أما غير سيف
أما غير سيف
فقد روى الطبري عن هشام بن الكلبي قال :
لما رجع أسامة ومن معه من الجيش جد أبو بكر في حرب أهل الردة ، وخرج بالناس حتى نزل بذي القصة ( منزل به من المدينة على بريد من نحو نجد ) فعبأ هنالك جنوده ، ثم بعث خالد بن الوليد على الناس ، وجعل ثابت بن قيس بن شماس ( 1 ) على الأنصار ، وأمره إلى خالد ، وأمره أن يصعد لطليحة وعيينة بن حصن ، وهما على بزاخة ( ماء من مياه بني أسد ) وأظهر أني ألاقيك بمن معي نحو خيبر .
قال ذلك مكيدة فقد كان أوعب مع خالد الناس ، لكنه أراد أن يبلغ ذلك عدوه ، فيرعبهم ، ثم رجع إلى المدينة . ‹ صفحة 36 ›
وذكر - أيضا - ذهاب أبي بكر إلى ذي القصة ، وتأميره خالدا على الجيش هنالك ، كل من :
اليعقوبي في تاريخه ، غير أنه ذكر أن تعيين ثابت على الأنصار كان بعد عتبهم عليه عدم تأميره أحدا من الأنصار .
والبلاذري والمقدسي ذكرا إغارة بني فزارة عليهم هناك ، قال المقدسي - بعد ذكر ما سبق - :
فسار خالد ، ورأي خارجة بن حصن الفزاري ( 1 ) قلتهم مع أبي بكر بذي القصة ، فحمل عليهم في الفوارس ، فانهزموا ، ولاذ أبو بكر بشجرة ( 2 ) فأرقي طلحة بن عبيد الله على شرف ، فنادى : أيها الناس ! هذه الخيل !
فتراجع الناس ، وانكشف خارجة ، ورجع أبو بكر إلى المدينة . وقال البلاذري :
فخرج أبو بكر إلى ذي القصة من أرض محارب لتوجيه الزحوف إلى أهل الردة ، ومعه المسلمون ، فصار إليه خارجة ومنصور ابن زيان الفزاريان ، فقاتلوهم قتالا شديدا ، فانهزم المشركون ، وأتبعهم ‹ صفحة 37 › طلحة ، فقتل منهم رجلا ، وفاته الباقون - إلى قوله - : ثم عقد لخالد وهو بالقصة ، وجعل على الأنصار ثابت بن قيس ، وأمره أن يصمد لطلحة ، وهو يومئذ ببزاخة .
وقال البلنسي ( ت : 734 ه ) في الاكتفاء ما ملخصه :
لما توفي رسول الله ( ص ) واستخلف أبو بكر وكفر من العرب من كفروا ومنعوا الصدقة وقال قائلهم :
أطعنا رسول الله ما عاش بيننا * فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكرا إذا مات بعده * فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
وقال بعضهم : نؤمن بالله ونشهد أن محمدا رسول الله ( ص ) ونصلي ولكن لا نعطيكم أموالنا .
فأبى أبو بكر إلا قتلهم .
فقال له عمر : إنما شحت العرب على أموالها وأنت لا تصنع بتفريق العرب عنك شيئا ، فلو تركت للناس صدقة هذه السنة .
وقال : وكيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ( ص ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :
لا إله إلا الله ؟ فقال أبو بكر : والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه .
وقدم المدينة عيينة بن حصن الفزاري ( 1 ) ‹ صفحة 38 › والأقرع بن حابس في رجال معهم وقالوا للمهاجرين :
ارتد من وراءنا وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم من أموالهم ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله ( ص ) ، فإن تجعلوا لنا جعلا نرجع فنكفيكم ما وراءنا .
فقال أبو بكر : والله لو منعوني عقالا رأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه .
وقال في شأن عيينة وأصحابه :
لو رأوا ذباب السيف لعادوا إلى ما خرجوا منه ، أو أفناهم السيف فإلى النار قتلاهم ، على حق منعوه ، وكفر .
فقالوا له :
رأينا لرأيك تبع ، فأمر أبو بكر بالتجهز .
وقال البلنسي في تعداد من تمسك بالاسلام بين المسجدين : أسلم غفار وجهينة ومزينة وكعب وثقيف .
قال : وأقامت طي كلها على الاسلام وهذيل وأهل السراة ( 1 ) وبجيلة وخثعم ومن قارب تهامة من هوازن ونصر ‹ صفحة 39 › وجشم وسعد بن بكر وعبد القيس ، وقال : لم يرجع رجل واحد من أوس ولا من أهل السراة كلها ولا من تجيب ولا من الأبناء بصنعاء ، ولما جاءهم نبأ وفاة الرسول شق نساء الأبناء الجيوب وضربن الخدود وشقت المرزبانة درعها من بين يديها وخلفها .
وشرح البلنسي كيفية ارتداد من ارتد ومن بقي على إسلامه في ما روى وقال :
وقد كان رسول الله ( ص ) لما حدر من الحج سنة 10 ه وأقام بالمدينة حتى رأى هلال محرم سنة 11 ه بعث المصدقين في العرب فبعث على عجز هوازن ، عكرمة ، وحامية بن سبيع الأسدي ، على صدقات قومه ، وعلى بني كلاب ، الضحاك بن سفيان ، وعلى أسد وطي ، عدي بن حاتم ، وعلى بني يربوع مالك بن نويرة ، وعلى بني دارم وحنظلة ، الأقرع بن حابس ، وبعث كلا من الزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم المنقري على صدقات قومهما ( 1 ) . ‹ صفحة 40 ›
فلما بلغتهم وفاة النبي ( ص ) اختلفوا فمنهم من رجع ومنهم من أدى الصدقة إلى أبى بكر ، وكان الذين فرقوا الصدقة بين قومهم مالك ابن نويرة وقيس بن عاصم والأقرع بن حابس من تميم ، ودفعها الزبرقان إلى أبي بكر ، أما بنو كلاب فتربصوا ولم يمنعوا منعا بينا ولم يعطفوا وكانوا بين ذلك .
وبعث على فزارة نوفل بن معاوية الديلي فلقيه خارجة بن حصن بالشربة ومعه الفرائض وقال له :
أما ترضى أن تغنم نفسك فهرب منه نوفل ورجع إلى أبي بكر بسوطه فردها خارجة على أربابها ( 1 ) .
وبعث على بني سليم عرباض بن سارية فلما بلغتهم وفاة النبي أبوا أن يعطوه شيئا واسترجعوا منه ما كان جمع . فانصرف من عندهم بسوطه ( 2 ) . ‹ صفحة 41 ›
وبعث كعب بن مالك الأنصاري إلى أسلم وغفار ومزينة وجهينة ومنازلهم غربي المدينة فسلموا إليه صدقاتهم بعد وفاة النبي فاستعان بها أبو بكر على قتال أهل الردة ( 1 ) .
وكذلك فعل بنو كعب مع مصدقهم بسر بن سفيان الكعبي ( 2 ) .
واجتمع عند عدي ثلاثمائة بعير من صدقات قومه فطلبت طي أن يمنع الصدقة فأبى ودفعها إلى أبي بكر فأعطاه ثلاثين بعيرا فاستعان أبو بكر بهذه الصدقات وتجهز لقتال من امتنع من أداء الزكاة كما وصفه البلنسي وقال :
خرج أبو بكر من المدينة في مائة من المهاجرين والأنصار يحمل لواءه خالد بن الوليد ، ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم وسار حتى نزل ببقعاء ( وهو ذو القصة ) عند غروب الشمس فصلى بها المغرب وأمر بنار عظيمة فأوقدت ، وأقبل خارجة بن حصن بن حذيفة في خيل من بني قومه فزارة يريد أن يخذل الناس عن الخروج من المدينة أو يصيب غرة فأغار على أبي بكر ومن معه وهم غافلون فاقتتلوا شيئا من قتال .
وتحيز المسلمون ولاذ أبو بكر بشجرة ، فأوفى طلحة على شرف فصاح بأعلى صوته : لا بأس !
هذه الخيل ! فتراجع الناس وجاء الامداد وتلاحق المسلمون فانكشف ‹ صفحة 42 › خارجة وأصحابه وتبعه طلحة ومن خف معه فأدرك أخريات أصحابه فحمل على رجل منهم بالرمح وقتله وهرب من بقي . فأقام أبو بكر أياما وبعث إلى من كان حوله من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بالجهاد ، فقدم إليه من جهينة أربعمائة معهم الظهر والخيل ، وساق عمرو بن مرة الجهني مائة بعير فوزعها أبو بكر في الناس وتحبب إليهم الناس فأراد أن يولي على الناس زيد بن الخطاب فأبى وأبى أبو حذيفة ومولاه سالم من ذلك فأمر خالد بن الوليد على الناس وأخبرهم أنه سيلقاهم بخير مكيدة .
وعهد إليه وكتب معه هذا الكتاب :
هذا ما عهد به أبو بكر خليفة رسول الله ( ص ) إلى خالد بن الوليد حين بعثه فيمن بعثه من المهاجرين والأنصار ومن معهم لقتال من رجع عن الاسلام بعد رسول الله ( ص ) عهد إليه .
" قال :
ويروى أن أبا بكر ( رض ) كتب مع هذا الكتاب كتابا آخر إلى عامة الناس " . وأمر خالدا أن يقرأه عليهم في كل مجمع وهو :
من أبي بكر خليفة رسول الله ( ص ) إلى من بلغه كتابي هذا عامة أو خاصة تاما على إسلامه أو راجعا عنه .
إلى قوله : وإني قد بعثت خالد بن الوليد في جيش من المهاجرين الأولين من قريش وغيرهم .
إنتهى بإيجاز من الاكتفاء للبلنسي ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 35 ›
( 1 ) ثابت بن قيس الخزرجي ، وأمه امرأة من طي ، وكان خطيب النبي والأنصار ، شهد أحدا ، وما بعدها ، وقتل يوم اليمامة ، وقتل أولاده محمد ، ويحيى ، وعبد الله ، يوم الحرة - أسد الغابة ( 1 / 229 ) .
‹ هامش ص 36 ›
( 1 ) خارجة أخو عيينة بن حصن ، يقال : إنه وفد على النبي ، وشكا الجدب ، فدعا لهم الرسول ، وأسلم ، ورجع إلى قومه . روى الواقدي أنه كان ممن منع صدقة قومه ، وأنه لقي نوفل بن معاوية الديلي واستعاد الصدقة منه وأعادها على قومه ، وقدم على أبي بكر حين فرغ خالد من قتال بني أسد ، فقال أبو بكر : اختاروا سلما مخزية ، أو حربا مجلية . وفسر له أبو بكر السلم المخزية ، فقال : رضيت ( الإصابة 1 / 399 ) رقم 2133 .
( 2 ) رجحت هذه الرواية عندي على رواية الطبري ( 1 / 1870 ) عن ابن إسحاق وغيره . التي قالوا فيها : إن أبا بكر ( استتر بأجمة ) يومذاك ، لان طبيعة تلك الأراضي لا تتناسب وتكون أجمة فيها .
‹ هامش ص 37 ›
( 1 ) أبو مالك عيينة الغطفاني الفزاري أسلم قبل الفتح أو بعده وكان من الاعراب الجفاة من المؤلفة قلوبهم . تزوج عثمان بن عفان ابنته أم البنين . توفي أواخر خلافته - أسد الغابة ( 4 / 166 ) الإصابة ( 3 / 54 - 55 ) . والأقرع بن حابس كان من فرسان تميم وأشرافهم ومن المؤلفة قلوبهم . أسلم قبل الفتح وشهد حنينا مع النبي واليمامة مع خالد وأصيب بجوزجان عام 32 وهو أمير الغزاة - ترجمته بالإصابة وفتح جوزجان من فتوح البلدان .
‹ هامش ص 38 ›
( 1 ) السراة : الأرض الحاجزة بين تهامة واليمن ولها سعة ، والجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن أولها لهذيل وهي تلي السهل من تهامة ، ثم بجيلة وهي السراة الوسطى وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها ثم سراة الأزد ، وأزد شنوءة ، تهامة أرض منخفضة ساحلية بين اليمن ومكة - معجم البلدان .
‹ هامش ص 39 ›
( 1 ) شرح ألفاظ الحديث : عجز هوازن : جشم وسعد بني بكر ونصر بن معاوية وثقيف ويقال هم أيضا عليا هوازن ، أنساب الأشراف - مخطوطة الآستانة . والمزهر للسيوطي ط . مصر سنة 1325 ه ( 1 / 127 ) . وعكرمة هرب بعد الفتح إلى اليمن ثم أسلم وبعثه أبو بكر إلى عمان واليمن واشترك في الحروب الموسومة بالردة ثم وجهه إلى الشام فقتل في فتوحها سنة 13 . ترجمته في الاستيعاب والإصابة ( 1 / 301 ) . وأبو سعيد : الضحاك بن سفيان العامري الكلابي ولاه الرسول على قومه . ترجمته بأسد الغابة . وعدي كان نصرانيا وأسلم عام 9 ه وشهد اليمامة والعراق وحضر مع الإمام علي الجمل وصفين .مات بالكوفة أيام المختار سنة 67 ه وهو ابن مائة وعشرين . ترجمته بالاستيعاب وأسد الغابة والإصابة .والزبرقان : البدر سمي به لجماله كان من سادات تميم .أسلم سنة 9 ه وبقي على صدقات قومه حتى نهاية خلافة عمر وتوفي في خلافة معاوية - ترجمته في الإصابة . وقيس بن عاصم كان في وفد تميم وأسلم سنة 9 ه وكان عاقلا حليما . ترجمته في الإصابة .
‹ هامش ص 40 ›
( 1 ) نوفل أسلم قبل الفتح وشهد الفتح ونزل المدينة وتوفي بها في خلافة يزيد . ترجمته بأسد الغابة . وخارجة أخو عيينة من سادات فزارة وفد على النبي وأسلم - ترجمته بأسد الغابة والشربة : مكان بوادي الرمة بين السليلة والربذة .
( 2 ) أبو نجيح عرباض بن سارية السلمي توفي سنة خمس وسبعين أو في فتنة ابن الزبير ترجمته بأسد الغابة .
‹ هامش ص 41 ›
( 1 ) كعب بن مالك الخزرجي السلمي ، شهد العقبة وتخلف عن بدر وتبوك قيل كان عثمانيا ، توفي على عهد الإمام علي أو معاوية - ترجمته بأسد الغابة .
( 2 ) بسر بن سفيان كان شريفا في قومه كتب إليه الرسول يدعوه إلى الاسلام . ترجمته بأسد الغابة .
‹ هامش ص 42 ›
( 1 ) راجع تاريخ الردة ( 1 - 28 )
|