومجموعة الرسائل والكتب التي وصلت إليه .
فهو لا محالة خارج ، ولا تقف أمامه العراقيل المنظورة له والواضحة ، فضلا عن تلك المحتملة والقائمة على الفرض والتخمين ، مثل الغدر به ، أو قتله وهلاكه ! ذلك الذي عرضه الناصحون .
فيكف لو كان المنظور هو ( الشهادة ) والقتل في سبيل الله ، التي هي من أفضل النتائج المتوقعة والتي يترقبها الإمام ، والمطلوبة لمن يدخل هذا السبيل ، ويسير في هذا الطريق الشائك .
مع أن الشهادة مقضية ومأمور بها ، ويحتاج إلى توفيق عظيم لنيلها ، فهي إذن من صميم الأهداف التي كان يضعها الإمام الحسين عليه السلام نصب عينيه ، ويسعى لطلبها ، لا أنها موانع في طريق إقدامه !
وأما أهل العراق وسيرتهم ، وأنهم أهل النفاق والشقاق ، وعادتهم الغدر والخيانة ، فهي أمور لا تعرقل خطة الإمام في قيامه بواجبه ، وإن كان فيها ضرر متصور ، فهي على حياة الإمام ، وتمس راحته ، وليس هذا مهما في مقابل أمر القيادة الأهم ، وأداء واجب الإمامة الإلهي ، حتى يتركها من أجل ذلك .
ولذلك لم يترك الإمام علي عليه السلام أهل الكوفة بالرغم من إظهاره استياءه منهم إلى حد الملل والسأم ! ولكن لا يجوز له ـ شرعا ـ أن يترك موقع


القيادة ، وواجب الإمامة من أجل أخلاقهم المؤذية .
وكذلك الواجب الذي ألقي على عاتق الإمام الحسين عليه السلام بدعوة أهل العراق ، وأهل الكوفة بالخروج إليهم والقيام بقيادة أمرهم وهدايتهم إلى الإسلام ، لم يتأد إلا بالخروج ، ولم يسقط هذا الواجب بمجرد احتمال العصيان غير المتحقق ، في ظاهر الأمر ، فكيف يرفع اليد عنه ، وما هو عذره عن الحجة التي تمت عليه بدعوتهم ؟ ! ولم يبد منهم نكث وغدر به ؟ ! فلا بد أن يمضي الإمام في طريق أداء واجبه ، حتى تكون له الحجة عليهم ، إذا خانوا وغدروا ، كما حدث في كربلاء ، ولو كان على حساب وجوده الشريف ) (34).
وقلت فيه أيضا :
( وغريب أمر أولئك الذين ينظرون إلى الموقف من زاوية المظاهر الحاضرة ، ويحذفون من حساباتهم الأمور غير المنظورة ، ويريدون أن يحاسبوا حركة الإمام وخروجه ، على أساس أنه إمام عالم بالمصير ، بل لا بد أن يعرف كل شيء من خلال الغيب ! فيكف يقدم على ما أقدم ، وهو عالم بكل ما يصير ؟ !
والغرابة في أن الإمام الحسين عليه السلام لو عمل طبقا لما يعلمه من الغيب ، لعاب عليه كل من يسمع بالأخبار ، ويقرأ التاريخ : أنه ترك دعوة الأمة المتظاهرة بالولاء له ، من خلال آلاف الكتب والعهود ـ والواصلة إليه بواسطة أمناء القوم ورؤسائهم ـ استنادا إلى احتمالات الخيانة والتخاذل ، التي لم تظهر بوادرها إلا بالتخمين ، حسب ماضي هذه الجماعة وأخلاقهم .
فلو علم الإمام بعلمه بالغيب ، الذي لم يؤمن به كثير من الناس في عصره ومن بعده ، ولم يسلمه له غير مجموعة قليلة من شيعته ، وأطاع أولئك الناصحين له بعده الخروج ، لكان مطيعا لمن لم تجب عليه طاعتهم ، وتاركا
____________
(34) الحسين سماته وسيرته ـ الباب ـ 3 ، الفقرة 27 -: عراقيل على المسير .
(67)

لنجدة من تجب عليه نجدتهم .
كما أن طاعة أولئك القلة من الناصحين ، لم تكن بأجدر من طاعة الآلاف من عامة الشعب ، الذي قدموا له الدعوة ، وبإلحاح ، وقدموا له الطاعة والولاء .
وقبل هذا وبعده : فإن الواجب الإلهي يحدوه ، ويرسم له الخطط ، للقيام بأمر الأمة ، فإذا تمت الحجة بوجود الناصر ، فهذا هو الدافع الأول والأساسي للإمام على الإقدام ، دون الإحجام على أساس الاحتمالات السياسية ، والتوقعات الظاهرية ، وإنما استند إليها في نصوص من كلماته وتصريحاته ، لإبلاغ الحجة ، وإفحام الخصوم ، وتوضيح المحجة ، لكل جاهل ومظلوم ) (35).
إن حاصل ما ذكره المرتضى والطوسي في أمر الحسين عليه السلام هو :
إنه عليه السلام علم بواجبه وتيقن بتمامية الحجة ، بدعوة أهل العراق وتواتر كتبهم إليه ، وطلبهم له ، واستقر عليه هذا الواجب ، فنهض لأداء واجبه ، وخرج إليهم ليتم هو الحجة عليهم ، وهو إن كان عالما بالنتيجة المعلومة له من الغيب ـ أو من شواهد الحال ـ إلا أنه لم تقم حجة خارجية عيانا ترد الحجة التي قدمها أهل الكوفة بدعوتهم للإمام ، إلا بعد حصر الإمام في كربلاء .
والإمام لم يكلف ـ قبل كربلاء ـ بالعمل بواجبه الظاهر ، ولو أخبر ـ هو ـ بما يعلمه من الغيب ، هل كان يصدقه أحد ؟ ! خصوصا من أهل الكوفة الذين دعوة ؟ ! وبالأخص قبل أن يظهر منهم الغدر ، وقبل أن يحاط بالإمام في كربلاء ؟ !
وأما في كربلاء ، فإن الأمر قد اختلف ، وقد تمت الحجة على أهل الكوفة بحضور الإمام ، وبظهور الغدر والخيانة منهم !
____________
(35) الحسين سماته وسيرته ـ الفقرة 29 -: أنصار أوفياء
(68)

وكان واجب الإمام هو حفظ كرامته وحرمته ، وكرامة الإسلام وحرمته التي ستهتك وتهدر باستسلامه .
مع أن مصيره المعلوم كان هو القتل حتى بعد الاستسلام !
وكما قال الطوسي والمرتضى ـ بنص العبارة ـ في الفقرة السادسة : ( فإن الضرورة دعت إليها ـ أي المحاربة ـ وإن الدين ، والحزم ـ معا ـ ما اقتضيا ـ في هذه الحال ـ إلا ما فعل ) .
فبعد إتمام الإمام عليه السلام الحجة بما قام به من الخروج والمسير إلى أهل الكوفة ، وحتى عرضه عليهم الصلح والسلام ـ وبكل خياراته وأشكاله ـ ورفضهم لها كلها ، تمت الحجة عليهم ، فحاربهم وقاومهم وجاهدهم ، وناضلهم ، حتى نال الشهادة .
ومن المخزي أن بعض المتطفلين على العلم والدين ، والقلم والكتابة ، اتبع ما تشابه من عبارات الطوسي والمرتضى والمفيد ، فاستشهد بظواهرها ـ ومن دون بحث وتحقيق عن الأعماق والدلالات المرادة فيها ـ على ما وضعه نصب عينيه ـ من نفي علمهم بالغيب ـ يحاول إثباته والتأكيد عليه ، بصور مختلفة :
فتارة : بدعوى أن الحسين عليه السلام لم يكن يعلم بما وقع عليه من القتل والبلاء ، وإنما خرج طالبا للحكم والسلطان والملك والخلافة ! ولكنه فوجئ بجيش أقوى مما معه ، وبغدر من وعده النصر وخذلانه ، وانقلب الأمر عليه !
وبدعوى : أنه ما كان يريد أن يقتل ، وأنه كان في خروجه يأمل النصر ويتوقعه ، ولذلك عرض على جيش الكوفة عروضا سلمية !
وأخرى بدعوى : أنه لم يقم إلا منطلقا من خلال العناوين الفقهية العامة ، من دون أن يكون لخصوصية إمامته دخلا في خروجه وحركته !
إن هؤلاء لو جردوا الحسين عليه السلام عن قدسية الإمامة التي قلده الله

(69)

بها ، وسلبوا عنه علم الإمامة بالغيب حتى الحكم الشرعي ومعرفة ما يجب عليه أن يفعل !
فلماذا جردوه وسلبوه من التنبه لما عرفه أناس عاديون عاصروا الأحداث ـ مثل الفرزدق ، وابن عباس ، وابن عمر ، وحتى بعض النساء ـ فأعلنوا أن ذهابه إلى العراق يؤدي إلى قتله ؟ !
ولماذا فرضوا أن الحسين عليه السلام لم ير ما رآه أولئك برؤية واضحة ؟ ! وقد أبلغوه آراءهم ورؤاهم ، فهلا تنبه ـ لو فرضت له غفلة ـ ؟ !
إن هؤلاء ينزلون بالحسين إلى مرتبة أقل من إنسان عادي عاصر الأحداث !
وكيف لهم أن يعرضوا ـ بغمضة عين ـ عن عشرات الآثار والروايات والأخبار والأحاديث ، وفيها الصحيح والمسند والمتصل ، وذات الدلالات الواضحة ، والتي ملئت بها كتب السيرة والحديث والتاريخ ، والتي أخبرت عن ( مقتل الحسين ومصرعه في كربلاء ) وعلى لسان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي أمير المؤمنين عليه السلام ؟ !
تلك الأخبار التي عدت من ( دلائل النبوة ) و ( معجزات الإمامة ) والتي احتج بها المسلمون ، وتواتر خبرها بينهم !
فأخبرت عن ( قتل الحسين في كربلاء ) قبل مولده ، وعنده ، وبعده ، وقد أحضر الرسول تربة مصرعه وشمها ، وحضر علي أرض كربلاء ، وصبر أبا عبد الله فيها وهو في طريق صفين ذهابا وإيابا .


 

رد مع اقتباس