باقي كلمات ابن حجر والرد عليها
ومن العجائب التي تشهد بظهور الحق ، وسفور الصدق ، وبطلان الباطل وهون العاطل ، إن ابن حجر بنفسه ذكر في كتابه هذا أعني الإصابة في ترجمة عون بن جعفر إنه استشهد في تستر في خلافة عمر وهذه ألفاظه : عون بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي ابن عم النبي ( ص ) ولد بأرض الحبشة وقدم به أبوه في غزوة خيبر ، وأخرج النسائي وغيره من طريق محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال : لما قتل جعفر بن أبي طالب قال رسول الله ( ص ) ادعوا إلى بني أخي فجيئ بنا كأنا أفراخ فقال : أدعو إلى الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا ثم قال : أما محمد فشبيه عمنا أبو طالب ، وأما عون فشبيه خلقي وخلقي ثم أخذ بيدي فأمالها فقال : اللهم اخلف جعفر في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه .
وهذا سند صحيح أورده ابن مندة من هذا الوجه مختصر مقتصرا على قوله : إن النبي ( ص ) قال لعون : أشبهت خلقي وخلقي ، ولما أورده ابن الأثير في ترجمته قال : هذا إنما قاله النبي ( ص ) لأبيه جعفر ، فأومأ إلي أنه وهم وليس كما يظن بل الحديثان صحيحان وكل منهما معدود فيمن كان أشبه بالنبي ( ص ) ، واختلف في أي ولد جعفر ، محمد وعون كان أسن فأما عبد الله فكان أسن منهما ، وذكر موسى بن عقبة ، إن عبد الله ولد سنة اثنتين وقيل غير ذلك ، كما سبق في ترجمته ، وقال أبو عمر : استشهد عون بن جعفر في تستر وذلك في خلافة عمر وما له عقب ( 1 ) . ‹ صفحة 184 ›
انتهى كلام ابن حجر
ولله الحمد على إفحام الكاذب المائن بإلقام الحجر .
أما ما ذكره بقوله : وذكر الدارقطني في كتاب الأخوة إن عونا مات منها ، وتزوجها أخوه محمد ثم مات عنها فتزوجها أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده :
فليته لم يذكره لأنه مفضح لهولإمامه الدارقطني ، وذلك لأن محمد أخا عون أيضا استشهد بتستر على عهد عمر ولم يكن باقيا بعد عمر وبعد عون حتى يتزوج بأم كلثوم ( ع ) .
قال ابن قتيبة في كتاب المعارف : في ترجمة عون بن جعفر ما نصه ، وأما محمد بن جعفر فقتل بتستر أيضا ( 1 ) .
وقال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب : عون بن جعفر بن أبي طالب ، ولد على عهد رسول الله ( ص ) أمه وأم أخوته عبد الله ومحمد بن حعفر بن أبي طالب أسماء بنت عميس الخثعمية ، واستشهد عون بن جعفر وأخوه محمد بن جعفر بتستر ولا عقب له ( 2 ) .
انتهى .
أما قضية تزوج عبد الله بن جعفر بسيدتنا أم كلثوم ( ع ) التي ذكرها ابن حجر نقل عن الدارقطني فهي أبين فسادا وأوضح بطلانا من أن ينبه عليها ، وقد ذكرنا في باب رد كلام ابن سعد ما يستأصل شأنه هذا الكذب المبين ببيان واضح متين .
ومن العجائب إنا ذكرنا هناك ما يبطل تزوج عبد الله بن جعفر لسيدتنا أم كلثوم- ( ع ) بما ذكره ابن سعد بتفصيل في قضية موتها ، وأنت إذا راجعته يستبين لك وقاعة ابن حجر وغفلته الشديدة حيث لم يتنبه ببطلان كلام ابن سعد وفساده في هذا الباب ، ونقل عنه في هذا المقام ما نقل ميلا إلى البهت والكذاب .
أما ما ذكره ابن حجر بقوله : وذكر ابن سعد عن أنس بن عياض . . إلى ‹ صفحة 185 › آخره فهو من الأكاذيب الواضحة والبهتانات الفاضحة وقد تكلمنا عليه في باب رد كلام ابن سعد بالتفصيل الجميل وأظهرنا ما في سند هذا الخبر السقيم العليل ، ومتنه المهين الضئيل ، وجعلنا كيدا الكائدين في تضليل .
ومما يتعجب منه كل ناقد ذي بصر أن ابن حجر عمي عن كون أنسي بن عياض مقدوحا مجروحا مطعونا مفضوحا ، وقد ذكر ابن حجر بنفسه في التهذيب قدح أنس بن عياض عن مالك بن أنس صاحب المذهب المشهور ، وأيضا نقل قدحه عن أبي داود الحافظ المزيل بن المقبول والمهجور . وأعجب من ذلك كله ، أن ابن حجر قدذكر في التهذيب : إن ابن سعد الراوي لهذا الخبر الموضوع عن أنس بن عياض ، قد قدح بنفسه في أنس بن عياض هذا ، وقال فيه : إنه كان كثير الخظأ فما أدري كيف أجرئ ابن سعد أن يذكر هذا الكذب عن هذا الرجل الكثير الخطأ ، وكيف استحل ابن حجر أن يذكر هذا البهت الذي رواه ابن سعد عن هذا الخاطئ الذي هو أقر بكونه كثير الخطأ ، وكيف ساغ له أن يذكر هذا الخبر المصنوع ، والإفك الموضوع الذي اختلقه أنس بن عياض ، وينقله عن ابن سعد ، ويكفي أن ابن سعد قد قدح فيه بنفسه ، وذكر ابن حجر هذا القدح في التهذيب بنفسه مع قدح غيره من الأكابر في أنس بن عياض ، هل هذا إلا صنيع من دخل في غمار الجهل وخاض .
وإن أردت أن تقف على ما في متن هذا الخبر الموهون من المعائب والطعون فليرجع إلى ما ذكرنا في رد كلام ابن سعد من هذا الكتاب ، والله الهادي إلى منهج الرشاد ، ومهيع الصواب .
أما ما ذكره ابن حجر من خبر المهر المنقول عن عطاء الخراساني ، فهو أيضا من الأكاذيب التي نسبوها إلى الثاني ، وقد ذكرنا بطلانه سندا ومتنافي رد كلام ابن سعد في الباب المشار إليه آنفا . ومما يعجب كل خبير ذي نظر إن ابن حجر غض بصره عن سند هذا الخبر ، لأنه رواه ابن سعد في الطبقات عن وكيع بن الجراح عن هشام بن سعد عن عطاء ‹ صفحة 186 › الخراساني ، وكل من هؤلاء الثلاثة مطعون ، مجروح ، مثلوب ، مقدوح ،
وقد ذكر قوادح كل منهم ابن حجر نفسه في التهذيب ، وذلك منه أمر عجيب ، وقد تكلمنا عن هذا الخبر المكذوب سندا ومتنافي رد كلام ابن سعد بما فيه عبرة لأولي الألباب ، فراجعه بعون الملك الوهاب .
أما ما نقل ابن حجر في آخر كلامه عن ابن سعد من الخبرين في الصلاة على أم كلثوم ( ع ) نستقف على بطلانهما في باب مستقل عما قريب إنشاء الله تعالى ،
وتعلم فيه إن ما رواه ابن سعد في أمر الصلاة ، من الأخبار المختلفة المختلقة لا تصح منها خبر أصلا وكلها مقدوحة مجروحة وفيها من التناقض والتهافت ما لا يخفى على الناقد الخبير والمتأمل البصير ، وفي هذين الخبرين الذين نقلهما ابن حجر عن ابن سعد ، تضار واضح واختلاف لائح لا يخفى على اللبيب ، والله العاصم عن خدع المستهزئين بالمخروصات والأكاذيب .
وليكن هذا آخر الكلام على ما نسجه العسقلاني من الأباطيل المنحلة النظام ، ولقد استبان منه على أرباب البصر وأصحاب النظر سقوط ما بناه ابن حجر ، وما أوجب الهدم إلا تحت الحجز . توقيف وتنبيه لكل عاقل متنبه ، أنت إذا أحطت خبر بما بينا لك في هذه الأبواب من الرد على كبار علماء العامة ، تقدر على تكذيب كل ما أورده غيرهم من حشوية النواصب ولم نر إطالة الكلام بذكر هفواتهم ، وبيان سقطاتهم ، وكل من طالع ما ذكرناه من التحقيقات القادمات لزناد الحق ، والتدقيقات الموريات لشهب الصدق ، يعلم إن المتعصبين المشار إليهم لكاذبون ، فيما ذكروا ، وغادرون ، وكلما لفقوه من الأباطيل إنا على ذهاب به لقادرون ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 183 ›
( 1 ) الإصابة 3 : 44 .
‹ هامش ص 184 › ( 1 ) المعارف : 89 . ( 2 ) الإصابة 3 :
‹ هامش ص 186 ›
( 1 ) إن ابن حجر ومن لف لفهم من القابعين على موائد الأمويين والعباسيين ، بذكرهم هذه الأساطير الهزيلة ، يكشفون عن جهلهم المطبق ، وبغضهم الدفين للحق والحقيقة المتمثل في بيت العترة الطاهرة ( ع ) وشيعتهم الميامين الذين ساروا منذ اللحظة الأولى من وفاة النبي الأعظم ( ص ) على هدي إمامهم أمير المؤمنين عليه السلام ، ونهج أبنائه الذين سلم من صدقهم ، وهدي من أعتصم بهم ، ومن اتبعهم فالجنة مأواه ، ومن خالفهم فالنار مثواه ، ومن جحدهم كافر ، ومن حاربهم مشرك ، ومن رد عليهم فهو في أسفل درك من الجحيم
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|