عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-2010, 09:17 PM   #2
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي تكملة



ثم وثب أبو الشمر الكندي ، فقال : يا أشعث ! لقد ركبت عظيما من الامر بقتلك من لا ذنب له ، وذلك أنا نقاتل من يقاتلنا ، فأما قتل الرسول فلا .

فقال الأشعث : يا هؤلاء !

لا تعجلوا فإنه قد شهد علي وعليكم بالكفر وبعد ! فلم آمر بقتله ، ولا ساءني ذلك . ثم قام الآخر ، فقال : إنا رجونا أنك تعتذر إلينا بعذر نقبله منك ، فأجبتنا بما قد أنفرنا عنك ، وأيم الله لو كنت ذا أرب ، لغيرت هذا ولم تركب العدوان والظلم بقتلك رسولا لا جرم له !

وقال الآخر : ارحلوا عن هذا الظالم حتى يعلم الله عز وجل انكم لم ترضوا بما فعل .
فتفرق عن الأشعث عامة أصحابه حتى بقي في قريب من الفي رجل .

وكتب زياد إلى أبي بكر ( رض ) يخبره بقتل الرسول وأنه وأصحابه محاصرون في مدينة تريم أشد الحصار ، فاستشار أبو بكر المسلمين في ما يصنع في أمر كندة ، فأشار عليه أبو أيوب الأنصاري وقال : إن القوم كثر عددهم وفيهم نخوة الملك ومنعه وإذا هموا

‹ صفحة 394 ›

بالجمع جمعوا خلقا كثيرا ، فلو صرفت عنهم الخيل في عامك هذا ، وصفحت عن أموالهم لرجوت أن ينيبوا إلى الحق ، وأن يحملوا الزكاة إليك بعد هذا العام طائعين .

قال : فقال أبو بكر : والله يا أبا أيوب ! لو منعوني عقالا واحدا مما كان النبي ( ص ) وظفه عليهم لقاتلتهم عليه أبدا ( ش ) ، أو ينيبوا إلى الحق صغرة وقمأة ! ثم كتب إلى عكرمة بن أبي جهل ( ت ) أن يسير بمن أجابه من أهل مكة إلى زياد ، ويستنهض معه من مر عليه من أحياء العرب فخرج في ألفي فارس من قريش ومواليهم وأحلافهم ثم سار حتى صار إلى نجران وبها يومئذ جرير بن عبد الله البجلي ( ث ) في بني عمه فدعاه إلى حرب الأشعث فأبى .

ثم سار إلى مأرب فنزلها وبلغ ذلك أهل دبا فغضبوا من مسير عكرمة ، وقالوا : نشغله عن محاربة بني عمنا من كندة وغيرهم من

‹ صفحة 395 ›

قبائل اليمن ، فطردوا حذيفة بن محصن - عامل أبي بكر - عن بلدهم فالتجأ إلى عكرمة وكتب إلى أبي بكر ( رض ) بخبره فاغتاظ أبو بكر وكتب إلى عكرمة :

" أما بعد فإني كنت كتبت إليك ، وأمرتك بالمسير إلى حضرموت ، فإذا قرأت كتابي هذا فسر إلى أهل دبا على بركة الله عز وجل ، فأنزل بهم ما هم له أهل ، ولا تقصرن في ما كتبت به إليك ، فإذا فرغت من أمرهم فابعث بهم إلي اسراء ، وسر إلى زياد بن لبيد فعسى الله عز وجل أن يفتح على يديك بلاد حضرموت إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " .

فسار إليهم عكرمة وقاتلهم وحاصرهم ، فلما اشتد عليهم الحصار أرسلوا إلى عاملهم حذيفة بن محصن يسألونه الصلح على أنهم يؤدون الزكاة ويرجعون إلى محبته . فأرسل إليهم عاملهم أن لا صلح بيننا وبينكم إلا على إقرار منكم بأنا على حق وأنتم على باطل ، وأن قتيلنا في الجنة وقتيلكم في النار ( خ ) ، وعلى أن نحكم فيكم بما رأيناه !

فأجابوه إلى ذلك فأرسل إليهم أن اخرجوا عن مدينتكم بلا سلاح ، ففعلوا .

فدخل عكرمة حصنهم وقتل أشرافهم صبرا ، وسبي نساءهم وأولادهم ، وأخذ أموالهم ، ووجه بالباقين إلى أبي بكر فهم ان يقتل ‹ صفحة 396 › الرجال ويقسم النساء والذرية فقال له عمر : يا خليفة رسول الله :

ان القوم على دين الاسلام وذلك أني أراهم يحلفون بالله مجتهدين ما كنا رجعنا عن دين الاسلام فحبسهم أبو بكر إلى أن توفي وأطلق عمر سراحهم على عهده .

ثم سار عكرمة إلى زياد فبلغ خبره الأشعث فانحاز إلى حصن النجير وجمع فيه نساءه ونساء قومه . ثم وقعت بينه وبين زياد وقعات ( ذ ) ، وسمعت بذلك قبائل كندة ممن كان تفرق عن الأشعث لما قتل رسول أبي بكر ، فقال بعضهم لبعض :

يا قومنا ! إن بني عمنا قد حصروا في حصن النجير وهذا عار علينا أن نسلمهم فسيروا بنا إليهم ، فسارت قبائل كندة تريد محاربتهم فبلغ زيادا مسيرهم فجزع لذلك ، فقال له عكرمة : أرى أن تقيم محاصرا لمن في الحصن وأمضي أنا فألقى هؤلاء القوم .

فقال زياد : نعم ما رأيت : ولكن إن ظفر الله بهم فلا ترفع السيف عنهم حتى تبيدهم عن آخرهم ( ض ) .

فقال عكرمة : لست آلو جهدا في ما أقدر عليه ! فسار عكرمة حتى وافى القوم فاقتتلوا ووقعت الهزيمة على أصحاب عكرمة وجاء الليل فحجز بين الفريقين ، فلما كان من

‹ صفحة 397 ›

الغد دنا بعضهم من بعض فاقتتلوا حتى أمسوا ، والأشعث بن قيس في خلال ذلك لا يعلم شيئا من ذلك وطال عليهم الحصار واشتد بهم الجوع والعطش فأرسل إلى زياد أن يعطيه الأمان ولأهل بيته ولعشرة من وجوه أصحابه فأجابه زياد إلى ذلك ، وكتب بينهم فظن أهل الحصن أن الأشعث قد أخذ لهم الأمان بأجمعهم ، فسكتوا ولم يقولوا شيئا وكتب زياد إلى عكرمة يخبره ، فقال عكرمة للذين يقاتلونه : على ماذا تقاتلون ؟ قالوا : نقاتلكم على صاحبنا الأشعث بن قيس . فقال : فإن صاحبكم قد طلب الأمان ، ورمى الكتاب إليهم ، فلما قرأوه .

قالوا : يا هذا ! انصرف لا حاجة لنا في قتالك بعد هذا .

ثم انصرفوا عن محاربة عكرمة وهم يسبون الأشعث ويلعنونه !

وقال عكرمة لأصحابه : أسرعوا السير إلى إخوانكم فإن الأشعث قد طلب الأمان ، ولعله إن غنم زياد وأصحابه ما في الحصن لا يشركونكم في شئ من ذلك لأنهم قد سبقوكم إلى فتح الحصن ، فلما قدموا إليه والأشعث بعد لم ينزل من الحصن وهو يستوثق لنفسه ولمن معه ، فقال له زياد :
ما صنعت مع قبائل كندة ؟
فقال له : صنعت والله : إني لقيت قوما لهم أقدار وأخطار ، وصبر على الموت ، فلم أزل أحاربهم حتى علمت أن انتصافهم مني أكثر من انتصافي منهم ، وأتاني كتابك يخبر أن الأشعث يطلب ‹ صفحة 398 › الأمان ، فكففت عن حرب القوم وانصرفت إليك .

فقال زياد : لا والله : ولكنك جبنت فضعفت وكععت عن الحروب ، ألم آمرك ان تضع سيفك فيهم ثم لا ترفعه عنهم وفيهم عين تطرف ، فانصرفت إلي بأصحابك خوفا من أن تفوتك الغنيمة قبح الله من يزعم أنك شجاع القلب بعد هذا .

فغضب عكرمة وقال : أما والله يا زياد !

لو لقيتهم وقد أزمعوا على حربك لرأيت اسودا تحمي أشبالا وتكافح أبطالا ذات أنياب حداد ومخاليب شداد ، ولتمنيت انهم ينصرفون عنك ويخلونك ، وبعد ! فإنك أظلم وأغشم وأجبن قلبا وأشح نفسا وأيبس ، إذ قاتلت هؤلاء القوم وشننت هذه الحروب بينك وبينهم بسبب ناقة واحدة لا أقل ولا أكثر ، ولو لم أغثك بجنودي هؤلاء لعلمت أنك تكون رهين سيوفهم وأسير أوامعهم .

ثم نادى عكرمة في أصحابه وهم بالرحيل ، فاعتذر إليه زياد مما تكلم به ، وقبل عكرمة عذره .

ونزل الأشعث من الحصن في أهل بيته وعشيرته من رؤساء بني عمه مع أهاليهم وأموالهم وأولادهم ، ولم يكن أخذ الأشعث لنفسه الأمان ، فقال زياد : لم تسألني الأمان لنفسك ، والله لأقتلنك .

فقال الأشعث : انا كنت الطالب لقومي الأمان فلم أكن أثبت نفسي مع غيري ، وأما قولك : إنك تقتلني ، فوالله لئن قتلتني لتجلبن عليك وعلى صاحبك اليمن بأجمعها ، فينسيك ما قد مضى .

‹ صفحة 399 ›

فدخل زياد الحصن وجعل يأخذ المقاتلة ويضرب أعناقهم صبرا ، فقالوا له : إنما فتحنا باب الحصن لان الأشعث خبرنا أنك أعطيت الأمان ، فلم تقتلنا ؟ !

فقال زياد : كذب الأشعث ، ما أثبت في الكتاب غيره وغير أهل بيته وعشرة من بني عمه ، فسكتوا وعلموا أن الأشعث هو الذي أسلمهم للقتل ! وبينما زياد يضرب أعناقهم إذ ورد عليه كتاب أبي بكر وفيه : أنه بلغني أن الأشعث قد سأل الأمان ونزل على حكمي ، فاحمله إلي ولا تقتلن أحدا من أشراف كندة .

فقال زياد : لو سبق هذا الكتاب قتلي هؤلاء ما قتلت منهم أحدا .

ثم جمع من بقي منهم فصفدهم بالحديد وكانوا ثمانين رجلا ووجههم إلى أبي بكر ، فلما دخلوا عليه وأوقفوا بين يديه قال للأشعث : الحمد لله الذي أمكن منك . فقال الأشعث : لعمري لقد أمكنك الله مني وقد كان مني ما كان من غيري ، وذلك أن صاحبك زيادا قتل قومي ظلما وعدوانا ، فكان مني ما قد علمت .

فوثب عمر بن الخطاب وقال : يا خليفة رسول الله ! هذا الأشعث قد كان مسلما آمن بالنبي ( ص ) وقرأ القرآن وحج البيت ثم رجع عن دينه وغير وبدل منع الزكاة وقد قال النبي ( ص ) : من بدل دينه فاقتلوه ، وقد وسع الله عليك فاقتله فدمه حلال ! ‹ صفحة 400 ›

فقال الأشعث : يا خليفة رسول الله ! اني ما غيرت ولا بدلت ولا شححت على مالي ، ولكن عاملك زياد بن لبيد جار على قومي ، فقتل منهم من لا ذنب له فأنفت لذلك ، وانتصرت لقومي فقاتلته .

وقد كان مني ما كان واني أفدي نفسي وهؤلاء الملوك وأطلق كل أسير في بلاد اليمن وأكون عونا لك وناصرا ما بقيت على أن تزوجني أختك أم فروة بنت أبي قحافة ، فإني لك نعم الصهر . فقال أبو بكر : قد فعلت .

وزوجه أخته ، وأحسن إليه غاية الاحسان ، وكان عنده بأفضل المنازل وأرفعها " .
إنتهى .

أجمع المؤرخون على أن تلك الحروب كافة وقعت من أجل قلوص نفس بها صاحبها وتضرع إلى زياد أن يأخذ غيرها مكانها فأبى ، فتشفع له رئيس من قومه فرده زياد .

وكرهوا ذكر تفاصيلها لما تستوجب نقد الصحابة الكبار عدا ابن أعثم الذي أخذنا بعض الشرح منه .

ومن الغريب أنهم أثنوا على زياد في ما فعل ووصفوه بالحازم الصلب في حين أن رسول الله ( ص ) نهى عن مثل هذه القسوة في حديث رواة من أصحاب الصحاح :
البخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، والدارمي ومالك ، كما رواه أحمد - أيضا - في مسنده ونحن نرويه عن البخاري ، قال :
قال

‹ صفحة 401 ›

رسول الله ( ص ) لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك ، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك ، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم . فإن هم أطاعوا لك بذلك ، فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‹ هامش ص 394 ›
( ش ) هذا هو سبب الخلاف ليس غيره هل يدفعون الزكاة إلى أبي بكر كما كانوا يدفعونه إلى النبي أم لا ، وليس الخلاف على اسلامهم ولا على قبولهم الزكاة .
( ت ) أبو عثمان عكرمة بن أبي جهل بن هشام القرشي المخزومي وأمه أم مجالد الهلالية واسم أبي جهل عمرو كان عكرمة كأبيه شديد العداوة لرسول الله في الجاهلية واسلم بعد فتح مكة بقليل وقتل في وقعة فحل ، أسد الغابة ( 4 / 4 - 7 ) .
( ث ) جرير بن عبد الله بن جابر البجلي واختلفوا في بجيلة أهم من يمن أم من نزار أمره عمر على بجيلة في الفتوح بالعراق وتوفي سنة إحدى أو أربع وخمسين ، أسد الغابة ( 1 / 279 - 280 ) .

‹ هامش ص 395 ›
( خ ) كأن الله ينفذ يوم القيامة ما يقرره ولاة أبي بكر ! ومرة أخرى قسوة من ولاة أبي بكر وفظاظة ! .
‹ هامش ص 396 ›
( ذ ) أوردها ابن أعثم مفصلا . ( ض ) هكذا ولاة أبي بكر ينصح بعضهم بعضا ان يبيدوا عباد الله المسلمين .

‹ هامش ص 401 ›
( ذ ) قيل : إنها حرب وقعت بين بني بكر وبني تغلب من آل وائل بسبب ناقة قتلت ويضرب بها المثل - راجع نهاية الإرب ( 413 ) الحرب الأولى من حروب أيام العرب ، والأغاني 1 / 139 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


 

رد مع اقتباس