إبراء
لغة :
من برئ أي تنزه وتباعد وتخلص ،
فيكون الإبراء هو التخليص ( 1 ) سواء كان
من الدين أو غيره من الحقوق .
اصطلاحا :
يتوقف بيان تعريف الإبراء
اصطلاحا على بيان أنه هل هو إسقاط لما
في ذمة الغير أو تمليك له ؟ والمعروف بين
فقهاء الإمامية أنه إسقاط لا تمليك ، وقد
جاء التعبير بالإسقاط في عبارات كثير
من الفقهاء كالشيخ ( 2 ) والمحقق الحلي ( 3 )
والعلامة الحلي ( 4 ) وولده ( 5 ) والمحقق
الثاني ( 1 ) والشهيد الثاني ( 2 ) والمحقق
السبزواري ( 3 ) وصاحب الحدائق ( 4 )
وصاحب مفتاح الكرامة ( 5 ) ، وصاحب
الجواهر ( 6 ) وبعض من تأخر عنه .
ومن التعاريف المذكورة للإبراء هو
تعريف الشهيد له بأنه : " إسقاط ما في
ذمة الغير من الحق " ( 7 ) .
ويشهد بكون الإبراء إسقاطا قوله
تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما
فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده
عقدة النكاح . . ) ( 8 ) حيث عبر عن
الإبراء بالعفو .
ماهية الإبراء :
هل الإبراء عقد أو إيقاع ؟
المشهور بين فقهاء الإمامية هو : أن
‹ صفحة 154 ›
الإبراء إيقاع لا يحتاج إلى قبول ، ولكن
يظهر من كلمات بعضهم احتياجه إليه ، أو
الترديد فيه على الأقل ، فالأقوال - إذن -
ثلاثة :
الأول - أنه عقد فيحتاج إلى القبول
وهذا رأي ابن زهرة وابن إدريس
والكيدري ، ومستندهم - في ذلك - هو : أن
في الإبراء منة على المبرأ ، فلا بد من قبوله
لذلك .
قال الأول : " وإذا وهب ما يستحقه
في الذمة كان ذلك إبراء بلفظ الهبة ، ويعتبر
قبول من عليه الحق ، لأنه في إبرائه منة
عليه ولا يجبر على قبول المنة " ( 1 ) .
وقال الثاني : " وهل من شروط
صحة الإبراء قبول المبرأ أم لا ؟ قال قوم
من شرط صحته قبوله فلا يصح حتى
يقبل ، وما لم يقبل فالحق ثابت بحاله ، وهو
الذي نختاره ونقول به . . . " ( 2 ) . ثم ذكر
مسألة المنة .
وقال الثالث في إصباح الشيعة :
" إذا كان له في ذمة رجل مال فوهبه له
كان ذلك إبراء بلفظ الهبة ، ومن شرط
صحته قبول الموهوب له فإن لم يقبل لم
يصح " ( 1 ) .
الثاني - أنه إيقاع : وهذا هو الرأي
المشهور وقد نسبه في مفتاح الكرامة إلى
كثيرين ، فقال : " وأما إنه لا يشترط في
الإبراء القبول فهو خيرة الجامع والشرائع
والتذكرة والتحرير والإرشاد والمختلف
والإيضاح واللمعة وجامع المقاصد
والروض والمسالك والروضة والمفاتيح ،
وفي المسالك : أنه مذهب الأكثر ، وفيه
- أيضا - وفي الكفاية : أنه الأشهر " ( 2 ) .
وقال في الجواهر : " ولا يشترط في
الإبراء القبول وفاقا للأكثر بل المشهور
خلافا للمحكي عن الغنية
والسرائر . . . " ( 3 ) .
الثالث - الترديد فيه : ويظهر ذلك
من الشيخ في المبسوط والراوندي في فقه
القرآن .
قال الأول : " وهل من شروط
صحة الإبراء قبول المبرأ أم لا ؟ قال قوم :
من شرط صحته قبوله ، ولا يصح حتى
‹ صفحة 155 ›
يقبل ، وما لم يقبل فالحق ثابت بحاله ، وهو
الذي يقوى في نفسي ، لأن في إبرائه إياه
من الحق الذي له عليه منة عليه ولا يجبر
على قبول المنة . . . " إلى أن قال : " وقال
قوم : إنه يصح شاء من عليه الحق أو أبى ،
لقوله تعالى : ( فنظرة إلى ميسرة وأن
تصدقوا خير لكم ) ( 1 ) فاعتبر مجرد الصدقة
ولم يعتبر القبول ، وقال تعالى : ( . . . أو
دية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ) ( 2 )
فأسقط الدية بمجرد التصدق ولم يعتبر
القبول ، والتصدق في هذا الموضع الإبراء ،
وهذا قوي " ( 3 ) .
وقال الثاني : " إذا كان للإنسان في
ذمة رجل مال فوهبه له كان ذلك إبراء
بلفظ الهبة ، وقال قوم : من شرط صحته
قبوله وهذا حسن . . . " ثم ذكر مسألة
المنة ثم قال : " وقال آخرون : إنه يصح
شاء من عليه الحق أو أبى . . . " إلى أن
قال : " وهذا أيضا قول قوي " ( 4 ) ولم يرجح
أحد الطرفين كصاحبه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 153 ›
( 1 ) لسان العرب : " برئ " .
( 2 ) المبسوط 2 : 403 .
( 3 ) الشرائع 2 : 188 .
( 4 ) القواعد 1 : 274 .
( 5 ) إيضاح القواعد 2 : 411 .
( 1 ) جامع المقاصد 5 : 412 .
( 2 ) الروضة البهية 3 : 193 .
( 3 ) الكفاية : 84 .
( 4 ) الحدائق 22 : 309 .
( 5 ) مفتاح الكرامة 5 : 381 .
( 6 ) الجواهر 28 : 163 .
( 7 ) الروضة البهية 3 : 193 .
( 8 ) البقرة : 237 .
‹ هامش ص 154 ›
( 1 ) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 603 .
( 2 ) السرائر 3 : 176 .
( 1 ) الينابيع الفقهية 12 : 204 .
( 2 ) مفتاح الكرامة 9 : 158 .
( 3 ) الجواهر 28 : 163 .
‹ هامش ص 155 ›
( 1 ) البقرة : 280 .
( 2 ) النساء : 92 .
( 3 ) المبسوط 3 : 314 .
( 4 ) فقه القرآن 2 : 295 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .