الركن الثالث - المبرأ منه :
الظاهر من كلمات الفقهاء أنه لا بد
من أن يكون المبرأ منه حقا - كما تقدم في
البحث عن المبرأ وعن تعريف الإبراء -
وصرح بعضهم بذلك ، منهم : المحقق
الأول والمحقق الثاني والسيد العاملي
وصاحب الجواهر وغيرهم .
قال المحقق الأول : " . . . لأن الإبراء
لا يتناول إلا ما هو في الذمم . . . " ( 4 ) .
وقال المحقق الثاني والسيد العاملي :
" . . . الإبراء إنما يسقط به الحق الثابت في
الذمة " ( 5 ) .
وقال صاحب الجواهر : " إن محل
الإبراء الحقوق التي في الذمم " ( 1 ) .
وبناء على ذلك :
1 - يصح الإبراء من كل ما يصدق
عليه الحق مثل : الكفالة ، والضمان وأمثال
ذلك من الحقوق المتعلقة بالذمم ، وفي
تعلقها بمثل القصاص إشكال من جهة
الشك في صدق الحق عليه ، بل هو حكم ،
نعم يشمله العفو ( 2 ) .
2 - لا يصح الإبراء من الأعيان ،
لعدم كون ظرفها الذمة ، وقد صرح بذلك
جماعة منهم :
الحلي في السرائر حيث قال :
" . . . وإن كان عينا صح بلفظ الهبة
إجماعا ، ويفتقر إلى القبول ولا يصح بلفظ
الإبراء إجماعا " ( 3 ) .
والعلامة كما قال : " لو كان المهر
عينا لم يزل الملك بلفظ العفو
والإبراء " ( 4 ) .
ومنهم الشهيد ، قال : " . . . وكذا لو
‹ صفحة 160 ›
أسقطه حقه من عين مملوكة لم يخرج بذلك
عن ملكه بخلاف الدين فإنه قابل
لذلك " ( 1 ) .
وصاحب الحدائق ، قال : " ومن
الظاهر أن الإبراء لا يتعلق بالأعيان " ( 2 )
وغيرهم من الفقهاء ، مثل فخر المحققين ( 3 )
والفاضل الهندي ( 4 ) والمحقق السبزواري ( 5 ) .
الإبراء عما لم يجب :
يجب أن يكون المبرأ منه حقا ثابتا
في ذمة المبرأ وهذا معنى وجوبه ، فما لم
يجب - أي لم يثبت - لم يصح الإبراء منه ،
ويبدو أن هذه القاعدة الكلية متسالم
عليها ، وقد استدل الفقهاء بها على عدم
صحة الإبراء في بعض الموارد ، منه ما قال
الشيخ في مورد من القصاص : " . . . ولأنه
إبراء عما لم يجب ، والإبراء عما لم يجب
لا يصح . . . " ( 6 ) ومثله العلامة ( 7 ) والمحقق
الثاني ( 1 ) والفاضل الهندي ( 2 ) وصاحب
الجواهر ( 3 ) وغيرهم في موارد عديدة .
الإبراء من المجهول :
المشهور بين أصحابنا جواز الإبراء
من المجهول ، لأنه إسقاط لما في الذمة لا
معاوضة حتى يعتبر فيه ما يعتبر فيها من
الشرائط كالمعلومية ، ولكن ذهب الشيخ
- في المبسوط - إلى بطلان ذلك ، فقد قال
حول إبراء الزوجة الزوج من مهر المثل :
" . . . وإن أبرأته من مهر المثل الواجب
بالعقد نظرت فإن كانت تعرف قدره
ومبلغه فالبراءة صحيحة ، لأنها براءة عن
أمر واجب معلوم ، وإن كانت جاهلة بقدر
المثل فالبراءة باطلة . . . - إلى أن قال - :
والبراءة عن المجهول باطلة " ( 4 ) .
وأما غيره من الفقهاء فالمعروف
بينهم - كما تقدم - هو صحته ، قال المحقق :
" لو تزوجها على مال مشار إليه غير
معلوم الوزن فتلف قبل قبضه فأبرأته منه
صح ، وكذا لو تزوجها بمهر فاسد واستقر
‹ صفحة 161 ›
لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح
ولو لم تعلم كميته ، لأنه إسقاط للحق فلم
يقدح فيه الجهالة " ( 1 ) .
وصرح العلامة في موارد عديدة
بذلك ، منها قوله في القواعد : " ويصح
الإبراء من المجهول " ( 2 ) .
وقال الشهيد الثاني : " المشهور بين
أصحابنا جواز الابراء من المجهول ، لأنه
إسقاط لما في الذمة لا معاوضة . . . " ( 3 ) .
وممن صرح بذلك - أيضا - الفاضل
الهندي ( 4 ) والمحقق السبزواري ( 5 ) .
نعم ، ناقش بعضهم فيما لو كان من
عليه الحق يعلم المقدار دون من له الحق ،
وكان - من عليه الحق - يعلم بأنه لو علم
من له الحق المقدار لما أبرأه ، فاستثناه من
الحكم بالجواز ، قال في المسالك : " فلو كان
من عليه الحق عالما بقدره والمستحق غير
عالم بحيث لو علم منه ما يعلمه المديون لما
أقدم على براءته ، لم يصح . . . " ( 1 ) .
وقال مثله المحقق السبزواري في
الكفاية ( 2 ) .
الركن الرابع - الصيغة:
الظاهر عدم وجود صيغة خاصة
للإبراء وإنما يتحقق بكل ما دل عليه ،
كالإبراء والعفو والإسقاط والترك والهبة
والتمليك ، لاشتراك الجميع في الأثر ، وهو :
إفراغ الذمة ، قال صاحب الحدائق حول
الإبراء من المهر : " وظاهر الأصحاب أنه
لا ينحصر في لفظ ، بل كل ما أدى هذا
المعنى من لفظ الإبراء أو العفو أو الهبة
أو الإسقاط أو نحو ذلك ، فإنه يحصل به
البراءة وفراغ الذمة ، وقد أطلق عليه
لفظ العفو في قوله عز وجل ( إلا أن
يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح ) " ( 3 ) .
وقال نحوه غيره من الفقهاء ( 4 ) .
........................
هامش ص 159
( 4 ) الشرائع 2 : 188 .
( 5 ) جامع المقاصد 5 : 100 ، مفتاح الكرامة
5 : 149 .
( 1 ) الجواهر 42 : 341 .
( 2 ) الجواهر 43 : 432 ، المسالك 2 : 488 .
( 3 ) السرائر 2 : 238 .
( 4 ) القواعد 2 : 42 .
‹ هامش ص 160 ›
( 1 ) المسالك 1 : 369 .
( 2 ) الحدائق 22 : 309 .
( 3 ) الإيضاح 3 : 225 .
( 4 ) كشف اللثام 2 : 88 .
( 5 ) كفاية الأحكام : 183 .
( 6 ) المبسوط 7 : 111 .
( 7 ) قواعد الأحكام 1 : 161 .
( 1 ) جامع المقاصد 5 : 99 .
( 2 ) كشف اللثام 2 : 91 و 475 .
( 3 ) الجواهر 27 : 146 .
( 4 ) المبسوط 4 : 314 .
‹ هامش ص 161 ›
( 1 ) الشرائع 2 : 332 .
( 2 ) القواعد 1 : 178 .
( 3 ) المسالك 1 : 556 ( إبراء الزوجة الزوج من
المهر ) .
( 4 ) كشف اللثام 2 : 91 .
( 5 ) كفاية الأحكام : 184 .
( 1 ) المسالك 1 : 556 ( إبراء الزوجة الزوج من
المهر ) .
( 2 ) كفاية الأحكام : 184 .
( 3 ) الحدائق 22 : 308 . والآية في سورة
البقرة : 237 .
( 4 ) المسالك 1 : 554 .