رد قول ابن سعد حول انجاب ام كلثوم لغلام اسمه زيد من عمر
وأما ما ذكره وضع قصة تزوج عمر بأم كلثوم ( ع ) في آخر كلامه بقوله : فولدت له غلاما يقال له زيد ، فهو فرية بلا مرية ، وقد سبق من الأدلة الواضحة والبراهين اللائحة ما يدل على فساده وبطلانه وسيأتي في ما بعد إن شاء الله ، من الحقائق المبينة ، والمعارف الجلية ما يزيد في ظهور كساده وهوانه . رد كلام الزبير بن بكار الأسدي باب ، في بيان بطلان ما أورده الزبير بن بكار الأسدي المتوفى 256 سنة مائتين وست وخمسين ، في كتاب النسب ، من الأفك والزور على سيدتنا أم كلثوم ( ع )
وقد كفانا مؤنة ردة وأبطاله شيخنا الثقة الجليل وجه العصابة الإمامية ، وعين الفرقة الحقة الشيخ المفيد ( 1 ) طاب ثراه ، وجعل الجنة مثواه ، حيث قال في جواب بعض المسائل السردية ( 2 ) : أن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين علي ( ع ) ابنته من عمر ، غير ثابت وطريقه من الزبير بن بكار ، ولم يكن موثوقا به في النقل ، وكان متهمافيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين ( ع ) وغير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم .
وإنما الحديث أثبت ذكره أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذكر في كتابه فظن كثير من الناس أنه حق لرواية رجل علوي له ، وإنما رواه عن الزبير بن بكار ونفسه مختلفا فتارة يروي أن أمير المؤمنين ( ع ) تولى العقد له على ابنته ، وتارة يروي عن العباس أنه تولى ذلك عنه ، وتارة يروي أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروي أنه كان عن اختيار وإيثار .
ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولد أسماه زيد ، وبعضهم يقول : أن لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول : أنه وأمه قتلا ، ومنهم من يقول : أنه بقيت ‹ صفحة 157 › عنده ، ومنهم من يقول : أن عمر أمهر أم كلثوم أربعين إلف درهم ، ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم ، ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمائة درهم وبدون كثرة هذا الاختلاف يبطل هذا الحديث ولا يكون له تأثير على حال .
انتهى كلام الشيخ المفيد ، وهو بلا شك ولا ريب عند أهل التحقيق قول سديد ( 1 ) .
وها نحن نذكر بعض ما يؤيد كلام هذا الحبر الجليل خصه الله في غرفات الجنان بتحف الإكرام والتبجيل ، فنقول :
أن الزبير بن بكار قد قدح فيه الحافظ الكبير ، والناقد النحرير أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن عنبر السليماني ( 2 ) وذكره في كتاب الضعفاء كما أعترف به ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ، حيث قال في ترجمة الزبير بن بكار : وقال أحمد ابن علي السليماني في كتاب الضعفاء له كان منكر الحديث ، وهذا جرح مردود ولعله استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن الحسن بن زبالة ، وعمر بن أبي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة ، انتهى كلام العسقلاني ( 3 ) .
ولا يخفى على الناظر اللبيب الناقد الأديب ، إن كلام العسقلاني في حماية الزبير بن بكار ساقط عن درجة الاعتبار لوجهين :
1 - إن الحافظ السليماني أقدم عهدا وأجل قدرا من العسقلاني بمرات كثيرة ودرجات رفيعة ، فكيف جاز للعسقلاني أن يرد كلامه من غير دليل ، إن هذا إلا تسويل بين التضليل .
2 - إن العسقلاني قد أقر بسوء صنيع الزبير بين بكار واجترائه على الرواية عن الضعفاء بالإكثار والإصرار ، وهذا قدح بين قد تبين من كلام العسقلاني بأصرح ‹ صفحة 158 › الاعتراف والإقرار ولله الحمد حيث أجرى الحق على لسانه ، وأظهر الواقع ببيان . وها نحن نذكر بعض عبارات كتب القوم التي تكشف عن جلالة قدر الحافظ السليماني ليتبين لك أن قدح السليماني في الزبير بن بكار حقيق بالإذعان والقبول ، ولا يمكن أهل الأنصاف عنه بانحراف ولا عدول . قال السمعاني ( 1 ) في الأنساب : السليماني بضم السين وفتح اللام وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون ، هذه النسبة إلى سليمان وهو اسم لبعض أجداد المنتسب ، منهم أبوالفضل أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن عنبر السليماني الحافظ البيكندي من أهل بيكند ، وإنما قيل له السليماني انتسابا إلى جد أبي أمه أبي حامد أحمد بن سليمان البيكندي ، كانت له رحلة إلى الآفاق والكثرة والحفظ والإتقان ، ولم يكن له نظير في زمانه إسنادا وحفظا ورواية بالحديث وضبطا وأتقانا ، سمع محمد بن صابر بن كاتب ، وأبا نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي ، وأبا الحسين علي بن إسحاق بن البحري المادراني البصري ، وأبا العباس محمد بن يعقوب الأصم ، وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني ، وجماعة كثيرة من هذه الطبقة .
صنف التصانيف الكثيرة الكبيرة والصغيرة ، وكان يصنف كل أسبوع شيئا ويحمله إلى جامع بخارا من بيكند ( 2 ) ويحدث به ، روى عنه أبو العباس جعفر بن المعين النسفي ، وأبنه أبو ذر محمد بن جعفر وغيرهما ، ولد سنة إحدى عشرة وثلاثمائة - 311 - ومات في ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة - 404 ( 3 ) .
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : السليماني الحافظ المحدث المعمر أبو الفضل ‹ صفحة 159 › أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري شيخ ما وراء النهر ولد سنة 411 سمع محمد بن حمدويه المروزي ، فكان آخر من روى في الدنيا عنه وعن غيره . وسمع من علي بن سجنونة ، وعلي بن إبراهيم بن معاوية ، وأبي العباس الأصم النيسابوريين ، ومحمود بن إسحاق الخزاعي ، وصالح بن زهير ، ومحمد بن صابر بن كاتب البخاريين ، وعلي بن إسحاق المادراي البصري ، وعبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهاني والكبار ، وصنف وجمع وتقدم في الحديث ، ذكره ابن السمعاني في الأنساب . قال السليماني نسبة إلى جده لأمه أحمد بن سليمان البيكندي ، له التصانيف الكبار ، وكان يصنف في كل جمعة شيئا ثم يدخل من قرية بيكند إلى بخارا يحدث بما صنف ، روى عنه الحافظ جعفر بن محمد المستغفري ، وولده أبو ذر محمد بن جعفر ، وجماعة بتلك الديار ، إلى أن قال : وتوفي في ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة - 404 - وله ثلاث وتسعون سنة وقفت له على تأليف في أسماء الرجال ، وعلقت منه ( 1 ) .
وقال الذهبي في كتابه المسمى - العبر - سنة 404 توفي أبو الفضل السليماني الحافظ وهو أحمد بن علي بن عمر البيكندي البخاري ، محدث تلك الديار طوف وسمع الكثير ، وحدث عن علي بن إسحاق الماداري ، والأصم وطبقتهما ، وجمع وصنف ، وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة ، انتهى ( 2 ) .
ومن فوادح الزبير بن بكار من أتباع ظلمة بني العباس وقضاتهم ، وعداوتهم وشحناؤهم لبني هاشم أظهر من الشمس ، وأبين من الأمس ، وكون الزبير بن بكار مغمورا بأموالهم وصلاتهم وجوائزهم وعطاياهم أمر معروف مشهور لا ينكره منكر ، ذكر الحديث في تاريخ بغداد في ترجمة ، الزبير بن بكار بالمسند إلى حجظة قال : كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر فأستأذن عليه للزبير ‹ صفحة 160 › بن بكار حين قدم من الحجاز ، فلما دخل عليه أكرمه وعظمه وقال له : لئن باعدت بيننا الأنساب لقد قربت بيننا الآداب ، وأن أمير المؤمنين ذكرك فاختارك لتأديب ولده ، وأمر بعشرة آلاف درهم ، وعشرة تخوت من الثياب ، وعشرة أبغل تحمل عليها رحلك إلى حضرته بسر من رأى ، فشكره على ذلك وقبله ( 1 ) .
وقال ياقوت الحموي ( 2 ) في معجم الأدباء : في ترجمة الزبير بن بكار ، حدث موسى بن هارون قال : كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ، فأستأذن عليه الزبير بين بكار فلما دخل عليه أكرمه وعظمه وقال له : إن باعدت بيننا الأنساب فقد قربت بيننا الآداب ، وأن أمير المؤمنين أمرني أن أدعوك وأقلدك القضاء ، فقال له الزبير بن بكار : أبعد ما بلغت هذه السن ورويت أن من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين أتولى القضاء ؟ فقال له : فتلحق بأمير المؤمنين بسر من رأى، فقال له : أفعل فأمر له بعشرة آلاف درهم ، ، وعشرة تخوت ثياب ، وظهر يحمله ويحمل ثقله إلى حضرة سر من رأى ، فلما أراد الانصراف قال له : إن رأيت يا أبا عبد الله أن تفيدنا شيئا نرويه عنك ونذكرك به ، إلى أن قال الحموي : ثم ولي الزبير بن بكار قضاء مكة ومات بها وهو قاض عليها ليلة الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة 256 ( 3 ) .
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة الزبير بن بكار ، قال جحظة : كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ، فأستأذن الزبير بن بكار حين جاء من الحجاز ، فدخل فأكرمه وعظمه وقال له : إن باعدت بيننا الأنساب لقد قربت بيننا الآداب ، وإن أمير المؤمنين أختارك لتأديب ولده وأمر لك بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت ثياب ، وعشرة أبغل تحمل عليها رحلك إلى حضرة سر ‹ صفحة 161 › من رأى ، فشكر ذلك وقبله . إلى أن قال ابن خلكان : وتوفي بمكة وهو قاض عليها ليلة الأحد لسبع وقيل لتسع ليالي بقين من ذي القعدة سنة 256 ، انتهى ( 1 ) . ومما يدل على قلة ضبط الزبير بن بكار وكثرة خطبه أنه أضطرب في ضبط بعض الوقائع المهمة اضطرابا شديدا أسقط قوله عن درجة الالتفات والاعتبار ، وأعترف من أهل السنة بعض الأحبار الكبار ، قال الحافظ بن عبد البر القرطبي في كتابه المسمى بالاستيعاب ، وفي ترجمة فاطمة الزهراء ( ع ) وقد أضطرب مصعب والزبير في بنات النبي ( ص ) أيتهن أكبر وأصغر اضطرابا يوجب أن لا يلتفت إليها في ذلك ، والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار ترتيب بنات رسول الله ( ص ) : أن زينب الأولى ، ثم الثانية رقية ، ثم الثالثة أم كلثوم ، ثم الرابعة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهن ( 2 ) .
وإذا دريت ذلك أيقنت بأن ما أتى به الزبير بكار في خبر تزويج سيدتنا أم كلثوم ( ع ) من كثير الاختلاف ، وشديد الاضطراب ، ليس ببعيد عن هذا المستهتر باللهو والكذاب .
.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
( 2 ) البيكندي البخاري المتوفى 404 ، محدث له أكثر من أربعمائة مصنف . طبقات الشافعية 3 : 17 . تذكرة الحفاظ 3 : 224 . اللباب 1 : 163 ، 557 . ( 3 ) تهذيب التهذيب 3 : 313 . ‹ هامش ص 158 ›
( 1 ) أبو سعد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن أبي المظفر المنصور بن أبي بكر محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي الشافعي المتوفى 562 . المنتظم 10 : 224 . تذكرة الحفاظ 4 : 107 . روضات 5 : 100 ، وفيات 3 : 209 . ( 2 ) معجم البلدان 1 : 533 .
‹ هامش ص 159 ›
( 1 ) تذكرة الحفاظ 3 : 1036 . ( 2 ) العبر 3 : 87 .
‹ هامش ص 160 › ( 1 ) تاريخ بغداد 8 : 469 . ( 2 ) ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي مات 622 . الغدير 1 : 119 . مرآة الجنان 4 : 59 . هدية العارفين 2 : 513 . مقدمة معجم الأدباء 1 : 18 . النجوم الزاهرة 8 : 187 . الشذرات 5 : 121 . المؤلفين 13 . 178 . ( 3 ) معجم الأدباء 11 : 162 .
‹ هامش ص 161 ›
( 1 ) وفيات الأعيان 2 : 311 . ( 2 ) الاستيعاب هامش الإصابة - 4 : 373 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|