مواقف واراء
العنوان:
[ مواقف واراء ]
عبد الله بن سبا - السيد مرتضى العسكري - ج 1 - ص 148 – 157
رأي معاوية بن أبي سفيان : قال معاوية في كتابه له ( 5 ) إلى محمد بن أبي بكر : ‹ صفحة 152 › " فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا مبرورا علينا ، فلما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده وأتم له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجته ، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه ، كان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على أمره .
على ذلك اتفقا واتسقا ، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم ، ثم إنه بايع لهما وسلم لهما وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضهما الله . . .
فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله ، فعب أباك بما بدا لك ، أودع ذلك والسلام على من أناب " .
موقف خالد بن سعيد الأموي ( 1 ) : كان عاملا لرسول الله على صنعاء اليمن ( فلما مات رسول الله رجع ‹ صفحة 153 › هو وأخواه أبان وعمر عن عمالتهم ، فقال أبو بكر : ما لكم رجعتم عن عمالتكم ؟ ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله ( ص ) ، ارجعوا إلى أعمالكم . فقالوا : نحن بنو أحيحة لا نعمل لاحد بعد رسول الله ) ( 1 ) .
وتأخر خالد وأخوه أبان عن بيعة أبي بكر ، فقال لبني هاشم : إنكم لطوال الشجر طيبوا الثمر نحن تبع لكم ( 2 ) .
و ( تربص ببيعته شهرين يقول : قد أمرني رسول الله ( ص ) ثم لم يعزلني حتى قبضه الله ، ولقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، فقال : يا بني عبد مناف لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم ، فأما أبو بكر فلم يحفل بها عليه ، وأما عمر فأضغنها عليه ) ( 3 ) . ( وأتى عليا ، فقال : هلم أبايعك فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك ) ( 4 ) ، ( فلما بايع بنو هاشم أبا بكر بايعه خالد ) ( 5 ) .
( ثم بعث أبو بكر الجنود إلى الشام وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد ، فأخذ عمر يقول : أتؤمره وقد صنع ما صنع وقال ما قال ؟ ! فلم يزل بأبي بكر حتى عزله ، وأمر يزيد بن أبي سفيان ) ( 6 ) .
‹ صفحة 154 ›
موقف سعد بن عبادة بعد البيعة ( 1 ) :
ذكروا ( 2 ) ( أن سعدا ترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع ، فقد بايع الناس وبايع قومك ، فقال :
أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل ، وأيم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الانس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي واعلم ما حسابي ) .
فلما أتي أبو بكر بذلك ، قال عمر : لا تدعه حتى يبايع . فقال له بشير بن سعد : إنه قد لج وأبى ، وليس بمبايعكم حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته ، فاتركوه فليس تركه بضاركم ، إنما هو رجل واحد .
فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدا لهم منه ، ‹ صفحة 155 › فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجتمع معهم ولا يحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم . . . الخ ( فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر ) ( 1 ) .
و ( لما ولي عمر الخلافة لقيه في بعض طرق المدينة .
فقال له : إيه يا سعد ؟
فقال له : إيه يا عمر ؟
فقال له عمر : أنت صاحب المقالة ؟
قال سعد : نعم أنا ذلك ، وقد أفضى إليك هذا الامر .
كان والله صاحبك أحب إلينا منك وقد أصبحت والله كارها لجوارك . فقال عمر : من كره جوار جار تحول عنه .
فقال سعد : أما إني غير مستنسئ بذلك وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك ، فلم يلبث إلا قليلا حتى خرج إلى الشام في أول خلافة عمر . . . الخ ( 2 ) .
وفي رواية البلاذري : ( أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلا ، وقال : ادعه إلى البيعة واحتل له فإن أبى فاستعن الله عليه ، فقدم الرجل الشام فوجد سعدا في حائط بحوارين ( 3 ) فدعاه إلى البيعة . ‹ صفحة 156 ›
فقال : لا أبايع قرشيا أبدا . قال : فإني أقاتلك .
قال : وإن قاتلتني . قال : أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة ؟ قال : أما من البيعة فإني خارج . فرماه بسهم فقتله ) ( 1 ) .
وفي تبصرة العوام : أنهم أرسلوا محمد بن مسلمة الأنصاري فرماه بسهم . وقيل إن خالدا كان في الشام يومذاك فأعانه على ذلك ( 2 ) .
قال المسعودي : " وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع فصار إلى الشام فقتل هناك سنة 15 ه " ( 3 ) . وفي رواية ابن عبد ربه : " رمي سعد بن عبادة بسهم فوجد دفينا في جسده فمات ، فبكته الجن فقالت :
وقتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده ( 4 ) " .
وروى ابن سعد : ( 5 ) " أنه جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته ووجدوه قد اخضر جلده " . ‹ صفحة 157 ›
وفي أسد الغابة ( 1 ) : " لم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر ، وسار إلى الشام فأقام بحوارين إلى أن مات سنة 15 ه ، ولم يختلفوا في أنه وجد ميتا على مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول من بئر ولا يرون أحدا " .
هكذا انتهت حياة سعد بن عبادة ، ولما كان قتل سعد بن عبادة من الحوادث التي كره المؤرخون وقوعها أغفل جمع منهم ذكرها ( 2 ) وأهمل قسم منهم بيان كيفيتها ونسبوها إلى الجن ( 3 ) . غير أنهم لم يكشفوا عن منشأ العداء بين الجن وسعد بن عبادة ، ولماذا فوقت سهمها إلى فؤاد سعد دون سائر الصحابة ، فلو أنهم أكملوا الأسطورة وقالوا : إن صلحاء الجن كرهت امتناع سعد عن البيعة فرمته بسهمين فما أخطأ فؤاده لكانت اسطورتهم تامة .
من روى أن سعدا لم يبايع :
( 1 ) ابن سعد في الطبقات .
( 2 ) ابن جرير في تاريخه .
( 3 ) البلاذري في ج 1 من أنسابه .
( 4 ) ابن عبد البر في الاستيعاب .
( 5 ) ابن عبد ربه في العقد الفريد .
( 6 ) ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في ج 1 .
( 7 ) المسعودي في مروج الذهب .
( 8 ) ابن حجر العسقلاني في الإصابة 2 / 28 .
( 9 ) محب الدين الطبري في الرياض النضرة 1 / 168 .
( 10 ) أسد الغابة 3 / ‹ صفحة 158 › 222 .
( 11 ) تاريخ الخميس .
( 12 ) علي بن برهان الدين في السيرة الحلبية 3 / 396 و 397 .
( 13 ) أبو بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد عنه .
النعمان بن عجلان ورأيه ( 1 ) :
قال النعمان بن عجلان قصيدة في جواب أبيات عمرو بن العاص في قصة السقيفة منها هذه الأبيات :
وقلتم حرام نصب سعد ونصبكم * عتيق بن عثمان حلال أبا بكر
‹ صفحة 159 ›
وأهل أبو بكر لها خير قائم * وإن عليا كان أخلق بالامر
وكان هوانا في علي وإنه * لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى * وينهى عن الفحشاء والبغي والنكر وصي النبي المصطفى وابن عمه * وقاتل فرسان الضلالة والكفر
وهذا بحمد الله يهدي من العمى * ويفتح آذانا ثقلن من الوقر
نجي رسول الله في الغار وحده * وصاحبه الصديق في سالف الدهر
فلولا اتقاء الله لم تذهبوا بها * ولكن هذا الخير أجمع للصبر
موقف عمر ورأيه :
لقد مر بيان موقف عمر من بيعة أبي بكر ، أما رأيه فيها فقد قال : " إنه قد بلغني أن فلانا قال :
والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرءا أن يقول :
إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها " ( 1 )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
( 5 ) المسعودي في مروجه 2 / 60 . وابن ظهير في محاسن مصر والقاهرة مع اختلاف في اللفظ . راجع ص 265 من الغدير لصاحب العبقات السيد مير حامد حسين . وقد رواه كل من نصر بن مزاحم 135 - 136 ط القاهرة 1365 وفي شرح النهج 2 / 65 و 1 / 284 مع اختلاف في بعض ألفاظه .
‹ هامش ص 152 ›
( 1 ) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس . أسلم قديما فكان ثالثا أو رابعا وقيل كان خامسا ، وقال ابن قتيبة في المعارف ص 128 : ( أسلم قبل إسلام أبي بكر ) .
وكان ممن هاجر إلى الحبشة واستعمله رسول الله مع أخويه على صدقات مذحج واستعمله على صنعاء اليمن ، ثم رجعوا بعد وفاة النبي ثم مضوا جميعا إلى الشام فقتلوا هناك واستشهد خالد بإجنادين يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة 13 ه . الاستيعاب 1 / 398 - 400 والإصابة 1 / 406 ، وأسد الغابة 2 / 82 ، وراجع ابن أبي الحديد 6 / 13 و 16 .
‹ هامش ص 153 ›
( 1 ) المصادر المذكورة آنفا .
( 2 ) أسد الغابة 2 / 82 ، وابن أبي الحديد 2 / 135 . ط . المصرية الأولى .
( 3 ) الطبري ط . أوروبا 1 / 2079 ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 48 وفي أنساب الأشراف 1 / 588 ذكر أن خالد بن سعيد تأخر عن البيعة .
( 4 ) اليعقوبي 2 / 105 .
( 5 ) أسد الغابة 2 / 82 ، وراجع تفصيل ذلك في ابن أبي الحديد 1 / 135 نقلا عن سقيفة أبي بكر الجوهري .
( 6 ) الطبري 2 / 586 ، وفي ط أوروبا 1 / 2079 وتهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 48 . وفي أنساب الأشراف 1 / 588 ذكر أن خالد بن سعيد تأخر عن البيعة .
‹ هامش ص 154 ›
( 1 ) سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري ، شهد العقبة ومغازي رسول الله عدا بدر ، فإنه اختلف في أنه هل شهدها أم لم يشهدها ، كان جوادا سخيا وكانت راية الأنصار بيده يوم الفتح ، ولما نادى : ( اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة ) نزع رسول الله اللواء منه وأعطاه لابنه قيس ، ولم يبايع أبا بكر حتى قتل بسهمين في الشام سنة 15 ه ودفن بحوارين . نسبه في جمهرة ابن حزم ص 65 ، والاستيعاب 2 / 32 - 38 والإصابة 2 / 27 - 28 .
( 2 ) الطبري 3 / 459 ، وابن الأثير 2 / 126 أورد الرواية إلى : فاتركوه ، وكنز العمال 3 / 134 ، الحديث المرقم 2296 ، الإمامة والسياسة 1 / 10 ، والسيرة الحلبية 4 / 397 . بعده ( لا يسلم على من لقي منهم ) . والطبري ط أوروبا 1 / 1844 .
‹ هامش ص 155 ›
( 1 ) الرياض النضرة 1 / 168 مضافا إلى المصادر .
( 2 ) طبقات ابن سعد 3 ق 2 / 145 ، وابن عساكر 6 / 90 بترجمة سعد من تهذيبه وكنز العمال 3 / 134 ، برقم 2296 ، والحلبية 3 / 397 .
( 3 ) من قرى حلب معروفة . معجم البلدان .
‹ هامش ص 156 ›
( 1 ) أنساب الأشراف 1 / 589 ، العقد الفريد 3 / 64 - 65 باختلاف يسير .
( 2 ) تبصرة العوام ط المجلس بطهران ص 32 .
( 3 ) في مروج الذهب 1 / 414 و 2 / 194 .
( 4 ) العقد الفريد 3 / 64 - 65 .
( 5 ) في الطبقات 3 ق 2 / 145 وابن قتيبة الدينوري في المعارف ص 113 .
‹ هامش ص 157 ›
( 1 ) في ترجمة سعد ، والاستيعاب 2 / 37 .
( 2 ) كابن جرير وابن كثير وابن الأثير في تواريخهم .
( 3 ) كمحب الدين الطبري في الرياض النضرة ، وابن عبد البر في الاستيعاب .
‹ هامش ص 158 ›
( 1 ) النعمان بن عجلان الزرقي الأنصاري لسان الأنصار وشاعرهم استعمله علي على البحرين ، ترجمته في الاستيعاب . ط . حيدر آباد 1 / 298 رقم 1323 ، وأسد الغابة 5 / 26 والإصابة 3 / 532 ونسبه في الجمهرة ص 327 - 338 ، والاشتقاق ص 461 والأبيات عن كتاب الموفقيات للزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل 6 / 31 . وجاء ابن عبد البر بعده فأورد القصيدة بترجمته من الاستيعاب غير أنه حذف البيتين ( فذاك بعون الله . . . وصي النبي المصطفى . . . ) وأبقى بعدهما : ( وهذا بحمد الله يهدي . . . ) حذف فذاك . . . في نعت علي ، وأبقى وهذا في نعت أبي بكر ! وجاء ابن الأثير بعد ابن عبد البر فحذف في أسد الغابة 5 / 26 من القصيدة جميع هذه الأبيات التي فيها ذكر أمر الخلافة بعد أن قال :
( ومن شعره يذكر أيام الأنصار ويذكر الخلافة بعد النبي ) ثم أورد أبياته في أيام الأنصار فحسب ثم قال : وهي طويلة . وجاء ابن حجر بعده فقال في ترجمته : ( وهو القائل يفخر بقومه من أبيات ) ثم أورد أبياته في المفاخرة بأيام الأنصار ولم يذكر من أبيات هذه القصيدة ما فيه ذكر الخلافة . وهكذا كلما تأخر الزمن حذف العلماء من الروايات ما لم يرق لهم ذكره ، فابتعدنا عن فهم الواقع التاريخي .
‹ هامش ص 159 ›
( 1 ) لقد تخيرت اللفظ من سيرة ابن هشام 4 / 336 - 338 ، والبخاري كتاب الحدود باب رجم الحبلى من الزنا 4 / 119 ، و 120 وكنز العمال 3 / 139 الحديث 2326 وشرح النهج 2 / 3 باختلاف يسير . وراجع بقية مصادره في ص 131 - 139 ( التحصن بدار فاطمة ) وذكر اليعقوبي من كلام عمر قوله كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه " وفي أنساب الأشراف ج 1 عين المعزوم على بيعته من كان . فقد روى في ص 581 أن عمر قال بلغني أن الزبير قال وقد مات عمر بايعنا عليا . . ) الحديث وفي حديثه بصفحة 583 - 584 أن فلانا وفلانا قالا لو قد مات عمر بايعنا عليا . . . فمن بايع رجلا على غير مشورة فإنهما أهل أن يقتلا وإني أقسم بالله ليكفن الرجال أو ليقطعن أيديهم وأرجلهم وليصلبن في جذوع النخل . . . ) الحديث .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|