إياك نعبد وإياك نستعين الآية ،
العبد هو المملوك من الانسانأو من كل ذي شعور بتجريد المعنى كما يعطيه قوله تعالى :
( إن كل من في السماواتوالأرض إلا اتي الرحمن عبدا ) مريم - 93 .
والعبادة مأخوذة منه وربماتفرقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد ، وما ذكره الجوهريفي الصحاح أن أصل العبودية الخضوع فهو من باب الاخذ بلازم المعنى وإلا فالخضوع متعدباللام والعبادة متعدية بنفسها .
وبالجملة فكأن العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه ولذلك كانت العبادة منافية للاستكبار وغير منافية للاشتراك فمن الجائزان يشترك أزيد من
الواحد في ملك رقبة أو في عبادة عبد ، قال تعالى :
( إن الذين يستكبرون عن عبادتيسيدخلون جهنم داخرين ) غافر - 60
وقال تعالى : ( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) الكهف - 110
فعد الاشراك ممكنا ولذلك نهى عنه ، والنهى لا يمكن الا عن ممكنمقدور بخلاف الاستكبار عن العبادة فإنه لا يجامعها .
والعبودية انما يستقيم بين العبيد ومواليهم فيما يملكه الموالي منهم ، واما ما لا يتعلقبه الملك من شؤون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلق بهعبادة ولا عبودية ، لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممن سواه ولا ان العبد يتبعض في نسبته إليه تعالى فيكون شئ منه مملوكا وشئ ، آخر غير مملوك ، ولا تصرف من التصرفات فيه جائز وتصرف آخر غير جائز كما أن العبيد فيما بيننا شئ منهم مملوك وهو أفعالهم الاختيارية وشئ غير مملوكوهو الأوصاف الاضطرارية ، وبعض التصرفات فيهم جائز كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلا ، فهو تعالى مالك على الاطلاق من غير شرط ولا قيد وغيره مملوك على الاطلاق من غير شرط ولا قيد فهناك حصرمن جهتين ، الرب مقصور في المالكية ، والعبد مقصور في العبودية ، وهذه هي التي
يدل عليه قوله : إياك نعبد حيث قدم المفعول واطلقت العبادة .
ثم إن الملك حيث كان مقتوم الوجود بمالكه كما عرفت مما مر ، فلا يكون حاجبا عن مالكه ولا يحجب عنه ، فإنك إذا نظرت إلى دار زيد فان نظرت إليها من جهة انها دار أمكنك ان تغفل عن زيد ، وان نظرت إليها بما انها ملك زيد لم يمكنك الغفلةعن مالكها وهو زيد .ولكنك عرفت ان ما سواه تعالى ليس له الا المملوكية فقط وهذه حقيقته فشئ منهفي الحقيقة لا يحجب عنه تعالى ، ولا النظر إليه يجامع الغفلة عنه تعالى ، فله تعالىالحضور المطلق ،
قال سبحانه : ( أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ألا انهمفي مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط ) حم السجدة – 54
وإذا كان كذلك فحق عبادته تعالى ان يكون عن حضور من الجانبين .