اصل المشكلة
(10)
أصل المشكلة ووجه الاعتراض
الإمامة هي خلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في أداء المهام التي كانت على الرسول .
فلا بد أن يتميز الإمام بكل ما يمكن من مميزات الرسول : من العصمة ، والعلم ، والكمال ، وسائر الصفات الحميدة ، وأن يتنزه عن كل الصفات الذميمة والمشينة .
وقيد ( ما يمكن ) هو لإخراج ميزة ( الرسالة والبنوة ) فإنها خاصة بالرسول المصطفى ، والمبعوث بها من الله ، والمختار لهذا المقام العظيم ، لقيام الأدلة ـ كتابا وسنة ـ على أنه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين ، وأنه لا نبي بعده .
وقد أشبع علماء الكلام ـ في كتبهم ـ البحث والاستدلال على ما ذكرناه جملة وتفصيلا ، بما لا مزيد عليه .
وفي بحث ( العلم ) التزم الشيعة الإمامية بأن النبي لا بد أن يكون عالما بكل ما تحتاج إليه الأمة ، لأن الجهل نقص ، ولا بد في النبي أن يكون أكمل الرعية ، حتى يستحق الانقياد له ، واتباع أثره ، وأن يكون أسوة .
وكذا الإمام ، لا بد أن يكون عالما ـ بنحو ذلك ـ حتى يستحق الخلافة عن النبي في الانقياد له ، واتباع أثره ، ولكي يكون أسوة .
وبعد هذا ، وقع البحث في دائرة ( العلم الذي يجب أن يتصف به النبي والإمام ) .
هل هو العلم بالأحكام فقط ؟
أو يعم العلم بالموضوعات الخارجة ، وسائر الحوادث الكونية ، بما في ذلك المغيبات المغيبات ، الماضية والمستقبلة ؟
(11)
فالتزام الإمامية بإمكان هذا العلم بنحو مطلق ، وعدم تخصيصه أو تقييده بشيء دون آخر من المعلومات ، في أنفسها ، إلا ما دلت الأدلة القطعية على إخراجه .
واعترض هذا الالتزام بوجهين :
الاعتراض الأول :
أن علم الغيب خاص بالله تعالى ذكره ، لدلالة الآيات العديدة على ذلك .
مثل قوله تعالى : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) الآية (65) من سورة النمل (27) وهي مكية .
وقوله تعالى : ( فقل إنما الغيب لله . . . ) الآية (20) من سورة يونس (10) وهي مكية .
وقوله تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) الآية (59) من سورة الأنعام (6) وهي مكية .
وقد وصف الله نفسه جل ذكره بأنه ( عالم الغيب ) في آيات أخرى :
منها قوله تعالى : ( عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ) الآية (73) من سورة الأنعام (6) وهي مكية .
وقوله تعالى : ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ) الآية (94) من سورة التوبة (9) وهي مدنية .
وقوله تعالى : ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) الآية (9) من سورة الرعد (13) وهي مدنية .
وقوله تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) الآية (26) من سورة الجن (72) وهي مكية .
(12)
الاعتراض الثاني :
أن الرسول والإمام إذا كان يعلمان الغيب ، فلا بد أن يعرفا ما يضرهما ويسوءهما ، والعقل والشرع يحكمان بوجوب الاجتناب والابتعاد عما يسوء ويضر ، بينما نجد وقوع النبي والإمام في ما أضرهما وآذاهما .
وقد جاء التصريح بهذه الحقيقة على لسان النبي في قوله تعالى : ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، وما مسني السوء ، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ) الآية (188) من سورة الأعراف (7) وهي مكية .
ولو كان الأئمة يعلمون الغيب ، لما أقدموا على أعمال أدت إلى قتلهم وموتهم ، وورود السوء عليهم :
كما أقدم أمير المؤمنين على الذهاب إلى المسجد ليلة ضربه ابن ملجم ، فمات من ضربته .
وكما أقدم الحسين عليه السلام على المسير إلى كربلاء ، حيث قتل وسبيت نساؤه ، وانتهب رحله .
فإن كل ذلك ـ لو كان مع العلم به ـ لكان من أوضح مصاديق الالقاء للنفس في التهلكة ، الذي نهى عنه الله في قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) الآية (195) من سورة البقرة (2) .
وقد أثير هذا الاعتراض الثاني قديما جدا ، حتى أنا نجده معروضا على الأئمة عليهم السلام أنفسهم ، ونجده مطروحا في القرون التالية مكررا ، وقد تعددت الإجابات عنه كذلك عبر القرون .
وقد حاولنا في هذا البحث أن نسرد الاعتراض بصيغة المختلفة ، ونذكر الإجابات عنه كذلك .
|