مناقشات اخرى لابن سعد
مناقشات اخرى لابن سعد
أما نسبة هذه القصة الموضوعة إلى غير الواقدي كما قاله ابن سعد لا يطور به أحد فإنه نسبة إلى قائل مجهول لم يجترئ ابن سعد على تسميته ، فهو أما مثل الواقدي في كونه مقدوحا مجروحا أو أسوأ حالا منه غير قابل للذكر والتسمية .
أما ما أشتمل عليه هذه القصة المكذوبة فهو أظهر فسارا وأوضح بطلانا من أن يتكلم بنبذ عليه لأنها أولا اشتملت على اجتراء عظيم وأقدام مليم ، وهو تكذيب عمر ، عليا ( ع ) في اعتذاره وصغر سن أم كلثوم ( ع ) وعدم تصديقه ( ع ) مع ‹ صفحة 154 › إنه ( ع ) هو الصديق الأكبر بنص النبي ( ص ) ( 1 ) ، وعلى كونه ( ع ) مع الحق والحق معه ، ودوران الحق معه حيث ما دار ، وهذا مما يخرج عمر عن دائرة الإسلام ويولجه في ذرافة الكفرة اللئام .
ولقد حق في حق ابن سعد ومن تبعه في تصديق هذه الحكاية الفضيعة التي أورثت تخجيلا وتشهيرا قوله تعالى : فليضحكوا قليلا ، وليبكوا كثيرا ( 2 ) ،
ومن أعجب العجائب إن هذه الحكاية الموضوعة اشتملت على رد اعتذار علي ( ع ) بكلامه القبيح وأتى فيه في الأقسام الكاذبة واليمين الفاجرة المشتملة على لفظ الجلالة قائلا : إنك والله ما بك ذلك ، وهذه جرأة عظيمة ، وجسارة فخيمة ، وجريرة مزهمة ، وكبيرة موبقة ، وأشد من من ذلك إن عمر بعد تكذيبه لعلي ( ع ) بهذا القول الشنيع زاد جرأة على جرأة فقال : ولكن علمنا ما بك ، وهذا القول الشنيع عن قبول خطبة عمر ، والباعث على رده خائبا خاسرا كان غير ما أظهر علي ( ع ) ، وأن عمرا طلع على ما أضمره علي ( ع ) في نفسه ، وفي هذا القول أيضا تكذيب الإمام المعصوم ، أدعى علم الغيب المحجوب والاطلاع على ما في النفوس والقلوب ، وهو في هذا الخبر المكذوب من أكبر النقائص والعيوب .
ومما يورث العجب عن عمر يخبر عليا ( ع ) بما أخفاه هو في قلبه خوفا من عمر وعلمه عمر بصفاء ضميره وكشفه ، فليته بين الأمر المخفي في قلب علي عليه حتى يمكن لأوليائه وأعدائه يتميز الحق من الباطل ولا يبقى محل لتعارض الظنون من تعارك الأوهام .
ومن أعجب العجائب إن هذه القصة المكذوبة قد اشتملت على أمر فضيع بالغ من الفضاعة إلى أقصى الحدود وهو أمر علي ( ع ) بتزيين أم كلثوم ( ع ) وإرسالها مع بردها إلى عمر ، إلى آخر الحكاية الشنيعة التي حاكها الواقدي على هذا منوال النصب والعدوان ، فإن مضمونها مشحون بأنواع الأكاذيب المختلقات ، ‹ صفحة 155 ›
وأصناف الأباطيل والترهات .
وهذه القصة الشنعاء ، والفرية النكراء لو سمعها واحد من عوام الإسلام حتى أهل الحياكة وأمثالهم من الطغام لنفر عنها ومجها مسمعه ، ولو يقبلها لنفسه فضلا عن أمير المؤمنين ( ع ) ولو كلف رجل من سفلة الناس ورعاعهم أن يزوج ابنته على هذا الأسلوب المنكر الشنيع لأبى ولم يرضى بهذه الدنية .
ولعل واضع هذه القصة القبيحة أراد دفع العار وميط السنار عن إمامه أبي بكر فإنه قد أتى بابنته عائشة إلى النبي ( ص ) بعد وفاة خديجة ( ع ) ليتزوج بها النبي ( ص ) وجرى له مع النبي ( ص ) في هذا الباب ما يورث العجب العجاب ، وظهر من قلة حياء هذه التي بنته ما يخجل بذكره أولو الآداب . قال ولي الله الدهلوي ، في إزالة الخفاء : في مآثر أبي بكر ، إز نحمله أن است كه جون حضرت خديجة رضي الله عنها ، متوفى شد حضرت صديق حضرة عائشة رادر عقل آن حضرت ( ص ) آورد ودرآن باب أدبي كه بهتر ازآن صورت نه بندد رعايت نود ، حبيب مولى عروة قال : ماتت خديجة حزن عليها النبي ( ص ) فأتاه أبو بكر بعائشة فقال يا رسول الله ( ص ) هذه تذهب ببعض حزنك ، وأن في هذه خلفا من خديجة ثم ردها ، فكان رسول الله ( ص ) يختلف إلى أبي بكر ، الحديث أخرجه الحاكم .
وعن عائشة : قدمنا المدينة ، فذكرت القصة إلى أن قالت : قال أبو بكر ما يمنعك أن تبني بأهلك فقال رسول الله ( ص ) الصداق ، فأعطاه أبو بكر أثني عشر أوقية ونشا ، فبعث بها رسول الله ( ص ) إلينا وبنى لي رسول الله ( ص ) في بيتي هذا الذي أنا فيه ، أخرجه الحاكم ، وأبو عمر في الاستيعاب مثله ، إنتهى ما نقلناه عن إزالة الخفاء ( 1 ) .
وفيه من الشنائع والفضائع ما لا يخفي على أهل الجلف والجفاء . ‹ صفحة 156 ›
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 154 ›
( 1 ) الغدير 2 : 312 . الصواعق المحرقة : 74 . كفاية الطالب : 123 . فضائل الخمسة 2 : 87 - 9 . ( 2 ) سورة التوبة . ‹ هامش ص 155 › ( 1 ) إزالة الخفاء :
‹ هامش ص 156 ›
( 1 ) أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي المتوفى 413 . شيخ الطائفة ورئيس رؤوساء الملة ، فخر الشيعة ومحيي الشريعة انتهت إليه الرئاسة واتفق الكل على علمه وفضله وفقهه وعدالته وثقته وجلالته . ( 2 ) من تصانيف الشيخ كما جاء في معالم العلماء : 101 . هدية العارفين 2 : 62 . تبويب الذريعة 1 : 260 .
‹ هامش ص 157 ›
( 1 ) المسائل السروية : 266 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|