أركان الإبراء
يتقوم الإبراء بأمور أربعة وهي :
المبرئ والمبرأ والمبرأ منه والصيغة ، ولا بد
من الكلام حول كل واحد منها بصورة
مستقلة :
الركن الأول - المبرئ :
هو ذو الحق الذي يبرئ ذمة غيره
منه ويشترط فيه :
أولا - الأهلية العامة ، وهي : البلوغ
والعقل ، وعدم المحجورية بالسفه والفلس
إذا استلزم الإبراء تصرفا ماليا ، وأما إذا لم
يستلزم ذلك فالظاهر عدم مانعيتهما له .
ثانيا - المالكية أو المأذونية : فلا
يصح إبراء غير المالك وغير المأذون من
قبله ، قال الشيخ : " وإذا وكل رجلا في بيع
ماله فباعه كان للوكيل والموكل المطالبة
بالثمن . . . فأما الإبراء منه فليس للوكيل
ذلك ، وإذا أبرأ الوكيل بغير إذن الموكل لم
يصح لأن الثمن لا يملكه الوكيل فلا يصح
منه الإبراء . . . " ( 1 ) .
وقال ابن إدريس في السرائر : " ولا
يصح إبراء الوكيل من دون إذن الموكل
من الثمن الذي على المشتري " ( 1 ) .
الفضولية في الإبراء :
يبدو من العبارتين السابقتين
وعبارات أخرى للشيخ والعلامة
وغيرهما : أن الفضولية غير جارية في
الإبراء . قال الشيخ : " إذا قال له أبو
امرأته طلقها وأنت برئ من صداقها ،
فطلقها ، طلقت ولم يبرأ من صداقها ، لأنها
إن كانت رشيدة لم يملك أبوها التصرف في
مالها بغير إذنها ، وإن كان يلي عليها لصغر
أو سفه أو جنون لم يصح ، لأنه إنما يملك
التصرف فيما فيه نظر لها . . . " ( 2 ) .
وقال العلامة : " إذا قال أبوها طلقها
وأنت برئ من صداقها أو بعضه ، بمعنى
أنه بذل له ما لها في ذمته لم يلزمها
الإبراء ولا يضمنه الأب الذي هو أجنبي
بالنسبة إلى ذلك مع بلوغ البنت ورشدها ،
والفرض عدم وكالته ، فلا ضمان عليه
للزوج ولا للبنت بعد عدم حصول الخلع
والبراءة ، نعم لو أجازت هي ذلك وقلنا
بصحة الفضولي في ذلك صح البذل وكان
‹ صفحة 157 ›
خلعا " ( 1 ) .
وقريب منه ما في التحرير ( 2 ) .
إبراء المريض في مرض الموت :
المعروف عند الإمامية هو : أن
الإبراء في مرض الموت إسقاط لا وصية ،
والمنقول عن غيرهم : أنه وصية ،
لإخراجه من الثلث .
ومهما يكن فقد اختلف فقهاء
الإمامية - بعد ذهابهم إلى أنه إسقاط - في
أنه يخرج من الثلث أو من الأصل ؟
يظهر من الشيخ والفاضل الهندي التوقف
فيه ، ويظهر من الأكثر أنه من الثلث ، بينما
نسب إلى بعض الفقهاء أنه من الأصل .
قال الشيخ حول إبراء المجني عليه
الجاني : " وأما إن كان [ أي قول المجني
عليه ] بلفظ العفو والإبراء ، فهل الإبراء
والعفو من المريض وصية أم لا ؟ قال
قوم : هو وصية ، لأنه يعتبر من الثلث ،
وقال آخرون : هو إسقاط وإبراء وليس
بوصية ، لأن الوصية نقل ملك فيما يأتي ،
والإبراء والعفو إسقاط في الحال ، فلهذا لم
يكن العفو كالوصية ، وعندنا أنه ليس
بوصية ، وهل يعتبر من الثلث ؟ لأصحابنا
فيه روايتان . . . " ( 1 ) .
وقال مثله في كشف اللثام :
" . . . وعندنا ليس بوصية ، وهل يعتبر من
الثلث ؟ لأصحابنا فيه روايتان . . . " ( 2 ) .
ويظهر من ابن إدريس والمحقق
الحلي والعلامة الحلي وصاحب الجواهر
وغيرهم : أنه من الثلث ، قال المحقق :
" إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من
مال الكتابة ، فإن برئ فقد لزم العتق
والإبراء ، وإن مات خرج من ثلثه ، وفيه
قول آخر أنه من أصل التركة . . . " ( 3 ) .
وقال العلامة : " التبرعات المنجزة
كالعتق و . . . والإبراء من الدين . . . إذا
وقعت في حال الصحة فهي من رأس المال
إجماعا وإن كانت في مرض الموت فهي
من الثلث على أقوى القولين عندنا وعند
جمهور العلماء ، خلافا لبعض علمائنا حيث
‹ صفحة 158 ›
قال : إنها تمضى من الأصل " ( 1 ) .
وقال صاحب الجواهر : " إذا أعتق
مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة
فإن برئ فقد لزم العتق والإبراء بلا
خلاف ولا إشكال ، وإن مات خرج من
ثلثه على ما هو الأصح من أن منجزات
المريض منه ، وفيه قول آخر : أنه من
أصل التركة ، قد عرفت الحال فيه في
محله " ( 2 ) .
ومن هذه العبارات يظهر أن هناك
قائلا بخروجه من أصل التركة .
الركن الثاني - المبرأ :
يشترط في المبرأ استقرار الحق في
ذمته وبناء على ذلك يلزم :
أولا - أن تكون له ذمة ، فما لم تكن
له ذمة فلا يتصور في حقه الإبراء ، ولذلك
ينبغي أن يكون شخصا أو شخصية
حقوقية كالشركات والمؤسسات ، على
القول بوجود ذمة واحدة لها .
ثانيا - أن يكون هناك حق ثابت في
الذمة ، وعلى ذلك فلو أبرأ من لم يكن
الحق ثابتا في ذمته عن حق ثابت في ذمة
الغير فلا براءة كما لو أبرأ المجني عليه ذمة
الجاني خطأ محضا ، لأن المجني عليه وإن
كان له حق ثابت ، لكنه لم يثبت على ذمة
الجاني ، وإنما هو ثابت على ذمة العاقلة ،
ولذلك قال الشهيد : " لما كان الإبراء
إسقاط ما في الذمة ، اشترط في صحته
تعلقه بمن يكون الحق في ذمته ، ولما كان
أرش الجناية في الخطأ المحض متعلقا
بالعاقلة ، وفي شبيه الخطأ متعلقا بالقاتل لزم
منه صحة الإبراء إن تعلق في الأول
بالعاقلة ، وفي الثاني بالقاتل دون العكس
فيهما . . . " ( 1 ) .
وقال الشيخ حول ما إذا جنى عبد
على حر جناية يتعلق أرشها برقبته : " ثم
إن المجني عليه . . . إن أبرأ العبد فقال :
أبرأتك أيها العبد عنها لم يصح ، لأنه إبراء
من لا حق له عليه ، وإن أبرأ السيد برئ
وسقط عن رقبة العبد ، لأنها وإن كانت
متعلقة برقبة العبد فالعبد يعود على
السيد . . . " ( 2 )
وللفقهاء في خصوص المثال كلام ،
‹ صفحة 159 ›
راجع المسالك ( 1 ) والجواهر ( 2 ) .
وقال في المسالك حول إبراء
المضمون عنه : " فإن الضمان إذا كان ناقلا
موجبا لبراءة المضمون عنه عن حق
المضمون له فبراءته لا تفيد شيئا ، لعدم
اشتغال ذمته حينئذ عندنا " ( 3 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 156 ›
( 1 ) المبسوط 2 : 395 .
( 1 ) السرائر 2 : 98 .
( 2 ) المبسوط 4 : 360 .
‹ هامش ص 157 ›
( 1 ) القواعد 2 : 82 ، المطلب الخامس من
الخلع .
( 2 ) التحرير 2 : 351 - 352 ، الخلع ،
المسألة 11 .
( 1 ) المبسوط 7 : 110 .
( 2 ) كشف اللثام 2 : 475 .
( 3 ) الشرائع 3 : 136 .
‹ هامش ص 158 ›
( 1 ) التذكرة 2 : 488 .
( 2 ) الجواهر 34 : 368 .
( 1 ) المسالك 2 : 489 .
( 2 ) المبسوط 7 : 111 .
‹ هامش ص 159 ›
( 1 ) المسالك 2 : 488 .
( 2 ) الجواهر 43 : 430 .
( 3 ) المسالك 1 : 253 .