ورد ذكر ابن سبأ في عدة روايات بكتب الحديث ومعرفة الرجال
الخلاصة :
لم يكن يومذاك غلاة ولا عباد صنم في الجزيرة العربية ولم يحرق الامام أحدا ، ويجوز وجودزنادقة أو من ارتد إلى النصرانية قتلهم الامام ثم أحرق جثثهم خشية أن يتخذ قبورهم أوثانا .
‹ صفحة 171 ›
أشرنا إلى موجز أسطورة ابن سبأ عند المؤرخين في فصل ( منشأ الأسطورة ) في الجزء الأول من هذا الكتاب .
وفى ما يأتي نناقش أخبارا وردت في كتب أهل المقالات عن ابن سبأ وما يتصل به ونبين زيفها إن شاء الله تعالى .
وندرس في هذا الفصل روايات وردت في كتب الحديث عن ابن سبأ ونقول :
ورد ذكر ابن سبأ في عدة روايات بكتب الحديث ومعرفة الرجال ومنها الروايات الآتية :
1 - روى الكشي : " عن أبي جعفر : إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ( تعالى الله عن ذلك ) فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله ، فأقر بذلك وقال : نعم أنت هو !
وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي " .
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام :
" ويلك ! قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ، ثكلتك أمك ، ‹ صفحة 172 › وتب ! " .
فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيام ، فلم يتب ، فأحرقه بالنار وقال : " إن الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك " ( أ ) .
2 - وروى - أيضا - عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال : " إنه لما ادعى ذلك فيه استتابه أمير المؤمنين فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار " .
3 - وروى - أيضا - عن أبان بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
" لعن الله عبد الله بن سبأ ! إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبدا لله طائعا ، الويل لمن كذب علينا ، وإن قوما يقولون فينا مالا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم ! " .
4 - وروى - أيضا - عن علي بن الحسين ( ع ) أنه قال : " لعن الله من كذب علينا ، إني ذكرت عبد الله بن سبأ ، فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمرا عظيما ! ماله لعنه ‹ صفحة 173 › الله ؟ !
كان علي عليه السلام والله عبدا لله صالحا ، أخو رسول الله ، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله ، وما نال رسول الله ( ص ) الكرامة من الله إلا بطاعته لله " ( ب ) .
5 - وروى - أيضا - عن أبي عبد الله أنه قال : " إنا أهل بيت صديقون لا نخل من كذاب يكذب علينا ، ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس !
كان رسول الله ( ص ) أصدق الناس لهجة ، وأصدق البرية كلها ، وكان مسيلمة يكذب عليه ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله عبد الله بن سبأ " .
( وكان أبو عبد الله الحسين أبتلي بالمختار . . . ) الحديث ( ج ) .
ثم قال الكشي بعدها :
" ذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا ( ع ) وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله ( ص ) في علي عليه السلام مثل ذلك ( * ) ، وكان أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم .
‹ صفحة 174 ›
فمن هاهنا قال من خالف الشيعة : أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية " ( 1 ) .
يحوي القسم الأخير من هذه الأخبار موجز روايات سيف عن ابن سبأ الواردة في تاريخ الطبري .
أما الروايات الخمس التي قبله فقد وجدنا مضامينها في كتب أهل الملل والنحل ممن سبق عصر الشيخ الكشي أو عاصره ، فقد كان الكشي معاصرا لابن قولويه المتوفى ( 369 ه ) ( 2 ) ، ووردت مضامين رواياته في :
كتاب المقالات : لسعد بن عبد الله الأشعري المتوفى ( 301 ه ) .
وفرق الشيعة ، للنوبختي المتوفى ( 310 ه ) .
ومقالات الاسلاميين ، لعلي بن إسماعيل المتوفى 330 ه ) ( د ) .
غير أن هؤلاء أوردوها بسياق واحد وبلا سند ، ووردت في رجال الكشي موزعة على روايات مسندة .
ومن رجال الكشي المسمى بمعرفة الناقلين انتشرت هذه الروايات في كتب الشيعة ، فقد لخص الشيخ الطوسي المتوفى ( 460 ه ) رجال الكشي وسماه ( اختيار معرفة الرجال ) وهو المتداول بأيدينا اليوم .
‹ صفحة 175 ›
وألف أحمد بن طاووس المتوفى ( 673 ه ) كتابه : ( حل الاشكال ) سنة ( 644 ه ) وجمع فيه عبارات الكتب الرجالية الخمسة ، وهي : ( رجال الشيخ الطوسي ) و ( فهرسته ) و ( اختيار رجال الكشي ) له ، و ( رجال النجاشي ) المتوفى ( 450 ه ) وكتاب ( الضعفاء ) المنسوب لابن الغضائري المتوفى بعد الأربعمائة .
وتبع ابن طاووس تلميذاه العلامة الحلي المتوفى ( 726 ه ) في كتابه : ( الخلاصة ) وابن داود في ( رجاله ) المؤلف في سنة ( 707 ه ) وأوردا في كتابيهما عين ما أدرجه أستاذهما في كتابه ( 3 ) .
واستخرج الشيخ حسن بن زين الدين العاملي المتوفى ( 1011 ه ) اختيار رجال الكشي من كتاب ( حل الاشكال ) لابن طاووس وسماه ( التحرير الطاووسي ) ( 4 ) .
وجمع القهبائي الكتب الخمسة مع الاحتفاظ بعباراتها عينها في كتابه ( مجمع الرجال ) الذي ألفه سنة ( 1016 ه ) .
هكذا أصبحت الكتب الخمسة مصادر للدراسات الرجالية عند الشيعة ، وإليها ينتهون في بحوثهم الرجالية ، وإن أخذ بعضهم من بعض .
ومن ثم انتشرت روايات رجال الكشي عن ابن سبأ في كتب الرجال ، ورمزوا إليه ب ( كش ) ( ه ) ، ومنه أخذ ترجمة ابن سبأ كل من جاء بعده من علماء الرجال ، مثل :
‹ صفحة 176 ›
1 - التفرشي الذي نقل إحدى رواياته بترجمة عبد الله بن سبأ من كتابه ( نقد الرجال ) الذي ألفه سنة ( 1015 ه ) ورمز إليه ب ( كش ) .
2 - والأردبيلي الذي نقل عنه ، وعمن أخذ عنه في ترجمة عبد الله بن سبأ من كتابه ( جامع الرواة ) الذي تم تأليفه سنة ( 1100 ه ) وسجل رموزهم ، وكذلك فعل غيرهما من المصنفين في علم الرجال .
من أهل الحديث ، أخرج المجلسي المتوفى ( 1110 أو 1111 ه ) الروايات الخمس ، والخبر الأخير عن الكشي في موسوعته الحديثية ( البحار ) ( 5 ) .
وأخرج الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى ( 1104 ه ) في كتابه ( تفصيل الوسائل ) المشهور بالوسائل الرواية الأولى والثانية عن الكشي ( 6 ) .
وأورد ابن شهرآشوب المتوفى ( 588 ه ) الرواية الأولى في كتابه ( المناقب ) دونما إشارة إلى مصدرها ( 7 ) ( و ) .
وعلى ما ذكرنا رجع الجميع في نقل هذه الرواية إلى الكشي كما يلاحظ في الجدول التالي : ‹ صفحة 177 ›
" المناقب " لابن شهرآشوب ( ت : 588 ) .
" حل الاشكال " لأحمد بن طاووس ( ت : 673 ه ) .
" الرجال " لابن داود ( ت : 707 ه ) .
" الخلاصة " للعلامة الحلي ( ت : 726 ) .
" التحرير الطاووسي " للشيخ حسن العاملي ( ت : 1011 ه ) . "
نقد الرجال " للتفرشي ( ت : 1015 ه ) .
" مجمع الرجال " للقهبائي ( ت : 1016 ه ) .
" جامع الرواة " للأردبيلي ( ت : 1100 ه ) .
" الوسائل " للشيخ الحر العاملي ( ت : 1104 ه ) .
" بحار الأنوار " للعلامة المجلسي ( ت : 1110 أو 1111 ه ) . "
معرفة الناقلين " المشهور ب " رجال الكشي " للكشي ( ت حدود : 340 ه ) .
" اختيار رجال الكشي " للشيخ الطوسي ( ت : 460 ه ) .
هكذا لم نجد في كتب الشيعة غير رجال الكشي طريقا لهذه الروايات .
ومن الغريب أن أصحاب المجاميع الحديثية المعتبرة عند الشيعة لم يخرجوا الروايات الخمس المذكورة ، فلا نجدها في الكافي للكليني المتوفى ( 329 ه ) ، وكتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق المتوفى ( 381 ه ) ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي .
ويدل هذا على أنهم لم يعتمدوا تلك الروايات مع شهرة رجال الكشي عندهم .
كانت الروايات الخمس السابقة مصدر تأليه ابن سبأ للإمام علي في كتب رجال الشيعة وكتب حديثهم ، وكان ذلك مبلغ الاعتماد على الخبر مدى القرون لدى العلماء خريتي الفن .
أضف إلى ذلك تصريح العلماء مدى القرون بعدم اعتمادهم على ‹ صفحة 178 › رجال الكشي وتضعيفهم لهذا الكتاب كما يأتي :
عدم اعتماد العلماء على رجال الكشي وتضعيفهم لهذا الكتاب : قال النجاشي بترجمة الكشي من رجاله ( 8 ) .
" الكشي أبو عمرو كان ثقة عينا .
وروى عن الضعفاء كثيرا ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه ، له كتاب الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة " .
وقال الشيخ أبو علي الحائري المتوفى ( 1216 ه ) في منتهى المقال : " محمد بن عمر أقول : ذكر جملة من مشايخنا أن كتاب رجاله المذكور كان جامعا لرواة العامة والخاصة ، خالطا بعضهم ببعض ، فعمد إليه شيخ الطائفة طاب مضجعه فلخصه ، وأسقط منه الفضلات . . . " ( 9 ) .
وقال النجاشي في ترجمة أستاذه العياشي : " كان يروي عن الضعفاء كثيرا : وكان في أول أمره عامي المذهب ، وسمع حديث العامة فأكثر منه . . . " ( 10 ) .
وقال النوري في الفائدة الثالثة من خاتمة المستدرك ، عن اختيار رجال الكشي : " قد ظهر لنا من بعض القرائن أنه قد وقع في اختيار الشيخ - أيضا - تصرف من بعض العلماء أو النساخ " ( * ) . وقال صاحب قاموس الرجال :
وأما رجال الكشي فلم تصل نسخته صحيحة إلى أحد حتى الشيخ
‹ صفحة 179 › والنجاشي ، وقال فيه النجاشي : . . . فيه أغلاط كثيرة " .
وتصحيفاته أكثر من أن تحصى وإنما السالم منه معدود ، كأحمد بن عائذ ، وأحمد بن الفضل ، وأسامة بن حفص ، وإسماعيل بن الفضل ، والأشاعثة ، والحسين بن منذر ، ودرست بن أبي منصور ، وأبي جرير القمي ، وعبد الواحد بن المختار ، وعلي بن حديد ، وعلي بن وهبان ، وعمر بن عبد العزيز زحل ، وعنبسة بن بجاد ، ومنذر بن قابوس . فإني لم أقف فيها على تحريف وإن كان محتملا ، وقد تصدينا في سوى ذلك في كل ترجمة على تحريفاته ، وقل ما سلمت رواية من رواياته عن التصحيف بل وقع في كثير من عناوينه ، بل وقع فيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى . وخلط طبقة بأخرى .
فخلط فيه أخبار أبي بصير ليث المرادي بأخبار أبي بصير الأسدي ، وحرف عنوان أبي بصير ( أبي يحيى ) مع علباء الأسدي بأبي بصير عبد الله بن محمد الأسدي . وخلط الخبر الأول من عنوان عبد الله بن عباس بعنوان خزيمة قبله . وخلط في علي بن يقطين بين خبرين بإسقاط ذيل أحدهما وصدر الآخر .
ونقل في محمد بن أبي زينب وهو أبو الخطاب ثلاثة وعشرين خبرا غير مرتبطة به ، ولذا نقلها القهبائي في ترتيبه بترجمته كما وجدها ، ثم ضرب بالخط عليها . ‹ صفحة 180 ›
ونقل الحميري الذي من أصحاب العسكري ، في أصحاب الرضا . وعد لوط بن يحيى في أصحاب علي بن أبي طالب مع أنه من أصحاب الباقر أو الصادق ، وإنما جد أبيه مخنف بن سليم من أصحاب علي ابن أبي طالب .
ثم إن الشيخ اختار مقدارا من رجال الكشي مع ما فيه من الخلط والتصحيف وأسقط منه أبوابه .
والقهبائي الذي رتب الاخبار أراد إصلاح بعض ما فيه فزاد في إفساده وتحكم بتحكمات باطلة .
وبعد كل ما قلنا من وقوع التحريفات في أصل الكشي بتلك المرتبة لا يمكن الاعتماد على ما فيه إذا لم تقم قرينة على صحته ، فإن اتفاق المتأخرين - مثلا - على كون أبان بن عثمان ناوسيا - كما في نسخة رجال الكشي أنه ( كان من الناوسية ) - في غير محله ، إذ من المحتمل أن يكون محرفا من ( كان من القادسية ) .
ثم إنه حدث في اختيار الشيخ لرجال الكشي أيضا تحريفات إضافة إلى ما كان في أصله ، ولهذا نرى نسخ الاختيار أيضا مختلفة ، لا سيما نسخة القهبائي فإنها تختلف عن النسخة المطبوعة ، والظاهر أن نسخته كانت مخلطة الحواشي بالمتن .
ثم إن الخلاصة وإن كان وقع فيه أيضا تحريفات ، إلا أنها قليلة مع أنه يمكن أن يقال : ليس ما فيها من تصحيف النساخ بل من أوهام المصنف .
وأما كتاب ابن داود فتحريفاته أكثر من أن تحصى ، وهو في كتب المتأخرين ككتاب الكشي في كتب المتقدمين . ‹ صفحة 181 ›
كما أن السبب في كثرة تحريفات نسخة رجال الكشي أيضا رداءة خطه ، وعدم إقبال معاصريه على كتابه . . . " ( * ) .
روايتان تناقضان الروايات الخمس السابقة :
كان هذا شأن الروايات الخمس في كتب رجال الشيعة وكتب حديثهم ، ومنها انتشر خبر تأليه ابن سبأ للإمام علي وغلوه فيه في كتب الشيعة .
وفي كتب الشيعة روايتان أخريان تناقضان هذه الروايات وردت الأولى منهما في ( من لا يحضره الفقيه ) و ( الخصال ) و ( التهذيب ) و ( الحدائق ) و ( الوسائل ) و ( الوافي ) وهي : ( 11 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 172 › ( أ ) الروع بضم الراء القلب .
‹ هامش ص 173 ›
( ب ) لفظة ( الله ) في آخر الحديث لم ترد في اختيار رجال الكشي ووردت في نسخة مجمع الرجال للقهبائي . ( ج ) هذه الزيادة جاءت في الرواية نفسها بترجمة مقلاص بن أبي الخطاب من اختيار رجال الكشي ص 305 . * إنما عنى الكشي بقوله : " ذكر بعض أهل العلم . . . " الطبري الذي نقل الأسطورة السبئية عن سيف بن عمر الزنديق والتي بينا زيفها في فصل : " عبد الله بن سبأ والأسطورة السبئية " في الجزء الأول من هذا الكتاب .
‹ هامش ص 174 ›
( د ) درسنا أقوالهم في فصل : " عبد الله بن سبأ في كتب أهل المقالات " .
‹ هامش ص 175 ›
( ه ) وضع رموز كتب الرجال الأربعة ابن داود وهو من علماء القرن السابع . راجع ترجمته في الذريعة .
‹ هامش ص 176 ›
( و ) وأسقط من آخر الرواية : " وقال : إن الشيطان استهواه . . . " .
‹ هامش ص 178 ›
* المستدرك ( 3/ 530 ) وأورد بعد هذا أدلته على ما قال .
‹ هامش ص 181 ›
* أوردتها ملخصة من قاموس الرجال طبعة المصطفوي بطهران عام 1379 ه ( 1 / 42 - 48 ) .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|