ابن سبأ في كتب اهل المقالات 2
وأورد ابن عساكر المتوفى سنة ( 571 ه ) في ترجمة عبد الله بن سبأ من تاريخه رواية سيف فيه والتي أوردنا محتواها في فصل منشأ الأسطورة السبئية من الجزء الأول منه ( م ) وبعضا من الروايات التي أوردناها في ما سبق ،
وأضاف إليها الروايات التالية : ‹ صفحة 233 ›
1 - عن أبي الطفيل قال : رأيت المسيب بن نجبة أتى به - ابن السوداء - متلببا وعلي على المنبر ، فقال علي : " ما شأنه ؟ " . فقال : " يكذب على الله وعلى رسوله " .
2 - وفي رواية قال علي بن أبي طالب : " مالي ولهذا الحميت ( ن ) الأسود " يغني : عبد الله بن سبأ ، وكان يقع في أبي بكر وعمر .
3 - وفي رواية : رأيت عليا وهو على المنبر يقول : " من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله وعلى رسوله ؟ - يعني ابن السوداء - لولا أن لا يخرج علي عصابة تنعى دمه كما ادعت علي دماء أهل النهر لجعلت منه ركاما " .
4 - وفي رواية : سمعت عليا يقول لعبد الله السبائي ( أأنت ) : " ويلك ! والله ما أفضى رسول الله ( ع ) إلي بشئ كتمه أحدا من الناس " .
5 - وفي رواية : بلغ عليا أن ابن السوداء انتقص أبا بكر وعمر فدعا به وبالسيف ، أو قال ، فهم بقتله فكلم فيه ، فقال : " لا يساكنني ببلد أنا فيه " قال : فسيره إلى المدائن .
6 - وفي رواية : عن الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر ، قال : لما بويع علي خطب الناس ، فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له : " أنت دابة الأرض " قال : فقال له :
‹ صفحة 234 ›
" أتق الله " فقال : " أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق " فأمر بقتله ، فاجتمعت الرافضة فقالت : " دعه وانفه إلى ساباط المدائن ، فإنك إن قتلته بالمدينة خرجت أصحابه علينا وشيعته " فنفاه إلى ساباط المدائن فثم القرامطة والرافضة ، قال : ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلا ، فقال : " ارجعوا ، فإني علي بن أبي طالب ، أبي مشهور ، وأمي مشهورة ، وأنا ابن عم محمد ( ص ) . فقالوا : " لا نرجع ، دع داعيك " فأحرقهم بالنار وقبورهم في صحراء ، أحد عشر مشهورة .
فقال من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علينا : " إنه إله " واحتجوا بقول ابن عباس : " لا يعذب بالنار إلا خالقها " قال : فقال ابن عباس : " قد عذب أبو بكر بالنار فاعبدوه أيضا " . وقال الذهبي المتوفى ( 748 ه ) في ترجمة عبد الله بن سبأ من ميزان الاعتدال : " عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة .
ضال مضل ، أحسب أن عليا حرقه بالنار .
وقد قال الجوزجاني : زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي ، فنهاه علي بعد ما هم به " ( ف ) ( 9 ) .
‹ صفحة 235 ›
أورد ابن حجر المتوفى ( 852 ه ) في لسان الميزان كلام الذهبي السابق وبعض روايات ابن عساكر ثم روى أن الإمام قال لعبد الله بن سبأ : " والله ما أفضى - رسول الله - بشئ أكتمه أحدا من الناس " .
ولقد سمعته يقول : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا وإنك لأحدهم .
وقال : " إن سويد بن غفلة دخل على علي في إمارته فقال : إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك ، منهم عبد الله بن سبأ " .
وكان عبد الله بن سبأ أول من أظهر ذلك ، فقال علي : " مالي ولهذا الخبيث الأسود " ثم قال : " معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل ، ثم أرسل إلى عبد الله بن سبأ فسيره إلى المدائن وقال : لا يساكنني في بلدة أبدا " ثم نهض إلى المنبر حتى اجتمع الناس ، فذكر القصة في ثنائه عليهما بطولها وفي آخرها : " ألا ، ولا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري " ( ص ) .
‹ صفحة 236 ›
قال وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، وليست له رواية ولله الحمد ، وله أتباع يقال لهم : السبائية ، معتقدون الإلهية لعلي بن أبي طالب وقد أحرقهم علي بالنار ( 10 ) . وقال المقريزي المتوفى ( 848 ه ) في ( ذكر الحال في عقائد أهل الاسلام ) من خططه عن ابن سبأ : إنه قام في زمان الإمام علي ، وإنه أحدث القول بوصية رسول الله ( ص ) لعلي بالإمامة من بعده فهو وصي رسول الله ( ص ) وخليفته على أمته من بعده بالنص ، وأحدث القول برجعة علي بعد موته إلى الدنيا ( ق ) وبرجعة رسول الله ( ص ) - أيضا - وزعم أن عليا لم يقتل ، وأنه حي ( ق ) ، وأن فيه الجزء الإلهي ، وأنه الذي يجئ في ‹ صفحة 237 › السحاب - إلى قوله - : ومن ابن سبأ هذا تشعبت أصناف الغلاة من الرافضة وصاروا يقولون بالوقف بعنوان أن الإمامة موقوفة على أناس معينين - إلى قوله - : وعنه - أيضا - أخذوا القول بفيئة الامام ، والقول برجعته بعد الموت إلى الدنيا - كما تعتقده الامامية إلى اليوم في صاحب السرداب - وهو القول بتناسخ الأرواح .
وعنه أخذوا - أيضا - القول بأن الجزء الإلهي يحل في الأئمة بعد علي ابن أبي طالب ، وأنهم بذلك استحقوا الإمامة بطريق الوجوب كما استحق آدم ( ع ) سجود الملائكة ، وعلى هذا الرأي كان اعتقاد دعاة الخلفاء الفاطميين ببلاد مصر . وابن سبأ هذا هو الذي أثار فتنة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ( رض ) حتى قتل ، كما ذكر في ترجمة ابن سبأ من كتاب التاريخ الكبير المقفى ، وقال في تعريف السبئية : " والفرقة الخامسة : السبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال شفاها لعلي بن أبي طالب : أنت الاله . . . " ( 11 ) .
أوردنا في ما سبق أقوال العلماء في ابن سبأ والسبائية جاهدين في إيصال الأقوال إلى أوائل القائلين بها ، وردد - أيضا - تلكم الأقوال غير أولئك كل من :
1 - ابن أبي الحديد المتوفى سنة 655 ه في شرح الخطبة المرقمة ‹ صفحة 238 › 27 من شرح النهج ( 8 / 120 ) .
2 - ابن كثير المتوفى سنة 774 ه في تاريخه .
3 - البستاني المتوفى ( 1300 ه ) أخذ من المقريزي وابن كثير ما أورده في لغة عبد الله بن سبأ من دائرة معارفه . وكذلك فعل غيرهم - أيضا - مثل ابن خلدون في مقدمته ( 11 / 2 ) .
نهل هؤلاء وغير هؤلاء من معين سيف تارة ( ر ) ومن معين مؤلفي الفرق والملل والنحل تارة أخرى ، وقد بينا شأن سيف وأحاديثه في الجزء الأول من هذا الكتاب وفي كتاب ( خمسون ومائة صحابي مختلق ) .
أما مؤلفو كتب الملل والفرق فإنهم تنافسوا في تكثير عدد الفرق في الاسلام ، مثل فرقة الناووسية ، والطيارة ، والممطورة ، والسبائية ، والغرابية ، والمعلومية ، والمجهولية ( * ) وأمثالها ، ويبدو أنهم كتبوا من عند أنفسهم شروحا عن تلك الفرق توضح عقائدها وأراد كل مؤلف أن يبز الآخرين في غريب ما يورد ويشرح ، وبذلك جنوا على الاسلام جناية لا تغتفر في نسبتهم إلى المسلمين ما لم يكن فيهم ! !
ولو قدر لنا أن نكتب في الفرق لأضفنا إلى ما ذكروا : ( فرقة المبتكرية في الاسلام ) ثم نشرح هذا القول ونقول : إنهم أصحاب كتب الفرق والملل والنحل الذين يخترعون الفرق للمسلمين ، ويبتكرون لهم من عند أنفسهم أخبارا ، وكان يكفينا دليلا على ذلك إيراد بعض الفصول من المعلومية والمجهولية ذكرهما المقريزي في خططه 4 / 179 . ( * ) ‹ صفحة 239 › الملل والنحل للشهرستاني ، والفرق بين الفرق للبغدادي ، والفصل لابن حزم ، ثم البحث عن أسانيد ما أوردوا ، ليثبت أن أكثر ما ذكروا لم يوجد بتاتا ، ولنا أن نقول بعد ذلك - إن أحسنا الظن بمؤلفي كتب الملل والنحل أجمعين - : إنهم كانوا يدونون كل ما يدور على ألسنة أهل عصرهم من خرافة ، وكنا نرى في مؤلفاتهم مرآة صادقة تعكس أفكار أهل عصرهم ، وآراءهم عن تلكم الفرق - فإنه يدور على ألسنة أفراد من العامة في كل عصر وأحيانا على ألسنة الكثير منهم أساطير لا تمت إلى الواقع بصلة ، كما شاهدنا مثال ذلك في عصرنا : أن بعض العوام من الشيعة ، ومن السنة يعتقدون أن للطائفة الأخرى ذنبا يوارونه تحت الثياب ، وعلى هذا جاز لنا ، لو رمنا مجاراة أهل المقالات في أسلوبهم ، أن نستدرك عليهم - أيضا - ما فاتهم من ذكر هذه الفرقة ونقول : الفرقة الذنبية في الاسلام : فرقة لها ذنب كذنب بعض الحيوان يوارونه تحت الثياب ( ش ) .
يورد أهل المقالات والملل والنحل في تآليفهم كل هذر من القول - نظير ما ذكرنا - دونما حاجة إلى بيان السند ، على أن إيراد السند في كثير من تلكم الكتب إنما هو إضافة ابتكار على ابتكار ، وإذا كان إيراد الروايات السابقة بأسانيدها من كتب أهل الفرق - مع ما في متونها من تناقض وتهافت وسخف - لا يكفي دليلا على ما نقول ، فلنستشهد بروايات أخرى ‹ صفحة 240 › نظيرها وهي معنعنة موصولة الاسناد إلى صاحب الخبر لترى - أيضا - قيمة الاسناد في نظائر تلكم الأساطير .
روى المسعودي ( 12 ) عن عبد الله بن سعد بن كثير بن عفير المصري ، عن أبيه ، عن يعقوب بن الحارث بن نجيم ، عن شبيب بن شيبة التميمي ، قال : قدمت الشحر ( ت ) ، فنزلت على رأسها ، فتذاكرنا النسناس ، فقال : " صيدوا لنا منها " فلما أن رجعت إليه مع بعض أعوانه المهريين ( ث ) إذ أنا بنسناس منها ، فقال لي النسناس : " أنا بالله وبك " فقلت لهم : خلوه ، فخلوه ، فلما حضر الغداء قال : هل اصطدتم منها شيئا ؟ قالوا : نعم ، ولكن خلاه ضيفك ! قال : استعدوا فإنا خارجون في قنصه ، فلما خرجنا إلى ذلك في السحر ، خرج واحد منها يعدو وله وجه كوجه الانسان ، وشعرات في ذقنه ومثل الثدي في صدره ، ومثل رجلي الانسان رجلاه ، وقد ألظ به كلبان وهو يقول :
الويل لي مما به دهاني * دهري من الهموم والأحزان
قفا قليلا أيها الكلبان * واستمعا قولي وصدقاني
‹ صفحة 241 ›
إنكما حين تحارباني * ألفيتماني حضرا عناني ( خ )
لولا سباتي ما ملكتماني * حتى تموتا أو تفارقاني
لست بخوار ولا جبان * ولا بنكس رعش الجنان
لكن قضاء الملك الرحمان * يذل ذا القوة والسلطان
قال : فالتقيا به فأخذاه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 232 › ( ل ) الحلاجية : نسبة إلى أبي عبد الله الحسين بن منصور الحلاج تجول في البلاد وقيل إنه أظهر أنواعا من السحر والشعبذة وإذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا أو يرون التشيع تشيع أو التسنن تسنن ودعا الناس إلى نفسه فأخذ وقتل ببغداد سنة تسع وثلاثمائة - ترجمته بالعبر ( 2 / 138 ) - والشطر الأول من الأبيات ورد كما سجلناه . ( م ) وأورد رواية أخرى عن سيف ينبغي ذكرها عندما نناقش الأسطورة السبئية إن شاء الله تعالى . ‹ هامش ص 233 › ( ن ) الحميت : الزق الذي لا شعر فيه أو المشعر ، وفي رواية : الخبيث الأسود بدل الحميت الأسود . ( أأنت ) في الرواية ( الشيباني ) بدل السبائي ونراه من غلط الناسخ . ( ع ) ( رسول الله ) ساقط من الرواية ويقتضيه السياق . ‹ هامش ص 234 › ( ف ) الجوزجاني هو أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي ، ولد بجوزجان من كور بلخ خراسان ورحل إلى عدة بلاد ثم نزل دمشق الشام وحدث بها ، من مؤلفاته ( الجرح والتعديل ) و ( الضعفاء ) و ( المترجم ) قال الذهبي بترجمته من تذكرة الحفاظ : " وفيه انحراف عن علي " وقال : " كان يتحامل على علي ( رض ) " ، وفي لغة الجوزجان من معجم البلدان : التمس من يذبح له دجاجة فتعذر عليه فقال : يا قوم ! يتعذر علي من يذبح لي دجاجة وعلي بن أبي طالب قتل سبعين ألفا في وقت واحد ! توفي سنة 259 . تذكرة الحفاظ الترجمة ( 569 ) وتاريخ ابن عساكر وابن كثير ( 11 / 31 ) . ‹ هامش ص 235 › ( ص ) لقد نسي واضع هذا الخبر شكاوى الامام في خطبه منهم مثل قوله في الشقشقية الخطبة الثالثة في النهج : " أما والله لقد تقمصها فلان - ابن أبي قحافة - وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير - إلى قوله - : فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده . . . فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لاخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها . . . الخ " . وقوله في ما أجاب به بعض أصحابه لما سأله : " كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به " : " أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله ( ص ) نوطا فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين والحكم الله والمعود إليه القيامة ، ودع عنك نهبا صيح في حجراته . . . الخ " الخطبة 157 من النهج ج 2 . ‹ هامش ص 236 › ( ق ) لم ينتبه المقريزي إلى التناقض بين قوله برجعة علي بعد موته " وقوله : " إن عليا لم يقتل وإنه حي . . . " . ‹ هامش ص 238 › ( ر ) كما فعل المقريزي فإنه أخذ من أحاديث سيف ، ومن أصحاب الفرق ، وأخذ البستاني أقوال أهل الفرق من المقريزي وقول سيف من ابن كثير وكذلك فعل غيرهم . ‹ هامش ص 239 › ( ش ) لم يكن لنا بد من الاسفاف في القول إلى هذا الحد لان البحث كان يدور حول هذر من القول وهراء لم نجد سبيلا إلى كشفه دونما تمثيل له . ‹ هامش ص 240 › ( ت ) الشحر : صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن - معجم البلدان . ( ث ) والمهريون : نسبة إلى مهرة بن حيدان بن عمرو تنسب إليهم الإبل المهرية ، لهم مخلاف باليمن بينه وبين عمان نحو شهر - معجم البلدان . والمخلاف - واحد المخاليف كور اليمن وكل مخلاف يعرف باسم القبيلة التي أقامت به - معجم البدان ( 1 / 39 ) . ‹ هامش ص 241 › ( خ ) حضرا : الذي لا يريد السفر . ورعش : الجبان . وفي رواية الحموي الآتية ( واسمعا ) بدل ( واستمعا ) و ( خضلا ) بدل ( خضرا ) و ( لوبي شبابي ) بدل ( لولا سباتي ) و ( تخلياني ) بدل ( تفارقاني ) .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|