ابن عباس والحرورية
[ مناظرة اخري لابن عباس مع الحرورية ]
المناظرة العاشرة
مناظرة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - مع الحرورية ( 1 )
قال عبد الله بن عباس :
لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف . فقلت لعلي - عليه السلام - :
يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر ، لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم . قال : إني أخاف عليك .
قلت :
كلا .
قال :
فقمت وخرجت ودخلت عليهم في نصف النهار وهم قائلون ، فسلمت عليهم .
فقالوا :
مرحبا بك يا بن عباس ، فما جاء بك ؟ ‹ صفحة 80 › قلت لهم :
أتيتكم من عند أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد ، لأبلغكم ما يقولون ، وأخبرهم بما تقولون .
قلت :
أخبروني ماذا نقمتم على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وابن عمه ؟
قالوا :
ثلاث .
قلت : ما هن ؟
قالوا :
أما إحداهن ، فإنه حكم الرجال في أمر الله ، وقال الله تعالى :
إن الحكم إلا لله ( 1 ) ، ما شأن الرجال والحكم ؟ !
فقلت :
هذه واحدة .
قالوا :
وأما الثانية ، فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فإن كانوا كفارا سلبهم ، وإن كانوا مؤمنين ما أحل قتالهم ( 2 ) .
قلت :
هذه اثنتان ، فما الثالثة ؟
قالوا :
إنه محى نفسه عن أمير المؤمنين ، فهو أمير الكافرين . قلت : هل عندكم شئ غير هذا ؟
قالوا :
حسبنا هذا .
قلت :
أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يرد قولكم ، أترضون ؟
قالوا :
نعم .
‹ صفحة 81 ›
قلت :
أما قولكم حكم الرجال في أمر الله ، فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم ، فأمر الله الرجال أن يحكموا فيه ، قال الله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم ( 1 ) الآية ، فأنشدتكم بالله تعالى :
أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل ؟
أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم ، وأنت تعلمون أن الله تعالى لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال ؟
قالوا :
بل هذا أفضل .
وفي المرأة وزوجها قال الله عز وجل :
وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ( 2 ) الآية ، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في امرأة ؟
أخرجت من هذه ؟
قالوا :
نعم .
قلت :
وأما قولكم :
قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أفتسبون أمكم عائشة ، وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها ، وهي أمكم ؟ فإن قلتم :
إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها ، فقد كفرتم ، ولأن قلتم :
ليست بأمنا ، فقد كفرتم ، لأن الله تعالى يقول :
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ( 3 ) .
فأنتم تدورون بين ضلالتين ، فأتوا منهما بمخرج ؟
قلت :
فخرجت من هذه ؟
‹ صفحة 82 ›
قالوا :
نعم .
وأما قولكم :
محى اسمه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون ، وأراكم قد سمعتم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الحديبية صالح المشركين ، فقال لعلي - عليه السلام - :
اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقال المشركون :
لا والله ، ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنك رسول الله لأطعناك ، فاكتب محمد بن عبد الله ، فقال رسول - الله صلى الله عليه وآله وسلم - : امح يا علي ( رسول الله ) اللهم إنك تعلم أني رسولك ، امح يا علي واكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله . فوالله لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خير من علي ، وقد محا نفسه ، ولم يكن محوه ذلك يمحاه من النبوة ؟ ( 1 ) .
خرجت من هذه ؟
قالوا :
نعم .
فرجع منهم ألفان ، وخرج سائرهم ، فقتلوا على ضلالتهم ، فقتلهم المهاجرون والأنصار ( 2 )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 79 ›
( 1 ) الحرورية : جماعة من الخوارج النواصب ، والنسبة لبلد قرب الكوفة على ميلين منها تسمى حروراء ، نزل بها هؤلاء بعد خروجهم على أمير المؤمنين علي - عليه السلام - حينما قبل بالتحكيم بينه وبين معاوية ، قيل لهم حينئذاك : أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء ، وقال شاعرهم : إذا الحرورية الحرى ركبوا * لا يستطيع لهم أمثالك الطلبا وقالوا يومها : لا حكم إلا لله ، فقال علي - عليه السلام - : كلمة حق أريد بها باطل . . . ) .
وسموا أيضا بالخوارج والمحكمة ، والسبب الذي له سموا خوارج : خروجهم على أمير المؤمنين - عليه السلام - ، والذي له سموا محكمة : إنكارهم الحكمين ، وقولهم لا حكم إلا لله . راجع : معجم الفرق الإسلامية لشريف الأمين ص 94 ، مقالات الإسلامين للأشعري ص 127 - 128 .
‹ هامش ص 80 ›
( 1 ) سورة الأنعام : الآية 57 .
( 2 ) المقصود من كانوا في حرب الجمل ، فإن أمير المؤمنين - عليه السلام - نهى عن قتل جريحهم وسبيهم وسلبهم واتباع مدبرهم .
‹ هامش ص 81 ›
( 1 ) سورة المائدة : الآية 95 .
( 2 ) سورة النساء : الآية 35 .
( 3 ) سورة الأحزاب : الآية 6 .
‹ هامش ص 82 ›
( 1 ) خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 150 - 152 ح 185 ، دلائل النبوة للبيهقي ج 4 ص 147 ، المناقب للخوارزمي ص 192 ح 231 ، الكامل في التاريخ ج 2 ص 204 ، شرح نهج البلاغة ج 2 ص 232 و ج 10 ص 258 ، الإرشاد للمفيد ص 63 ، مجمع البيان ج 5 ص 119 .
( 2 ) المصنف لعبد الرزاق ج 10 ص 157 - 160 ، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 2 ص 103 - 104 ، الحاكم في المستدرك ج 2 ص 150 ، مناقب ابن المغازلي ص 406 ح 460 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|