منشا تغير مدلول لفظ السبائي
منشا تغير مدلول لفظ السبائي
يبقى بعد هذا أن نبحث عن منشأ تغيير مدلول لفظ السبائي في ما يلي : منشأ تغيير مدلول " السبائي " : ولو بحثنا عن منشأ تغيير مدلول لفظ ( السبائي ) من الدلالة على الانتساب إلى قبائل قحطان اليمانية ، إلى المدلول المذهبي الجديد لوجدناه ينتهي إلى زمان تجمع القبائل السبئية ، من شيعة علي في الكوفة بعد نصرتها إياه في الجمل وصفين وغيرهما بقيادة رؤوسهم وأشرافهم أمثال :
1 - عمار بن ياسر العنسي السبائي .
2 - مالك بن الأشتر وكميل بن زياد النخعيين السبائيين وأفراد قبيلتهما . 3 - حجر بن عدي الكندي السبائي وأفراد قبيلته وجماعته وتلاميذه . ( * ) ‹ صفحة 266 › 4 - عدي بن حاتم الطائي السبائي وأفراد قبيلته .
5 - قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي السبائي والخزرجيين من الأنصار معه . 6 - ذي الشهادتين خزيمة بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، وعثمان بن حنيف السبائيين وسائر الأوسيين من الأنصار معهم . 7 - عبد الله بن بديل ، وعمرو بن الحمق ، وسليمان بن صرد الخزاعيين السبائيين وأفراد قبيلتهم . هؤلاء إلى عشرات الألوف من قبائلهم السبائية كانوا من ألد الخصوم للسلطة الأموية القرشية العدنانية منذ عصر عثمان وحتى آخر يوم من عصر الدولة الأموية ، وإلى آخر ساعة من حياة كل فرد من أولئك الشيعة .
كان كل أولئك سبائيين بالنسب ، وقيل لهم : ( السبئيون ) تعييرا ونبزا بالألقاب ابتداء من عصر زياد بن أبيه في الكوفة .
كما ورد في كتاب زياد الآتي إلى معاوية : " بسم الله الرحمن الرحيم : لعبد الله معاوية أمير المؤمنين .
أما بعد ، فإن الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فكاد له عدوه وكفاه مؤونة من بغى عليه ، إن طواغيت من هذه الترابية السبائية رأسهم حجر بن عدي ، خالفوا أمير المؤمنين ، وفارقوا جماعة المسلمين ، ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم ، وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي السن والدين منهم ، فشهدوا عليهم بما رأوا وعملوا ، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين ، وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في
‹ صفحة 267 ›
أسفل كتابي هذا " .
لما وصف زياد حجرا وجماعته ب ( الترابية السبائية ) استشهد أهل مصرهم عليهم فشهدوا عليهم بما يلي استجابة لرغبته : روى الطبري قال : " بعث زياد إلى أصحاب حجر حتى جمع منهم اثني عشر رجلا في السجن ، ثم إنه دعا رؤوس الأرباع فقال : اشهدوا على حجر بما رأيتم منه .
وكان رؤوس الأرباع يومئذ : عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة . وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان .
وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة وكندة . وأبو بردة بن أبي موسى - الأشعري - على مذحج وأسد .
فشهد هؤلاء الأربعة بما يلي : إن حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين ، وزعم أن هذا الامر لا يصلح إلا في آل أبي طالب ، ووثب بالمصر وأخرج عامل أمير المؤمنين ، وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه . وإن هؤلاء النفر الذين معه هم رؤوس أصحابه وعلى مثل رأيه وأمره " .
قال الطبري : " ونظر زياد في شهادة الشهود فقال : ما أظن هذه الشهادة قاطعة ، وإني لأحب أن تكون الشهود أكثر من أربعة " .
ثم روى الطبري الشهادة التي نظمها زياد كما يلي : ‹ صفحة 268 › " بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين ، شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء " ( و ) . فقال زياد : على مثل هذه الشهادة فاشهدوا .
أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق ، فشهد رؤوس الأرباع على مثل شهادته ، وكانوا أربعة . ثم إن زيادا دعا الناس فقال اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الأرباع .
قال الطبري : قال زياد : " ابدأوا بقريش ثم اكتبوا اسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالنصيحة والاستقامة .
فشهد عليه سبعون رجلا ، فقال زياد : القوهم إلا من عرف . . . " .
ثم ذكر الطبري أسماء من أثبت من الشهود وفيهم عمر بن سعد ،
‹ صفحة 269 ›
وشمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وزجر بن قيس ( ز ) .
قال الطبري :
وشهد شداد بن المنذر بن الحارث بن وعلة الذهلي ، وكان يدعى ابن بزيعة ( ح ) .
فقال زياد : أما لهذا أب ينسب إليه ؟ ألغوه من الشهود ، فقيل له : إنه أخو الحصين بن المنذر ، فقال : انسبوه إلى أبيه .
فنسب ، فبلغ ذلك شدادا ، فقال : والهفاه على ابن الزانية !
أو ليست أمه أعرف من أبيه ؟
فهو والله ما ينسب إلا إلى أمه سمية . قال الطبري : وكتب في الشهود شريح بن الحارث ، وشريح بن هاني ( ط ) فأما شريح بن الحارث فقال :
سألني عنه فقلت : أما إنه كان صواما قواما .
وأما شريح بن هانئ فقال : بلغني أن شهادتي كتبت فأكذبته ولمته .
كتب كتابا إلى معاوية وبعث به إليه بيد وائل بن حجر ، وفي الكتاب :
‹ صفحة 270 ›
بلغني أن زيادا كتب شهادتي ، وإن شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويديم الحج والعمرة ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، حرام الدم والمال ، فإن شئت فاقتله ، وإن شئت فدعه . فلما قرأ معاوية الكتاب ، قال : ما أرى هذا إلا قد أخرج نفسه من شهادتكم .
وكتب شهادة السري بن وقاص الحارثي وهو غائب في عمله .
وصف زياد حجرا وجماعته ب ( الترابية السبائية ) واستشهد عليهم من شهد عليه بما مر !
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 268 ›
( و ) الصلعاء كل خطة مشهورة ، والداهية ، ويقصد بكفرة حجر نكثه البيعة وخلعه معاوية على حد زعم أبي موسى الأشعري ربيب نعمة الأمويين . ونظير هذا قول الحجاج في ابن الزبير بعد قتله فإنه قال في خطبته لأهل مكة : " أيها الناس ! أن عبد الله بن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب في الخلافة ونازعها أهلها وألحد في الحرم فأذاقه الله حر الحديد . . . " تاريخ ابن كثير 8 / 331 - وقال لامه : " إن ابنك ألحد في هذا البيت . . " تاريخ الاسلام للذهبي 3 / 136 وكان يقصد من إلحاد ابن الزبير في البيت والحرم منازعته بني أمية الخلافة وهو في البيت والحرم كما هو ظاهر من قوله .
‹ هامش ص 269 ›
( ز ) عمر بن سعد القرشي الزهري قائد الجيش الذي أرسله ابن زياد لقتال الحسين في كربلاء ، قتله المختار . وشبث بن ربعي تأتي ترجمته وزجر بن قيس كلاهما كانا في ذلك الجيش وشمر ابن ذي الجوشن قاتل الإمام الحسين ( ع ) .
( ح ) شداد بن المنذر من بني عامر بن ذهل بن ثعلبة من قبائل بكر بن وائل العدنانية .
( ط ) القاضي شريح بن الحارث الكندي أبو أمية نسبه في جمهرة ابن حزم ( ص 425 ) وترجمته في طبقات ابن سعد .
وشريح بن هانئ بن يزيد من بني الحارث من قبائل مالك بن أدد القحطاني من أصحاب علي . له رواية ( أنساب ابن حزم ص 417 ) .
‹ هامش ص 270 ›
( ي ) القادسية وقعة للمسلمين مع الفرس في العراق في عصر الخليفة عمر بقيادة سعد بن أبي وقاص . ومرج عذراء قرية بغوطة دمشق .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|