نهاية المطاف :
" بل لا يبعد كون المراد لهم ضبط ما
استفادوا الضمان به من النصوص المزبورة
لا أن المراد كون المدار على صدق اسم
السبب خصوصا بعد أن لم يكن له معنى
منقح عرفا ، بل ربما أطلق اسمه على المعلوم
عدم الضمان به ، وليس في شئ من
النصوص ما يقتضي جعل مفهومه عنوانا ،
بل السبب المذكور هنا غير موافق لمعنى
السبب بمعنى العلة التامة ، ولا السبب
الاصطلاحي الذي هو ما يلزم من وجوده
الوجود ومن عدمه العدم لذاته ، بل ليس
هو إلا من الشرائط كما سمعت الاعتراف
به من الفاضل .
فالتحقيق - حينئذ - كون المدار على
المستفاد من النصوص المزبورة وغيرها مما
صرح فيها بالضمان به ، والتعدية منه إلى
مشابهه في ذلك بالإجماع أو بفهم عرفي
ينتقل منه إلى كون المذكور مثالا لما كان
من سنخه . . . " ( 1 ) .
بعض نماذج التسبيب :
ولأجل توضيح التسبيب نذكر
بعض نماذجه :
1 - قال الشيخ في المبسوط : " إذا
فتح قفصا أو حل دابة وهيج كل واحد
منهما ونفره حتى ذهب ، فعليه الضمان بلا
خلاف ، لأنه سبب ملجئ يتعلق الضمان
به ، كما لو حفر بئرا ثم دفع فيها بهيمة أو
إنسانا كان عليه الضمان لأنه ألجأه . . . " ( 1 ) .
ومثله قال القاضي في جواهر
الفقه ( 2 ) .
وقال في السرائر : " ومن حل دابة
فشردت أو فتح قفصا فذهب ما فيه لزمه
الضمان سواء كان ذلك عقيب الحل أو
الفتح أو بعد أن وقفا ، لأن ذلك كالسبب
في الذهاب . . . " ( 3 ) .
وجاء قريب من ذلك في
الشرائع ( 4 ) .
وعلق عليه في الجواهر بأنه : لم يجد
فيه خلافا ، بل عن الكفاية : أنه المعروف
من مذهب الأصحاب ( 5 ) .
‹ صفحة 217 ›
2 - ومن نماذج التسبيب المعروفة
حفر البئر في ملك الغير أو الطريق ، فإنه لو
وقع فيه شخص فعطب يكون ضامنا ،
ومثله جعل المعاثر في الطريق العام .
وقد ذكر هذان كمثالين للتسبيب في
عبارات كثير من الفقهاء .
الثالث - اجتماع السبب والمباشر :
والنحو الثالث لتحقق الإتلاف هو :
اجتماع السبب والمباشر ، فإنه ربما يجتمع
سبب للإتلاف ومباشر له كما إذا حفر
شخص بئرا ودفع آخر ثالثا فيه فتلف ،
فيكون السبب للإتلاف هو الحافر للبئر
والمباشر له هو الدافع .
والمتحصل من مجموع كلمات الفقهاء
هو : أن الجناية والتلف تنسب إلى الأقوى
من حيث انتساب الفعل إليه ، وهو المباشر
غالبا إلا إذا كان ضعيفا - كما سيأتي - قال
المحقق :
" إذا اجتمع السبب والمباشر ، قدم
المباشر في الضمان على ذي السبب ، كمن
حفر بئرا في ملك غيره عدوانا ، فدفع
غيره فيها إنسانا ، فضمان ما يجنيه الدفع
على الدافع " .
وعلق عليه في الجواهر قائلا : " لما
عرفته من تقديم المباشرة على التسبيب
الذي لم أجد فيه خلافا بينهم ، بل أرسلوه
إرسال المسلمات في المقام وفي القصاص
والديات ، بل عن كشف اللثام : الإجماع
عليه ، بل في مجمع البرهان : " أن من
المعلوم عقلا ونقلا اسناد الفعل إلى القريب
دون البعيد الذي هو سبب السبب وله
مدخلية ما في ذلك الشئ وهو ظاهر ،
وكأنه مجمع عليه " ( 1 ) .
هذا وقد ذكر في القواعد الفقهية
ضابطة أخرى لتقديم المباشر على السبب
ويمكن أن تكون ضابطة للضابطة المتقدمة ،
قال : " إن المباشر إذا كان فاعلا مختارا
عاقلا وكان ملتفتا إلى أن فعله هذا يترتب
عليه التلف فلا شك في اختصاصه بكونه
ضامنا في هذه الصورة وليس على ذي
السبب ضمان أصلا ، وأما لو لم يكن
المباشر ذا إرادة وشعور فالضمان على ذي
السبب ، وذلك كمن أجج نارا في غير
ملكه ، والريح نشرت النار فأصابت مال
غيره . . . " ( 2 ) .
ثم رتب الضمان على المباشر حتى
‹ صفحة 218 ›
مع عدم علمه بحصول التلف بسببه أيضا
إذا كان عاقلا غير مكره ، لأن الضمان لا
يدور مدار العلم والجهل .
موارد تقديم السبب على المباشر :
تقدم أن المباشر يقدم على السبب في
مورد اجتماعهما ، لأنه أقوى من حيث
انتساب الفعل إليه ، وأشرنا إلى أن السبب
قد يتقدم على المباشر لو كان أقوى منه ،
وهذه قاعدة كلية ، ولكن استثنى الفقهاء
مورد الإكراه ، وبعضهم استثنى مورد
الغرور أيضا ، ولكن يبدو أن ذلك على
سبيل المثال لا الحصر ، قال صاحب
الجواهر :
" وكيف كان فقد استثنى غير واحد
من الأصحاب من قاعدة تقديم المباشر ما
إذا ضعف المباشر ، وفي الدروس واللمعة
الاقتصار على استثناء الغرور والإكراه ، بل
في القواعد الاقتصار على الثاني منهما ، كما
في الإرشاد الاقتصار على الأول منهما ، إلا
أن الظاهر إرادة المثال ، ضرورة ضعف
الريح والشمس والنار والسبع وغيرها مما
لا عقل له ولا اختيار . . . " ( 1 ) .
ونحن نقتصر - هنا - على بيان مورد
....................
‹ هامش ص 216 ›
( 1 ) راجع كل ذلك في الجواهر 37 : 46 - 51 ،
و 42 : 21 ، و 43 : 95 .
( 1 ) المبسوط 3 : 89 .
( 2 ) جواهر الفقه : 113 ، المسألة 413 .
( 3 ) السرائر 2 : 85 .
( 4 ) الشرائع 3 : 238 .
( 5 ) الجواهر 37 : 66 .
‹ هامش ص 217 ›
( 1 ) الجواهر 37 : 54 .
( 2 ) القواعد الفقهية 2 : 25 .
‹ هامش ص 218 ›
( 1 ) الجواهر 37 : 56 .